دراسات علمیة - 12 : مجلة نصف سنوية تعنى بالأبحاث التخصصية في الحوزة العلمية

هویة الکتاب

دراسات علمیة

مجلَّة نصف سنويَّة تُعنى بالأبحاث التَّخصّصيَّة في الحوزة العلميَّة

تصدر عن المدرسة العلميَّة (الآخوند الصغرى) في النَّجف الأشرف

العدد الثّاني عشر

صفر الخير 1439 ﻫ

ص: 1

اشارة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد 1614 لسنة 2011

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾

التوبة 122

ص: 3

الأسس المعتمدة للنشر

1. ترحّب المجلَّة بإسهامات الباحثين الأفاضل في مختلف المجالات التي تهمّ طالب الأبحاث العليا في الحوزة العلميّة, من الفقه والأُصول والرجال والحديث ونحوها.

2. يُشترط في المادّة المُراد نشرها أُمور:

أ. أنْ تكون مستوفية لأُصول البحث العلمي على مختلف المستويات (الفنيّة والعلميّة), من المنهجيّة والتوثيق ونحوهما.

ب. أنْ تكون الأبحاث مكتوبة بخطّ واضح أو (منضَّدة).

ت. أنْ توضع الهوامش في أسفل الصفحة.

أ. أنْ يتراوح حجم البحث بين (12) و(50) صفحة من القطع الوزيري بخطٍّ متوسّط الحجم, وما يزيد على ذلك يمكن جعله في حلقتين أو ثلاث - بحسب نظر المجلَّة - شريطة استلام البحث كاملاً، ويمكن للمجلّة في ما زاد عن ذلك أن تنشره مستقلّا ً مع نشر قسمٍ منه في بعض أعدادها.

ب. أنْ لا يكون البحث قد نُشر أو أُرسل للنشر في مكان آخر.

ت. أنْ يُذيَّلَ البحث بذكر المصادر التي اعتمدها الباحث.

1. يخضع البحث لمراجعة هيئة استشارية (علميَّة), ولا يُعاد إلى صاحبه سواء أنُشر أم لم يُنشر.

2. للمجلَّة حقّ إعادة نشر البحوث التي نشرتها.

3. يخضع ترتيب البحوث المنشورة في المجلَّة لاعتبارات فنّيّة لا علاقة لها بمكانة الكاتب أو أهميّة الموضوع.

4. ما يُنشر في المجلَّة لا يعدو كونه مطارحات علميّة صرفة, ولا يُعبّر بالضرورة عن رأي المجلَّة.

ص: 4

محتويات العدد

الافتتاحيّة

إدارة المجلّة................................................................................................. 7

نكاح ذات البعل /1

الشيخ علي سالم الناصري (دام عزه)....................................................................11

رباعيّة المسافر في المواضع الأربعة / 2

الشيخ جاسم الفهدي (دام عزه).............................................................................. 75

دراسات فقهيّة مقارنة بين قانون الأحوال الشّخصيّة العراقيّ ومشروع قانون الأحوال الشّخصيّة الجعفريّ: (الأحكام العامّة والزّواج أنموذجا) / 2

الشّيخ يحيى السّعداوي (دام عزه)............................................................................ 143

الشّهرة حجّة ومرجحاً وجابراً

الشّيخ حميد رمح الحلّيّ (دام عزه)............................................................................. 213

تصحيح الأسانيد بنظرية التّعويض

الشّيخ محمّد راتب (دام عزه)................................................................................... 283

تحقيق حال جابر الجعفي / 5

ص: 5

الشّيخ محمّد الجعفري (دام عزه).............................................................................. 361

أربع رسائل لأوّل مرّة تُنشر:

الأولى: (مسائل في حَجّ الوَدعيّ) للشهيد الأوَّل (ت 786ﻫ).

والثانية والثالثة: (ضابطة حلّيّة المأخوذ من الأرض المشكوك فتحها عنوة) و(المقدار اللّازم من المعرفة) للمحقّق الكركي (ت 940 ﻫ).

والرابعة: (في أحكام الصداق) للشيخ محيي الدين الميسيّ (كان حيّاً 974 ﻫ).

تحقيق: الشّيخ قاسم خضير الطائي(دام عزه)............................................................433

ص: 6

الافتتاحيّة

بسم الله الرحمن الرحیم

﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾

صدق الله العليّ العظيم.

تتوالى إصدارات المجلّة، وتتنوّع أفكار الباحثين واهتماماتهم، منطلقين - غالباً - من فلك الموضوعات المشهورة في البحوث العالية الدائرة في المراكز العلميّة المعروفة. وهذه البحوث وإنْ اصطبغت بالأسلوب والطرح الجديدين المبنيّين على طريقة تفاعل الباحث مع الموضوع ورؤيته في معالجته، وتنجح - بعض الأحيان - في فتح الباب أمام حلول معيّنة للمسألة المبحوثة، أو تقديم صورة أوضح من زاوية كانت بعيدة قبلها، إلّا أنّا لا زلنا نقتنص كلّ فرصة لبث الدعوة إلى تحريك الكتابة نحو تناول أوسع في طيف الموضوعات، والإقدام نحو طرح المسائل الأقرب لاهتمامات الإنسان المعاصر.

ولا شكّ في أنّ وجود أبحاث تعالج أزمة قانونيّة أو مشكلة اجتماعيّة في ضمن نطاق وعي الإنسان المعاصر بثقافته وارتكازاته العقلائيّة المثاليّة بصورة محترفة مستندة لأمّهات الأفكار الدّينيّة والقواعد التّشريعيّة، وعلى مستوى واعٍ من المسؤوليّة والصناعة الفقهيّة، يرفع - بلا تأمّل - من وثوق المختصّ بآليّاته التّشريعيّة، ويشدّ المثقّف المتابع والمتديّن الواعي إلى ثراء النهج التّشريعيّ في حلّ الأزمات وإيجاد الحلول المناسبة، من دون الخروج عن جوّ النّصوص وأهدافها البنائيّة، ومحكماتها المثاليّة، خصوصاً إذا وضع الباحثُ يدنا على فوائد ملموسة في المصالح الواقعيّة سعة ومضموناً تعجز عن رعايتها

ص: 7

القوانين والأحكام والرؤى الوضعيّة، أو تقصر عن مجاراة سعة ريعها إذا قورنت بها.

وبذلك يكون في الولوج بمسائل قد تبدو بعيدة الاتّصال بالمنهج التّشريعيّ في نتيجتها المتأمَّلة، انبلاجٌ لصبح جديد آخر بعد سُرى في التّنقيب والسّبر في مصادر التّشريع، وقدح زناد الفهم الأفضل لمفادات الشّارع الأقدس، خصوصاً مع تجدّد الزّمان، وتغيّر قوالب الأفهام، فإنّ جري الفقه وآلاته - ومنها الأصول - عبر الزّمان لا يتخلّف عن جري القرآن معه - الّذي وصفه به الإمام الباقر (علیه السلام) في الحديث المعروف الّذي أشار فيه (علیه السلام) إلى حقيقة أنّه لا ينبغي قصر تأويل آية ما من آياته على معنى خاصّ وموضوع وقتي - إذ الكل يجري مع الزمان، وللزمان نصيب في التّصوّر والتّصديق لمفادات الأدلّة، سعة وضيقاً وعمقاً، لا يبطل ما مضى منه، ويستجدّ في حاضره ما غاب عن سابقه.

ومن أجل بلورة الهدف المنشود - وهو الارتقاء بمستوى الكتابة موضوعاً وأسلوباً - رعت المجلّة برنامجاً تطويريّاً في جانب كتابة البحوث وإنضاجها وإخراجها مؤهّلة للنشر، وأثمرت دورات ذلك البرنامج تنامي رغبة الرّوّاد في تبنّي طريق الكتابة، فكشفت لبعضهم عن قدرات فيهم لم تكن تبلورت بعد، وكانت تنتظر التحفيز والصقل، وانفرجت من حلقات البرنامج أُولى الثمرات من أكمامها، فطالعتنا ببحث في هذا العدد، وننتظر تفتّح المزيد.

ثمّ إنّ القارئ اللّبيب يجد في هذا العدد دراسات متعدّدة في بعض الموضوعات المشهورة:

منها المسألة الّتي تُسبب للبعض الحرج الشّديد في حياته الاجتماعية بسبب الجهل بالأسباب الموضوعيّة المؤدّية لطروّ حرمة ما كان محلّلاً بأصله - وهو الزواج - لولا تبيّن أنّها على ذمّة رجل آخر فيؤدّي ذلك للحرمة الأبديّة للعلقة الثّانية، فإذا أضيف إليها

ص: 8

اكتشاف ذلك في وقت متأخّر بعد تكوين الأسرة فلك أن تتخيّل المأساة الّتي وصفها الباحث في ديباجة بحثه.

كما نجد الحلقة الأُخرى من دراسات فقهيّة تحليليّة مقارنة بين بعض شؤون قانون الأحوال الشّخصيّة العراقي ومشروع قانون الأحوال الشّخصيّة الجعفريّ.

ونمرُّ أيضاً ببحث فقهي آخر هو تتمّة لما كان قد صدر في العدد السابق من مسألة التخيير بين الإتمام والقصر في مواطن خاصّة وردت في بعض الروايات لشرافة تلك الأمكنة المعروفة، وفي هذه الحلقة يطالعنا الباحث ببيان حدود هذه الأماكن الأربعة، وهل يمكن إلحاق سائر مشاهد الأئمّة المعصومين (علیهم السلام) بها أم لا؟

ثمّ إنّ لأصول الفقه ركناً مهمّاً في المجلّة تمثّل في مسألة أصوليّة مهمّة، يضعف الاعتماد على حجّيتها بمرور الزّمن - ولو من طبقة معيّنة من الفقهاء والباحثين - وهي مسألة صلاحيّة الشهرة الفتوائيّة أو الروائيّة في كونها حجّة ومرجّحاً وجابراً.

ولم يخلُ هذا العدد أيضاً من الأبحاث الرّجاليّة الّتي تعتبر منقّحاً مهمّاً للتراث الروائي،ومبضعاً يزداد دقّة في الفصل بين ما لا يصحّ الاعتماد عليه، وما يمكن دعمه فنّيّاً وعلميّاً ليكون حجّة للفقيه ومعذّراً له في آن واحد.

والمطروح في هذا المجال بحثان:

الأوّل: نظرية التعويض وجدواها في تصحيح الأسانيد المجهولة والضعيفة، حيث سعى الباحث - بعد متابعة بداياتها وإرهاصاتها في كلمات الأعلام (رضوان الله تعالی علیه) إلى أن تبلورت بهذا العنوان - لجمع شتات ما ذكره الأعلام وتبويبها وعرضها ومحاولة تقعيدها بشكل ينتفع به مريدو العلم وبغاته.

الآخر: الحلقة الأخيرة من تحقيق حال التابعي المعروف جابر بن يزيد الجعفي، وتناول البحث مشايخه وتلامذته في المدرستين.

ص: 9

وأخيراً - وكما في كلّ عدد - نختتمه بما يتيسّر من المخطوطات بعد تحليتها وإبرازها بحُلّة التّحقيق وإخراجها لنور النشر والقراءة، وهذه المرّة توفّرنا على أربع مخطوطات مختصرة نفيسة، الأولى في حجّ الودعي للشهيد الأوّل الشّيخ محمّد بن مكي العامليّ (رحمة الله). والثّانية في حكم قرية من استراباد والأرض المفتوحة، والثالثة في المقدار اللازم من المعرفة، وكلاهما للشيخ علي ابن عبد العالي الكركي المعروف بالمحقّق الثاني (رحمة الله). والأخيرة في أحكام الصداق للشيخ محيي الدين بن أحمد بن تاج الدين الميسي (رحمة الله). وجميع هذه الرسائل لم ترَ النور من قبل.

وفي الختام نتقدّم بالشكر الجزيل إلى كلّ من يمدّ هذا الكيان بالعون والمشورة، ونخصّ بالذكر اللّجنة العلميّة المشرفة على البحوث، التي بفضلها أمكن لهذه المجلّة أن تُعَدّ في عداد المجلات المُحَكّمة في اختصاصها حوزيّاً، ونشكر أيضاً الباحثين الكرام الّذين رفدوا المجلّة بأبحاثهم، ونرغب إليهم في المزيد خدمة للعلم وسابقة لهم أيضاً، ونهيب بمن يصله صوتنا ولوج هذا المضمار، فالمجال مفتوح للجميع مادام مراعياً للضوابط العامّة والخاصّة في هذا المشروع. كما نشكر كلّ الواقفين خلف استمرار المجلّة في الظهور والصدور الّذين يحرصون على أن تكون أقرب إلى درجات الإتقان، ويعملون جاهدين على سلامتها من العيوب، غير أنّ القارئ والمتابع إذا وجد نقصاً أو عيباً فظنّنا به التماس العُذر لنا، فإنّ العصمة لأهلها، وما توفيقنا إلّا بالله العليّ العظيم.

إدارة المجلّة

25 صفر الخير 1439 ﻫ

ص: 10

نکاح ذات البعل (الحلقة الأولى) - الشيخ علي سالم الناصري (دام عزه)

اشارة

ربَّما غمرت السعادة امرأة تعيش في كنف زوجٍ يرعاها وهي قريرة العين بذرّية تحنو عليهم، وتجد في غدوّهم ورواحهم عليها ما ينسيها تبعات ماضٍ طوت صفحاته، لكنّه لم يتركها ليطلّ عليها بشبحه، فالعلاقة بالزوج السابق التي ظنّت أنَّ عراها تقصَّمت وأنَّ أسبابها قد تقطَّعت لم يكن الأمر فيها كما حسبته، وعادت عليها بما لا يرجى، وتسبّبت بحرمتها على الرجل الثاني وإلى الأبد.

هذا الوصف أثر لمسألة فقهيّة مشهورة، وهي الحرمة المؤبَّدة بين الرجل والمرأة إذا كان زواجهما قد تمّ في حال بقاء زوجية المرأة لرجل سابق.

وهذا البحث أُعد لتلمّس مفاتيح للحلّ من خلال إعادة النظر في أدلّة المسألة.

ص: 11

ص: 12

المقدّمة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربِّ العالمين والصّلاة والسّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمّد وعلى آل بيته الطّيّبين الطّاهرين.

أمّا بعد، فإنّ من المسائل الابتلائيّة أن تتزوّج المرأة من رجل مع جهلهما بأنّها لا تزال في ذمّة زوجٍ سابق واقعاً، إمّا لعدم صحّة طلاقها منه، أو لمراجعته لها في العدّة مع عدم علمها بذلك، أو لغيابه وقيام الدليل على موته، أو طلاقه لها ثمّ يتبيّن خطأ الدليل، ونحوها من الأسباب، وقد أفتى مشهور مَنْ تعرّض صريحاً لهذه المسألة بحرمة الارتباط بالرجل الثاني مؤبّداً حتى بعد تصحيح انفصالها من الأوّل شرعاً، وهو ما قد لا يسهل العمل به.

ومن الجلي أنّه إذا ثبت الحكم فليس للعبد إلّا الطاعة، ولكن هل يمكن إيجاد مخرج فقهي لنفي تلك الحرمة الأبديّة على الرجل الثاني بمراجعة وتحليل ومناقشة أدلّة من قالوا بتلك الحرمة؟ هذه محاولة لذلك.

وهذه المسألة صورة من مجموعة صور تشترك معها في الأدلّة والتبويب في كلمات الفقهاء، لذا ناسب التعرّض لجميع تلك الصور، ووسم البحث بعنوان جامع.

ولمّا كان الهدف الإثارة العلميّة وليس لمن يطّلع على الكتابة أيّ منفعة ترجى في جزم الكاتب تركتُ بعض المطالب للتأمّل.

ص: 13

تمهيد

اشارة

خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان من جنسين جعل بينهما مودَّة ورحمة، وسنَّ في التكاثر ممارسة وفَّر لها من دواعي الغريزة ما يؤمّن حصولها، والإنسان وإنّ سُلِّح بالعقل وفُطِرَ على الاجتماع إلَّا أنّ غريزته قد تذهب به بعيداً عن مصالح نوعه. ومن هنا مسَّت الحاجة إلى تشريعات تنظّم حياته على جميع الأصعدة وفي مختلف ميادين الحياة، ومن أهم تلك التشريعات ما يصاغ به نظام الأسرة.

والتشريعات عموماً منها ما يكون جزائيّاً، ومنها غير ذلك. كما أنّ الجزائيّة منها قد تأخذ شكلاً واضحاً في العقوبة، وقد لا تكون كذلك. ومن الأخير - على قولٍ - وجوب الحجّ من قابل على من قارب أهله قبل الوقوف في مزدلفة، ووجوب إعادة الصلاة على من لم يهتمّ بإزالة النجاسة عن ثوبه حتى صلّى به نسياناً.

ومن هنا ينفتح لنا احتمال كون الحرمة المؤبّدة في بعض صور نكاح ذات البعل - صورة علمهما بالحكم والموضوع - من هذا القبيل، وهذا ما يدفع باتّجاه عدم المؤاخذة على تقدير عدم التقصير منهما، ولعلّ فرض عدم التقصير يشكّل طيفاً واسعاً ممّا هو محطّ الاهتمام من صور مسألتنا، وهي صورة جهلهما بالموضوع.

ولا نريد بهذا الكلام تشخيص الحكم وإنّما محض توطئة، سائلين المولى أن يوفّقنا لذلك.

وسنفصّل الكلام في المقصد الأساس بعد الكلام في ثلاث نقاط:

الأولى: في حرمة التعريض بخطبة ذات البعل.

الثّانية: في الحرمة التكليفيّة لإجراء العقد عليها.

ص: 14

الثّالثة: في بطلان العقد عليها.

ثُمّ من بعده خاتمة نلخّص فيها النّتائج.

ص: 15

النّقطة الأولى: حرمة التّعريض بخطبة ذات البعل

صُرِّح في كلمات جماعة بحرمة التعريض بخطبة ذات البعل كالعلّامة في التحرير(1) والتذكرة(2) والقواعد(3)، بل ادّعى الشهيد الثاني في الروضة الاتّفاق عليه(4)، ونفى المحقّق الثاني في جامع المقاصد(5) الشبهة والخلاف عنه، وعلّل به حرمة التعريض بخطبة المعتدّة الرجعيّة، وصرّح السيّد صاحب الرياض(6)بالحرمة وعلّل بها الحرمة في ذات العدّة الرجعيّة، وورد التعليل في كلمات غير واحد، منهم: المحقّق في الشرائع(7)، والشهيد الثاني في الروضة(8)، وصاحب المدارك في نهاية المرام(9)، والجواد الكاظمي في مسالك الأفهام(10), والفاضل الهندي في كشف اللّثام(11).

أمّا الدليل فيمكن أن يستدلّ على الحرمة بقيام الإجماع عليها، فإنّه قد نقل سببه

ص: 16


1- تحرير الأحكام: 3/ 431.
2- تذكرة الفقهاء: 2/ 569.
3- قواعد الأحكام: 3/ 7.
4- الروضة البهية: 5/ 239.
5- جامع المقاصد: 12/ 49.
6- رياض المسائل: 10/ 266.
7- شرائع الإسلام: 2/ 526.
8- الروضة البهية: 5/ 239.
9- نهاية المرام: 1/213.
10- مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام: 3/ 316.
11- كشف اللثام: 7/ 31.

- وهو الاتّفاق - الشهيد الثاني في الروضة(1)، ونفى الخلاف - لو كفى سبباً - المحقّق الكركي في جامع المقاصد(2), وقال في الجواهر: (إجماعاً محكيّاً من غير واحدٍ إن لم يكن محصّلاً)(3). وقال السيّد صاحب الرياض: (إجماعاً كما في الروضة)(4) وظاهره موافقته، لكنّه ليس بحجّة وحده, ولا يتيسّر تحصيل الإجماع لعدم وصول مصنّفات جماعة من المتقدّمين لكي تُعرف آراؤهم في المسألة.

وقد استدل على حرمة التعريض بخطبة ذات البعل في كلمات غير واحدٍ ب-:أنّ فيه الفساد(5).

ولكن لا يمكن الاعتماد على مثل هذا الكلام في إثبات الحرمة.

وأضاف في الجواهر أنّه منافٍ لحرمة العِرض الثابتة كحرمة الدم والمال.

لكن في شمول حرمة العِرض للتعريض بالخطبة تأمّل.

وقد يستدل عليها بالأولويّة، فيقال: قد ثبتت الحرمة في التعريض بالمعتدّة، والحرمة هنا أولى.

ص: 17


1- لاحظ: الروضة البهيّة: 5/ 239 وكلمة (اتّفاقاً) وإن كانت موجودة في طبعة جامعة النجف الدينية ضمن المعقوفتين إشارة إلى أنّها من اللمعة وليس من الروضة لكنّها غير موجودة في طبعة دار الفكر من اللمعة، وظاهر ما في الرياض (10/ 266) أنّها في الروضة حيث نسب الإجماع إلى الروضة.
2- جامع المقاصد: 12/ 49.
3- جواهر الكلام: 30/ 120.
4- رياض المسائل: 10/ 266.
5- جامع المقاصد: 12/ 49، الروضة البهيّة: 5/ 239، جواهر الكلام: 30/ 119. قال في الجواهر: (ومن إفساد الامرأة على زوجها الذي ربّما أدّى إلى سعيها بالتخلّص منه ولو بقتله بسم ونحوه كما وقع لجعيدة بنت الأشعث زوجة الحسن (علیه السلام) لمّا خطبها معاوية بن أبي سفيان لجروه يزيد).

فأمّا الحكم بحرمة التعريض بخطبة المعتدّة فقد ذهب إليه جماعة، منهم: المحقّق في المختصر(1)، والشرائع(2)، والعلّامة في الإرشاد(3)، وصاحب المدارك في نهاية المرام(4) وكثير ممّن تأخّر عنهم، بل نفى المحقّق السبزواري في الكفاية الخلاف عنه(5)، وكذا المجلسي في ملاذ الأخيار(6)، وادّعى السيّد صاحب الرياض الإجماع ظاهراً عليه(7).

وأمّا الأولويّة فيمكن أن يُقال إنّها واضحة؛ إذ العُلقة أشدّ.

ولكن لو تمّ دليل على حرمة التعريض في المعتدّة - وهو لا يتمّ؛ لأنّ الإجماع في الكلمات المتقدّمة غير كافٍ - ففي الأولويّة نظر.

وقد نقل العلّامة في التذكرة وجهين لحكمة الحرمة في الرجعيّة، فقال: (المقتضي للتحريم في الرجعيّة ما هو؟ فقال بعضهم: المقتضي أنّها بمعرض أن تراجع فقد تحملها الرغبة في المخاطب على أن تكذب في انقضاء العدّة دفعاً للرجعة, وقال بعضهم: المقتضي أنّها مجفوّة بالطلاق فعساها تكذب في انقضاء العدّة إذا وجدت راغباً مسارعةً إلى الانتقام من الزوج)(8).

ص: 18


1- المختصر النافع: 181.
2- شرائع الإسلام: 2/ 526.
3- إرشاد الأذهان: 2/ 31.
4- نهاية المرام: 1/214.
5- كفاية الأحكام: 2/ 160، قال: (لا أعرف خلافاً بين العلماء في أنّه لا يجوز التعريض بالخطبة لذات العدّة الرجعيّة من غير الزوج).
6- ملاذ الأخيار: 12/ 478.
7- رياض المسائل: 10/ 266.
8- تذكرة الفقهاء: 2/ 570.

وما ذُكر يفتح باباً للتأمّل بالأولويّة.

فالحاصل: أنّه إن حصل وثوق بالحرمة من الأقوال ونفي الخلاف ونقل الاتّفاق وما ذكر من وجوه فبها، وإلّا فلا دليل ينهض مستقلّا ً بالإثبات.

ونِعم ما أفاد المحقّق البحراني معلّقاً على تفصيلات القوم في التعريض بالخطبة والتصريح بها، حيث قال: (إلّا أنّك قد عرفت ما في أصل هذه الأحكام من عدم دليل واضح حتّى بالنسبة إلى التعريض، بل التصريح في العدّة الرجعيّة حيث إنّها زوجة، بل الزوجة فضلاً عن العدّة، فأيّ دليل دلّ على التحريم فإنّي لم أقف على نصّ يقتضيه، والتحريم حكم شرعي يترتّب عليه المؤاخذة والعقاب من الله سبحانه، وثبوت الفسق مع المخالفة، والحكم به من غير دليل مشكل. ومن الممكن أن يقال: إنّه لغو من القول لا أثر يترتّب عليه - إلى أن قال - نعم، اتّفاقهم على الحكم المذكور - كما يظهر من كلامهم - من أقوى المؤيّدات. وبالجملة فباب المناقشة غير مسدود)(1).

النّقطة الثّانية: حرمة إجراء العقد على ذات البعل تكليفاً

اشارة

عبّر جماعة من الأصحاب ب-(حرمة العقد على ذات البعل) أو ب-(عدم جوازه) أو ب-(عدم حلّه)، منهم: الشيخ في النهاية، حيث قال: (وأما اللّواتي يحرمن على حال دون حال، فإنّه لا يجوز للرجل أن يعقد على امرأة لها زوج ما دامت في حبالته. فإذا فارقته بموت أو طلاق جاز له حينئذ العقد عليها). ومنهم: المحقّق في المختصر، حيث أفاد: (لا يحلّ العقد على ذات البعل ولا تحرم به)(2). ومنهم العلّامة في التبصرة، حيث قال:

ص: 19


1- الحدائق الناضرة: 24/ 95.
2- المختصر النافع: 178.

(ويحرم العقد على ذات البعل)(1), ومنهم العلّامة المجلسي في ملاذ الأخيار، حيث قال: (وأمّا العقد على ذات البعل، فلا ريب في تحريمه)(2).

وقد يقال: هذا وإن كان ظاهراً في الحرمة التكليفيّة إلّا أنّه ليس كذلك، فلا يكفي مثل هذا التعبير في المقام، فمن يلاحظ كلمات الأعلام (رضوان الله تعالی علیه) في سائر محرّمات النكاح يجد أنّ التعبير بالحرمة أو عدم الحلّية إنّما يراد منه الحرمة الوضعيّة - أي بطلان العقد -، فهذا التعبير لوحده لا يكفي في نسبة القول بالحرمة التكليفيّة للقائل.

نعم، ظاهر جماعة آخرين الحرمة التكليفيّة كالسيّد العامليّ في نهاية المرام، حيث قال شارحاً عبارة المختصر أعلاه: (أمّا أنّه لا يحلّ العقد على ذات البعل فلا ريب فيه، لما سيجيء من تحريم التعريض بالخطبة في العدّة الرجعيّة، فتحريم العقد على ذات البعل أولى)(3).

وشرحها السيّد صاحب الرياض، قائلاً: (إجماعاً؛ لاستلزام تحريم التعريض بالخطبة في العدّة الرجعيّة - كما يأتي - تحريمه بطريق أولى)(4)، وفي الشرح الصغير جعلها ضروريّة(5)، وكذا تظهر الحرمة التكليفيّة من السيّد اليزدي في العروة الوثقى، وجماعة من الأعلام المعلّقين عليها(6).

ص: 20


1- تبصرة المتعلمين: 175.
2- ملاذ الأخيار: 12/ 128.
3- نهاية المرام: 1/ 167.
4- رياض المسائل: 10/ 205.
5- الشرح الصغير: 2/ 337.
6- العروة الوثقى: 5/ 477 قال في مقام بيان أنّ الأحكام التكليفيّة الخمسة تجري في النكاح: (والمحرّم نكاح المحرّمات عيناً أو جمعاً).

واحتمل المحقّق البحراني في الحدائق(1) في كلام من تقدّمه الاحتمالين من الحرمة التكليفيّة والوضعيّة، وجعله نظير منعهم من استعمال الماء النجس في الطهارة، وذكر تصريح بعض بترتّب الإثم على استعماله(2)، وتصريح العلّامة في النهاية بعدم التحريم التكليفي في الاستعمال(3)، ثمّ استقرب هنا إرادة البطلان لعدم الدليل على التكليف إلّا مع التشريع.

وكيفما كان، فقد استُدلَّ على الحرمة التكليفيّة بمجموعة من الأدلّة:

الدّليل الأوّل: الإجماع

ولكن المحصَّل منه غير حاصل، فهناك من لم يتعرّض للمسألة مع أنّ تحصيل كلمات كثير من المتقدّمين متعذّر، وقد أشرنا إلى أنّ عباراتهم يراد منها الحرمة الوضعية، مع أنّه محتمل المدرك لبعض الوجوه الآتية، فتأمّل!

والمنقول مع أنّه ليس بحجّة كما قرّر في محلّه من علم الأصول, معلّل بأنّ الحرمة هنا أولى من الحرمة في التعريض بخطبة المعتدّة رجعياً، وهذا ما سيأتي الحديث عنه إن شاء الله تعالى.

الدّليل الثّاني: الأولويّة
اشارة

وهي بثلاث محاولات:

ص: 21


1- الحدائق الناضرة: 23/ 578.
2- لعلّ نظره إلى صاحب مدارك الأحكام: 1/ 107 لكنّه ذكر احتمال البطلان أيضاً.
3- نهاية الإحكام: 1/ 246 وعبارته هكذا: (يحرم استعمال الماء النجس في الطهارة الصغرى والكبرى، بمعنى عدم الاعتداد بهما في رفع الحدث، لا تعلّق الإثم بذلك).
المحاولة الأولى: عن طريق الابتداء بحرمة التّعريض بخطبة المعتدّة الرجعيّة

وهي ما تقدّم في بعض العبائر من ثبوت حرمة التعريض لخطبة المعتدّة الرجعيّة فيكون العقد على ذات البعل أولى بالحرمة.

وطريق ذلك إمّا بأنْ نقول: التعريض بخطبة ذات البعل أولى بالحرمة منه في ذات العدّة، والعقد على ذات البعل أولى بالحرمة من التعريض بخطبتها، أو نقول: العقد على ذات العدّة أولى بالحرمة من التعريض بخطبتها، والحرمة في العقد على ذات البعل أولى منها في العقد على ذات العدّة.

وقد ذهب جماعة إلى تحريم التعريض بالخطبة للمعتدّة كما تقدّم.

ولكن قد يقال: بأنّ الاستدلال بالأولويّة ليس كما ينبغي؛ فإنّ الملاحظ أنّ الحرمة في ذات العدّة الرجعيّة علّلت في كلمات غير واحد - كما تقدّم - بأنّها في حكم الزوجة، كما أنّه قد صُرّح في كلمات آخرين بحرمة التعريض بخطبة ذات البعل، وبعض الأعلام جمعوا بين الأمرين حيث صرّحوا بالحرمة لذات البعل، وعلّلوا بها حرمة المعتدّة الرجعيّة.

ومن هنا يكون الاستدلال على حرمة العقد على ذات البعل بأولويتها بالحرمة من التعريض بخطبة الرجعيّة تطويلاً للمسافة، فالأولى أن يقال: من حرمة التعريض بخطبة ذات البعل نثبت حرمة العقد عليها بلا رجوع للرجعية.

ولكن يمكن أن يقال: مَن صرّح بحرمة التعريض بخطبة الرجعيّة أكثر؛ فإنّ كلّ من صرّح بحرمة التعريض بخطبة ذات البعل ذكر معها التعريض بخطبة المعتدّة الرجعيّة، والبعض اقتصر على ذكر حرمة التعريض بخطبة المعتدّة رجعياً كما اتّضح ممّا

ص: 22

تقدّم, بل حتّى العامّة ذكروا أنّ مسألة التعريض بخطبة المعتدّة رجعيّاً حرام، فقد نقل القرطبي الإجماع عليه(1). ومن هنا يمكن أن تتمّ أركان الإجماع بلحاظ المطلّقة الرجعيّة، فيناسب الانتقال منها إلى ذات البعل.

ولكن يبقى هذا الطريق محتاجاً إلى الأولويّة في مرحلتين في كلّ طريق، وقد يمنع ما ينتقل به من المعتدّة إلى ذات البعل سواءً كان التعريض بالخطبة أو إجراء العقد.

ثمّ إنّه هل يمكن أن ينتقل إلى حرمة العقد من حرمة التصريح بخطبة المعتدّة لوجود الدليل عليها؟

قد يقال: نعم، وهو قوله تعالى: [وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ](2)، وذلك بالاستفادة ممّا ذكره الشيخ الأراكي (قدس سره) (3) من اختصاص الآية بالمعتدّة لقوله تعالى [حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ]، وكون الآية لها مفهوم بمقتضى المتفاهم العرفي من تعبير (لا جناح)، فإنّه ظاهر بالمضايقة من التعدّي كما في قولنا (لا بأس بأن تنام على صفّة باب دار زيد) فإنّه ظاهر في عدم السماح بدخول الدار، فالنوم على الصفّة هو الحدّ المسموح به، وما عداه محظور، فينتج عدم جواز التصريح بخطبة ذات العدّة، فالحدّ المسموح به هو التعريض بها, ثمّ يتمّم بمثل الطريقين السالفين، فالعقد أولى بالحرمة من التصريح بالخطبة.

ص: 23


1- الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي): 3/ 188.
2- سورة البقرة: 2: 235.
3- كتاب النكاح: 331.

ولكن دلالة (لا جناح) على أنّه آخر حدّ للترخيص غير واضحة(1).

المحاولة الثّانية: من خلال الابتداء بإثبات حرمة التّعريض بخطبة ذات البعل

تقدّم الكلام في حرمة التعريض بخطبة ذات البعل, ولو تمّ يمكن أن يكون منشأ لحرمة العقد عليها بالأولويّة.

المحاولة الثّالثة: من خلال إثبات حرمة العقد على المعتدّة

الكلام في استظهار الحرمة التكليفيّة من عبارات الفقهاء كما تقدّم، فإنّ الأقرب إرادة الحرمة الوضعية.

قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه)(2)، ثمّ استدلّ عليه بقوله تعالى: [وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ] (3)، فقد استظهر منها إرادة العقد، ثمّ أضاف قائلاً: (على أنّ الآية قد دلّت على تحريم العزم، والمراد منه إمّا معناه الحقيقي وهو القصد والإرادة أو الفعل المعزوم عليه مجازاً لكونه ملزوماً للعزم، وعلى التقديرين يثبت المطلوب، أمّا على الثاني فظاهر، وأمّا على الأوّل فلأنّ تحريم العزم على النكاح يستلزم تحريم النكاح المعزوم عليه، فإنّه لو كان جائزاً لجاز العزم عليه قطعاً، إذ لا حكم للعزم بالنظر إلى ذاته، وإنّما يثبت له التحريم والجواز بواسطة ما أضيف إليه من الفعل المعزوم عليه، فإن كان محرّماً فالعزم حرام، وإلّا

ص: 24


1- وقد شكّك بها أيضاً السيّد الخوانساري في جامع المدارك: 4/ 282.
2- جواهر الكلام: 29/ 428.
3- سورة البقرة: 2: 235.

فجائز، بل لا يعقل جواز الفعل مع تحريم العزم عليه، وحيث ثبت تحريم العزم بالآية ثبت تحريم العقد نفسه)(1).

ولكن يمكن أن يقال: إنّها ظاهرة في الإرشاد إلى بطلان العقد وإنّه لا يصح إلّا بعد انقضاء العدّة، وما ورد من روايات - منها: ما أورده الكليني في (باب في قول الله عزّ وجلّ: [وَلَكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا] الآية)(2)، ومنها: معتبرة الحلبي، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: (سألته عن قول الله عزّ وجلّ: [وَلَكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا] قال: هو الرجل يقول للمرأة قبل أن تنقضي عدتها: أواعدك بيت آل فلان ليعرض لها بالخطبة، ويعني بقوله: [إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا] التعريض بالخطبة [وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ])(3) - لا يخرج عن هذا المعنى.

إلّا أنّ الإنصاف أنّ القول بأنّها - بمقتضى سياق نفس الآية صدراً وذيلاً - ظاهرة في الحرمة التكليفيّة ليس ممّا يبعد البناء عليه.

وقد قال السيّد الحكيم (قدس سره) (4) إنّ موردها المعتدّة عدّة وفاة، والتعدّي يحتاج إلى الإجماع. لكن لا موجب لذلك، والسياق مع الآية السابقة غير كافٍ.

إذاً الخطوة الأولى - وهي حرمة العقد على المعتدّة وبضمنها الرجعيّة - متحقّقة، ولكن تبقى الأولويّة بحاجة إلى التأمّل.

ثمّ إنّ السيّد الخوئي (قدس سره) استدلّ على قول السيّد في العروة: (لا يجوز التزويج في

ص: 25


1- جواهر الكلام: 29/ 429.
2- الكافي: 5/ 434.
3- الكافي: 5/ 434.
4- مستمسك العروة الوثقى: 14/ 115.

عدّة الغير)(1) بمجموعة من الآيات(2).

وقد يقال بأنّ ظاهر كلامه (قدس سره) الاستدلال للحرمة التكليفيّة(3), إلّا أنّه من ذيل كلامه يظهر أنّه ناظر للوضعيّة.

ص: 26


1- المباني في شرح العروة الوثقى: 32/ 166.
2- قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ]- [الطلاق: 1]. وقوله تعالى: [وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ]. [البقرة 2: 234]. وقوله تعالى: [وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ]- [البقرة 2: 232]. وقوله تعالى: [وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ]. [البقرة 2: 228].
3- وهل يمكن الاستدلال على الحرمة بما دلّ على ثبوت الرجم أو الحدّ على مَن تزوّجت وهي ذات زوج، فإنّ ثبوتهما لا يتناسب إلّا مع الحرمة التكليفيّة، ومن تلك الروايات معتبرة أبي عبيدة، عن أبي عبد الله (علیه السلام)،قال: سألته عن امرأة تزوّجت رجلاً ولها زوج؟ قال: فقال: إن كان زوجها الأوّل مقيماً معها في المصر الذي هي فيه تصل إليه ويصل إليها، فإنّ عليها ما على الزاني المحصن الرجم، قال: وإن كان زوجها الأوّل غائباً عنها أو كان مقيما معها في المصر لا يصل إليها ولا تصل إليه، فإنّ عليها ما على الزانية غير المحصنة...). (الكافي: 7/192). ونحوها معتبرة أبي بصير الواردة في الكافي (7 /193 ح3) وغيرها. لكن الظاهر إرادة المقاربة، لا مجرّد العقد، فلم يذكر أحد أنّ من موجبات الرجم أو الحدّ مجرّد العقد على ذات البعل مع العلم.

النّقطة الثّالثة: بطلان العقد على ذات البعل

بطلان العقد على ذات البعل - بحيث لو لم يحكم بالحرمة المؤبّدة لاحتاجا إلى عقد جديد - ممّا لا خلاف فيه، وهو مدلول عليه ضمناً في موارد الحرمة المؤبّدة في عبارات كلّ من حكم بها، وصرّح آخرون بها في غير مواردها كالشهيد الثاني في الروضة(1)، بل ذكر العلّامة في التحرير(2) أنّ بطلان العقد في صورة الجهل إجماعي، وجعل مقابله الحرمة المؤبّدة في حالة العلم، و ذكر الفيض الكاشاني في المفاتيح(3) أنّ حرمة العقد على ذات البعل إجماعيّة إلّا بعد الافتراق والعدّة.

وقد عرفت أنّ الأقرب إرادة الحرمة الوضعية في عبارات التحريم، مضافاً إلى أنّه استدلّ عليه بقوله تعالى [وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ](4)، والتحريم في الآية وضعي.

ويمكن أن يستدلّ له بعد الآية الكريمة - آنفة الذكر - بأغلب ما سيأتي إن شاء الله تعالى من روايات القسمين، ففي معتبرتي أديم وشعيب ومرفوعة أحمد وخبر الدعائم الحكم بالتفريق بينهما، وفي معتبرتي زرارة من القسم الأوّل الحكم بالحرمة المؤبّدة، وبطلان العقد هو القدر المتيقّن من رواية علي بن جعفر لو التزم بإطلاقها وإلّا فهي دالّة عليه إمّا بالمطابقة أو بالتضمّن حسب ما يُفهم منها، وأنّها ناظرة إلى حال زوجيّتها للأوّل أو لما بعدها، وفي رواية عبد الرحمن (ما أحبّ أن يتزوّجها) - أي أنّه يحتاج إلى عقد

ص: 27


1- الروضة البهيّة: 5/ 200.
2- تحرير الأحكام: 3/ 469.
3- مفاتيح الشرائع: 2/ 243.
4- النساء: 4: 24.

جديد -. وفي نسخة من صحيحة ابن الحجّاج (أيتزوّجها)(1) بدل (أيراجعها) لو قصرت الأخيرة عن الظهور في الأولى. ومضافاً إلى ذلك توجد بعض الروايات الأخرى:

منها: معتبرة محمّد بن قيس، قال: (سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل حَسَبَ أهلُه أنّه قد مات أو قتل فنكحت امرأته وتزوّجت سريّته فولدت كلّ واحدة منهما من زوجها، فجاء زوجها الأوّل ومولى السريّة. قال: فقال: يأخذ امرأته فهو أحقّ بها، ويأخذ سريّته وولدها أو يأخذ عوضاً من ثمنه)(2).

ومنها: معتبرة إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي عبد الله (علیه السلام): (في شاهدين شهدا على امرأةٍ بأنّ زوجها طلّقها فتزوّجت، ثمّ جاء زوجها فأنكر الطلاق. قال: يضربان الحدّ، ويُضَمَّنَانِ الصداق للزوج، ثمّ تعتدّ، ثمّ ترجع إلى زوجها الأوّل)(3).

ص: 28


1- قال ذلك في الحدائق الناضرة: 23/ 582 (وفي بعض النسخ (أيتزوجها) بدل (أيراجعها) وهو أظهر، وعلى تقدير النسخة التي في الخبر فالمراجعة بمعنى تزويجها مرّة أخرى، كما يدل عليه قوله: (حتى تنقضي عدتها)) ولكن قرينته محلّ نظر فالعدّة عدّتها من الأوّل.
2- الكافي: 6/ 150، من لا يحضره الفقيه: 3/ 548, وفي تهذيب الأحكام في موضعين: 7/ 488 و8/ 184 وأولها: (قضى في رجل) وفي آخر: 7/ 351 رواها عاصم عن أبي عبد الله (علیه السلام)،ومثله في موضع من الاستبصار: 3/ 218، وفي آخر مثل الأوّل إلّا أنّ أوّله: (قضى علي (علیه السلام)).
3- الكافي: 7/ 384, من لا يحضره الفقيه: 3/ 548، تهذيب الأحكام: 6/ 260.

المقصد الأساس: الحرمة المؤبّدة في نكاح ذات البعل

صُور المسألة

قد يكون الرجل عالماً بالحكم - وهو حرمة الزواج بذات البعل -، وعالماً بالموضوع أيضاً - وهي كونها ذات بعل -. وقد تكون المرأة أيضاً عالمة بالحكم والموضوع. وقد يجهل أحدهما أو كلاهما كلا الأمرين أو أحدهما. وقد يقع منهما عقد فقط وقد يحصل دخول.

والمنظور في كلمات أغلب الأعلام صور أربع:

الأولى: عقدهُ على المرأة مع علمه بأنّها ذات بعل ودخل بها أيضاً.

الثّانية: علمه بذلك مع عدم الدخول.

الثّالثة: جهله بأنّها ذات بعلٍ مع الدخول. واكتفى البعض بجهله بالحكم.

الرّابعة: جهله بذلك مع عدم الدخول.

والكلام في الصورة الأولى في الجملة بغضّ النظر عن مسألة الزنا بذات البعل، وإلّا فهي عند المشهور ممّن تحرم مؤبّداً.

وقد استدلّ للحرمة في الصورة الأولى بالحرمة في مسألة الزنا بذات البعل في كلمات غير واحد(1).

ص: 29


1- منهم: المحقّق الكركي في جامع المقاصد: 12/ 312, الشهيد الثاني في الروضة البهيّة: 5/ 199، ومسالك الأفهام: 7/ 338، الشيخ الأنصاري في كتاب النكاح: 714.

كلمات الفقهاء

لم أعثر على كلمات لفقهاء العامّة في هذه المسألة، أمّا فقهاؤنا فلهم فيها أقوال:

القول الأوَّل: الحرمة المؤبّدة مطلقاً في جميع الصور.

يظهر ذلك ممّا يعرف بالفقه الرضوي(1).

القول الثّاني: الحرمة المؤبّدة في الصور الثلاث الأولى، وعدمها في الرابعة.

وهو مذهب الأكثر ممّن تعرّضوا لهذه المسألة صريحاً، كالعلّامة في التحرير(2)، والشهيد الثاني(3), وصاحب الحدائق(4), وصاحب الرياض(5), والشيخ الأنصاري(6), والسيّد صاحب العروة(7)، ومجموعة من الأعلام المعلّقين عليها - منهم: السيّد محمّد الفيروزآبادي, والمحقّق النائيني, والشيخ عبد الكريم الحائري, والمحقّق العراقي, والسيّد أبو الحسن الأصفهاني, والشيخ محمّد حسين آل كاشف الغطاء, والسيّد عبد

ص: 30


1- الفقه الرضوي: 243 (ومن تزوج امرأة لها زوج دخل بها أو لم يدخل بها أو زنى بها لم تحلّ له أبداً). ولعلّ الأقرب في مؤلّفه أنّه ابن أبي العزاقر كما ذهب إليه السيّد الأستاذ (دامت افاداته).
2- تحرير الأحكام: 3/ 469.
3- الروضة البهية: 5/ 200, عبّر عن الحرمة في الصورتين الثانية والثالثة ب-(لعلّه أقوى), مسالك الأفهام: 7 / 338.
4- الحدائق الناضرة: 23/ 578.
5- رياض المسائل: 10/ 205، الشرح الصغير: 2/ 337.
6- كتاب النكاح: 418.
7- العروة الوثقى مع تعليقات عدّة من الفقهاء العظام: 5/ 526.

الهادي الشيرازي, والسيّد الخميني, والسيّد الخوئي(1) -, وممّن ذهب لهذا القول أيضاً: السيّد المرعشي(2), والسيّد السبزواري(3) قدّس الله أسرارهم جميعاً, وأفتى بذلك جماعة من الأعلام المعاصرين أيضاً(4), وقد يظهر ذلك من ابن فهد الحلّي أيضاً(5).

ورأي المحقّق الكركي(6) موافق لهذا القول إلّا في الصورة الثانية فقد استشكل فيها، وتنظّر العلّامة المجلسي فيها، وجعل الاجتناب أحوط، ولم يستبعد حمل أخبار التحريم على الكراهة في الصورة الثالثة.

ووافق بعضُ أعاظم العصر (دامة ظله العالی) هذا القول(7) إلّا في الصورة الثالثة فقد احتاط فيها وجوباً.

وجعل الفقهاء المشار إليهم المناط في صورة العلم والجهل هو العلم والجهل

ص: 31


1- المصدر السابق.
2- منهاج المؤمنين: 2/ 212.
3- مهذّب الأحكام: 24/ 99.
4- وممّن وصلتُ إلى فتاواهم: السيّد محمّد سعيد الحكيم، وقد استشكل في عدم الحرمة لو جهل خصوص الحكم، (يلاحظ: منهاج الصالحين, المعاملات, الجزء الثاني، المسألة رقم (89) من مسائل كتاب النكاح). والشيخ الوحيد، (يلاحظ: تعليقة على منهاج الصالحين، المعاملات، المسألة رقم (1257)). والشيخ الفياض، (يلاحظ: منهاج الصالحين، المعاملات، المسألة رقم (43) من مسائل كتاب النكاح).
5- المهذّب البارع: 3/ 286، ذكر أنّه استفيد من رواية زرارة - في امرأة فقدت زوجها - إلحاق ذات البعل بالمعتدّة ولم يعقّب، ونسب إليه الصيمري المساواة ( يلاحظ غاية المراد: 3/ 65).
6- جامع المقاصد: 12/ 311.
7- السيّد السيستاني، منهاج الصالحين، المعاملات، المسألة رقم (197) من كتاب النكاح.

بالموضوع، ولم يُدخِلوا العلم بالحكم والجهل به في الحساب. وهناك من جعل المناط في العلم على العلم بالحكم والموضوع معاً، وفي الجهل على الجهل بأحدهما، ومنهم: الفيض الكاشاني(1) والسيّد الشهيد الصدر(2), والسيّد الخوانساري(3)، والشيخ جواد التبريزي(4), والسيّد الحكيم، إلّا أنّه زاد الحكم بالحرمة لمجرّد العقد لو كانت المرأة عالمة بالحكم والموضوع(5).

وأدخل السيّد الخوئي (قدس سره) في المنهاج(6) العلم بالحكم في الحساب، ولكن في التعليقة على العروة الوثقى لم يعلّق شيئاً بهذا الصدد، وظاهر عبارة متن العروة قصر الاعتبار على العلم بالموضوع، ولكنّه صرّح في الشرح(7) بالاعتبار بهما، واعتذر لعدم تعرّض النصوص للعلم بالحكم بكونه ممّا لا يخفى.

ص: 32


1- مفاتيح الشرائع: 2/ 243 ذكر العلم بالتحريم مع العلم بالحال.
2- منهاج الصالحين للسيّد الحكيم مع تعليقته عليه: 2/ 279, المسألة رقم (7) من مسائل ما يحرم بالمصاهرة. جعل المناط على العلم بالحكم والموضوع والجهل بأحدهما.
3- جامع المدارك: 4/ 234, جعل المناط على العلم بالحكم والموضوع والجهل بأحدهما.
4- منهاج الصالحين، المعاملات، المسألة رقم (1257), جعل المناط على العلم بالحكم والموضوع والجهل بأحدهما.
5- منهاج الصالحين: 2/ 279, المسألة رقم (7) من مسائل ما يحرم بالمصاهرة. جعل المناط على العلم بالحكم والموضوع والجهل بأحدهما.
6- منهاج الصالحين المعاملات، المسألة رقم (1257), جعل المناط على العلم بالحكم والموضوع والجهل بأحدهما, والاختلاف عن تعليقته على العروة ناشئ من عدم الجهل بالحكم خارجاً كما أُشير إليه في الروايات، وستأتي الإشارة إليه إن شاء الله تعالى.
7- مباني العروة الوثقى: 32/ 193.

القول الثّالث: عدم الحرمة المؤبّدة.

وعباراتهم وإن لم تستثنِ الصورة الأولى إلّا أنّها تدخل في مسألة الزنا بذات البعل، ويظهر هذا من المحقّق في المختصر(1)، فإنّه وإن كان من المحتمل أنّه ناظر إلى مجرّد العقد فتخرج صور الدخول عن حكم المسألة إلّا أنّ الأقرب أنّها داخلة في مراده ولو بملاحظة المسألة اللاحقة.

وللعلّامة في التبصرة(2) عبارة ظاهرة في عدم ذهابه للحرمة.

واختار فخر المحقّقين(3)عدم إلحاق المسألة بمسألة الزواج بمن كانت في العدّة، وكذلك الفاضل المقداد(4), والفاضل الهندي(5).

القول الرّابع: الحرمة بمجرّد العقد لو لم يكن لهما عذر، وتوقّفها على الدخول لو كان للمرأة عذر دون الرجل، ولا حرمة في غير ذلك.

وهو رأي بعض الأعلام المعاصرين (دام ظله) (6).

ص: 33


1- قال في (المختصر النافع: 178): (الخامسة: لا يحلّ العقد على ذات البعل ولا تحرم به، نعم لو زنى بها حرمت، وكذا في الرجعيّة خاصّة).
2- قال في (تبصرة المتعلمين: 175): (ويحرم العقد على ذات البعل، والمعتدّة ما دامت كذلك، ولو تزوجها في عدّتها جاهلاً بطل العقد، فإن دخل حرمت أبداً...) فيلاحظ أنّه ذكر بطلان العقد على ذات البعل والمعتدّة، ثمّ اختصّ المعتدّة بالحرمة المؤبّدة مع الدخول.
3- إيضاح الفوائد: 3/ 69، حيث قوّى الاقتصار على النصّ بزعم أنّه لا نصّ إلّا في ذات العدّة.
4- التنقيح الرائع: 3/ 85، تابع فخر المحقّقين.
5- كشف اللثام: 7/ 138، حيث منع من الأولويّة وناقش رواية أديم بأنّها غير صحيحة, وذكر رواية عبد الرحمن ولم يناقش فيها، وكلامه في إطلاق الحرمة مبني على الفرض.
6- السيّد موسى الشبيري الزنجاني (دام ظله)،المسائل الشرعية: 547، المسألة رقم (2411).

القول الخامس: التوقّف(1).

فقد استشكل في المسألة جماعة منهم العلّامة في القواعد(2) والسبزواري في الكفاية(3), والسيّد البروجردي(4). وتردّد صاحب المدارك في نهاية المرام(5). واستشكل الصيمري(6) في غير الصورة الأولى، أمّا فيها فقد صرّح بالحرمة. ولم يبدِ السيّد الجزائري رأياً(7).

وقد يظهر من السيّد الكلبايكاني الإلزام بالاحتياط(8).

هذا، وإنّ جماعة من فقهاء أصحابنا تعرّضوا في مواضع من كتبهم لمن يحرم نكاحهن مؤبّداً، مثل المزوّجة في العدّة, والمزني بها وهي ذات بعل, أو في عدّة الآخر, ومَن عَقَد عليها المُحرم في حجّ أو عمرة, وغيرهن، ولم يذكروا المزوّجة وهي ذات بعل،

ص: 34


1- واستثناء الصورة الأولى لإلحاقها بحكم الزنا بذات بعل كما تقدّم في القول الثالث.
2- قواعد الأحكام: 3/ 31، حيث قال: (ولو تزوّج بذات البعل ففي الحاقه بالمعتدّة إشكال...).
3- كفاية الأحكام: 2/142، حيث قال: (المسألة لا تخلو من إشكال).
4- العروة الوثقى مع تعليقات عدّة من الفقهاء العظام: 5/ 526. حيث علّق على قول الماتن: (على إشكال).
5- نهاية المرام: 1/ 168، حيث قال: (والمسألة محلّ تردّد).
6- غاية المراد: 3/ 65، حيث قال: (الثالث: لو تزوج ذات البعل عالماً حرمت عليه قطعاً، وإنّما الإشكال إذا كان جاهلاً أو لشبهةٍ..).
7- التحفة السنيّة: 267.
8- العروة الوثقى مع تعليقات عدّة من الفقهاء العظام: 5/ 526، قال: (فيه إشكال لكن لا يترك مراعاة الاحتياط)، وظاهر استدراكه أنّه يريد الإلزام بالاحتياط, فتأمّل!

منهم: الشيخ المفيد في المقنعة(1), وسلّار في المراسم(2), والحلبي في الكافي(3), والكيدري في الإصباح(4)، والعلّامة في الإرشاد(5) والتلخيص(6)، والشهيد الأوّل في اللمعة(7).

وزاد بعضهم على ذلك بأن عنون هذه الموارد بعنوان: (ما يحرم العقد عليهن على جميع الأحوال)(8)، أو (ما يحرم نكاحه أبداً)(9)، ونحوهما، مثل الشيخ في النهاية(10), والقاضي في المهذّب(11), وابن حمزة في الوسيلة(12), وابن زهرة في الغنية(13), وابن

ص: 35


1- المقنعة: 501.
2- المراسم العلوية: 150.
3- الكافي: 286.
4- إصباح الشيعة: 398.
5- إرشاد الأذهان: 2/ 27.
6- تلخيص المرام: 184.
7- اللمعة الدمشقية: 165.
8- الشيخ في النهاية: 451، حيث قال: (واللواتي يحرمن بالسبب، فعلى ضربين: ضرب منهنّ يحرم العقد عليهن على جميع الأحوال، والضرب الآخر يحرم العقد عليهن في حال دون حال. واللواتي يحرم العقد عليهن على جميع الأحوال، فجميع المذكورات من جهة النسب..).
9- ابن حمزة في الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 292، حيث قال: (والسبب ضربان: إمّا يحرم نكاحه أبداً، أو في حال دون حال. فالأوّل أربعون صنفاً: الرضيع، والمعقود عليها في العدّة..).
10- النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى: 453.
11- المهذّب: 2/ 182.
12- الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 292.
13- غنية النزوع: 338.

إدريس في السرائر(1), وابن سعيد في الجامع والنزهة(2), وعلي بن محمّد القمي في جامع الخلاف(3).

ولو غضّ النظر عمّا في ما يعرف ب-(الفقه الرضوي) من الفتوى بالحرمة، وما في مختصر المحقّق من الفتوى بعدم الحرمة، هل يكون قول العلّامة - في التحرير: (لا نعرف لعلمائنا فيه فتوى)(4) - في محلّه، أم يمكن نسبة القول بعدم الحرمة إليهم في تلك المواضع؟

يمكن أن يقال بإمكان النسبة، فالإطلاق المقاميّ محكم لشدّة المناسبة, خصوصاً للجماعة الثانية, بل لعلّ لعباراتهم مفهوماً؛ لأنّها في مقام التحديد ولا سيّما عبارة مَن ذكر العدد(5).

اللهم إلّا أن يلتزم باحتمال غفلتهم عن هذا الفرع أصلاً، فإنّ الكليني (رحمة الله) وإن عقد في الكافي باباً بعنوان (باب المرأة التي تحرم على الرجل فلا تحلّ له أبداً)(6) لكنّه لم يذكر

ص: 36


1- السرائر الحاوي لتحرير الفتاوى: 2/ 519.
2- الجامع للشرائع: 428, نزهة الناظر: 94.
3- جامع الخلاف: 435.
4- تحرير الأحكام: 3/ 469.
5- ابن حمزة في الوسيلة: 292، حيث قال: (والسبب ضربان: إمّا يحرم نكاحه أبداً، أو في حال دون حال. فالأوّل أربعون صنفاً: الرضيع، والمعقود عليها في العدّة..)، وابن فهد الحلّي في المهذّب البارع: 3/ 288، حيث قال: (واعلم أنّ المؤبّدات في التحريم بالعارض - عقوبة للمكلّف - عشرة: (أ) من دخل بمعتدّة رجعية مطلقاً، أو عقد عليها عالماً..).
6- الكافي: 5/ 426.

فيه من روايات المسألة إلّا مرفوعة أحمد بن محمّد، وهي تدلّ على الحرمة مع العلم، وهذا قد يدخلها في باب ذات البعل المزني بها، وإنّما ذكر رواية زرارة - إذا نعي الرجل - مرّتين أولاهما في (باب المرأة يبلغها موت زوجها أو طلاقها فتعتدّ ثمّ تزوّج فيجيء زوجها)(1) وهو يتناول أحكام الغائب عنها زوجها. والأخرى(2) غير مشتملة على قوله: (وليس للآخر أن يتزوّجها أبداً).

والصدوق لم يذكر إلّا رواية زرارة - إذا نعي الرجل - في باب طلاق المفقود(3).

والشيخ في التهذيب لم يفرد لمسألتنا عنواناً، وإنّما ذكر المرفوعة ورواية أديم تحت قول الشيخ المفيد (ومن سافح امرأة وهي ذات بعل لم يحلّ له العقد عليها أبداً، وكذا إن سافحها وهي في عدّة من بعلٍ له عليها رجعة فإنّها لا تحلّ له أبداً)(4), وذكر رواية زرارة - في امرأة فقدت زوجها - تحت قوله: (ومتى كان قد دخل بها لزمتها عدّتان...)(5) وروايته الأخرى - إذا نعي الرجل - في باب الزيادات(6).

نعم، يمكن أنْ يقال لكنّه قد جمع في بعض الروايات بين الحكم بالحرمة المؤبّدة في مسألة زواج المحرم والحكم بالحرمة المؤبدة في مسألة زواج ذات البعل، وهو ممّا يبعد عدم الالتفات إلى الحكم في ذات البعل لمن التفت إلى الحكم في زواج المحرم وأفتى

ص: 37


1- الكافي: 6/ 149.
2- حديث رقم 5 من نفس الباب أعلاه.
3- من لا يحضره الفقيه: 3/ 548.
4- تهذيب الأحكام: 7/ 305.
5- تهذيب الأحكام: 7/ 307.
6- تهذيب الأحكام: 7/ 488- 489.

بالحرمة المؤبدة، وهذه الرواية هي رواية أديم بن الحرّ الخزاعي عن أبي عبد الله (علیه السلام) (قال: إنّ المحرم إذا تزوّج وهو محرم فرّق بينهما ولا يتعاودان أبداً، والتي تتزوّج ولها زوج يفرّق بينهما ولا يتعاودان أبداً)(1).

لا يقال: لم يقتصر الشيخ على رواية أديم، فقد ذكر معها رواية إبراهيم، وهي لم تتعرّض إلَّا إلى حكم مَن تزوّجها المحرم.

فإنَّه يقال: يستبعد الالتفات إلى رواية إبراهيم دون الالتفات إلى رواية أديم.

لكن ما ذكر ليس بذلك الوضوح، فالروايات الدالّة على حرمة مَن تزوجها المحرم لا تقتصر على رواية أديم هذه، ولا على هذا الموضع من التهذيب، فقد عقد الكليني باباً بعنوان (المحرم يتزوّج أو يزوّج ويطلّق ويشتري الجواري)(2) وذكر فيه ممّا يدل على التحريم المؤبّد مع رواية إبراهيم رواية أخرى، وروى في موضع آخر رواية ثالثة(3).

هذا مضافاً إلى احتمال بنائهم على أنّ الذيل ليس من الرواية، فتأمّل.

لكن الإنصاف أنّ احتمال غفلة الجميع بما فيهم الشيخ الطوسي الذي قد أورد بنفسه أهمّ روايات الحرمة المؤبّدة ممّا لا تركن إليه النفس، مع أنّ المسألة موجودة في ما يعرف ب-(الفقه الرضوي)(4) كما تقدّم قريباً.

ص: 38


1- تهذيب الأحكام: 5/ 329.
2- الكافي: 4/ 372.
3- الكافي: 5/ 426، المقصودة هي رواية زرارة وداود بن سرحان وأديم بيّاع الهروي.
4- ما يوجد في الفقه الرضوي يكون محط اهتمام الفقهاء إذا كان في واقعه رسالة ابن بابويه؛ لجلالة المؤلّف، وقربه من زمن النصّ، وكون طريقته التعبير بمتون الروايات، وقد تعامل الفقهاء مع ما فيه معاملة الرواية. ولذلك شواهد يلاحظ للاطلاع عليها مقدمة ما نشرته مجلّة دراسات علميّة من قطعة من رسالة الشرائع في ص 49 وما بعدها. نعم، إذا كان في واقعه كتاب التكليف للشلمغاني فلا ينفع كثيراً في تقوية احتمال التفات الفقهاء إليه.

أمّا قول العلّامة في بيان وجه الإشكال في إلحاقها بالمعتدّة بأنّه (ينشأ من عدم التنصيص ومن أولويّة التحريم)(1) فلعلّه أراد نفي النصّ الصحيح عنده, ولا سيّما بملاحظة ما في التحرير من ذكر رواية زرارة والطعن فيها بأنّ فيها ابن بكير، وقد قال الفاضل الهندي في شرح عبارة القواعد - ينشأ من عدم التنصيص -: (عليه من الأصحاب والأخبار إلّا في أخبارٍ غير صحيحة كموثّق أديم بن الحرّ...) (2)، وقال السيّد الجزائري: (وأمّا ذات البعل فرواياتها لا تخلو عن قصور في سند أو دلالة، ومن ثَمّ أعرض عنها الأكثر وعوّلوا على إلحاقها بذات العدّة؛ لمساواتها لها في المعنى وزيادة علاقة الزوجيّة...)(3)، ويجري هذا الاحتمال في حقّ من شابه العلّامة في نفي النصّ كالشهيد الثاني والفخر والمقداد.

وممّا يؤيّد النسبة ما قاله السيّد صاحب الرياض في شرحه الصغير: ((الخامسة: لا يحلّ العقد على ذات البعل) ضرورة (و) لكن (لا تحرم به) مؤبّداً مع الجهالة وعدم الدخول إجماعاً، وأمّا مع العلم أو الدخول فالأكثر على أنّها لا تحرم كالسابق، وفيه إشكال...)(4).

فمن أين الإجماع والأكثريّة لولا أنّه فهم من عبارات المزبورين بناءهم على عدم الحرمة!

ص: 39


1- قواعد الأحكام: 3/ 31.
2- كشف اللثام: 7 / 183.
3- التحفة السنية: 267.
4- الشرح الصغير: 2/ 337.

وكيفما كان، فالمهمّ أنّه لا توجد شهرة قدمائيّة على الحرمة، بل لا نعلم من أفتى بالحرمة قبل العلّامة إلّا صاحب ما يسمّى ب-(الفقه الرضوي).

الاستدلال على حكم المسألة

اشارة

استدلّ على حكم المسألة بدليلين: قياس الأولويّة، والروايات، فالكلام في مقامين:

المقام الأوّل: في الأولويّة
اشارة

وصورة هذه الأولويّة أنّ دخول ذات البعل في الحرمة المؤبّدة على من تزوّج بها أولى من دخول المعتدّة الرجعيّة في حكم الحرمة الذي لا خلاف فيه نصّاً وفتوى.

ووجه الأولويّة - كما يظهر من كلمات الأعلام -: إمّا أقوائية علاقة الزوجية من علاقة الاعتداد أو كون الأثر المحتمل لبقاء النِكاح إنّما هو تأكيد التحريم، فلو لم يؤكّده لا يكون نافياً له قطعاً.

وقد ذُكرت هذه الأولويّة في كلمات جماعة من الأعلام في المقام، إمّا كأحد وجهي الإشكال في المسألة المبحوث عنها كعُنصر إثبات في مقابل عدم النصّ كعنصر نفي، وإمّا كدليل صالح على حكم المسألة.

ومن الأوّل قول العلّامة في القواعد، والشهيد الثاني في المسالك(1)، حيث قال العلّامة في القواعد: (ولو تزوّج بذات بعل ففي إلحاقه بالمعتدة إشكال، ينشأ من عدم التنصيص، ومن أولويّة التحريم)(2).

ص: 40


1- ينظر: مسالك الأفهام: 7/ 338.
2- قواعد الأحكام: 3/ 31.

ومن الثاني ما اختاره المحقّق الكركي في جامع المقاصد من الاستناد للأولويّة، قال: (لأنّ علاقة الزوجة أقوى من علاقة الاعتداد، فيثبت التحريم مع الزوجية بطريق أولى)(1).

كما قوّى الشهيد الثاني في الروضة هذه الأولويّة بعد استشكاله في الحكم، حيث قال: (ووجه الإشكال مع عدم النصّ عليه بخصوصه، وكون الحكم بالتحريم هنا أولى للعلاقة. ولعلّه أقوى)(2).

وقَبِل الأولويّة الفيض الكاشاني في المفاتيح، والسيّد صاحب الرياض(3)، وكذا الشيخ الأنصاري (قدس سره) حيث قرّبها قائلاً: (فإن بقاء النكاح لو لم يؤكّد التحريم لم ينفه قطعاً)(4).

هذا، وقد رفض هذه الأولويّة جماعة من الأصحاب (رضوان الله تعالی علیه)،منهم: فخر المحقّقين في الإيضاح(5)، والفاضل المقداد في التنقيح(6)، وكذا السيّد العاملي في نهاية المرام، حيث قال: (ويشكل بأنّ الأولويّة إنّما تثبت إذا ثبت التعليل، وهو غير ثابت هنا؛ إذ من الجائز اختصاص المعتدّة بمزيّة اقتضت ذلك، وبالجملة فإلحاق ذات البعل بالمعتدّة في هذا الحكم لا يخرج عن القياس)(7)، وكذا الفاضل الهندي في كشف اللثام(8), وجماعة ممّن

ص: 41


1- جامع المقاصد: 12/ 311 وغيره.
2- الروضة البهيّة: 5/ 200، ذكرها أوّلاً كطرف في الترديد ثمّ قوّاها.
3- رياض المسائل: 10/ 205.
4- الشيخ الأنصاري، كتاب النكاح: 417.
5- إيضاح الفوائد: 3/ 69.
6- التنقيح الرائع: 3/ 85.
7- نهاية المرام: 1/ 168.
8- كشف اللثام: 7/ 183.

تأخّروا(1).

أقول: قبل الحكم بتماميّة الأولويّة من عدمها نسلّط الضوء على نقطة، وهي: بيان مراد الأعلام (رضوان الله تعالی علیه) في المقام، من أنّه هل التعدّي من نفس الحكم أو بمساعدة دليل الحكم؟

بيان ذلك: يمكن أن يقال: إنّ للتعدّي من حكم مسألة إلى أخرى بلا تنصيص على العلّة طريقتين:

الأولى: من نفس الحكم وبأي طريق ثبت بنصّ أو إجماع أو سيرة أو غيرها، فإنّه يلاحظ الحكم والموضوع ويستنبط منهما العلّة إمّا بتمام حدودها أو بما يمكنه من إثباتها أو نفيها في الآخر، ومتى قطع بها حكم في الموضع الثاني على أساسها.

وهذا يمكن أن يكون قياساً إذا لم يكن قطعيّاً، ويناسب الاصطلاح عليه ب-(تنقيح المناط القطعي) في مقابل (القياس) الذي هو تنقيح للمناط ظنّاً.

والكلام بغضّ النظر عن جدوى هذه الطريقة فإنّه قد يقال: أنّى للعقل القطع بالعلّة التامّة للحكم في موضع وبتحقّقها في الآخر؟!

الأخرى: إذا كان الدليل لفظيّاً فحيث إنّه ملقى إلى العرف فإذا كان العرف لا يرى فرقاً بين مورد النصّ ومورد آخر وفق المناسبات المركوزة في أذهانهم، أو يرى الآخر أولى بالحكم من الأوّل تعدّى بالحكم إلى الآخر.

وهذا يناسب الاصطلاح عليه ب-(إلغاء الخصوصيّة) أو (فهم المثاليّة).

ص: 42


1- السيّد الحكيم في مستمسك العروة الوثقى: 14/ 131، السيّد الخوئي في مباني العروة كتاب النكاح: 3/ 192 (كلامه بلحاظ التعدّي لحالة علم الزوجة، لكنّه لا فرق).

والفرق بينهما أنّ الأوّل ملاك حجّيّته القطع، ولا دخالة للعرف فيه لا من قريب ولا من بعيد، أمّا الآخر فهو فَهْم عرفي، حجّيّته من حجّيّة الظهور. نعم، لا بُدَّ من القطع بأنّ فَهْم العرف هو هكذا، وهو شيء آخر لا بُدَّ منه في كلّ ظهور(1).

إذا اتّضح هذا فيمكن أن يقال: كأنّ عبارات الأصحاب أعلاه ناظرة إلى الطريقة الأولى خصوصاً عبارة الشيخ الأنصاري (قدس سره), ولكن هناك عبارات أخرى ظاهرة في الأخرى، إذ قال في التحرير: (وحمله على ذات العدّة قياس، مع أنّ الأقرب ذلك، وثبوت الحكم فيه بطريق التنبيه لا القياس)(2)، وظاهر عبارته (قدس سره) أنّه رفض الطريقة الأولى؛ إذ من أين نعلم علماً لا شكّ فيه بالعلّة التامّة وتحقّقها؟ إلّا أنّه قَبِلَ الأخرى، فهو يقبل أنّ العرف لا يرى فرقاً؛ فإنّ دلالة التنبيه وإن لم يتوقّف عليها صدق الكلام وصحّته إلّا أنّها مقصودة عرفاً، ويقطع معها بإرادة المعنى الآخر أو يستبعد عدم إرادته(3)، وقال في

ص: 43


1- ويظهر من الشيخ الأراكي قبول هذا المعنى، حيث قال في إلحاق ذات البعل بالمعتدّة الرجعيّة في مسألة التصريح بالخطبة: (وأمّا ذات البعل فإن أمكن إدراجها في المدلول اللفظي كما في قولك: إن نظرت إلى ظلّ فلان بسوء أفعل بك كذا وكذا، فإنّه من المعلوم أنّ الشارع راعى حفظ حرمة الزوج في العدّة حيث منع من التعرّض لمعتدّته بالتصريح والتعريض القبيح، فيعلم منه الحال في زوجته الفعليّة الكائنة فعلاً في حبالته بطريق أولى، وإلَّا فاستفادته من تنقيح المناط محلُّ إشكال، وكونه في ذات البعل هتكاً للحرمة وإيذاء للزوج أيضاً محلّ إشكال). كتاب النكاح: 331. وكذلك يظهر هذا من السيّد الأستاذ (دامت افاداته) فقد منع إلغاء الخصوصيّة في نظر السائل، وَقِبلَ الأولويّة في التعدّي في لزوم الكفارة على من نقّص شوطاً إلى من نقّص أكثر من ثلاثة وفق صحيحة سعيد بن يسار، فتأمل! شرح المسألة ( 347 ) من مناسك الحج (8 صفر 1437ﻫ) مخطوط.
2- تحرير الأحكام: 3/ 469.
3- أصول الفقه، الشيخ المظفر: 1/ 186.

المسالك في تقريبها كوجهٍ للإشكال: (من مساواتها لها في المعنى وزيادة علقة الزوجيّة، فيكون من باب مفهوم الموافقة...)(1), وهذا تصريح بالأخرى. ودافع عنها السيّد صاحب الرياض - بعد أن التزم بها بما نقلناه من عبارته آنفاً - قائلاً: (والاستشكال فيه بتوقّف الأولويّة على ثبوت علّيّة الزوجيّة، وهي غير ثابتة؛ لاحتمال اختصاص المعتدّة بمزيد علّة اقتضت الحرمة، مدفوع بمخالفة الاحتمال للظاهر، مع جريانه في كلّ أولويّة) وكأنّه (قدس سره) يريد القول بأنّ من منع كان ناظراً إلى الطريقة الأولى، ومنعها لعدم القطع بأنّ العلّة هي الزوجيّة فإنّه يوجد احتمال الخصوصيّة في المعتدّة. ولكنّ الصحيح أن ننظر للأخرى، وفيها يعتمد على العرف والعرف لا يرى فرقاً، فتأمّل!

وكيفما كان، فعلى الطريقة الأولى لا مجال لدعوى الأولويّة، فأنّى لنا بالقطع بعدم دخالة كونها معتدّة؟

قال السيّد الحكيم (قدس سره): (الأولويّة غير ظاهرة؛ لما عرفت من احتمال أن يكون التحريم الأبدي الذي هو حكم تعبدي من آثار العدّة بالخصوص وإن كان لعلقة الزوجية دخل فيه في الجملة لكن لا على الاستقلال، وحينئذ لا مجال للقطع بالأولويّة)(2).

أمّا على الطريقة الأخرى فاحتمال الفرق عند العرف قائم أيضاً, فالمراد منه ليس أيّ عرفٍ وإنّما المطّلع على تقنينات المشرّع، ومن يطلع على الحكم المقيس عليه يلاحظ أنّه لم تُجعل علقة الزوجيّة ولا فكرة حرمة الزوج هي الملاك. وقد أجاد السيّد الخوئي (قدس سره) حين قال: (غاية ما يمكن أن يقال عن هذه الأولويّة إنّها مظنونة وليست بقطعيّة، فإنّ هذه الأحكام تعبّديّة محضة، ولا يمكن كشف الملاك منها، وإحراز أنّه هو العلقة

ص: 44


1- مسالك الأفهام: 7/ 337.
2- مستمسك العروة الوثقى: 14/ 131.

الزوجيّة، بل يمكن دعوى العلم بعدم كونها هي الملاك في ثبوت الحرمة في التزوّج من ذات العدّة، وذلك لثبوت الحرمة الأبديّة في موارد لا يوجد فيها أي نوع من العلقة الزوجيّة كالتزوّج من المعتدّة عدّة وطء الشبهة، أو المعتدّة عن الطلاق التاسع أو المعتدّة عن فسخ النكاح لرضاع أو ما شابهه مع العلم بالموضوع أو الحكم، فإنّها تثبت مع أنّ العلقة الزوجيّة فيها مفقودة بالمرّة، فإنّ ذلك يكشف عن عدم كون وجود العلقة الزوجيّة ملاكاً لثبوت الحرمة الأبديّة)(1).

كلام لصاحب الجواهر

ثمّ إنّ صاحب الجواهر (قدس سره) بعد أن ذكر تقريبها عن غير واحد ب-(أولويّة حرمة الزوج التي هي حكمة الحكم المزبور فيها من ذات العدّة) ناقشه بأنّه كما ترى، ثمّ قال: (والأولى الاستدلال عليه بأنّه من ذات العدّة الرجعيّة قطعاً التي قد صرّح بها في خبر حمران السابق، وقد اتّفق النصّ والفتاوى على أنّها بحكم الزوجة، فيعلم منه حينئذ أنّ حكم الزوجة مثل حكمها، كما هو واضح)(2).

حاصل كلامه (قدس سره): أنّ ذات العدّة الرجعيّة قد ثبتت لها الحرمة بلا ريب في رواية حمران (3)، هذا من جهة. ومن جهة أخرى: أنّ الرجعيّة بحكم الزوجة نصّاً وفتوى،

ص: 45


1- مباني العروة الوثقى: 32/ 192.
2- جواهر الكلام: 29/ 434.
3- تهذيب الأحكام: 7/ 488، وهو (قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن امرأة تزوّجت في عدّتها بجهالة منها بذلك قال: فقال: لا أرى عليها شيئاً ويفرّق بينها وبين الذي تزوّج بها ولا تحلّ له أبداً، قلت: فإن كانت قد عرفت أنّ ذلك محرّم عليها ثمّ تقدّمت على ذلك، فقال: إن كانت تزوّجته في عدّة لزوجها الذي طلّقها عليها فيها الرجعة فإنّي أرى أنّ عليها الرجم، وإن كانت تزوّجت في عدّة ليس لزوجها الذي طلّقها عليها فيها الرجعة فإنّي أرى عليها حدّ الزاني، ويفرّق بينها وبين الذي تزوّجها، ولا تحلّ له أبداً).

وهذا يعني أنّه لو ثبت حكم للزوجة يثبت للرجعيّة والعكس صحيح، فكلّ ما يثبت للرجعيّة يثبت للزوجة، فتثبت الحرمة المؤبّدة للزوجة؛ لأنّها ثابتة للرجعية.

وأجاب عنه بعض الأعلام (قدس سره) بأنّه لو كانت الرجعيّة زوجة حقيقة لما اقتضى ذلك سراية حكمها إلى كلّ زوجة، فلعلّها تختصّ بحكم دون الباقي، فالحمل على وجه التنزيل ليس حاله بأقوى من الحقيقة، وليست المساواة ممتنعة إلّا أنّها خلاف الظاهر، بل الظاهر - كما يعلم من ملاحظة النظائر مثل: الطواف بالبيت صلاة، ومثل: ماء الحمّام بمنزلة الجاري - هو تنزيل الموضوع منزلة المحمول في أحكامه لا بالعكس، وهذا واضح (1).

وهذا الكلام وجيه فالتنزيل في القانون كالتشبيه في البلاغة، وهو لا يعني ثبوت كلّ صفات المشبّه به للمشبّه فضلاً عن ثبوت كلّ صفات المشبّه للمشبّه به.

ص: 46


1- يلاحظ: كتاب النكاح للشيخ الأراكي: 178.
المقام الثّاني في الاستدلال بالرّوايات
اشارة

وأمّا روايات المسألة فهي على قسمين:

القسم الأوَّل: ما يدلّ على الحرمة المؤبّدة
الرّواية الأولى
اشارة

معتبرة أديم بن الحرّ، قال: (قال أبو عبد الله (علیه السلام): التي تتزوّج ولها زوج يفرّق بينهما، ثمّ لا يتعاودان أبداً)(1).

رواها الشيخ في التهذيب، وروى في موضع آخر منه عن أديم بن الحرّ الخزاعي عن أبي عبد الله (علیه السلام) أنّه قال: (إنّ المحرم إذا تزوّج وهو محرم فرّق بينهما، ولا يتعاودان أبداً، والتي تتزوّج ولها زوج يفرّق بينهما، ولا يتعاودان أبداً)(2), والذيل جزء من الرواية، ولا وجه للتشكيك فيه كما عن بعضهم(3)، فالظاهر أنّ الشيخ ذكر الرواية كاملة، وإن كان المقطع الآخر ليس محلّا ً للاستشهاد. وفي الوسائل(4) وموضع من الوافي(5) نقلت كاملة.

ص: 47


1- تهذيب الأحكام: 7/ 305: (أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن علي، عن عبد الله بن بكير، عن أديم بن الحرّ).
2- تهذيب الأحكام: 5/ 329: (موسى بن القاسم، عن عباس، عن عبد الله بن بكير، عن أديم بن الحرّ الخزاعي).
3- مصحّح طبعة مكتبة الصدوق حيث علّق على الذيل قائلاً: (كذا في النسخ والجملة غير مفهومة لنا, وكأنّها زائدة).
4- وسائل الشيعة: 12/ 440، ط آل البيت (علیهم السلام).
5- الوافي: 21/ 278، ونقلها في موضع آخر (13/ 674) بعد نقل رواية إبراهيم بن الحسن المتضمّنة لمثل المقطع الأوّل فقط وقال مثله.
السّند
اشارة

والرواية معتبرة كما وصفناها فلا يقال: إنّ المراد ب-(أديم بن الحرّ) هو (الخزاعي)؛ وذلك لاتّحاد رواية أديم بن الحرّ مع ذيل رواية الخزاعي، والخزاعي لم يوثّق.

فإنّه يقال: إنّ في المقام احتمالات ثلاثة:

الاحتمال الأوّل
اشارة

اتّحاد الجعفي مع الخزاعي، وهو ما لم يستبعده السيّد الخوئي (قدس سره) في المعجم(1)، ويظهر أنّه بنى عليه في كتاب النكاح(2)؛ حيث عبّر ب-(معتبرة أديم بن الحرّ الخزاعي)، ولا طريق معتدّ به لاعتبارها إلّا اتّحاده مع الجعفي، ويمكن التوصّل إليه بطريقين:

الطّريق الأوّل

إثبات الاتّحاد بالمباشرة - أي بملاحظة عنوان أديم بن الحرّ الجعفي وعنوان أديم بن الحرّ الخزاعي بلا توسّط عنوان ثالث - فإنّه يستبعد أن يتّحد راويان باسم الأب والطبقة وفي الرواية عن الصادق (علیه السلام) ويروي عنهما عبد الله بن بكير.

ولكن ذلك لوحده قد لا يكون كافياً بملاحظة أنّ للخزاعي فيما وصل إلينا رواية واحدة فقط رواها عن الصادق (علیه السلام) ورواها عنه عبد الله بن بكير(3)، وأنّ في روايات الجعفي - ولو بملاحظة أنّه هو المراد عند الإطلاق - نحو تنوّع، فقد روى عن حمران بن أعين، وروى عنه عمر بن أبان(4), وروى عن معلّى بن خنيس وروى عنه يحيى الحلبي(5),

ص: 48


1- معجم رجال الحديث: 3/ 179.
2- مباني العروة الوثقى، كتاب النكاح: 1/ 302.
3- ينظر: تهذيب الأحكام: 5/ 329 ح45.
4- بصائر الدرجات: 197, 311، وغيرها.
5- بصائر الدرجات: 447.

ولم تقتصر رواياته عن الصادق (علیه السلام) على ابن بكير، وإنّما رواها عنه غير ابن بكير كجعفر بن بشير(1), وحمّاد بن عثمان(2).

ومن هنا يمكن أن يقال لو تمثّل شيء من هذا التنوّع في روايات الخزاعي, أو لا أقل من أن تكون قد تكرّرت ولو على شاكلة واحدة،لأمكن دعوى الوثوق بالاتّحاد. أمّا والحال أنّها واحدة فلا تثريب على المتوقّف. مضافاً إلى أنّه لو كان للخزاعي موارد يتفرّد بها لكان الوثوق بالاتّحاد أبعدَ أو ممنوعاً، وعليه فلا يقال لماذا عدم الوثوق والحال أنّ رواية الخزاعي لم تشذّ عن موارد روايات الجعفي, فتأمّل!

الطّريق الآخر

إثبات الاتّحاد بالواسطة - أي بإدخال عنوان ثالث - وهو أديم بيّاع الهروي، فقد بنى السيّد الخوئي (قدس سره) في المعجم(3) على اتّحاده مع الخزاعي لاتّحاد الراوي والمروي عنه. وهذه خطوة أولى وهي بحاجة إلى خطوة أخرى، وهي اتّحاد أديم بن الحرّ الجعفي مع أديم بيّاع الهروي - ليتمّ المطلوب - وقد بنى عليها السيّد الخوئي (قدس سره) في كتاب النكاح(4).

والخطوة الأخرى تامّة فإنّه من جهةٍ يوجد لأديم بن الحرّ الجعفي أخ يسمّى أيوب، فقد قال الصدوق في طريقه إلى أيوب بن الحرّ (عن أيوب بن الحرّ الجعفي الكوفي أخي

ص: 49


1- تهذيب الأحكام: 2/ 260.
2- الكافي: 3/ 75.
3- معجم رجال الحديث: 3/ 179.
4- مباني العروة الوثقى، كتاب النكاح: 1/ 300، وهي تنتج من كلامه في المعجم في حقّ الخزاعي وبياع الهروي من اتّحادهما مع السابق، لكنّا نريد تقريبها بنفسها لتكون دليلاً على اتّحاد الخزاعي مع الجعفي أي أنّنا نتناول المسألة بالعكس.

أديم بن الحرّ وهو مولى)(1)، وقال النجاشي: (أيوب بن الحرّ الجعفي...، يعرف بأخي أديم)(2)، وقال أيضاً: (زكريا بن الحرّ الجعفي أخو أديم وأيوب)(3)، وورد في جملة من الأسانيد (عن أيوب بن الحرّ أخي أديم)(4)، ومن الواضح أنّ أديم هنا وفي عبارة النجاشي هو ابن الحرّ؛ لأنّ الوارد أيوب بن الحرّ وزكريا بن الحرّ.

ومن جهة أخرى: يوجد أيضاً لأديم بيّاع الهروي أخ يسمّى أيوب، فقد ورد في الأسانيد (عن أديم بيّاع الهروي وأخيه أيوب)(5) و(عن أيوب أخي أديم بيّاع الهروي)(6).

وممّا نقلنا يعلم أنّ كلّا ً من ابن الحرّ وبيّاع الهروي كانا ممّن يعرّف أخواهما بهما، وهذه نكتة أخرى.

وذكر ابن حجر في اللسان: (أديم بن الحرّ الخثعمي بيّاع الهروي، روى عن جعفر الصادق، روى عنه حمّاد بن عثمان، وذكره الكشي في رجال الشيعة)(7).

وقوله (الخثعمي) لا يضرّ فقد عُبّر عنه بذلك في رجال الشيخ(8).ومعه يحصل الوثوق، فإنّ هذا عنصر إضافي لم يكن متوفّراً في الخزاعي مع اشتراكه

ص: 50


1- من لا يحضره الفقيه: 4/ 518.
2- رجال النجاشي: 103، برقم (256).
3- رجال النجاشي: 174، برقم (459).
4- الكافي: 2/ 519, 520. المحاسن: 1/ 151، 160.
5- الأصول الستة عشر: 40، أصل عاصم بن حميد الحناط.
6- الكافي: 5/ 128، ورواها في تهذيب الأحكام: 6/ 323.
7- لسان الميزان: 1/ 337.
8- رجال الشيخ: 156.

ببعض النقاط الأخرى كالطبقة وروايته عن الصادق (علیه السلام) ورواية ابن بكير عنه(1).

وبيّاع الهروي وإن افترق عن الجعفي برواية عروة بن موسى(2) وعاصم بن حميد الحناط(3) عنه ولم يرويا عن الجعفي وهو ما يدفع باتّجاه التغاير، إلّا أنّ قرينة اتّحاد اسم الأخ وكون كلّ منهما ممّن يعرّف به أخوه تتغلب على ذلك.

أمّا الخطوة الأولى فهي ليست بأحسن حالاً ممّا ذكر في الطريق الأوّل؛ فللخزاعي رواية واحدة، ولبيّاع الهروي ثلاث روايات يشترك مع الخزاعي في الراوي والمروي عنه في واحدة فقط.

كما وأنّ محاولة إرجاع بعض الألقاب إلى الآخر من جهة النسب كأن يكون أحدها بطن من الآخر لم تكلّل بالنجاح: لأنّ الخزاعي من الأزد(4)، والجعفي من مذحج(5)، وخثعم من إخوة بجيلة(6), ولم يُذكر أنّ بعض هذه الأنساب داخل تحت الآخر وإن كان هذا ليس مانعاً لو قامت قرينة فقد يكون نسبه من قبيلة وسكنه في أخرى فيعرف بهما، وقد تغلب عليه التي سكن بها كما في أبي الصباح الكناني فهو إبراهيم بن نعيم العبدي نُسِبَ إلى كنانة لسكنه فيهم(7)، وفي المقام قد يكون سبب العنوان الثالث كونه

ص: 51


1- الكافي: 5/ 426، ورواها في تهذيب الأحكام: 7/ 305.
2- المحاسن: 1/ 460.
3- الأصول الستة عشر: 40، أصل عاصم بن حميد الحناط.
4- اللباب في تهذيب الأنساب، ابن الأثير: 1/ 439، لب اللباب في تحرير الأنساب، جلال الدين السيوطي: 92.
5- الأنساب، السمعاني: 2/ 67.
6- اللباب في تهذيب الأنساب، ابن الأثير: 1/ 423.
7- رجال النجاشي: 20، رجال الطوسي: 156، رجال الكشي: 2/ 640.

حليفاً لهم أو سكن فيهم مدّة أيضاً أو أي شيء آخر.

والحاصل: أنّ هذا الاحتمال يمكن لأحد أن يشكّك فيه، فتأمّل!

الاحتمال الثّاني: تصحيف كلمة الخزاعي

يحتمل تصحيفها عن الجعفي أو الخثعمي أو الحذّاء أو الكوفي، والألقاب الأربعة لواحد وهو الثقة، الأوّل ذكره النجاشي والصدوق(1)، والثاني ذكره الشيخ في رجاله(2)، والثالث ذكره الكشي(3)، والرابع ذكره الصدوق والشيخ(4).

وهذا الاحتمال تساعده قرائن الطريق الأوّل آنف الذكر مع تقارب خطّي اللفظين, وهو وإن كان قوياً, لكن لا شاهد عليه. والوسائل(5) والوافي(6) موافقان لما في التهذيب.

الاحتمال الثّالث: تغايرهما

وهو - فضلاً عن أنّه مقتضى الأصل - يمكن تقريبه بما ورد في بعض الأسانيد حيث ورد (أديم أخو أيوب)(7) فلو لم يكن هناك من يشترك معه في الاسم فلا حاجة إلى هذا القيد، وليس في الطبقة بل ليس في كتبنا الرجالية والحديثية من يسمّى بأديم غير هذه العناوين الثلاثة. واتّحاد الجعفي مع بيّاع الهروي لا يتنازل عنه.

ص: 52


1- من لا يحضره الفقيه: 4/ 518، رجال النجاشي: 103، برقم (256).
2- رجال الطوسي: 156، أصحاب أبي عبد الله (علیه السلام).
3- رجال الكشي: 2/ 636.
4- من لا يحضره الفقيه: 4/ 518، رجال الطوسي: 156، أصحاب أبي عبد الله (علیه السلام).
5- وسائل الشيعة: 12/ 440.
6- الوافي: 13/ 674, 21/ 278.
7- بصائر الدرجات: ص311 ح 6، 7، ص350.

وعليه يمكن أن يقال بأنّ مورد الرواية الذي ورد فيه الوصف بالخزاعي يكون مبيّناً للمجرّد منه بعد كون المقطع المتّفق عليه ممّا يصلح للرواية لوحده، فهو يتضمّن معنى مستقلاً عن الآخر، وينتج عدم اعتبار الرواية لعدم وثاقة الخزاعي.

ولكن يمكن أن يجاب بأنّه وإنْ كان لا يوجد في ما وصل إلينا من مصادرنا مَن يسمّى بأديم غير هذه العناوين الثلاثة، لكن ذكر البرقي في رجاله في طبقة أصحاب أبي عبد الله (علیه السلام): (آدم بن عبد الله بن سعد الأشعري القمي)(1)، وذكر الشيخ في رجاله في أصحاب أبي عبد الله (علیه السلام): (آدم بن عبد الله القمي)(2)، والظاهر أنّه كان يطلق عليه أديم أيضاً، أو وجه محتمل في تسميته، فقد ذكر ابن حجر في لسان الميزان (أديم بن عبد الله بن سعد الأشعري القمي أخو عبد الملك، ذكره الكشي في رجال الشيعة، روى عنه نوح الشيباني)(3)، وهو وإن لم يوجد في الاختيار إلّا أنّ هذا لا يشكل نقضاً كما هو واضح؛ فإنّ الاختيار لا يطابق أصل الكتاب، ولم يعلم أنّ الشيخ لم يغيّر ولو بنحوٍ ما فيما يتعلّق برواة الخاصّة.

وذكر في كتب الجمهور شخص آخر يدور اسمه بين أديم أو هديم التغلبي، لكنّه مختلف الطبقة فقد ذكر في الصحابة(4).

مضافاً إلى أنّه ليس واضحاً جداً أنّ هذا التعريف ب-(أخو أيوب) لا يكون إلّا في مظنّة الاشتباه، فلعلّه أسرع في التعريف إلى ذهن السامع، أو يضيف وضوحاً، ولذا نجد

ص: 53


1- رجال البرقي: 27.
2- رجال الطوسي: 156.
3- لسان الميزان: 1/ 337.
4- ذكره ابن الأثير في أسد الغابة: 1/ 57، وابن حجر في الإصابة: 1/ 333.

الصدوق كما تقدّم النقل عنه مع ذكره لاسم أيوب واسم أبيه ولقبه من النسب والمسكن عرّفه بأخيه أديم، وكذا ما في الأسانيد من (أيوب بن الحرّ أخي أديم), فتأمّل.

ثمّ إنّه حتى إذا بنينا على التغاير بين الجعفي والخزاعي فقرينة أعرفيّة الجعفي تغلب على الاتّحاد بجزء الرواية فيحكم بتعدّد الرواية. وليس اللفظ طويلاً أو معقّداً أو حاوياً على تفريعات حتى يُستبعد صدوره بنفسه مرّتين من الإمام (علیه السلام) مع وجود اختلاف يسير، ففي رواية الخزاعي (ولا يتعاودان) وفي الأخرى (ثمّ لا يتعاودان).

أمّا أعرفية الجعفي فتُستفاد من ذكره في مصادرنا الرجالية ومصادر العامّة على خلاف الخزاعي، ومِنْ كونه ممّن يُعرّف به إخوته في الغالب كما تقدّم في حقّ أيوب وزكريا، وعُرّف به أخوه يحيى أيضاً(1). ولا يضرّ أنّه نفسه ربّما عُرّف بأيوب؛ لما أشرنا إليه آنفاً، وكونه وسم بصاحب أبي عبد الله (علیه السلام) وأنّه روى نيفاً وأربعين حديثاً عنه حسب الكشي(2) وإن كانت روايته الموجودة أقلّ.

وعلى جميع الاحتمالات - بغضّ النظر عن الأرجح وإنْ كنتُ إلى الثاني أميل - يمكن البناء على اعتبار الرواية.

الدلالة

يمكن أن يقال: إنّ ما يستفاد منها هو حكم العالِمَين؛ فإنّه لا إطلاق لها ليشمل حالة الجهل؛ لأنّ التعبير ب-(التي تتزوج ولها زوج) منصرف عن حالة جهلهما بذلك.

وقد يقال: بأنّ الشيخ في التهذيب فَهِمَ عدم الإطلاق حسب الظاهر، فقد جعلها دليلاً على حرمة المزني بها مؤبّداً، ولا زنا بلا علم.

ص: 54


1- الكافي: 1/ 373، ووردت في الإمامة والتبصرة: 36.
2- رجال الكشي: 2/ 636.

وقد استدلّ الشيخ في الاستبصار بمعتبرة أبي بصير(1) ومعتبرة شعيب العقرقوفي(2) على أنّ مَن تُعقد عالمة بالزوجيّة تكون زانية لو دخل بها، وحرمة المزني بها ليست بأولى من حرمة المزوّجة مطلقاً حتى يقال لعلّه استند إليها.

ولكن يكفي الشيخ الإطلاق، فلا يتوقّف استدلاله على اختصاص الرواية بالعالِمَين.

نعم، أصل الاستدلال غير تامّ؛ لأنّ الحرمة المؤبّدة في المعتبرة وإن ثبتت حتى في فرض الدخول للإطلاق، ومسلّم صدق الزنا على من يجامع عالماً بالحكم والموضوع إلّا أنّها إنّما ثبتت مع وجود عقد زواج، وأمّا مع عدمه وفرض الزنا بلا عقد فالرواية قاصرة عن الشمول لهذه الحالة لعدم تحقّق موضوعها، ولعلّه لهذا التجأ الأعلام (رضوان الله تعالی علیه) إلى أولويّة حرمة ذات البعل، وإلى ما ورد في ما يسمّى بالفقه الرضوي، وإلى الإجماع المنقول(3).

وحديث الأولويّة - رغم عدم تماميته - ذُكر في كلام الأصحاب، قال الشهيد في المسالك: (نعم، يتوجّه على ما تقدّم من إلحاق العقد على ذات البعل بالمعتدّة تحريمها هنا مع الدخول؛ لأنّه إذا ثبت تحريمها بالعقد المجرّد مع العلم فمع الدخول أولى. أو

ص: 55


1- الاستبصار: 3 / 189. أبو بصير عن أبي جعفر (علیه السلام) ( قال: سئل عن امرأة كان لها زوج غائباً عنها فتزوّجت زوجاً آخر، قال: فقال: إن رفعت إلى الإمام ثمّ شهد عليها شهود أنّ لها زوجاً غائباً عنها وأنّ مادّته وخبره يأتيها منه وأنّها تزوّجت زوجاً آخر كان على الإمام أن يحدّها ويفرّق بينها وبين الذي تزوجها، قيل له: فالمهر الذي أخذته منه كيف يصنع به؟ قال: إن أصاب منه شيئاً فليأخذه، وإن لم يصب منه شيئاً فإنّ كل ما أخذت منه حرام عليها مثل أجر الفاجرة).
2- الاستبصار: 3/ 189. شعيب العقرقوفي قال: (سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن رجل تزوّج امرأة لها زوج ولم يعلم، قال: يرجم المرأة وليس على الرجل شيء إذا لم يعلم).
3- مباني العروة الوثقى: 32/ 228.

نقول: إذا ثبت تحريمها بالدخول مع العقد فمع التجرّد عنه أولى)(1).

وكيفما كان، فدعوى الانصراف إلى حالة جهل الرجل لا موجب لها.

نعم، الانصراف عن حالة جهل المرأة ربّما يمكن لأحدٍ أن يقرّبه بالاستشهاد ببعض الروايات التي استعمل فيها تعبير مشابه وأريد به حالة العلم.

منها: معتبرة أبي عبيدة عن أبي عبد الله (علیه السلام)،قال: (سألته عن امرأة تزوّجت رجلاً ولها زوج. قال: فقال: إن كان زوجها الأوّل مقيماً معها في المصر الذي هي فيه تصل إليه ويصل إليها فإنّ عليها ما على الزاني المحصن: الرجم، قال: وإن كان زوجها الأوّل غائباً عنها أو كان مقيماً معها في المصر لا يصل إليها ولا تصل إليه فإنّ عليها ما على الزانية غير المحصنة...)(2).

وتقريب الاستفادة بأنْ يقال: إنّه لم يفرض علمها بأنّ لها زوجاً ومع ذلك رتّب عليها الإمام (علیه السلام) حكم العالمة، فالظاهر أنّ هذا التعبير يُستعمل عند علم الزوجة بأنّ لها زوج. وما في ذيلها من علم المسلمة بحرمة زواج المتزوّجة مرتبط بالحكم، وكلامنا في الموضوع.

ولا يقال: إنّه من المتعارف أن يُجمل السؤال أو يُترك اعتماداً على الجواب.

فإنّه يقال: صحيح، لكن ليس هذا مورده، فإنّه إنّما يصحّ في ترك الحكم المسؤول عنه، لا في ترك حالات المسؤول عن حكمه التي تؤثّر في الحكم، ففي المقام يصحّ ترك ذكر أنّه سأله عن حكمها من حيث الرجم أو الحدّ أو من حيث الحرمة المؤبّدة وعدمها أو غيرها، ومن جواب الإمام (علیه السلام) يتّضح بجلاء أنّ المسؤول عنه حكمها من حيث

ص: 56


1- مسالك الأفهام: 7/ 342.
2- الكافي: 7/ 192.

الرجم، أمّا ترك ذكر حالها من العلم أو الجهل ونحوهما فليس مناسباً، فهو مثل أن يترك بيان أنّ لها زوجاً أو أنّها تزوّجت رجلاً.

ولا يضرّ كونه من كلام السائل وليس من كلام الإمام (علیه السلام)،فالفرق إنّما هو من الجهة أعلاه، واتّضح أنّها غير مؤثّرة في ما نطلب.

ومنها: رواية يزيد الكناسي، قال: (سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن امرأة تزوّجت في عدّتها. قال: إن كانت تزوّجت في عدّة طلاق لزوجها عليها الرجعة فإنّ عليها الرجم، وإن كانت تزوّجت في عدّة ليس لزوجها عليها الرجعة فإنّ عليها حدّ الزاني غير المحصن، وإن كانت تزوّجت في عدّة من بعد موت زوجها من قبل انقضاء الأربعة أشهر والعشرة أيّام فلا رجم عليها، وعليها ضرب مائة جلدة. قلت: أرأيت إن كان ذلك منها بجهالة ؟ قال: فقال: ما من امرأة اليوم من نساء المسلمين إلّا وهي تعلم أنّ عليها عدّةً في طلاق أو موت، ولقد كنّ نساء الجاهلية يعرفن ذلك. قلت: فإن كانت تعلم أنّ عليها عدّة ولا تدري كم هي؟ قال: فقال: إذا علمت أنّ عليها العدّة لزمتها الحجّة فتسأل حتى تعلم)(1).

والتقريب نفسه، وكونها تتناول المعتدّة وليس المتزوجة غير ضار, فإنّ المهم هو تشابه التعبير. وسؤاله عن حالة الجهل بلزوم العدّة غير ضار وإن لم يكن نافعاً, لأنّ ما نريده دلالة الكلام على العلم بالموضوع، وهو هنا كونها في العدّة.

ومنها: معتبرة أبي بصير عن أبي جعفر (علیه السلام)،قال: (سئل عن امرأة كان لها زوج غائب عنها فتزوّجت زوجاً آخر. قال: إنْ رفعت إلى الإمام ثمّ شهد عليها شهود أنّ لها

ص: 57


1- الكافي: 7/ 192.

زوجاً غائباً، وأنّ مادّته وخبره يأتيها منه، وأنّها تزوّجت زوجاً آخر، كان على الإمام أن يحدّها، ويفرّق بينها وبين الذي تزوّجها. قلت: فالمهر الذي أخذت منه كيف يصنع به؟ قال: إنْ أصاب منه شيئاً فليأخذه، وإنْ لم يصب منه شيئاً فإنّ كلّ ما أخذت منه حرام عليها مثل أجر الفاجرة)(1).

ومنها: معتبرة شعيب - وجاء فيها قول أبي بصير -: (سمعت جعفراً يقول: إنّ عليّاً (علیه السلام) قضى في الرجل تزوّج امرأة لها زوج فرجم المرأة وضرب الرجل الحدّ، ثمّ قال: لو علمتُ أنّك علمتَ لفضختُ رأسك بالحجارة)(2). والتعبير هنا للإمام (علیه السلام).

ومنها: معتبرة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) في امرأة تزوّجت ولها زوج، فقال: (ترجم المرأة وإن كان للذي تزوّجها بيّنة على تزويجها وإلّا ضرب الحدّ)(3).

ولا يقال: إنّ الأحكام الواردة في هذه الروايات مطلقة تعمُّ الجاهلة إلّا أنّ القرينة الخارجية تقتضي الاختصاص بالعالمة، فلعلّه مجانب للإنصاف.

هذا، ولكن لا يوجد وجه واضح للتفريق بين الحكم المسؤول عنه وحالات المسؤول عن حكمه بحيث يمكن جعله متّكأ، فالترك متصوّر في الاثنين على نحو واحد وذلك للاختصار مثلاً، مضافاً إلى أنّ الثاني - ترك بعض حالات المسؤول عن حكمه - وارد في الروايات بما لا يتيسّر تحميله على اللفظ المستخدم في السؤال، فقد وردت حالات لم يذكر فيها في السؤال بعض حالات المسؤول عن حكمه المؤثّرة في الحكم واستفيدت من الجواب كما سيأتي في معتبرتي زرارة، فإنّ الدخول لم يُذكر وفُهِمَ من

ص: 58


1- الكافي: 7/ 193.
2- تهذيب الأحكام: 10/ 25.
3- تهذيب الأحكام: 10/ 26.

الاعتداد أو الاستحلال، ولفظ التزويج لا يدلّ عليه، فتأمّل.

ثمّ إنّه ربّما يتوهّم أنّ قوله (علیه السلام) (فرّق بينهما) قرينة على أنّه كان منهما دخول، فالتفريق إمّا اعتباري يطلق على الطلاق ونحوه؛ لأنّه مقابل عقد النكاح وشبهه، وإمّا تكويني يراد به منعهما من الاختلاء بعد تحقّقه، وحيث لا طلاق هنا دلّ على وقوع الخلوة، وهي تلازم الدخول عادة.

ولكنّه ضعيفٌ، فالخلوة لا تلازم الدخول ملازمة توجب الدلالة الالتزامية، وقد استعمل التفريق في موارد عدم تحقّق العلقة مع عدم الدخول كما في معتبرة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام)،قال: (سألته عن المرأة الحبلى يموت زوجها فتضع وتزوّج قبل أن تمضي لها أربعة أشهر وعشراً. فقال: إن كان دخل بها فرّق بينهما ثمّ لم تحلّ له أبداً - إلى أن قال - وإن لم يكن دخل بها فرّق بينهما واعتدّت بما بقي عليها من الأوّل وهو خاطب من الخطّاب)(1)، فإنّه مع بطلان العقد وعدم الدخول عبر ب-(فرّق بينهما)، فتأمل.

الحاصل: أنّ الرواية معتبرة، وهي تدلّ على الحرمة المؤبّدة سواء علم الرجل بأنّها متزوجة أم لا، وسواء دخل بها أم لا، وقدرها المتيقّن إذا كانت المرأة عالمة بأنّ لها زوجاً، أمّا مع جهلها فشمول الرواية ربّما يتوقف فيه، فليتأمّل.

الرّواية الثّانية

معتبرة زرارة، عن أبي جعفر (علیه السلام) (في امرأة فقدت زوجها أو نُعي إليها فتزوّجت، ثمّ قدم زوجها بعد ذلك فطلّقها. قال: تعتدّ منهما جميعاً ثلاثة أشهر عدّة واحدة، وليس للأخير أن يتزوّجها أبداً)(2).

ص: 59


1- الكافي: 5/ 427، وسندها: (علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي).
2- تهذيب الأحكام: 7/ 308، والاستبصار: 3/ 188، والطريق فيهما: (ابن أبي عمير عن ابن بكير عن زرارة).

وهي معتبرة فإنّ طريق الشيخ إلى ابن أبي عمير في المشيخة(1) وإن كان غير معتبر - حيث لم تثبت وثاقة جعفر بن محمّد العلوي الموسوي الواقع في طريقه؛ لعدم ثبوت وثاقة مشايخ النجاشي، فلا ينفع وصف محمّد بن عثمان شيخ النجاشي له بالصالح - إلّا أنّ بعض الطرق في الفهرست(2) معتبرة، وهذا النحو من التعويض مقبول بعد أن ذكر طريقاً إليه في المشيخة لمكان ما ذكره الشيخ في نهاية المشيخة من الإحالة.

وموردها جهل المرأة كما هو واضح، ولكن هل موردها جهل الرجل أيضاً؟

ثمّ هل موردها الدخول أم الأعمّ؟

أمّا بالنسبة للأوّل فقد ذهب إلى كون موردها جهل الرجل جماعةٌ، منهم السيّد صاحب الرياض وصاحب الجواهر والشيخ الأنصاري والسيّد الحكيم (رضوان الله تعالی علیه) (3). وتوقّف فيه السيّد الخوئي (رضوان الله تعالی علیه) (4).

وربّما يقرّب الانصراف بأنّ حالة جهل الرجل عند جهل المرأة هي الأكثر، فإنّ أهل الرجل أعلم بحاله من الأجنبي، فهم من يتابع أخباره ويسأل عنه، فإذا كانت أهله جاهلة فمن الطبيعي جهل الأجنبي.

إلّا أنّه لو سلّم ذلك - فقد يكون الزوج الآخر على صلة بالأوّل فيكون أكثر معرفة بأحوال سفره وسلوكه منها - لا شاهد على أنّه من حاقّ اللفظ فهو بدوي لا يُعبأ به، فتأمّل.

ص: 60


1- تهذيب الأحكام: 10/ 390.
2- الفهرست: 219.
3- رياض المسائل: 10/ 205, جواهر الكلام: 29/ 434, كتاب النكاح: 417، مستمسك العروة الوثقى: 14/ 132.
4- مباني العروة الوثقى، كتاب النكاح: 32/ 189.

ولا يقال بأنّه لو كان الرجل عالماً لبيّن، فإنّه ممّا يحتمل دخالته بالحكم، ولمّا لم يبيّن فالمنظور حالة جهله. فإنّه يقال: المراد أنّه يسأل عن الحكم بغضّ النظر عن حالتي علم الرجل وجهله. وهذا التعبير وافٍ بذلك، لا أنّه أراد أن يسأل عن خصوص العالم، وهذا غير وافٍ.

وأمّا بالنسبة إلى السّؤال الآخر فقد ذكر غير واحد من الأعلام(1) أنّ قوله (علیه السلام): (تعتدّ منهما جميعاً) قرينة على أنّ الآخر قد دخل بها وإلّا فلا معنى للاعتداد منه. وهو في محلّه؛ فغير المدخول بها لا عدّة لها(2).

وما ذكره الشيخ(3) في مقام حلّ التعارض مع ما دلّ على أنّ عليها عدّتين من أنّ موردها عدم دخول الثاني ليس في محلّه؛ فالعدّة منوطة بالدخول. أمّا التداخل وعدمه فشيء آخر، والتعارض فيه حتى لو استحكم لا يسري إلى أصل الاعتداد، وكيف يتلاءم مع التعبير ب-(منهما جميعاً)!

وبذلك تبيّن أنّ الظاهر أنّ موردها جهل المرأة مع الدخول، وتعمّ حالتي علم الرجل وجهله.

هذا لو أهملنا مناسبات الحكم والموضوع وإلّا فقد يقال: هل يحتمل ثبوت الحرمة المؤبّدة في فرض جهل المرأة، وعدمها مع فرض علمها؟ فهل يحتمل في العلم أن يكون

ص: 61


1- منهم: السيّد الحكيم في مستمسك العروة الوثقى: 14/ 132، والسيّد الخوئي في كتاب النكاح، الموسوعة: 32/ 189.
2- وممّا يدلّ على ذلك صحيح محمّد بن مسلم (الكافي: 6/ 84)، وصحيح الحلبي (الكافي: 6/ 83)، وغيرها.
3- تهذيب الأحكام: 7/ 308.

مانعاً من الحرمة أو مقتضياً للحلّيّة؟ أم أنّ المحتمل فيه كونه مانعاً من الحلّيّة ومقتضياً للحرمة؟

لم أعثر على مورد في باب النكاح كان الأثر الدنيوي فيه على الجاهل أشدّ منه على العالم، وقد ثبتت الكفارة على من يجامع عمداً دون الجاهل والناسي في باب الحجّ الذي لم تتكرّر فيه الكفارة بتكرّر الصيد من المحرم في الإحرام الواحد على الصيد العمدي بخلاف الصيد جهلاً أو خطأ أو نسياناً، فإنّها تتكرّر بتكرّر الصيد(1).

ومن هنا يمكن أن يعمّم الحكم لحالة علم الرجل لو تمّ دليل على اختصاص التعبير بالجاهل وفق ما ذُكر من المناسبات، فيكون الحكم في فرض الدخول عامّاً لكلتا حالتي الرجل والمرأة من العلم والجهل.

الرّواية الثّالثة
اشارة

معتبرة أخرى لزرارة، عن أبي جعفر (علیه السلام)،قال: (إذا نُعي الرجل إلى أهله أو خبّروها أنّه طلّقها فاعتدّت ثمّ تزوّجت، فجاء زوجها بعدُ، فإنّ الأوّل أحقّ بها من هذا الآخر، دخل بها أو لم يدخل بها، ولها من الأخير المهر بما استحلّ من فرجها. قال: وليس للآخر أن يتزوّجها أبداً)(2).

المتن هكذا رواها الكليني في موضع من الكافي، وهي رواية موسى بن بكر(3) عن

ص: 62


1- لاحظ مناسك الحجّ للسيّد الخوئي (قدس سره)،المسائل: (218، 220، 221، 222، 223، 225)، ولاحظ أدلّتها في مستند النّاسك في شرح المناسك: 1/ 87 - 114.
2- الكافي: 6/ 149.
3- بطريقين رئيسيين، الأوّل: (محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن موسى بن بكر). والآخر: (أبو العباس الرزاز محمّد بن جعفر، عن أيوب بن نوح، وأبو علي الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعاً، عن صفوان، عن موسى بن بكر).

زرارة, ورواها في موضع آخر(1) من نفس الباب برواية عبد الكريم(2) عن زرارة، وليس فيها قوله (علیه السلام): (قال: وليس للآخر أن يتزوّجها أبداً) مع مواضع من الاختلاف اليسير في بعض الألفاظ.

ورواها الصدوق في الفقيه(3) بالطريقين إلى قوله (علیه السلام) (بما استحلّ من فرجها)، ثمّ قال: وزاد عبد الكريم في حديثه: (وليس للآخر أن يتزوّجها أبداً). وفيها زيادة لفظ (الآخر)، أي: (دخل بها الآخر أو لم يدخل بها)، وليس (دخل بها أو لم يدخل بها).

ورواها الشيخ في التهذيب(4) والاستبصار(5) عن موسى بن بكر عن زرارة، وفيها هكذا: (دخل بها الأوّل أو لم يدخل بها، وليس للأخير أن يتزوّج بها أبداً ولها المهر بما استحلّ من فرجها)، فتقدّمت عبارة (وليس للأخير أن يتزوّج بها أبداً) على عبارة (ولها من الأخير المهر بما استحلّ من فرجها)، ولكنّه لا يضرّ بالمقصود فلا أثر لكيفيّة ترتيب العبارتين.

وورد فيها: (دخل بها الأوّل أو لم يدخل بها)، وتقدّم أنّ في الفقيه: (دخل بها الآخر

ص: 63


1- الكافي: 6/ 150، وفيه هكذا: (قال: إذا نُعي الرجل إلى أهله أو خبّروها أنّه قد طلّقها فاعتدّت ثمّ تزوّجت فجاء زوجها الأوّل؟ قال: الأوّل أحقّ بها من الآخر، دخل بها أو لم يدخل بها، ولها من الآخر المهر بما استحلّ من فرجها).
2- هو عبد الكريم بن عمرو الخثعمي، وقد صرّح بذلك في الفقيه، والطريق هكذا: (عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه جميعاً، عن ابن أبي نصر، عن عبد الكريم).
3- من لا يحضره الفقيه: 3/ 548.
4- تهذيب الأحكام: 7/ 488.
5- الاستبصار: 3/ 190.

أو لم يدخل بها) وليس في الكافي لفظ (الأوّل) ولا لفظ (الآخر).

قال المحقّق التّستري: (والظاهر كون زيادتهما من المحشّين لتوضيح المراد من الفاعل في (دَخَلَ)، لكن (الآخر) في الفقيه وهم في فهم المراد؛ لأنّ المراد أنّ الأوّل أحقّ بالمرأة ولو بمجرّد عقد)(1).

أقول: كون المراد ذلك يتوقّف على معرفة مرجع الضمير، فقد يقال بأنّ المراد هو كون الأوّل أحقّ بها وإن دخل بها الآخر, فالأولى ذكر القرينة الدالّة على أنّه يعود على الأوّل، وهي قوله (علیه السلام): (ولها من الأخير المهر بما استحلّ من فرجها)، فإنّها تدل على دخول الآخر فلا معنى للترديد قبل ذلك بلحاظه. نعم، أصل التصريح بالفاعل قد يكون كما ذكر (قدس سره) ولو بملاحظة عدم ذكره في الكافي، والأمر سهل فالمعنى واضح.

هذا، وقد روى الشيخ بعد هذه الرواية متّصلاً بها في التهذيبين(2) بطريق معلول(3) عن عبد الله بن بكير عن أبي جعفر (علیه السلام) مثلها من حيث ترتيب العبارات مع اختلافات يسيرة في بعض الألفاظ.

قال المحقّق التّستري: (لكن خبره الثاني عين خبره الأوّل، و(عبد اللَّه بن بكير) في سنده محرّف (موسى بن بكر)، وسقط منه زرارة كما يشهد له اقتصار الفقيه على ذلك السّند، وكيف وابن بكير لم يروِ عن الباقر (علیه السلام) أصلاً)(4).

أقول: أمّا ما أفاده من عدم رواية عبد الله بن بكير عن أبي جعفر (علیه السلام) فهو تامّ لا

ص: 64


1- النجعة في شرح اللمعة: 8/ 438.
2- تهذيب الأحكام: 7/ 489, الاستبصار: 3/ 190.
3- فيه محمّد بن خالد الأصم، ولم يوثّق.
4- النجعة في شرح اللمعة: 8/ 438.

غبار عليه، فإنّه يروي عنه (علیه السلام) في عشرات الموارد بالواسطة، ولم ترد روايته بغير واسطة إلّا في مواضع قليلة لا تبلغ - فيما تتبعت - أصابع اليد الواحدة ممّا يوجب الاطمئنان بوجود سقط في الموارد التي وردت بلا واسط، مع أنّه لم يذكره أحد من الرجاليين في طبقة أبي جعفر (علیه السلام).

وأمّا حديث سقوط زرارة فلو قلنا بعدم التصحيف فهو محتملٌ بدرجة كبيرة فغالبية روايات ابن بكير عن أبي جعفر (علیه السلام) بواسطة زرارة، ولكن كثيرين غيره توسّطوا أيضاً, وعليه فلا وضوح بأنّ الواسطة زرارة.

نعم، لو تمّ حديث التصحيف فالأمر يختلف, ولكنّه ليس واضحاً؛ فإنّ الراوي عن موسى في الرواية السابقة علي بن الحكم، وهنا مَن يروي عن عبد الله هو محمّد بن خالد الأصم، فالطريق مختلف. واقتصار الصدوق ليس قرينة تامّة, مع أنّ الأصم لم يروِ عن موسى أصلاً، فيمكن أن يكون هذا طريقاً آخر للرواية عن زرارة ولا غرابة. ولمّا كانت الرواية معتبرة بالطرق الأخرى وكان المروي بهذا الطريق ليس مختلفاً بما يخلّ حتى يمكن أن يؤثّر في الوثوق بالمتن، لا أثر لكونها رواية موسى أو غيرها.

ثمّ إنّه يلاحظ أنّ ما ذكره الصدوق من أنّ عبد الكريم هو من زاد مخالفٌ لما في الكافي فالأمر فيه على العكس، فرواية موسى هي التي فيها الزيادة دون رواية عبد الكريم. وما في التهذيبين موافق للكافي في رواية موسى ولم ترد فيهما رواية عبد الكريم. وهذا الاختلاف لا أثر له؛ لأنّ الطريقين معتبران، فأصل وجود العبارة ضمن الرواية محرز بطريق معتبر. وعدم تعيّنه لنا لا يؤثّر في حجّيّته.

اللهم إلّا أن يقال: الإشكال لا يتوقّف على عدم تعيين المشتملة على العبارة، فإنّ الزيادة مشكوكة الورود؛ لأنّها بالتالي لم ترد في أحد النقلين والرواية واحدة. وأصالة

ص: 65

عدم الاشتباه في جانب الزيادة لا تتقدّم على أصالة عدمها في جانب النقيصة فإنّ ذلك ليس عرفيّاً.

إلّا أنّه يمكن الجواب ب-: أنّ ذلك إنّما يتمّ في غير المطلب المستقل الذي يمكن أن لا ينقله بعضهم لسبب أو لآخر، والمفروض في المقام أنّ الحكم بالحرمة المؤبّدة حكم مستقل لا علاقة له بغيره ممّا ذكر في المعتبرة، فليس هو شرطاً ولا قيداً ولا استثناءً منها, فتأمّل.

السّند

والرواية معتبرة في موضعي الكافي؛ لوثاقة موسى بن بكر فإنّه الواسطي، لأنّ اللذين روياها عنه - هنا - علي بن الحكم وصفوان، وهما من رواة كتاب الواسطي(1). والواسطي ثقة، ويكفينا لذلك أن يروي عنه من لا يروون إلّا عن ثقة، فقد روى عنه ابن أبي عمير(2) وصفوان(3)، بل هما راويا كتابه حسب الفهرست(4)، ووردت رواية البزنطي عنه في موضعين في طريقهما سهل بن زياد(5). وعبد الكريم هو ابن عمرو الخثعمي، وهو الثقة(6).

كما أنّها معتبرة في الفقيه بأحد طريقيها وهو: ما عن عبد الكريم فقد بدأه بالبزنطي،

ص: 66


1- علي بن الحكم: رجال النجاشي: 407، صفوان: الفهرست: 242.
2- من لا يحضره الفقيه: 4/ 416.
3- الكافي: 1/ 222، وموارد أخرى كثيرة في الكافي وغيره.
4- الفهرست: 242.
5- الكافي: 3/ 177، 7/ 279.
6- رجال النجاشي: 245، (كان ثقة ثقة عيناً).

وطريقه إليه صحيح(1).

وأمّا ما عن موسى بن بكر فليس تامّاً؛ لأنّه بدأه بموسى نفسه - حسب الظاهر وهو ما فهمه الحرّ في الوسائل(2) - ولم يذكر طريقه إليه.

ويحتمل في العبارة(3) أنّ موسى عطف على عبد الكريم فيكون الطريق صحيحاً كالأوّل، وقد وردت رواية البزنطي عن موسى بطريق فيه سهل بن زياد كما أشرنا إليه، لكنّه بعيد.

وما عن موسى في التهذيبين معتبر وإن بدأه بعلي بن الحسن بن فضال، فطريقه إليه تامّ على الأقرب(4).

وتحصّل من جميع ما تقدّم أنّ الرواية معتبرة والاختلاف في المتن لا يؤثّر.

موردها

الظاهر منها أنّ موردها كالسابقة وهو جهل المرأة مع الدخول، وتعمّ حالتي علم الرجل وجهله، أمّا جهلها فواضح، وأمّا عمومها لحالتي الرجل من العلم والجهل فكما تقدّم في المعتبرة السابقة، وأمّا الدخول فلما تقدّم وذكره غير واحد من الأعلام(5) من

ص: 67


1- طريق البزنطي: من لا يحضره الفقيه: 4/ 431.
2- وسائل الشيعة: 20/ 448.
3- عبارته هكذا: (وروى أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي، عن زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام)،وموسى بن بكر، عن زرارة عن أبي جعفر (علیه السلام)).
4- يلاحظ ما ذكره السيّد الأستاذ (دامت افاداته) في قبسات من علم الرجال: 2/ 266.
5- منهم السيّد الحكيم (قدس سره) في مستمسك العروة الوثقى: 14/ 132، والسيّد الخوئي (قدس سره) في كتاب النكاح من مباني العروة الوثقى،الموسوعة: 32/ 189. وظاهر عبارة السيّد الحكيم أنّ استحقاق المهر نفسه هو القرينة بلا دخالة التعليل باستحلال الفرج.

قرينيّة قوله (علیه السلام): (ولها المهر بما استحلّ من فرجها) على ذلك، فإنّ هذا التعبير ظاهر بأنّه واقعها، لا مجرّد أن يبني على حلّيّة مواقعتها أو يمارس ما دون الوطء من الاستمتاعات.

والدليل على إناطة الاستحقاق بالاستحلال وأنّه الوطء مجموعة من الروايات في فروض شتى:

منها: معتبرة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام) أنّه قال: (في الرجل يتزوّج إلى قوم فإذا امرأته عوراء ولم يبيّنوا له. قال: لا تردّ، إنّما يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل. قلت: أرأيت إن كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها؟ قال: المهر لها بما استحلّ من فرجها، ويغرم وليّها الذي أنكحها مثل ما ساق إليها)(1).

ومنها: معتبرة محمّد بن مسلم، قال: (وسألت أبا جعفر (علیه السلام) عن امرأة حرّة تزوّجت عبداً على أنّه حرّ، ثمّ علمت بعد أنّه مملوك؟ قال: هي أملك بنفسها إن شاءت بعد علمها أقرّت به وأقامت معه، وإن شاءت لم تقم، وإن كان العبد دخل بها فلها الصداق بما استحلّ من فرجها، وإن لم يكن دخل بها فالنكاح باطل، فإن أقرّت معه بعد علمها أنّه عبد مملوك فهو أملك بها)(2). وغيرهما(3).

ص: 68


1- من لا يحضره الفقيه: 3/ 433.
2- من لا يحضره الفقيه: 3/ 453.
3- منها: مضمرة سليمان بن خالد، قال: (سألته عن رجل تزوّج امرأة في عدّتها، قال: يفرّق بينهما، وإن كان دخل بها فلها المهر بما استحلّ من فرجها ويفرّق بينهما فلا تحلّ له أبداً، وإن لم يكن دخل بها فلا شيء لها من مهرها). الكافي: 5/ 429. ومنها: رواية الحسن بن صالح، قال: (سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجل تزوّج امرأة فوجد بها قرناً، قال: هذه لا تحبل [تردّ على أهلها من] ينقبض زوجها عن مجامعتها تردّ على أهلها، قلت: فإن كان دخل بها؟ قال: إن كان علم بها قبل أن يجامعها ثمّ جامعها فقد رضي بها وإن لم يعلم إلّا بعد ما جامعها فإن شاء بعد أمسكها وإن شاء سرّحها إلى أهلها، ولها ما أخذت منه بما استحلّ من فرجها). الكافي: 5/ 409. ومنها: معتبرة محمّد بن مسلم أنّه سأل أبا جعفر (علیه السلام) عن رجل تزوّج إلى قوم امرأة فوجدها عوراء ولم يبيّنوا أَ له أن يردها؟ قال: (لا يردّها، إنّما يردّ النكاح من الجنون والجذام والبرص، قلت: أرأيت إن دخل بها كيف يصنع؟ قال: لها المهر بما استحلّ من فرجها، ويغرم وليها الذي أنكحها مثل ما ساقه). من لا يحضره الفقيه: 3/ 433. ويمكن اعتبار طريق الصدوق إلى محمّد بن مسلم بتقريب للسيّد الأستاذ (دامت افاداته). تلاحظ: قبسات من علم الرجال: 2/ 244.

وحديث المناسبات المتقدّم يأتي هنا، فيمكن القول بشمول الحكم في فرض الدخول لكلتا حالتي الرجل والمرأة من العلم والجهل.

الرّواية الرّابعة

مرفوعة أحمد بن محمّد: (أنّ الرجل إذا تزوّج المرأة، وعلم أنّ لها زوجاً، فرّق بينهما ولم تحلّ له أبداً)(1).

وهي بمنطوقها تدلّ على الحرمة المؤبّدة في حالة علم الزوج سواءً علمت المرأة ببقاء علقتها مع الأوّل أو جهلت. وهل هي ناظرة إلى فرض الدخول أم لا؟ يأتي ما تقدّم في معتبرة أديم من قرينيّة التفريق بينهما على ذلك.

وبمفهومها تدلّ على عدم الحرمة لو لم يعلم الزوج.

إن قلت: مع العلم يثبت التفريق والحرمة المؤبّدة بمقتضى المنطوق أمّا عند انتفاء العلم فلا يثبت بالمفهوم إلّا عدم المجموع المركّب منهما، وهو الذي يقتضيه الانتفاء عند الانتفاء وليس أزيد من ذلك، وعليه لا تثبت بالمفهوم الحلّيّة في فرض الجهل, فلعلّ

ص: 69


1- الكافي: 5/ 429.

المرفوع خصوص التفريق.

قلت: لا يحتمل أن لا يفرّق بينهما، وهل تجمع بين زوجين في آن واحد؟!

اللهم إلّا أنْ يقال: إنّ احتمال أحقّيّة الآخر قائمة فلا يلزم الجمع. ولكنّه منفي بما تقدّم من المعتبرتين.

ولا يقال: الظاهر كون المراد أنّ الرجل كان جاهلاً بكونها متزوّجة ثمّ علم بذلك، فلو أريد أنّه عند التزويج كان عالماً لعبّر ب-(وهو يعلم). فإنّه - مضافاً إلى أنّ الواو لا تدلّ على الترتيب - من البعيد أن يكون للعلم بعد الجهل دخالة بحيث لو بقي جاهلاً إلى فترة انفراط عقدها مع الأوّل بموت أو غيره لكانت حلالاً، ولكنّه لمّا علم قبل الانفراط حرمت عليه مؤبّداً، وليس من الضروري أن يكون الكلام على أتمّ وجه في البيان والوضوح، بل المهم أن يكون ظاهراً في المطلوب.

وموردها يعمّ ما إذا كانت الزوجة عالمة أو جاهلة، ويعمّ فرضي الدخول وعدمه.

ولكنّها مخدوشة سنداً.

الرّواية الخامسة

رواية علي بن جعفر، قال: (سألته عن امرأة بلغها أنّ زوجها توفّي فاعتدّت سنة وتزوّجت، فبلغها بعدُ أنّ زوجها حيّ، هل تحلّ للآخر؟ قال: لا)(1).

رواها الحميري في قرب الإسناد، ووردت مع اختلاف يسير في مسائل علي بن جعفر(2).

ومن هنا يمكن التغلّب على المشكلة السندية بحصول الوثوق بالصدور، فإنّه ربّما

ص: 70


1- قرب الإسناد: 247.
2- مسائل علي بن جعفر: 180 وفيها (.. فاعتدّت (ثمّ) تزوّجت، فبلغها بعد(أن تزوجت) أنّ زوجها..).

يحصل لتوفّر نسختين من كتاب علي بن جعفر عليها، كما أشار إليه السيّد الأستاذ (دامت افاداته) (1).

أمّا تقريب الاستدلال بها على الحرمة المؤبّدة فبوجهين:

الأوَّل: أنّ السؤال إنّما هو عن الحرمة المؤبّدة وإلّا فهل يَحتمل مسلم أن تحلّ المرأة لرجلٍ وهي في عصمة آخر حتى يكون منشأ لسؤال مثل علي بن جعفر؟! وقد ورد في معتبرة أبي عبيدة عن أبي عبد الله (علیه السلام): (قلت: فإن كانت جاهلة بما صنعت؟ قال: فقال: أليس هي في دار الهجرة؟ قلت: بلى، قال: فما من امرأة اليوم من نساء المسلمين إلّا وهي تعلم أنّ المرأة المسلمة لا يحلّ لها أن تتزوّج زوجين)(2).

وفي رواية يزيد الكناسي عن أبي جعفر (علیه السلام)،قلت: (أرأيت إن كان ذلك منها بجهالة؟ قال: فقال: ما من امرأة اليوم من نساء المسلمين إلّا وهي تعلم أنّ عليها عدّة في طلاق أو موت، ولقد كنّ نساء الجاهلية يعرفن ذلك)(3), فإذا كانت تعلم أنّ عليها عدّة من زوجها لا تقرب فيها الرجال فكيف تجهل أن يحلّ لها الزواج وهي في ذمّة رجل آخر.

لكن الكلام ليس في أن تجمع المرأة بين الزوجين, وإنّما احتمال أن يبطل زواج الأوّل مثلاً فتحلّ للثاني، ولعلّ هذا لم يكن بيّن الخطأ بحيث يستبعد السؤال عنه من

ص: 71


1- وسائل الإنجاب الصناعية، الملحق السادس: 588 حيث قال: (فتلخّص من جميع ما تقدّم أنّه لا يوجد وجه وجيه للاعتماد على ما ورد في كتاب قرب الإسناد أو في النسخة الأخرى من مسائل علي بن جعفر، فهما لا يصلحان إلّا للتأييد. نعم، ربّما يحصل الوثوق بما يتّفقان عليه، ولا سيّما مع ضم بعض القرائن الأخرى، فإن حصل كان هو الحجّة, فتدبّر).
2- الكافي: 7/ 192.
3- الكافي: 7/ 192.

الرواة, ولذا نجد بعض الموارد يُبيَّن فيها أنّها تكون زوجة لأيٍّ منهما كما في معتبرة محمّد ابن قيس عن أبي جعفر (علیه السلام)،قال: (قضى في رجل ظنّ أهله أنّه قد مات أو قتل فنكحت امرأته أو تزوّجت سريّته فولدت كلُّ واحدة منهما من زوجها، ثمّ جاء الزوج الأوّل أو جاء مولى السريّة، قال: فقضى في ذلك أن يأخذ الأوّل امرأته فهو أحقّ بها، ويأخذ السيّد سريّته وولدها أو يأخذ رضاه من الثمن ثمن الولد)(1).

وأخرى يُسأل فيها عن التفريق بينهما كما في معتبرة شعيب، قال: (سألت أبا الحسن (علیه السلام) عن رجل تزوّج امرأة لها زوج. قال: يفرّق بينهما. قلت: فعليه ضرب؟ قال: لا، ما له يضرب؟)(2).

وورد في معتبرة زرارة الثانية التعبير ب-(فإنّ الأوّل أحقّ بها من هذا الآخر) وهو الحكم الأوّل في المسألة ثمّ أتبعه بالحكمين الآخرين. وهذا يدلّ على أنّه شيء يستحق البيان.

الوجه الثّاني: إطلاق جواب الإمام (علیه السلام) فإنّه لم يقيّد بموت الأوّل مثلاً أو طلاقه لها.

ويمكن أن يجاب عن هذا الاستدلال: بأنّه (علیه السلام) إنّما أجاب عن السؤال معتمداً على كلام السائل ولم يُعد الموضوع، فالمناط في كون الجواب شاملاً لما بعد خروجها عن عصمة الأوّل أو ليس بشاملٍ هو شمول السؤال له وعدمه.

ولكن يكفي السؤال فإنّه مطلق ويشمل حالة ما بعد خروجها عن عهدة الأوَّل.

اللهم إلّا أن يقال: بأنّ الحلّيّة قبل الخروج من عصمة الأوّل إنّما هي بمعنى أحقيّة

ص: 72


1- تهذيب الأحكام: 8/ 183.
2- تهذيب الأحكام: 10/ 25.

الثاني بها من الأوّل، أو بمعنى سريان مفعول عقد الثاني وعدم بطلانه بالعلم بزواجها الأوّل. وأمّا الحلّيّة بعد خروجها عن عصمة الأوّل فهي تعني صحّة العقد الجديد في مقابل الحرمة الأبديّة وبطلان أيّ عقد في المستقبل. وعلى هذا كيف يسأل عنهما بلفظ واحد؟!

إلّا أنّ هذا الكلام غير واضح؛ فالظاهر أنّ المراد من الحلّيّة ما يشمل صحّة العقد استمراراً وصحّة إحداث عقد جديد، فتأمّل!

ولو تمّت دلالتها فموردها جهل المرأة، وتعمّ حالتي الدخول وعدمه، وكون موردها جهالة الرجل مبني على تمامية الانصراف المتقدّم، وهو محلّ منع.

والحاصل: أنّ الالتزام بتماميّتها سنداً ودلالةً ليس بمجازفة.

وكيفما كان فهي لا تزيد على معتبرتي زرارة.

والحمد لله ربِّ العالمين وصلّى الله على سيدنا محمَّد وآله الطيبين الطاهرين.

* * *

ص: 73

ص: 74

رباعيّة المسافر في المواضع الأربعة (الحلقة الثانية) - الشيخ جاسم الفهدي (دام عزه)

اشارة

للمواضع الأربعة التي حكم بالتخيير في فرائضها الرباعيّة خصوصيات فريدة تميّزت فيها عن سائر البقاع.

وفي بيان حدود هذه المواضع وما يترتّب عليها من الأحكام اختلفت كلمات الأعلام تبعاً لاختلاف الروايات.

وهذه الورقات محاولة في تأمّل وجوه الروايات، ولملمة شتات هذه الكلمات لمعرفة حدود هذه المواضع، والنظر في إمكان شمول أحكامها إلى سائر مشاهد الأئمّة (علیهم السلام).

ص: 75

ص: 76

بسم الله الرحمن الرحیم

البحث في صلاة المسافر واحد من أهمّ الأبحاث التي اهتمّ بها الفقهاء لحاجة المكلّف إلى مسائله وصوره، ومنها مسألة صلاة المسافر إلى المواضع الأربعة، وهي: مكّة المكرّمة، والمدينة المنوّرة، والكوفة، وحرم الحسين (علیه السلام).

وبعد أن تقدّم الكلام في المقام الأوَّل من حكم الصلاة الرباعيّة للمسافر إلى المواضع الأربعة، واستعراض الأقوال الثلاثة فيها، وهي: ما ذهب إليه المشهور من التخيير بين القصر والتمام وأفضلية التمام، وما اختاره الشيخ الصدوق (رضوان الله علیه) من تعيّن القصر، وما نسب للسيّد المرتضى (رضوان الله علیه) من تعيّن التمام فيها.

والذي ظهر بعد استعراض أدلّة هذه المواقف أنّ الصحيح هو ما ذهب إليه المشهور، اعتماداً على الجمع بين الروايات الدالّة على التخيير والروايات الظاهرة في تعيّن التمام، وحمل الروايات الدالّة على تعيّن القصر حملاً جهتيّاً - يقع البحث في المقام الثاني، وهو: في بيان حدود المواضع الأربعة التي حُكم بالتخيير فيها، وهل يختصّ الحكم في المساجد الثلاثة والحائر، أو يعمّ البلدان الثلاثة والحائر، أو يشمل البلدان الأربعة؟ وسوف نستعرض الأقوال فيها، وبيان الأدلّة عليها من خلال أربعة مواضع:

الأوَّل: في حدود مكّة المكرّمة، والمدينة المنوّرة.

الثَّاني: في حدود الكوفة، وهل يشمل الحكم مدينة النّجف الأشرف؟

الثَّالث: في تحديد الحائر الحسيني.

الرَّابع: في دعوى شمول الحكم لجميع مشاهد الأئمّة (علیهم السلام).

ص: 77

المقام الثَّاني: في بيان حدود الأماكن الأربعة

اشارة

وقع الخلاف بين الأعلام في حدودها؛ لما ورد من الأخبار.

نعم، استُظهر اختصاص الحكم بالحرمين وعدم ثبوته في الكوفة وقبر الحسين (علیه السلام) من كلام المحقّق الشيخ حسن في المنتقى؛ لعدم تعرّضه لأخبارهما، كما نبّه عليه في مفتاح الكرامة حيث قال: (ولم يتعرّض لمسجد الكوفة والحائر الشريف في المنتقى، ولعلّه لعدم صحّة أخبارهما عنده، فليتأمّل فيه)(1).

وظاهره النظر إلى ما ذُكر في منتقى الجمان من بعض الأخبار الصحاح والحسان في حكم التخيير في الحرمين حيث علّق عليها قائلاً: (واعلم أنّ الذي يتحصّل من هذه الأخبار وما سيجيء بمعناها هو ثبوت التخيير بين التقصير والإتمام في الحرمين)(2). ولكنّه ذكر في موضع آخر من نفس الباب صحيحة حمّاد بن عيسى عن أبي عبد الله (علیه السلام) أنّه قال: (من مخزون علم الله الإتمام في أربعة مواطن: حرم الله، وحرم رسوله، وحرم أمير المؤمنين، وحرم الحسين بن علي)(3).

وهذه الصحيحة أهمّ الروايات التي يتمسّك بها لإثبات الحكم في الكوفة والحائر الشريف كما سيأتي.

ونتطرّق في هذا المقام إلى الأخبار التي دلّت على حكم الصلاة في المواطن الأربعة، وما قيل فيها لمعرفة حدودها التي جاز فيها التخيير في الصلاة.

ص: 78


1- مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة: 10/ 303.
2- منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان: 2/ 183.
3- منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان: 2/ 195.

ويقع الكلام في مواضع:

الموضع الأوَّل: في الحرمين: مكّة المكرمة والمدينة المنوّرة

اشارة

وفيه عدّة أقوال:

1. شمول الحكم لمكّة والمدينة، وعدم الاختصاص بالمسجدين

وهو مختار الشيخ في الخلاف والمبسوط والنهاية، ومختار المحقّق في جميع كتبه، ومختار العلّامة في المنتهى والتحرير، ومختار مجمع الفائدة والبرهان، والذخيرة، والحدائق، وكذلك مختار السيّد الخوئي (رضوان الله علیه)،وقد وصِف في الحدائق بأنّه المشهور، وفي الرياض بالأشهر.

2. اختصاص الحكم بالمسجدين

وهو ما ذهب إليه ابن إدريس، والعلّامة في القواعد والمختلف والتذكرة والنهاية، وكذلك الشهيد الأوّل في الذكرى والدروس واللمعة، والشهيد الثاني في الروض والروضة، وقال صاحب الجواهر: (وقد قيل: إنّ المشهور هنا الاقتصار في الحرمين على المسجدين منه)(1).

3. اختصاص الحكم بالحرمين

وهو أعمّ من المسجدين ويساوق البلد والمدينة، وأمّا مكّة فبينها وبين الحرم سابقاً عموم مطلق؛ لأنّ من الحرم ما هو خارج عن مكّة، ولكن كلّ مكّة كانت حرماً إلّا أنّها توسّعت لاحقاً فكان بعضها من الحرم دون بعض.

ص: 79


1- جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام: 14/ 339.

وقد عُبّر بالحرمين في التلخيص، والإرشاد، والتبصرة، والمنتقى(1). وهذا ما استظهره غير واحد - كصاحب مفتاح الكرامة - من كلمات الشيخ في التهذيب، حيث قال: (ويستحب إتمام الصلوات في الحرمين؛ فإنّ فيه فضلاً كثيراً)، ثمّ قال: (ومن حصل بعرفات فلا يجوز له الإتمام على حال)(2).

لكن أُشكل بأنّ هذا ليس قولاً في قبال الأقوال الأُخر، بل المراد بالحرمين هو بلدة مكّة والمدينة كما فسّره الشهيد الثاني في روض الجنان(3).

4. شمول الحكم لجميع مكّة واختصاصه بالمسجد النبوي في المدينة
اشارة

وهو ظاهر السيّد المرتضى، حيث قال: (ولا تقصير في مكّة، ومسجد النبي (صلی الله علیه و آله و سلم)،ومسجد الكوفة، ومشاهد الأئمّة القائمين مقامه)(4).

والكلام يقع تارة في مقتضى القاعدة - أي الأصل الأوّلي - وأخرى في الأخبار.

أمّا مقتضى القاعدة فهو تعيّن القصر من جهة الأدلّة العامّة التي دلّت على وجوب القصر على المسافر فيخرج عنه بمقدار ما تفي به الأخبار الخاصّة المتقدّمة الدالة على وجوب التمام أو التخيير، فإن وَفَت بالشمول لما يزيد على المسجد أخذ بذلك، وإلّا تعيّن الاقتصار على المسجد؛ لأنّه المتيقّن فيتمسّك بالأصل فيما شكّ فيه، وهو وجوب القصر. وقد أشار إلى هذا في الرياض والجواهر(5).

ص: 80


1- لاحظ: مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة: 10/ 299.
2- تهذيب الأحكام: 5/ 425، 432.
3- لاحظ: مفتاح الكرامة: 10/ 299.
4- جمل العلم والعمل: 77.
5- لاحظ: رياض المسائل: 4/ 382، جواهر الكلام: 14/ 339.

وأمّا الأخبار فهي على طوائف أربع وفق الأقوال الأربعة:

الطّائفة الأولى: ما دلّ على شمول الحكم لتمام البلدتين

وهي على قسمين:

الأوَّل: ما جاء فيه ذكر المدينة على لسان السائل.

والآخر: ما جاء فيه ذكر المدينة في كلام الإمام (علیه السلام).

أمّا القسم الأوّل فهو روايات ستّ:

منها: ما رواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن علي بن محبوب، عن محمّد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: (سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن التمام بمكّة والمدينة؟ فقال: أتم وإن لم تصلِّ فيهما إلَّا صلاة واحدة)(1).

ومثلها الرواية الأولى والرابعة والخامسة من الطائفة الأولى، والرواية السابعة من الطائفة الثانية، والرواية الثانية من الطائفة الثالثة من الطوائف المتقدّمة في أصل المسألة.

القسم الآخر: ما ورد ذكر المدينة فيه على لسان الإمام (علیه السلام):

منها: ما رواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن صفوان، عن مسمع، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: (إذا دخلت مكّة فأتم يوم تدخل)(2).

ومثلها: الرواية الخامسة، والسادسة، والتاسعة عشرة، والعشرون من الطائفة الثانية المتقدّمة في أصل المسألة.

الطّائفة الثَّانية: ما دلّ على كون مورد الحكم هو الحرم

وهي روايات كثيرة بل هي

ص: 81


1- تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: 8/ 525 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح5.
2- تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: 8/ 526 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح7.

أكثر روايات الباب الخامس والعشرين من أبواب صلاة المسافر:

منها: ما رواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن الحسن بن علي بن النعمان، عن أبي عبد الله البرقي، عن علي بن مهزيار وأبي علي بن راشد جميعاً، عن حمّاد ابن عيسى، عن أبي عبد الله (علیه السلام) أنّه قال: (من مخزون علم الله الإتمام في أربعة مواطن: حرم الله، وحرم رسوله (صلی الله علیه و آله و سلم)،وحرم أمير المؤمنين (علیه السلام)،وحرم الحسين بن علي (علیه السلام))(1).

ومثلها: الرواية الثانية، والثامنة، والتاسعة، والثالثة عشرة، والرابعة عشرة، والخامسة عشرة، والسادسة عشرة من الطائفة الثانية، والرواية الأولى من الطائفة الثالثة.

الطائفة الثَّالثة: ما دلّ على كون مورد الحكم هو المسجد

وهي عدّة روايات:

منها: ما رواه الشيخ عن محمّد بن الحسن، عن الصفار، عن محمّد بن الحسين، عن الحسن بن حمّاد بن عديس، عن عمران بن حمران، قال: (قلت لأبي الحسن (علیه السلام): أقصّر في المسجد الحرام أو أتم؟ قال: إن قصّرت فَلَك، وإن أتممت فهو خير، وزيادة الخير خير)(2).

ومثلها: الرواية السادسة من الطائفة الأولى، والرواية العاشرة، والسابعة عشرة، والثامنة عشرة من الطائفة الثانية.

المناقشة في هذه الطّوائف:

أمّا الطّائفة الأولى فهي تدلّ على إتمام الصلاة في المدينتين بتمام أجزائهما. وهذه الدلالة تنعقد في القسم الثاني - وهو ما ذُكرت فيه المدينتان في كلام الإمام (علیه السلام) نفسه - من وجهين:

ص: 82


1- تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: 8/ 524 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح1.
2- تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: 8/ 526 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح11.

أحدهما: ظهور أخذ المدينتين موضوعاً للحكم.

والآخر: إطلاق الحكم لجميع أجزائهما.

أمّا القسم الأوّل الذي ورد فيه ذكر المدينتين في كلام السائل فلا ينعقد الوجه الأوّل للدلالة بعد عدم ذكر الموضوع في كلام الإمام (علیه السلام)،ولكن ينعقد الوجه الآخر لعدم تفصيل الإمام (علیه السلام) في الجواب بين أجزاء المدينتين.

وقد يشكل على هذا: بأنّ ما ذكر لا يستفاد منه العموم والشمول لجميع الأجزاء ما دام هناك حالة شائعة وهي الصلاة في المسجدين، وذلك نظير ما ذكره غير واحدٍ في مناقشة دلالة الروايات التي ذكرت هذا الحكم في المساجد على الاختصاص بها حيث قالوا: إنّ هذا الحكم غالبي؛ لأنّ الغالب في الناس هو إقامة الصلاة في المساجد الثلاثة والحائر المشرّف، فكذلك يقال هنا: إنّ هناك حالة غالبة كانت منظورة بين السائل والإمام - وهي الصلاة في المسجد - فينصرف إليها الجواب.

وعلى هذا فلا يمكن التمسّك بهذا القسم من الروايات.

ويجاب عن هذا الإشكال: بأنّ المطلق لا يختصّ بالفرد الغالب ما لم يتحقّق الانصراف بالنسبة إليه. ومجرّد تعارف الصلاة خارجاً في المسجدين لا يوجب الانصراف إليها عرفاً. على أنّه لم يثبت فيمن تواجد في المدينتين أنّ الغالب فيه الإتيان بجميع الصلوات الرباعيّة في المسجدين من الرجال والنساء والشيوخ والعجائز والضعفاء والمرضى الذين وردت لهم تسهيلات في غير موضع من أحكام الحجّ.

أمّا الطّائفة الثَّانية - التي دلّت على ثبوت الحكم في الحرمين - فيمكن القول: إنّ المراد بالحرمين فيها مكّة والمدينة، فتشمل سائر أجزاء مكّة حتى ما كانت خارجة من الحرم دون خصوص المسجدين.

ص: 83

ويدلّ على ذلك قسمان من الروايات:

القسم الأوَّل: ما دلّ صريحاً على تفسير الحرمين بمكّة والمدينة كما في صحيحة ابن مهزيار، قال: (كتبت إلى أبي جعفر الثاني (علیه السلام): أنّ الرواية قد اختلفت عن آبائك في الإتمام والتقصير للصلاة في الحرمين، فمنها: أن يأمر تُتَمّ الصلاة، ولو صلاة واحدة. ومنها: أن يأمر تقصّر الصلاة ما لم ينوِ مقام عشرة أيام، ولم أزل على الإتمام فيهما إلى أن صدرنا في حجّنا في عامنا هذا، فإنّ فقهاء أصحابنا أشاروا عليّ بالتقصير إذا كنت لا أنوي مقام عشرة، وقد ضقت بذلك حتى أعرف رأيك؟ فكتب بخطه (علیه السلام): قد علمت يرحمك الله فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما، فأنا أحبُّ لك إذا دخلتهما أن لا تقصّر، وتكثر فيهما من الصلاة.

فقلت له بعد ذلك بسنتين مشافهة: إنّي كتبت إليك بكذا، فأجبت بكذا؟ فقال: نعم. فقلت: أي شيء تعني بالحرمين؟ فقال: مكّة والمدينة)(1).

وهذا ما ذهب إليه السيّد الحكيم(2)، والسيّد الخوئي (قدس سرهما). وقال الأخير: (وفسّر ذلك في صحيحة ابن مهزيار... الشارحة لبقية الأخبار بمكّة والمدينة، فبمقتضى هذه الصحيحة المفسِّرة... يكون التخيير ثابتاً في تمام البلدين الشريفين)(3).

القسم الآخر: ما ورد ذكر مكّة والمدينة ثمّ توصيفهما بحرم الله وحرم رسوله، مثل صحيحة حسّان بن مهران، قال: (سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: قال أمير المؤمنين (علیه السلام)

ص: 84


1- تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: 8/ 525 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح4.
2- لاحظ: مستمسك العروة الوثقى: 8/ 185.
3- مستند العروة الوثقى (كتاب الصلاة): 20/ 406 (موسوعة الإمام الخوئي).

مكّة حرم الله، والمدينة حرم رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)،والكوفة حرمي، لا يريدها جبّار بحادثة إلَّا قصمه الله)(1)، ومثلها رواية خالد القلانسي(2)، وصحيحة معاوية بن عمار(3)، فإنّ ذلك يبيّن لنا أنّ المراد من الروايات المطلقة لمكّة والمدينة هو الحرمين.

وأمّا الطّائفة الثَّالثة - المتضمّنة لذكر الإتمام في المسجدين - فقد يستدلّ بها على أنّ المراد بها تخصيص الحكم بهما، بتقريب: أنّ هذه الطائفة من الروايات قد قيّدت الحكم بالمسجد دون سائر البلد فتكون أخصّ من الروايات السابقة، فتخصّصها وفق قاعدة حمل المطلق على المقيّد. وعليه فيختصّ الحكم بالتمام في المسجد، ولا يشمل سائر أجزاء البلدين.

وقد يجاب عن هذا: بأنّ قاعدة حمل المطلق على المقيّد إنّما تجري حال ثبوت التعارض بين المطلق والمقيّد، ولا تتمّ حال كونهما مثبتين(4).

توضيحه: أنّه وقع كلام بين علماء الأصول فيما هو الأساس في حمل المطلق على المقيّد في حال توافقهما في الكيف كالمثبتين؟

بيان ذلك أنّ المطلق تارة: يكون شموليّاً كما في مثال (أكرم العالم) و(أكرم العالم الفقيه). وأخرى: يكون بدليّاً كما في (أعتق رقبة) و(أعتق رقبة مؤمنة).

ص: 85


1- تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: 14/ 360 باب: 16 من أبواب المزار ح1.
2- تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: 5/ 256 باب: 44 من أبواب أحكام المساجد ح12.
3- تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: 14/ 362 باب: 17 من أبواب المزار ح1.
4- لاحظ مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان: 3/ 425، مستمسك العروة الوثقى: 8/ 185.

ثمّ المقيّد تارة: يوافق المطلق في الكيف كما في الأمثلة المتقدّمة. وأخرى: يخالفه كما في (أكرم العالم) و(لا تكرم العالم الفاسق)، ولا شكّ في حمل المطلق على المقيّد في حال اختلافهما في الكيف من جهة وضوح التنافي بينهما من قبيل (أكرم العالم) و(لا تكرم العالم الفاسق). كما أنّ المشهور حمل المطلق على المقيّد إذا كانا مثبتين وبدليلين، مثل: (أعتق رقبة) و(أعتق رقبة مؤمنة)، ولكن وقع البحث في حال كونهما مثبتين شموليين - كما هو محلّ الكلام - فهنا صورتان:

الصّورة الأولى: أن يكون التعبير عن المقيّد بمفهوم وحداني كما في المقام، حيث إنّ ما دلّ على الإتمام في المسجدين لم يُذكر فيه المسجدان على سبيل التقييد للبلدين بأن يقال: (صلِّ تماماً في البلدين عند دخول المسجدين) بل جاء ذكر المسجدين ابتداءً. والمعروف عندهم عدم ثبوت المفهوم في هذه الحالة لعدم ثبوت مفهوم اللقب فيُؤخذ بكلٍّ من المطلق والمقيّد المثبتين لعدم تنافيهما أصلاً.

الصّورة الأخرى: أن يكون التعبير بالمقيّد بمفهوم تركيبي مؤلّفٍ من ذاتٍ وقيدٍ كما في (أكرم العالم) و(أكرم العالم الفقيه) فهنا لعلماء الأصول قولان، قول: بحمل المطلق على المقيّد، وقول آخر: بالأخذ بالمطلق وحمل المقيّد على أغلب الأفراد أو أفضلها.

ووجه القول الأوّل - من حمل المطلق على المقيّد - أحد تقريبات:

التّقريب الأوَّل: ما يبنى على القول بدلالة الجملة الوصفية على المفهوم، فيحصل التنافي بين مفهوم القيد ومنطوق المطلق، وعليه فلا بُدَّ من حمل المطلق على المقيّد.

التّقريب الثَّاني: تقرير التنافي بينهما على أساس ظهور القيد في الاحتراز، وهذا ما ذهب إليه المحقّق النائيني (قدس سره) حيث قال: (إنّ مجرّد غلبة القيد لا يوجب رفع اليد عن ظهوره في كونه للتقييد؛ فإنّ الأصل في التقييد أن يكون للاحتراز، إلَّا إذا عُلم من

ص: 86

الدليل أو من الخارج ورود القيد مورد الغالب بحيث كان ذكره لمجرّد الغلبة لا للاحتراز به، كما في الآية المباركة)(1).

فعلى هذين التقريبين قد يصحّ حمل الأخبار المتضمّنة للإتمام في البلدين على الأخبار المتضمّنة للإتمام في المسجدين.

التّقريب الثَّالث: ما ذهب إليه جمع - كالسيّد الخوئي (قدس سره) - من أنّ الأساس في حمل المطلق على المقيّد هو أن يعدّ المقيّد قرينة عرفيّة في التصرّف في المطلق، فإنّ العرف إذا كان يرى المقيّد قرينة على التصرّف في المطلق حَمَله عليه، وإلَّا فلا(2).

والملاحَظ أنّ السيّد الخوئي (قدس سره) وإن بنى على دلالة الوصف على المفهوم بنحو جزئي وعدم كون موضوعه الطبيعي إلَّا أنّه مع ذلك بنى في حمل المطلق على المقيّد على أنّه يحتاج إلى فرض قرينيّة المقيّد على التصرّف في المطلق عرفاً، وعليه فإذا وجدت نكتة - كما في قرينة الغلبة - فإنّها تمنع من هذا الحمل.

وبناءً على هذا التقريب يمكن منع حمل المطلق على المقيّد في المقام بدعوى عدم تماميّة القرينة فيه لأحد وجهين:

أوّلهما: وجود الغلبة؛ وذلك لأنّ الغالب في مَن يقدم البلدين أن يقوم بإيقاع الصلاة في المسجدين.

ثانيهما: وجود مزية في المذكور من حيث فضيلة الصلاة في المسجد، وربمّا لهذا ذكر في مجمع الفائدة والبرهان: أنّ ذكر المسجد لفضيلة ونحوها(3)، وفي الحدائق قال: لمزيد

ص: 87


1- فوائد الأصول: 4/ 632.
2- يلاحظ: محاضرات في أصول الفقه: 5/ 135.
3- يلاحظ: مجمع الفائدة والبرهان: 3/ 425.

الشرف(1).

وقد يجاب عن هذا بجوابين:

الجواب الأوَّل: ما ذكره صاحب الجواهر (قدس سره) من أنّ الأقرب حمل الحرمين والبلدين على المسجدين كما ورد الإتمام في الكوفة والحائر؛ فإنّ الظاهر وجوب الاقتصار فيهما

على المسجدين منهما وإن ورد بلفظ الحرم في بعض النصوص، إلَّا أنّه يُنزّل على خصوص ذلك كما عن المحقّق الحلّي الاعتراف به بالنسبة إلى حرم أمير المؤمنين (علیه السلام) (2).

توضيح جواب الجواهر: أنّ الروايات وإن وردت بلفظ الحرم أو بلفظ مكّة والمدينة إلَّا أنّ المراد الجدّي منها هو خصوص المسجدين لا مطلق المدينة والحرم؛ وذلك:

أوَّلاً: لإمكان أن يُطلق على من صلّى فيهما أنّه صلّى في مكّة والمدينة.

وثانياً: عدم ذكر العموم صريحاً، كما يُنزّل ما ورد من الإتمام في حرم أمير المؤمنين (علیه السلام) على مسجد الكوفة.

وثالثاً: أنّه بعد صحّة الروايات الواردة بالإتمام في المسجدين، وإمكان الاعتماد عليها؛ لانجبارها بالشهرة أمكن حمل المطلق عليها.

وما ذُكر من أنّ الحكم في الموردين لا تنافي بينهما فيبقى المطلق على إطلاقه، ويحمل المقيّد على التأكيد والتنصيص فإنّه وإن كان وارداً بمقتضى الصناعة ولكن الأقرب إرادة المسجدين من ذكر الحرمين والبلدين.

ويلاحظ عليه: أنّ حمل المطلق على المقيّد فيما نحن فيه بعيدٌ من وجوه:

ص: 88


1- يلاحظ: الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة: 11/ 458.
2- يلاحظ: جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام: 14/ 339.

الأوَّل: الأقرب أنّ حكم التخيير في الكوفة لا يختصّ بمسجدها، بل يشمل تمام البلد كما سيأتي.

الثَّاني: أنّه ورد في بعض الروايات التفريق بين الكوفة وبين مكّة والمدينة، وذُكر في الكوفة مسجدها بينما ذكر فيهما المدينتان كما ورد في مرسلة حمّاد بن عيسى (من الأمر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن بمكة والمدينة ومسجد الكوفة والحائر)(1)، وكذلك مرسلة الفقيه(2). وعليه يمكن القول: إنّ العدول عن التعبير ب-(المسجدين) إلى التعبير ب-(البلدين) شاهدٌ على اختلاف متعلّق الحكمين.

الثَّالث: أنّ المخالف للفظ (المسجد) هما كلمتان: الأولى هي (البلدتين)، والأخرى (الحرمين). وحمل هاتين الكلمتين على خصوص المسجد بعيد.

الرَّابع: أنّ جواب الإمام (علیه السلام) في صحيحة ابن مهزيار وارد في مقام تفسير الحرمين، ولو أراد المسجدين لفسّرهما بهما دون البلدين. وأمّا الكوفة فلم يرد فيها تفسير.

الجواب الآخر: أنّ الروايات التي ورد فيها ذكر المسجدين لا يخلو: إمّا أن يكون قد ورد ذكرهما في السؤال، أو في الجواب.

والأوّل لا دلالة فيه بالنظر إلى جواب الإمام (علیه السلام) وإن كان مطابقاً لكلام السائل إلَّا أنّه لا يفيد تخصيص الحكم في مورد سؤال السائل، كما تحدّد في بعض الروايات السابقة(3).

وأمّا الآخر - وهو ما ورد فيها التقييد بالمسجدية في كلامهم (علیهم السلام) - فرواياته جميعاً

ص: 89


1- وسائل الشيعة: 8/ 532 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح29.
2- وسائل الشيعة: 8/ 531 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح26.
3- يلاحظ: وسائل الشيعة: 8/ 526، 532 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح11، 28.

ضعيفة السند.

أمّا الرواية الأولى فهي ضعيفة ب-(محمّد بن سنان) الذي ورد في إسناد الشيخ في كتابيه. نعم، لم يرد ذكره في كتاب الكافي، ولكن الذي يظهر هو وجود سقط في سنده لعدم رواية الحسين بن سعيد عن عبد الملك القمّي مباشرة، بل يروي عنه دائماً بواسطة ابن سنان كما ورد في مائة وعشرين مورداً.

وأمّا الرواية الثانية فهي مرسلة؛ فقد ورد فيها تعبير (رجل من أصحابنا) في الوسائل(1)، وفي الكافي (يقال له حسين)(2)، وفي كامل الزيارات (الحسين)(3). وقد يكون المراد به (الحسين بن المختار) الذي يروي عنه (إبراهيم بن أبي البلاد)، لكنّه يبقى احتمالاً.

وأمّا الرواية الثالثة فضعيفة لوجود (محمّد بن سنان) وقد أرسلها (حذيفة بن منصور) عمّن سمع عن أبي عبد الله (علیه السلام).

وكذلك الرواية الرابعة فيها (محمّد بن سنان).

وقد يناقش في هذا الجواب: بأنّ هذه الأخبار وإن كانت ضعيفة إلَّا أنّها منجبرة بالشهرة، وقد قيل إنّ المشهور هنا الاقتصار في الحرمين على المسجدين منه بل الأصليين منهما دون الزيادة الحادثة.

أقول: إنّ ما ذُكر من الانجبار غير تامّ، ولم نجد من ادّعى هذا، بل على العكس فإنّ الشهرة قائمة على خلافه، كما تقدّم.

ص: 90


1- يلاحظ: وسائل الشيعة: 8/ 530 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح22.
2- يلاحظ: الكافي: 4/ 586 - 587 ح4.
3- يلاحظ: كامل الزيارات: 430 باب: 82 الإتمام عند قبر الحسين (علیه السلام) ح3.

الموضع الثَّاني: الكوفة

اشارة

فهل يشمل الحكم تمام مدينة الكوفة أم يختصّ بمسجدها أو يشمل مدينة النجف؟

أقوال:

القول الأوَّل: هو الشمول لتمام البلدة

وهو مختار الشيخ - كما تقدّم من تعميمه للحرمين ليشمل تمام البلدة - ويحيى بن سعيد(1) والمحقّق الأردبيلي وصاحب الحدائق، وفي المدارك: (حكى الشهيد في الذكرى عن المصنّف ]أي المحقّق[ أنّه حكم في كتاب له في السفر بالتخيير في البلدان الأربعة حتى في الحائر المقدّس...)(2)، لكن الموجود في الذكرى: (والشيخ نجيب الدين يحيى ابن سعيد - في كتاب السفر له - حكم بالتخيير في البلدان الأربعة حتى في الحائر المقدّس، لورود الحديث بحرم الحسين (علیه السلام))(3).

نعم، بعض مَن اختار هذا القول احتاط في المسجد باختيار الإتمام كالمحقّق الأردبيلي، حيث قال: (الأفضل والأحوط هو التمام... ومسجد الكوفة)(4)، وكذلك صاحب الحدائق(5)، وتبعهم السيّد الخوئي (قدس سره) في تعليقته على العروة.

القول الثَّاني: الاختصاص بالمسجد

وهو مختار ابن إدريس والمحقّق في المعتبر، حيث قال: (وينبغي أن ينزّل الخبر

ص: 91


1- لاحظ: الجامع للشرائع: 93.
2- مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام: 4/ 469.
3- ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة: 4/ 291.
4- مجمع الفائدة والبرهان: 3/ 426.
5- لاحظ: الحدائق الناضرة: 11/ 460.

المتضمّن لحرم أمير المؤمنين (علیه السلام) على مسجد الكوفة أخذاً بالمتيقّن، أمّا الإتمام بمكّة والمدينة فلا يختصّ بمسجدها)(1)، وكذلك مختار العلّامة في القواعد والمنتهى، وفي المختلف نقل الشهرة فيه، وهو مختار السيّد الحكيم (قدس سره).

ومقتضى الأصل فيه اختصاص الحكم بالقدر المتيقن وهو المسجد؛ لاندراج ما سواه في أدلّة القصر. مضافاً إلى ما ورد فيه ذكر الحرمين فقط، كما في معتبرة مسمع عن أبي إبراهيم (علیه السلام): (كان أبي يرى لهذين الحرمين ما لا يراه لغيرهما)(2)،

فتأمّل.

القول الثَّالث: تعدية حكم التمام من الكوفة إلى النجف

وهو ما يحتمل من الشيخ المفيد حيث ذكر باباً بعنوان (باب فضل إتمام الصلاة في الحرمين وفي المشهدين على ساكنهما السّلام)(3). والمشهدان هما حرما أمير المؤمنين والحسين (علیهما السلام).

وظاهر الشيخ في المبسوط تعدية الحكم إلى النجف أيضاً، حيث قال: (ويستحب الإتمام في أربعة مواطن في السفر: بمكّة والمدينة ومسجد الكوفة والحائر على ساكنه السّلام، وقد روي الإتمام في حرم الله وحرم الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) وحرم أمير المؤمنين (علیه السلام) وحرم الحسين (علیه السلام)،فعلى هذه الرواية يجوز الإتمام خارج المسجد بالكوفة وبالنجف)(4).

لكنّه قال في موضع آخر: (يستحبّ الإتمام في مسجد الكوفة، وفي الحائر على ساكنه أفضل الصّلاة والسّلام. وقد رويت رواية أخرى في الإتمام في حرم حجّة الله على خلقه

ص: 92


1- المعتبر في شرح المختصر: 2/ 477.
2- وسائل الشيعة: 8/ 524 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح2.
3- لاحظ: كتاب المزار: 136 باب: 60.
4- المبسوط في فقه الإمامية: 1/ 141.

أمير المؤمنين (علیه السلام) وحرم الحسين (علیه السلام)،فعلى هذه الرواية يجوز الإتمام في نفس المشهد بالنجف وخارج الحائر، إلَّا أن الأحوط ما قدّمناه)(1).

والوجه في هذا القول: دعوى دلالة لفظ الحرم على البقعة المباركة التي وقع فيها ضريحه، كما نلاحظ إطلاقه في عرف المتشرّعة. وسيأتي الكلام في مناقشة هذه الرواية وإثبات دلالتها على الشمول لبلدة الكوفة من دون التعدية إلى النجف.

والشيخ المجلسي (عطّر الله مرقده) بعد نقل كلام الشيخ (قدس سره) قال: (وكأنّه نظر إلى أنّ حرم أمير المؤمنين (علیه السلام) صار محترماً بسببه، واحترام الغري به (علیه السلام) أكثر من غيره، ولا يخلو من وجه، ويومئ إليه بعض الأخبار، والأحوط في غير المسجد اختيار القصر)(2).

وسوف تأتي في الموضع الرابع المناقشة في دعوى كون الاحترام والتقديس مناطاً للإتمام، فلاحظ.

وسبب الاختلاف بين هذه الأقوال هو اختلاف الأخبار؛ فإنّها على طوائف ثلاث:

الأولى: ما تضمّنت إثبات الحكم لمدينة الكوفة(3).

الثَّانية: ما تضمّنت إثبات الحكم لحرم أمير المؤمنين (علیه السلام) (4).

الثَّالثة: ما تضمّنت ذكر المسجد(5).

ص: 93


1- المبسوط في فقه الإمامية: 1/ 385.
2- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار: 86/ 88.
3- لاحظ: وسائل الشيعة: 8/ 527 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح13، كامل الزيارات: 431 باب: 82 الإتمام عند قبر الحسين وجميع المشاهد ح7.
4- لاحظ: وسائل الشيعة: 8/ 524، 530 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح1، ح24.
5- لاحظ: وسائل الشيعة: 8/ 528، 530، 532، 531 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح14، 23، 29، 26، 25.

أمّا الطّائفة الأولى - وهي التي عمّمت الحكم إلى تمام البلدة - فهي رواية زياد القندي المتقدّمة وفيها: (أتمّ الصلاة في الحرمين وبالكوفة وعند قبر الحسين (علیه السلام))، وفي إسنادها بطريقيها ضعف برجلين: (الأوّل) جعفر بن محمّد بن مالك الضعيف، (والآخر) محمّد ابن حمدان المجهول.

وأمّا الطّائفة الثَّانية - وهي ما تضمّنت إثبات الحكم لحرم أمير المؤمنين (علیه السلام) - فهي روايتان، الأولى: صحيحة حمّاد بن عيسى المتقدّمة، وفيها: (من مخزون علم الله الإتمام في أربعة مواطن... وحرم أمير المؤمنين (علیه السلام))(1).

إلَّا أنّه قد يناقش في صحّة هذه الرواية لمكان الحسن بن علي بن النعمان الذي قال النجاشي في حقّه: (مولى بني هاشم، أبوه علي بن النعمان الأعلم ثقة ثبت)(2). وهكذا في الخلاصة(3) باحتمال رجوع المدح إلى أبيه دونه بقرينة ما ذكره النجاشي في ترجمة علي بن النعمان: (علي بن النعمان الأعلم... وأخوه داود أعلى منه، وابنه الحسن بن علي وابنه أحمد رويا الحديث. وكان علي ثقة وجهاً ثبتاً صحيحاً له كتاب)(4).

وقد يجاب: بأنّ النجاشي لا يذكر التوثيق لرجل مرّتين سواء ذُكر فيه بالأصالة أو بالتبع، كما في (محمّد بن عطية) الموثّق في أخيه (حسن) لا في ترجمته(5)، وأنّ التأسيس خير من التأكيد لاسيَّما في كلام النجاشي فإنّه في نهاية الوجازة والبلاغة، فالمقصود

ص: 94


1- لاحظ: وسائل الشيعة: 8/ 524، باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح1.
2- رجال النجاشي: 40 رقم: 81.
3- خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: 104 رقم: 17.
4- رجال النجاشي: 274 رقم: 719، وأيضاً لاحظ نقد الرجال: 2/ 50 - 51.
5- لاحظ: مجمع الرجال: 5/ 262.

بالذكر هو (الحسن) فيقتضي عود التوثيق إليه.

وهذا الجواب تامّ بالنظر إلى ما ذُكر من أنّ المقصود بالذكر هو (الحسن) فيقتضي عود التوثيق إليه؛ لأنّ الكلام مسوق لترجمة صاحب العنوان، فالظاهر عود الوصف إليه ما لم تقم قرينة خاصّة على الخلاف.

وما ذُكر من أولوية التأسيس من التأكيد ضعيف؛ لأنّه على تقدير تماميته إنّما يتمّ في المتّصل من الكلام دون المنفصل منه كما في المقام؛ لوضوح كون كلّ ترجمةٍ منفصلةً عن غيرها في سياق الكلام، فذكر الوصف في ترجمة غيره يكون من المنفصل.

كما أنّ ما ذُكر من عدم تعرّض النجاشي لتوثيق رجل مرّتين غير تامّ أيضاً، فقد ورد عن النجاشي تكرار الأوصاف لمن ذكرهم

بالأصالة، وهم:

1. حفص بن سالم: ترجم له في باب الحاء بقوله: (أبو ولّاد الحنّاط، وقال ابن فضال: حفص بن يونس مخزومي، روى عن أبي عبد الله (علیه السلام)،ثقة، لا بأس به..)(1). ثمّ ذكر له توثيقاً آخر بالتبع في ترجمة أخيه عمر بن سالم صاحب السابري بقوله: (كوفي، وأخوه حفص، ثقتان، رويا عن أبي عبد الله (علیه السلام))(2).

2. أحمد بن عمر بن أبي شعبة الحلبي: ترجم له النجاشي في باب الألف، قائلاً: (ثقة، روى عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام)،وعن أبيه من قبل)(3). ثمّ ذكر توثيقاً عامّاً لآل أبي شعبة في ترجمة عبيد الله بن علي بن أبي شعبة بقوله:(وآل أبي شعبة بالكوفة بيت مذكور من أصحابنا، وروى جدهم أبو شعبة عن الحسن والحسين (علیهما السلام) وكانوا جميعاً

ص: 95


1- رجال النجاشي: 135 رقم: 347.
2- رجال النجاشي: 285 رقم: 758.
3- رجال النجاشي: 98 رقم: 245.

ثقات، مرجوعاً إلى ما يقولون...)(1).

3. عبيد الله بن علي بن أبي شعبة: ترجم له النجاشي في باب العين بقوله: (وكانوا جميعاً ثقات، مرجوعاً إلى ما يقولون، وكان عبيد الله كبيرهم، ووجههم...)(2). وذكر له توثيقاً آخر في ترجمة ابن عمّه أحمد بن عمر بن أبي شعبة، حيث قال: (ثقة... وهو ابن عمّ عبيد الله، وعبد الأعلى، وعمران، ومحمّد الحلبيين، روى أبوهم عن أبي عبد الله (علیه السلام)،وكانوا ثقات)(3).

4. محمّد بن علي بن شعبة: ترجم له النجاشي في الأسماء، قائلاً: (الحلبي، أبو جعفر، وجه أصحابنا، وفقيههم، والثقة الذي لا يطعن عليه، هو وإخوته عبيد الله، وعمران، وعبد الأعلى)(4). وقد عرفت ممّا تقدّم توثيقه في ترجمة عبيد الله.

5. علي بن عبد الله بن عمران الميموني: وهو ممّن ترجم له النجاشي مستقلّا ً في الأسماء، قائلاً: (كان فاسد المذهب والرواية، وكان عارفاً بالفقه)(5). ثمّ تعرّض إلى ذكره مستقلّا ً أيضاً في الكنى بقوله: (مضطرب جداً)(6).

وأمّا ما استدل به السيّد التفرشي - من عود التوثيق إلى (علي) لا (الحسن) بقرينة ما ذكر في ترجمة الأب - فقد يقال في توجيهه: بأنّ المذكور في ترجمة علي بن النعمان الأعلم

ص: 96


1- رجال النجاشي: 230 - 231 رقم: 612.
2- رجال النجاشي: 230 - 231 رقم: 612.
3- رجال النجاشي: 98 رقم: 245.
4- رجال النجاشي: 325 رقم: 885.
5- رجال النجاشي: 268 رقم: 698.
6- رجال النجاشي: 461 رقم: 1262.

هو قوله: (وكان علي) بعد الفصل لرفع اشتباه عود الوصف إلى المذكور أخيراً، بخلافه في ترجمة (الحسن) فلم يذكر هذه العبارة بعد الفصل، وهذا يدلّ على أنّ المدح لا بدّ أن لا يفصل عن الممدوح، فيكون المدح في ترجمة (الحسن) لما ذكر أخيراً وهو الأب.

فالجواب عن هذا: أنّ أمثال ذلك لا يورث الظن، فالفرق بين الفاصلين بيِّن، بل الفصل هاهنا غير متحقّق، بل هو صفة بعد صفة، وهو في حكم المضاف إليه، فيكون مع موصوفه كالكلمة الواحدة، بخلاف ما ذُكر في ترجمة علي بن النعمان، فإنّه جملة معترضة أطال الكلام بفصلها، فلذا استأنف الكلام، ويؤيّد عود الوصف إلى (الحسن) وصف العلّامة لهذه الرواية بالصحّة في المختلف(1).

الرَّواية الأخرى: مرسلة الشيخ في المصباح، حيث قال: (وفي خبر آخر: في حرم الله وحرم رسوله وحرم أمير المؤمنين وحرم الحسين (علیهم السلام))(2). ولا يحرز كونها رواية مغايرة مع صحيحة حمّاد.

أمّا الطّائفة الثَّالثة فجميع الروايات فيها ضعيفة، وهي عدّة روايات:

1. رواية عبد الحميد الخادم، وفيها: (تتمّ الصلاة في أربعة مواطن... ومسجد الكوفة...)(3). وفي سندها محمّد بن سنان.

2. مرسلة حذيفة بن منصور، وفيها: (تتمّ الصلاة في... ومسجد الكوفة...)(4).

ص: 97


1- لاحظ: مختلف الشيعة إلى أحكام الشريعة: 3/ 132.
2- مصباح المتهجد: 731 فصل في تمام الصلاة في مسجد الكوفة والحائر.
3- وسائل الشيعة: 8/ 528 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح14.
4- وسائل الشيعة: 8/ 530 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح23.

وفي سندها أيضاً محمّد بن سنان فضلاً عن الإرسال.

3. رواية أبي بصير، وفيها: (تتمّ الصلاة في أربعة مواطن... ومسجد الكوفة...)(1). وفيها أيضاً محمّد بن سنان.

4. مرسلة الصدوق: (قال الصادق (علیه السلام): من الأمر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن... ومسجد الكوفة...)(2). وهي ضعيفة بالإرسال.

نعم، ذهب جمع من الأعلام إلى تصحيح مراسيل الصدوق في الفقيه، إلَّا أنّهم اختلفوا على قولين:

القول الأوَّل: حجّيّة جميع مراسيل الصدوق في الفقيه، وهو مختار الشيخ البهائي حيث قال في شرح الفقيه عند قول الصدوق: ("وقال الصادق جعفر بن محمّد (علیه السلام): كلّ ماء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر" أقول: هذا الحديث... من مراسيل المؤلّف (رحمة الله)،وهي كثيرة في هذا الكتاب، تزيد على ثلث الأحاديث الموردة فيه، وينبغي أن لا يقصر الاعتماد عليها من الاعتماد على مسانيده، من حيث تشريكه بين النوعين في كونه ممّا يفتي به ويحكم بصحّته، ويعتقد أنّه حجّة بينه وبين الله سبحانه وتعالى. بل ذهب جماعة من الأصوليين إلى ترجيح مراسيل العدل على مسانيده محتجّين بأنّ قول العدل "قال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) كذا" يشعر بإذعانه بمضمون الخبر، بخلاف ما لو قال "حدّثني فلان، عن فلان قال (صلی الله علیه و آله و سلم) كذا". وقد جعل أصحابنا (قدس سرهم) مراسيل ابن أبي عمير (رحمة الله) كمسانيده في الاعتماد عليها، لما علموا من عادته أنّه لا يرسل إلّا عن ثقة)(3).

ص: 98


1- وسائل الشيعة: 8/ 531 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح25.
2- وسائل الشيعة: 8/ 531 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح26.
3- الحاشية على كتاب من لا يحضره الفقيه: 35 - 36.

القول الآخر: حجّيّة خصوص مراسيله التي أسندها إلى المعصوم بصيغة جزمية كما ورد بعنوان: (قال الصادق (علیه السلام)) ونحوه.

وهذا مختار غير واحد من العلماء منهم المحقّق الداماد في رواشحه، حيث أفاد: (وإنّما يتمّ إذا ما كان الإرسال بالإسقاط رأساً والإسناد جزماً، كما لو قال المرسل: "قال النبي (صلی الله علیه و آله و سلم)،أو قال الإمام (علیه السلام) "، وذلك مثل قول الصدوق... في الفقيه: "قال (علیه السلام): الماء يطهِّر ولا يطهَّر"؛ إذ مفاده الجزم أو الظن بصدور الحديث عن المعصوم، فيجب أن تكون الوسائط عدولاً في ظنّه، وإلَّا كان الحكم الجازم بالإسناد هادماً لجلالته وعدالته)(1).

وفي كلا القولين نظر..

أمّا القول الأوَّل فيرد عليه..

أوَّلاً: بأنّه لو تمّ الاستناد إلى كلام الصدوق فمقتضاه اعتبار عموم ما في الفقيه حتى ما كان مسنداً، والأظهر خلافه، بل هو لا يقول به، فلم يثبت اعتبار ما أرسله الصدوق بإبهام الواسطة.

لكن يمكن أن يقال: بادّعاء الفرق بين المسانيد والمراسيل؛ فإنّ المسانيد لا يصحّ العمل بها إلَّا إذا كان جميع رجال السند ثقات يصحّ التعويل على نقلهم، ولا يكفي العمل لمجرّد الوثوق به عند الصدوق. ومجرّد الإسناد عنهم لا يكفي لتوثيقهم كما ثبت في محلّه، بخلاف المراسيل فيمكن أن يشكّل أمارة على الاطمئنان بصدورها والاعتماد عليها، وهذا الاعتماد من أمثال الصدوق يحقّق لنا الوثوق بصدور الخبر، فتأمّل.

ص: 99


1- الرواشح السماوية: 255 حجّيّة المراسيل.

وثانياً: بأنّ معاملة مراسيل الصدوق معاملة مراسيل ابن أبي عمير غير واضحة، والتزامه (رحمة الله) حجّيّتها بينه وبين ربّه لا يقتضي اتّصالها بالعدول لتكون من باب الصحيح، بل غاية ما يقتضيه الالتزام أن تكون ممّا يجوز العمل به عنده والاعتماد عليه، وهذا أمر وراء وصف الحديث بالصحّة؛ لجواز تأدّي اجتهاده في العمل بالمراسيل والضعاف لقرائن لا تفيد عندنا - لو اطّلعنا عليها - الوثوق.

وأمّا القول الآخر فيمكن بيانه من خلال تقريبين:

التّقريب الأوَّل: أنّ نسبة الحديث إلى المعصوم (علیه السلام) لا تجوز إلَّا في حالتين:

الحالة الأولى: بأن يعلم وجداناً بصدوره منه.

الحالة الأخرى: بأن تقوم الحجّة عنده على صدوره.

ومن البعيد حصول العلم الوجداني له في هذا الكمّ الكبير من الأخبار، فيتعيّن أن يكون الخبر منقولاً له بوسائط ثقات، وهذا يكفي لاعتبار الخبر المرسل.

ويجاب عن هذا التقريب: بأنّ أسباب حصول العلم التعبّدي بالصدور يمكن أن تحصل بواسطة قرائن - غير وثاقة الرواة - يمكن الاعتماد عليها لتصحيح الرواية، مثل ورودها في أحد الكتب المعروضة على الأئمّة (علیهم السلام) أو شهرتها وغير ذلك، ومثل هذا الخبر يصحّ أن يعبّر عنه بالصحيح بلسان المتقدّمين من الأصحاب، وعليه فإذا حكم الشيخ الصدوق على رواية بالصحّة والاعتبار فلا يكشف عن وثاقة رواتها لعدم انحصار الاعتبار بوثاقة الرواة.

التّقريب الآخر: وهو مبني على ما هو المعروف من أنّ مناط الحجّية هو الوثوق بالصدور لا وثاقة الراوي، وإسناد الصدوق رواية بصورة جزمية في الفقيه - الذي نصّ في ديباجته على أنّ ما فيه مستخرَج من الأصول المعتمدة والكتب المشهورة - يدلّ على

ص: 100

كون الرواية في غاية الاعتبار عنده، ومثل هذا يحقّق لنا الوثوق بالصدور وإن لم تثبت لنا وثاقة الرواة.

ويجاب عنه: بأنّ هذا التقريب مبني على حصول الوثوق، وهو أوّل الكلام؛ لاحتمال اعتماد الصدوق في التصحيح مستنداً إلى مقدّمات حدسيّة - لاسيَّما مع احتمال أن تكون نظرية خفيّة جدّاً - لا يمكن الاعتماد عليها، بالإضافة إلى ما هو المعروف عنه من اتّباع شيخه ابن الوليد في تصحيح الروايات كما صرّح به بقوله: (كلّ ما لم يصحّحه ذلك الشيخ قدّس الله روحه ولم يحكم بصحّته من الأخبار فهو عندنا متروك غير صحيح)(1).

5. مرسلة حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا: (من الأمر المذخور إتمام الصلاة في... ومسجد الكوفة...)(2). وهي ضعيفة بالإرسال أيضاً.

وممّا ذكرنا يظهر سقوط الطائفتين الأولى والثالثة لضعف السند.

والمهم النظر في مدلول صحيحة حمّاد بن عيسى المذكورة في الطائفة الثانية المتضمّنة لذكر حرم أمير المؤمنين (علیه السلام) في مواطن الإتمام فإن أمكن استظهار شمول الحرم فيها لغير المسجد ثبت التعميم وإلَّا وجب الاقتصار على مسجدها.

وما يمكن أن يقال في بيان التعميم تقريبات أربعة:

التّقريب الأوَّل: أن يقال بعد ثبوت كون الكوفة كلّها حرماً يكون مقتضى إطلاق الحرم شمولها بتمامها؛ لأنّ المسجد ليس معنىً آخر للكلمة حتّى يوجب الإجمال فيحتاج إلى قرينة إضافيّة، بل هو من باب إطلاق الحرم على بعض الحرم.

ص: 101


1- من لا يحضره الفقيه: 2/ 90 - 91.
2- وسائل الشيعة: 8/ 532 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح29.

التّقريب الثَّاني: أن يدّعى دلالتها على شمولها لتمام البلدة بمقتضى ورودها في سياق قوله: (حرم الله وحرم رسوله) الشاملين لتمام البلدين.

وقد يورد عليه بإيرادين:

الإيراد الأوَّل: منع أصل صلاحيّة وحدة السياق للقرينيّة.

والجواب عنه: أنّ وحدة السياق هي من القرائن التي اعتمد عليها العرف في محاوراتهم، وتصلح لأن تكون مفسّرة لمرادهم فيما إذا شكّ فيه وكان في ضمن كلام عُلِم المراد منه، فهي قرينة تصاحب الكلام وتؤثّر في ظهوره ويمكن الاعتماد عليها في بيان المراد الاستعمالي للفظ إذا اقترن بما هو معلوم الظهور وكانا في سياق واحد، كورود العامّ في سياق جملة من المخصّصات، أو ورود المطلق في سياق جملة من المقيّدات، أو ورود الواجب في سياق جملة من المستحبّات.

والحاصل: أنّ للسياق دلالة مكتسبة من الألفاظ فهو بمثابة ظلّ لها يصحّ للمتكلّم الاعتماد عليه في بيان مراده الاستعمالي.

الإيراد الآخر: أنّه يشترط في المعنى الذي يكون قرينة على المعنى المشكوك أن يكون واضحاً بواسطة قرينة متّصلة بالكلام وأن لا يستند إلى قرينة خارجيّة منفصلة، ومن ثَمَّ إذا وردت عمومات متعدّدة في سياق واحد وخصّص بعضها بمخصّص منفصل فإنّه لا يسري التخصيص منه إلى غيره.

وهذا المعنى ممّا تنبّه له غير واحد من الأعلام منهم السيّد الحكيم (قدس سره)،حيث قال: (إنّ وحدة السياق إنّما تقتضي المساواة في الخصوص إذا استُند إلى قرينة في نفس الكلام، لا ما إذا استنُد إلى قرينة خارجية)(1). وجرى عليه السيّد الروحاني (قدس سره) أيضاً، حيث

ص: 102


1- مستمسك العروة الوثقى: 2/ 18.

أفاد: (إنّ وحدة السياق - على تقدير تسليم كونها سبباً للظهور - فهي إنّما تسلم فيما إذا استفيد تقييد أحد الموضوعين المذكورين في دليل واحد من قرينة في نفس الدليل - كما يقال في حديث الرفع وأنّ المراد من (رفع ما لا يعلمون) خصوص الشبهة الموضوعيّة بقرينة أخواتها -. أمّا إذا استُفيد ذلك من دليل خارجي يكشف عن تقييد المراد الجدّي، فلا معنى لدعوى وحدة السياق)(1).

وعلى هذا الاشتراط يمكن أن يناقش في الاعتماد على وحدة السياق فيما نحن فيه لاستكشاف المراد؛ لأنّها إنّما تنفع في بيان المراد الاستعمالي، ولا شكّ في المستعمل فيه في الرواية، والشكّ حاصل في المراد الجدّي منه فيها؛ لأنّ الشمول في (حرم الله وحرم رسوله) لتمام المدينة إنّما استُفيد من القرائن الخارجيّة والروايات المفسّرة الأخرى كصحيح ابن مهزيار، فتأمّل.

التّقريب الثَّالث: أن يُستظهر التعميم بمناسبة الحكم والموضوع حيث كانت مدينة الكوفة هي عاصمة الدولة الإسلامية في عهد أمير المؤمنين (علیه السلام)،كما كانت المدينة المنوّرة عاصمتها في عهد النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) وهو ما يساعد على تعميم الحكم لمدينة الكوفة وعدم الاختصاص بمسجدها.

ويلاحَظ عليه: أنّ هذه المناسبات غايتها الإشعار دون الدلالة(2). وعليه فالرواية مجملة يحتمل أن يراد منها تمام البلدة أو خصوص المسجد.

التّقريب الرَّابع: أن يقال: إنّ هذه الرواية مفسَّرة ببعض الروايات التي ورد فيها أنّ الكوفة حرم أمير المؤمنين (علیه السلام)..

ص: 103


1- المرتقى إلى الفقه الأرقى: 1/ 74.
2- لاحظ: مستند العروة الوثقى (كتاب الصلاة): 20/ 410 موسوعة الإمام الخوئي.

منها: صحيحة حسان بن مهران، قال: (سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: قال أمير المؤمنين (علیه السلام): مكّة حرم الله، والمدينة حرم رسول الله، والكوفة حرمي لا يريدها جبار بحادثة إلَّا قصمه الله)(1).

ومنها: رواية خلّاد القلانسي، وقد رواها علي بن إبراهيم وغيره، عن أبيه، عن خلّاد القلانسي، عن أبي عبد الله (علیه السلام)،قال: (مكّة حرم الله وحرم رسوله وحرم أمير المؤمنين (علیهما السلام). الصلاة فيها بمائة ألف صلاة، والدرهم فيها بمائة ألف درهم. والمدينة حرم الله وحرم رسوله وحرم أمير المؤمنين (صلوات الله عليهما). الصلاة فيها بعشرة آلاف صلاة، والدرهم فيها بعشرة آلاف درهم. والكوفة حرم الله وحرم رسوله وحرم أمير المؤمنين (علیهما السلام). الصلاة فيها بألف صلاة، والدرهم فيها بألف درهم)(2).

وقد يشكل هذا الإسناد من جهة أنّ خلّاد القلانسي غير معهود في الرجال.

ويمكن أن يجاب: بأنّ الظاهر أنّ هذا العنوان محرَّف، والصواب فيه: إمّا خالد بن ماد القلانسي، الثقة.

وإمّا خلّاد السندي، وهو وإن لم يُذكر بتوثيق في كتب الرجال إلَّا أنّ رواية ابن أبي عمير تكفي في وثاقته لما هو الصحيح من وثاقة مشايخ الثقات. وعليه فيمكن القول بصحّة الرواية.

لكن قد يشكل بأنّ الظاهر كون الرواية مرسلة لأنّ خالد القلانسي وخلّاد السندي من الطبقة الخامسة، وإبراهيم بن هاشم من الطبقة السابعة فلا تصحّ روايته عنه مباشرة فتسقط الرواية بالإرسال.

ص: 104


1- وسائل الشيعة: 14/ 360 باب: 16 من أبواب المزار ح1.
2- الكافي: 4/586 ح1، وعنه في وسائل الشيعة: 5/256 باب: 44 من أبواب أحكام المساجد ح13.

اللهم إلَّا أن يقال بترجيح كون الرجل هو (خلّاد السندي)، وعليه يرجح سقوط ابن أبي عمير من السند؛ لتكرر رواية إبراهيم بن هاشم بتوسطه عن خلّاد السندي.

ولكن بلوغ كلا الترجيحين إلى درجة الوثوق محلّ نظر، بل منع، بل الترجيح الأوّل غير وارد؛ لأنّ تحريف كلمة (خلّاد) إلى (خالد) أقرب من تحريف كلمة (السندي) إلى (القلانسي) كما هو ظاهر.

وقد تبنّى السيّد الخوئي (طاب ثراه) هذا التقريب، وقال عن صحيحة حسّان بن مهران: بأنّ من المقطوع أنّها مفسِّرة ووردت في مقام الشرح والتفسير، وكذلك رواية خالد القلانسي المتقدّمة، وبناءً على هذه الدعوى يكون المراد من الحرم هو تمام البلدة(1).

وقد يناقش في كلام السيّد (قدس سره) بمناقشتين:

المناقشة الأولى: ما ذكره السيّد الحكيم (قدس سره) من نفي مفسّريتها وقال إنّها مجرّد تطبيق؛ لأنّ التفسير المجدي في المقام أن يقال (حرم أمير المؤمنين هو الكوفة) والتطبيق إنّما يجدي في الحكم لموضوع عامّ، لا ما إذا أريد من العامّ فرد مخصوص وقد أُجمل(2).

ويمكن أن يكون نظره الشريف إلى أحد وجهين:

الوجه الأوَّل: أنّ الحكومة التفسيرية هي التي يذكر فيها التفسير: إمّا بالأداة مثل كلمة (أعني) و(أي) أو ما بمثابتهما من الجملة التفسيرية، ومقتضاه أن يقال في المقام (حرمي هو الكوفة) وهو ما لم يرد في الحديث، وإنّما المذكور (والكوفة حرمي).

ولكن يلاحظ على هذا الوجه: أنّه لا وجه لاشتراط التفسير الصريح في الحكومة، بل يكفي فيها النظر - كما ذكر في محلّه من علم الأصول -، وعليه فيُستبعد أن يكون

ص: 105


1- يلاحظ: مستند العروة الوثقى (كتاب الصلاة): 20/ 412.
2- يلاحظ: مستمسك العروة الوثقى: 8/ 186 - 187.

نظره (قدس سره) إلى هذا الوجه.

الوجه الآخر: أنّ لسان التفسير يقتضي تقديم (الحرم) على (الكوفة) بأن يقال (حرمي هو الكوفة) لا العكس، كما ورد في الصحيحتين ففرق بين الجملتين. وعليه فالرواية ليست في مقام التفسير بل في مقام التطبيق؛ بمعنى أنّ الحرم قد طُبّق في الصحيحتين على المدينة، ولكن هذا التطبيق غير مجد في مقامنا؛ لأنّ الحكم وإن ثبت للحرم إلَّا أنّه ليس من باب ثبوت حكم لموضوع عام كما لو ثبت التخيير لكلِّ حرم حتى يصحّ التطبيق، بل إنّ الموضوع في مقامنا (الحرم) أُريد منه فرد ولم يعرف فهو مجمل، ومعه فلا يسري الحكم إلى ما عدا المسجد.

ويلاحظ عليه: أنّ ما ذكره (قدس سره) من أنّ مجرّد التطبيق لا يجدي في المقام لو لم تكن تلك الروايات مفسِّرة صحيح؛ لأنّ التطبيق إنّما يجري في حال ثبوت حكم لموضوع عامّ وطُبِّق الموضوع العامّ على بعض الأفراد، وفي المقام حيث إنّ الحرم الذي هو موضوع حكمنا - التخيير - مجملٌ فالمراد به يدور بين الخاصّ (المسجد) وبين العامّ (البلدة) فلا يجدي التطبيق.

لكن الظاهر من الروايتين هو التفسير فإنّه لا فرق معتدّ به عرفاً في فهم التفسير بين اللسانين.

وعليه فالأظهر ثبوت الحكم لتمام الكوفة بتعميم الروايات التي ذكرت أنّ الكوفة حرم أمير المؤمنين (علیه السلام).

وأمّا الروايات التي ذكرت الحكم للمسجد فتقدّم أنّها ضعيفة جميعاً. مضافاً إلى أنّ النسبة بين رواية الحرم المفسَّرة بالبلدة وروايات المسجد نسبة المطلق إلى المقيّد - الذي لا مفهوم له - المثبتين فلا تعارض بينهما. ولو فرض كون المقيَّد من قبيل الوصف المعتمد

ص: 106

على الموصوف الذي يكون له مفهوم أو ظهور في الاحتراز تعيّن حمله بقرينة الرواية المفسِّرة على الأشرفيّة أو التأكيد أو الغالب.

نعم، لو لم نبنِ على التفسير وبقي الإجمال في لفظ الحرم وتردّد بين المسجد والبلدة فالمرجع - كما تقدَّم - هو أصل وجوب القصر ما لم يُتيقّن الخروج عنه، والمقدار المتيقّن في الخروج عنه هو المسجد. وقد يؤيَّد بمرسلة الصدوق(1) ومرسلة حمّاد(2).المناقشة الأخرى: أنّه ورد في ذيل الرواية (لا يريدها جبّار بحادثة إلَّا قصمه الله) فيقال إنّ الحكم المنظور فيها هو الحفظ، فهي حرم من هذه الجهة لا من سائر الآثار.

ويجاب: بأنّ هذا الأثر والحكم إنّما ثبت للحرم من جهة أنّه حرم، فهو وصف دخيل في العلّيّة، فالكوفة إنّما حُفظت ودُفع عنها الجبّار؛ لأنّها حرمه (علیه السلام)،وليست هي حرمه من جهة دفع الجبّار عنها، فمفاد العبارة إخبار عن أنّها حرمه وقد تشرّفت البلدة به (علیه السلام)،ثمّ أخبر عن أثر يترتّب على ذلك. ويساعد على ذلك ورودها في سياق مكّة والمدينة، ومن الثابت أنّ الحرمة ثابتة للمدينة.

الموضع الثَّالث: حرم الحسين (علیه السلام)

اشارة

وقع كلام بين الأصحاب في تحديد المراد من حرم الحسين (علیه السلام)،فهل يشمل تمام مدينة كربلاء، أم يختصّ بالحائر، أم أضيق من ذلك بحيث يختصّ بالحرم، أو القبّة السامية؟ على أقوال..

ص: 107


1- وسائل الشيعة: 8/ 531 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح26.
2- وسائل الشيعة: 8/ 532 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح29.

وقد تصدّى صاحب مفتاح الكرامة إلى بيانها بقوله: (المشهور بين أصحابنا اختصاص الحكم بالحائر، وهو المذكور في عبارات الأصحاب جميعها، وقد سمعت ما نقل عن الشيخ نجيب الدين ابن سعيد، وصاحب البحار بعد أن نقل ذلك عنه نفى عنه البعد، ثمّ نقل شطراً من الأخبار الواردة في تقدير حرمه (علیه السلام)،ثم قال: الأحوط إيقاع الصلاة في الحائر، وإذا أوقعها في غيره فالمختار القصر)(1).

إذاً هنا أقوال:

القول الأوَّل

اختصاص الحكم بالحائر، وهو المشهور بينهم، وممّن قال به ابن إدريس، والعلّامة في التذكرة ونهاية الإحكام والمختلف، والشهيد في الذكرى والدروس والبيان واللمعة، والشهيد الثّاني في الروضة، وغيرهم(2)، وقد اختاره الأردبيلي(3) وصاحب الحدائق(4)، وقد ادّعى عليه الشهرة في المختلف(5).

القول الثَّاني

الشمول لتمام البلدة، وهو ما تبنّاه صاحب المستند بقوله: (ومنه يظهر جواز الإتمام في تمام بلدة كربلاء)(6).

القول الثَّالث

ما دار عليه سور الحرم، وهو ما تبناه السيّد الخوئي (قدس سره) في المستند(7).

ص: 108


1- مفتاح الكرامة: 10/ 305.
2- لاحظ: مفتاح الكرامة: 10/ 298.
3- لاحظ: مجمع الفائدة والبرهان: 3/ 426.
4- لاحظ: الحدائق الناضرة: 11/ 463.
5- لاحظ: مختلف الشيعة: 3/ 135، 137.
6- مستند الشيعة في أحكام الشريعة: 8/ 317.
7- لاحظ: مستند العروة الوثقى (كتاب الصلاة): 20/ 415.
القول الرَّابع

ما يقارب الضريح المقدّس، وهو ما تبناه السيّد الحكيم في المستمسك(1).

وأمّا الأخبار فقد وردت بألسنة مختلفة، منها: ما ورد بلسان الحرم، ومنها: ما ورد بلسان الحائر، ومنها: ما عبّر ب-(عند القبر الشريف)، فهي إذاً طوائف ثلاثة:

أمّا الطّائفة الأولى التي وردت بلسان حرم الحسين فهي عدّة روايات:

1. صحيحة حمّاد بن عيسى: (من مخزون علم الله الإتمام في أربعة مواطن... وحرم الحسين بن علي (علیه السلام))(2).

2. رواية عبد الحميد، وفيها: (تتمّ الصلاة في أربعة مواطن... وحرم الحسين (علیه السلام))(3). ولكنّها ضعيفة ب-(محمّد بن سنان وعبد الملك القمّي وعبد الحميد).

3. مرسلة حذيفة بن منصور، وفيها: (تتمّ الصلاة في... وحرم الحسين (علیه السلام))(4). وهي ضعيفة بابن سنان - أيضاً - مضافاً إلى الإرسال.

4. رواية أبي بصير(5).

وفي سندها أيضاً محمّد بن سنان.

وأمّا الطّائفة الثّانية - التي وردت بلسان الحائر - فهي:

1. مرسلة الصدوق: (من الأمر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن: مكّة، والمدينة، ومسجد الكوفة، وحائر الحسين (علیه السلام))(6).

ص: 109


1- لاحظ: مستمسك العروة الوثقى: 8/ 188.
2- وسائل الشيعة: 8/ 524 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح1.
3- وسائل الشيعة: 8/ 528 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح14.
4- وسائل الشيعة: 8/ 530 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح23.
5- وسائل الشيعة: 8/ 531 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح25.
6- وسائل الشيعة: 8/ 531 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح26.

2. مرسلة حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا: (من الأمر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن... والحائر)(1). وهذه الرواية ضعيفة.

وربما يمكن تصحيحها بأحد طريقين:

الأوَّل: حساب الاحتمالات بالنسبة لمن أرسل عنه حمّاد.

والآخر: جابريّة الشهرة المدّعاة لو كانت بين القدماء.

وقد نُصّ على كون الإتمام ثابتاً في الحائر في الفقه الرضوي. ولكن بنى السيّد حسن الصدر وغيره على أنّه كتاب التكليف للشلمغاني(2)، وليس نصّاً روائيّاً.

والمتحصّل من روايات الطائفة الثّانية: عدم صحّة شيء منها. نعم، ربّما يمكن جبرها بالشهرة على القول بكون الشهرة جابرة في ما لو كانت الشهرة المدّعاة بين المتقدّمين.

وأمّا الطّائفة الثّالثة - التي وردت بلسان قبر الحسين (علیه السلام) - فهي ثلاث روايات:

1. رواية أبي شبل، قال: (قلت لأبي عبد الله (علیه السلام): أزور قبر الحسين (علیه السلام) ؟ قال: نعم، زر الطيّب وأتمّ الصلاة عنده. قلت: بعضُ أصحابنا يرى التقصير. قال: إنّما يفعل ذلك الضَعَفَة)(3). وفي هذه الرواية صالح بن عقبة المشترك الذي اُستظهر أنّه ابن قيس، وقد ضعّفه ابن الغضائري.

2. رواية زياد القندي، قال: (قال أبو الحسن (علیه السلام): يا زياد أحبّ لك ما أحبّ لنفسي،

ص: 110


1- وسائل الشيعة: 8/ 532 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح29.
2- لاحظ: الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا (علیه السلام): 161.
3- وسائل الشيعة: 8/ 527 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح12.

وأكره لك ما أكره لنفسي، أتمّ الصلاة في الحرمين وبالكوفة وعند قبر الحسين (علیه السلام))(1). وهي ضعيفة بجهالة محمّد بن حمدان وجعفر بن محمّد بن مالك.

3. مرسلة إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبي عبد الله (علیه السلام)،قال: (تتمّ الصلاة في ثلاثة مواطن: في المسجد الحرام، ومسجد الرسول، وعند قبر الحسين (علیه السلام))(2).

والحاصل من جميع روايات هذا الموضع: هو أنّ يقال إنّ المعتمد منها هي صحيحة حمّاد التي دلّت على استحباب الإتمام في حرم الحسين (علیه السلام).

ولكن هذا اللفظ مجمل ومردّد بين عدّة أفراد ولا بُدَّ من الاقتصار على القدر المتيقّن، وفي هذا عدّة أقوال ذكرها صاحب مفتاح الكرامة بقوله: (أمّا تحديد الحائر الشريف ففي «السرائر» أنّه ما دار سور المشهد والمسجد عليه دون ما دار سور البلد عليه؛ لأنّ ذلك هو الحائر حقيقة؛ لأنّ الحائر في لسان العرب الموضع المطمأن الذي يحار فيه الماء، قد ذكر ذلك المفيد في الإرشاد في مقتل الحسين (علیه السلام) لمّا ذكر من قتل معه من أهله، فقال: الحائر محيط بهم إلَّا العباس رحمه الله تعالى: فإنّه قتل على المسنّاة فتحقّق ما قلناه والاحتياط يقتضي ما بيّناه؛ لأنّه مجمع عليه وما عداه غير مجمع عليه، انتهى ما في السرائر. وما نقله عن المفيد في إرشاده فهو كما نقل.

وذكر الشهيد والمصنّف في «المنتهى» والمحقّق الثاني وتلميذه بعد نقل كلام السرائر: أنّ في هذا الموضع حار الماء لما أمر المتوكّل لعنه الله تعالى بإطلاقه على قبر الحسين ليعفيه.

وقال في «المنتهى»: الحائر ما دار عليه حائط المشهد الشريف. وفي «نهاية الإحكام» ما دار عليه سور المشهد، وفي «التذكرة وفوائد الشرائع وكشف الالتباس وتعليق النافع

ص: 111


1- وسائل الشيعة: 8/ 527 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح13.
2- وسائل الشيعة: 8/ 530 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح22.

والغريّة» أنّه ما دار سور المشهد والمسجد عليه دون ما دار عليه سور البلد، فذكروا عين ما في السرائر. وفي «الدروس والموجز الحاوي والكركيّة والميسيّة والمسالك والروضة والروض» أنّه ما دار عليه سور الحضرة الشريفة.

وفي «مجمع البرهان» ليس بمعلوم إطلاق حرم الحسين (علیه السلام) على غير الحائر وهو ما دار عليه سور المشهد والحضرة. وفي «الدرّة» ما دار عليه السور، ولعلّ مراده سور الحضرة الشريفة. وفي «جمل العلم» عبّر بالمشهد كما ستسمع. وفي «البحار» بعدما نقل ما في السرائر أنّ بعضهم ذهب إلى أنّ الحائر مجموع الصحن المقدّس، وبعضهم إلى أنّه القبّة السامية، وبعضهم إلى أنّه الروضة المقدّسة وما أحاط بها من العمارات القديمة من الرواق والمقتل والخزانة وغيرها، ثمّ قال: والأظهر عندي أنّه مجموع الصحن القديم لا ما تجدّد في الدولة الصفويّة.

والذي ظهر لي من القرائن وسمعته من مشايخ تلك البلاد الشريفة أنّه لم يتغيّر الصحن من جهة القبلة ولا من اليمين ولا من الشمال، بل إنّما زيد من خلاف جهة القبلة، وكلّما انخفض من الصحن وما دخل فيه من العمارات فهو الصحن القديم وما ارتفع منه فهو خارج عنه، ولعلّهم إنّما تركوه كذلك ليمتاز القديم عن الجديد، والتعليل المنقول عن ابن إدريس رحمه الله تعالى ينطبق على هذا، وفي شموله حجرات الصحن من الجهات الثلاث إشكال)(1).

ومقتضى الأصل في الموضوع في حال الشكّ في المقدار الذي يقع فيه التخيير هو التمسّك بالقدر المتيقّن.

ص: 112


1- مفتاح الكرامة: 10/ 305 - 307.

هذا، وقد وردت عدّة روايات حدّدت جوانب القبر الطاهر والحرم(1)، ولكنّها مختلفة على وجوه خمسة:

1. فبعضها حدّده بخمسة فراسخ كما في روايةٍ عن منصور بن العباس رفعه الى أبي عبد الله (علیه السلام)،قال: (حرم الحسين (علیه السلام) خمس فراسخ من أربع جوانبه)(2).

2. وبعضها بفرسخ كما في مرسلة إسماعيل البصري عن أبي عبد الله (علیه السلام)،قال: (حرم الحسين (علیه السلام) فرسخ في فرسخ من أربع جوانب القبر)(3).

3. وبعضها بسبعين ذراعاً كما في مرسلة سليمان بن عمر السراج، عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: (يؤخذ طين قبر الحسين (علیه السلام) من عند القبر على سبعين ذراعاً)(4).

4. وبعضها بخمسة وعشرين ذراعاً، كما في رواية الشيخ في التهذيب عن أبي القاسم جعفر بن محمّد، عن محمّد بن جعفر الرزّاز، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحسن بن محبوب، عن إسحاق بن عمار، قال: (سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: إنّ لموضع قبر الحسين (علیه السلام) حرمة معروفة مَن عرفها واستجار بها أُجير. قلت: فصف لي موضعها جعلت فداك، قال: امسح من موضع قبره اليوم خمسة وعشرين ذراعاً من قدّامه، وخمسة وعشرين ذراعاً من عند رأسه، وخمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رجليه، وخمسة وعشرين ذراعاً من خلفه، وموضع قبره من يوم دفن روضة من رياض الجنّة، ومنه معراج يعرج فيه بأعمال زواره إلى السماء فليس ملك في السماء ولا في الأرض إلَّا

ص: 113


1- وسائل الشيعة: 14/ 510 وما بعدها باب: 67 من أبواب المزار.
2- وسائل الشيعة: 14/ 510 باب: 67 من أبواب المزار ح1.
3- وسائل الشيعة: 14/ 510 باب: 67 من أبواب المزار ح2.
4- وسائل الشيعة: 14/ 511 باب: 67 من أبواب المزار ح3.

وهم يسألون الله في زيارة قبر الحسين (علیه السلام) ففوج ينزل وفوج يعرج). قال الشيخ الحرّ العاملي: (ورواه ابن قولويه في (المزار) مثله وكذا كلّ ما قبله إلَّا أنّه: قال في حديث السراج: على سبعين باعاً في سبعين باعاً)(1).

وهذا الإسناد صحيح؛ إذ لا توجد فيه شائبة إلَّا من جهة محمّد بن جعفر الرزّاز وهو خال أبي غالب الزراري، لكن مدحه أبو غالب في رسالته بقوله: (هو أحد رواة الحديث ومشايخ الشيعة)(2). وهو يكفي في الاعتماد عليه، كما أنّه قد ورد في إسناد كامل الزيارات وتفسير القمّي فتصحّ على بعض المباني.

وهذه الرواية أيضاً رواها الكليني بطريق معتبر عن عدّة من أصحابنا، عن سهل ابن زياد وأحمد بن محمّد جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن إسحاق.

وطريق الصدوق في ثواب الأعمال صحيح، وهو ما رواه عن محمّد بن موسى بن المتوكّل، قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن إسحاق بن عمّار.

أما محمّد بن موسى المتوكّل فقد ترحّم عليه الصدوق وترضّى عليه وهو آية الوثاقة عند البعض، ولم يشكّك السيّد الخوئي (قدس سره) في وثاقته. وعبد الله بن جعفر قد وثّقه النجاشي. وأحمد بن محمّد هو ابن عيسى الثقة.

5. وبعضها عشرون ذراعاً، كما في صحيحة عبد الله بن سنان الواردة في كامل الزيارات بثلاثة أسانيد:

ص: 114


1- تهذيب الأحكام: 6/ 71 - 72 ح134. وسائل الشيعة: 14/ 511 - 512 باب: 67 من أبواب المزار ح4.
2- تاريخ آل زرارة: 225.

الأوَّل: هو عن محمّد بن عبد الله الحميري، عن أبيه، عن هارون بن مسلم، عن عبد الرحمن بن الأشعث، عن عبد الله بن حمّاد الأنصاري، عن ابن سنان، عن أبي عبد الله (علیه السلام) (1).

الثَّاني: ما ذكره بقوله: (حدّثني أبي وجماعة مشايخي رحمهم الله، عن سعد بن عبد الله، عن هارون بن مسلم، عن عبد الرحمن بن الأشعث، عن عبد الله بن حمّاد الأنصاري، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (علیه السلام) (2).

وهذان الطريقان يشتركان في عبد الرحمن بن الأشعث الذي لم يوثّق في كتب الرجال.

الثَّالث: ما ذكره بقوله: (حدّثني القاسم بن محمّد بن علي بن إبراهيم ]ابن محمّد الهمداني[ عن أبيه، عن جدّه، عن عبد الله بن حمّاد الأنصاري، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (علیه السلام)،قال: (سمعته يقول: قبر الحسين (علیه السلام) عشرون ذراعاً في عشرين مكسّراً روضة من رياض الجنة، منه معراج إلى السماء، فليس فيه من ملك مقرّب ولا نبي مرسل إلَّا وهو يسأل الله تعالى أن يزور الحسين (علیه السلام)،ففوج يهبط، وفوج يصعد)(3).

وفي سند هذا الحديث بحثٌ؛ فقد ذكر النجاشي في ترجمة (محمّد بن علي بن إبراهيم)(4): أنّ القاسم وأباه وجدّه من وكلاء الناحية.

ولا يضره ما ذكره ابن الغضائري عن (محمّد بن علي) بأنّ حديثه يعرف وينكر(5)؛

ص: 115


1- لاحظ: كامل الزيارات: 222 ح325 باب: 38.
2- لاحظ: كامل الزيارات: 457 ح695 باب: 89.
3- لاحظ: كامل الزيارات: 225 ح332 باب: 39.
4- لاحظ: رجال النجاشي: 344 رقم: 928.
5- لاحظ: رجال ابن الغضائري: 94 رقم: 135.

لعدم الملازمة بين وصف الراوي بأنّ حديثه يعرف وينكر ودلالته على ضعفه في نفسه، كما ذهب إليه المحقّق التستري والسيّد الخوئي (رحمهما الله).

أمّا عبد الله بن حمّاد الأنصاري فوثّقه النجاشي، كما أنّ عبد الله بن سنان ثقة أيضاً. ومن ثَمَّ تكون هذه الرواية معتبرة.

نعم، روى الشيخ هذه الرواية في التهذيب عن عبد الله بن سنان ولم يذكر له طريقاً في مشيخته، وما ذكر من طريق صحيح في فهرسته لا يمكن الاعتماد عليه؛ لما يظهر من كونها طرق ذكرت لمجرّد إثبات نسبة الكتب لمصنّفيها، ويمكن القول باعتبار الحديث وعدم الاحتياج إلى طريق صحيح لإثباته بعد الاطمئنان برواية عبد الله بن سنان له؛ لما ذكره النجاشي في ترجمته من شهرة كتبه بين الشيعة، قائلاً: (روى هذه الكتب عنه جماعات من أصحابنا لعظمه في الطائفة وثقته وجلالته)(1).

وهذه المعتبرة يمكن أن تكون هي القدر المتيقّن من الحرم وقد حدّدته بعشرين ذراعاً من كلّ جانب. أمّا لو قلنا بصحّة روايات الحائر فيمكن أن تكون هي القدر المتيقّن من الحرم بناءً على كونه أضيق من ذلك، إلَّا أنّها لم تصحّ، كما عرفت.

وقد تقدّم اعتبار رواية إسحاق بن عمّار التي تضمّنت تحديد الحرم بخمسة وعشرين ذراعاً حول القبر من كلّ جانب.

وقد يشكّك في دلالتها على المراد بدعوى أنّها غير واردة في مقام تحديد حرم الحسين (علیه السلام) الذي تتم به الصلاة، ويشهد له إعراض العلماء عنها في الاستناد واختيارهم لاختصاص الحكم بالحائر.

أقول: لفظ الحرم أريد منه ما حُرِّم انتهاكه ولا شكّ في حرمة انتهاك القبر الشريف،

ص: 116


1- رجال النجاشي: 214 رقم 558.

فروايات تحديد القبر الشريف يظهر منها أنّها في مقام بيان حدود قبر الحسين (علیه السلام) الذي اكتسب تلك الحرمة. وعليه تترتّب جميع الآثار ومنها استحباب الإتمام.

ويوافق ذلك فَهْم العلماء منها، فقد ذكرها الشيخ الطوسي في المصباح في (فصل تمام الصلاة في مسجد الكوفة والحائر)(1)، وتعرّض إلى ما ذكره في التهذيب من روايات تحديد الحرم والقبر ثمّ قال: (والوجه في هذه الأخبار ترتّب هذه المواضع في الفضل)(2). وعليه فمن الواضح أنّه قد فهم من دلالتها على التحديد أثر استحباب التمام. وكذلك الشهيد الأوَّل في الدروس ذكر الروايات التي تعرّضت للتحديد ثمّ قال: (وكلّه على الترتيب في الفضل)(3).

وعليه فالمتحصّل بعد الاعتماد على رواية إسحاق بن عمّار تحديد مشروعيّة التمام بخمسة وعشرين ذراعاً حول القبر المطهّر من كلّ جانب.

الموضع الرَّابع: صلاة المسافر في مشاهد المعصومين (علیهم السلام)

اشارة

اختار بعض علمائنا إتمام الصلاة في مشاهد سائر المعصومين (علیهم السلام).

منهم: صاحب الفقه الرضوي فيما نسبه إليه غير واحد(4) لما ورد في صدر قوله:

ص: 117


1- لاحظ: مصباح المتهجد: 731.
2- مصباح المتهجد: 732.
3- الدروس الشرعية في فقه الإمامية: 2/ 11.
4- لاحظ: مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع: 2/ 211، رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل: 4/ 446، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام: 14/ 340، الفرحة الأنسية في شرح النفحة القدسية: 175.

(وإذا بلغت موضع قصدك من الحجّ والزيارة والمشاهد وغير ذلك ممّا قد بيّنته لك فقد سقط عنك السفر ووجب عليك الإتمام. وقد أروي(1) عن العالم (علیه السلام) أنّه قال: في أربعة مواضع لا يجب أن تقصّر: إذا قصدت مكّة، والمدينة، ومسجد الكوفة، والحيرة(2)، وسائر الأسفار التي ليس بطاعة، مثل طلب الصيد، والنزهة، ومعاونة الظالم)(3).

ولا دلالة في هذه العبارة على شمول حكم التمام في سائر المشاهد، كما نبّه عليه صاحب المستند(4)؛ لأنّ الظاهر من بلوغ المقصد هو الذي قصد فيه الإقامة عشرة أيّام حسبما ذكره في عبارة سابقة بقوله: (إن كنت عزمت المقام بها حين تدخل مدّة عشرة أيّام، أتممت وقت دخولك. والسفر الذي يجب فيه التقصير في الصوم والصلاة، هو سفر في الطاعة، مثل: الحجّ، والغزو، والزيارة، وقصد الصديق والأخ، وحضور المشاهد، وقصد أخيك لقضاء حقّه، والخروج إلى ضيعتك، أو مال تخاف تلفه، أو متجر لا بُدَّ منه، فإذا سافرت في هذه الوجوه وجب عليك التقصير، وإن كان غير هذه الوجوه وجب عليك الإتمام)(5).

والشاهد على ما ذكرنا: أنّه لم يقتصر على الحكم بإيجاب التمام في الحجّ وزيارة المشاهد بل أضاف غير ذلك ممّا قد بيّنه، ومراده بغير ذلك: هو سائر موارد سفر الطاعة في العبارة السابقة التي ذكرناها. ومن المعلوم عدم صحّة التمام فيها ما لم ينوِ الإقامة

ص: 118


1- في بعض النسخ: روي.
2- لعلّه تصحيف: الحير بمعنى الحائر.
3- الفقه المنسوب إلى الرضا: 160 - 161.
4- لاحظ: مستند الشيعة: 8/ 138.
5- فقه الرضا: 160.

عشرة أيّام، وإنّما ذكر حكم التمام في المواطن الأربعة بما رواه عن العالم (علیه السلام) فالمذكور فيه خصوص المواضع الأربعة، فلاحظ.

ومنهم: ابن الجنيد كما حكي عنه قوله: (والمسجد الحرام لا تقصير فيه على أحد، ومكّة عندي يجري مجراه، وكذلك مسجد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) ومشاهد الأئمّة القائمين مقام الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم)،فأمّا ما عدا مكّة والمشاهد من الحرم فحكمها حكم غيرها من البلدان في التقصير والإتمام)(1).

ومنهم: ابن قولويه فإنّه صرّح بالإتمام في سائر المشاهد بقوله: (الباب (82) التمام عند قبر الحسين (علیه السلام) وجميع المشاهد)(2). إلَّا أنّه لم يورد إلَّا الروايات التي دلّت على الإتمام في المواضع الأربعة.

ومنهم: السيّد المرتضى، حيث قال: (ولا تقصير في مكّة ومسجد النبي (صلی الله علیه و آله و سلم)،ومسجد الكوفة، ومشاهد الأئمّة القائمين مقامه (علیهم السلام))(3).

ونُسب إلى الكيدري تمايله إلى التعميم(4)، حيث قال: (يستحب الإتمام في السفر في أربعة مواطن: مكّة، والمدينة، ومسجد الكوفة، والحائر، وروي: في حرم الله وحرم الرسول وحرم أمير المؤمنين (علیه السلام) وحرم الحسين (علیه السلام)،فعلى هذه الرواية يجوز الإتمام خارج المسجد بالكوفة وبالنجف، وعلى الأوّل لا يجوز إلَّا في نفس المسجد، وقال المرتضى رضي الله عنه: لا تقصير في مكّة ومسجد الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) ومشاهد الأئمة القائمين

ص: 119


1- مختلف الشيعة: 3/ 136.
2- لاحظ: كامل الزيارات: 429.
3- لاحظ: جمل العلم والعمل: 77 - 78.
4- لاحظ: إتمام المسافر في مشاهد الأئمة (علیهم السلام): 16.

مقام الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم))(1).

والظاهر منه تخصيص الاستحباب بالمواضع الأربعة كما يظهر من صدر كلامه ومن طريقة المؤلف في نقل الأحكام. وتعرّضه لكلام السيّد المرتضى إنّما جاء لمجرّد البيان، كما تقدّم منه تعرّضه لقول ابن البراج عندما حَكَمَ بتعيّن التمام لمن سلك الطريق الأبعد في سفره إلى بلد له طريقان.

ومنهم: الميرداماد حيث أفاد: (والأقرب تخصيص التخيير مع استحباب الإتمام بالمساجد الثلاثة وما دار عليه سور الحضرة الحسينية، وما حوته قبب المشاهد المنوّرة دون البلدان. وقال بعض الأصحاب بذلك في البلدان)(2).

ومنهم: الشيخ حسين العصفوري البحراني في كتابه سداد العباد، قال ما لفظه: (شرط تحتّم القصر أن لا يكون بمكّة ولا بالمدينة ولا بالكوفة ولا الحائر الحسيني، بل الحرم له أجمع ومشاهد الأئمّة (علیهم السلام) على الأحوط؛ لأنّه يخيّر في هذه الأمكنة كلّها، والتمام أفضل)(3).

وقال في كتاب الفرحة الإنسية: (ولا بأس بالتمام في المشاهد كلّها، كما هو ظاهر المرتضى والإسكافي، ويشهد لهما خبر الفقه الرضوي)(4).

وربّما استُظهر من كلام المفيد في كتاب المزار تمايله لتعميم الحكم لكلّ مراقد الأئمّة (علیهم السلام) لروايته حديث أبي علي الحرّاني الذي رواه عن أبي عبد الله (علیه السلام): (في مَن أتاه

ص: 120


1- إصباح الشيعة بمصباح الشريعة: 94.
2- اثنا عشر رسالة (عيون المسائل): 2/ 210.
3- سداد العباد ورشاد العباد: 196.
4- الفرحة الأنسية في شرح النفحة القدسية: 175.

وزاره وصلّى عنده ركعتين أو أربع ركعات كُتبت له حجّة وعمرة) ثمّ ذكر في ذيل الرواية: (قال: قلت له: جعلت فداك، وكذلك لكلّ من أتى قبر إمام مفترضة طاعته؟ قال: نعم)(1).

بدعوى دلالة ما ورد من الصلاة ركعتين أو أربع على أنّ المراد بها الفريضة، ولكن هذا غير تامّ؛ لما سيأتي من إرادة التطوّع منهما دون الفريضة.

ومن الغريب دعوى توقّف المقداد السيوري في الحكم(2) استظهاراً من قوله: (الأقوى قول الأصحاب؛ لأنّها أماكن شريفة فناسب كثرة الطاعات فيها، ولروايات كثيرة بذلك... ثمّ إنّ السيّد وابن الجنيد جعلا مجموع المشاهد داخلة في الحكم، والفتوى على خلافه)(3)؛ لما هو واضح من تبنّيه لقول المشهور وتقويته له بقوله: (الأقوى قول الأصحاب)، بل علّق على ما حكاه عن السيّد وابن الجنيد بأنّه خلاف الفتوى.

هذا، وقد اتّضح ممّا تقدّم أنّ المشهور ذهب إلى اختصاص التخيير بالمشاهد الأربعة دون غيرها.

و يستدلّ على قولهم بأدلّة ثلاث:

الدّليل الأوَّل

أنّه مقتضى الأصل بعد عدم قيام دليل خاصّ على التعدّي.

أمّا أنّه مقتضى الأصل فلعمومات أدلّة وجوب التقصير على المسافر، خرج عنها المشاهد الأربعة، والباقي داخل تحت العموم.

وأمّا عدم قيام دليل خاصّ على التعدّي فسيظهر لاحقاً.

الدّليل الثَّاني

الإجماع، وقد ادّعاه غير واحد من علمائنا (رحمهم الله)، منهم: الشيخ، وابن

ص: 121


1- كتاب المزار: 134 باب: 59 فضل الصلاة في مشهد الحسين (علیه السلام) ح3.
2- لاحظ: إتمام المسافر في مشاهد الأئمة (علیهم السلام): 17.
3- التنقيح الرائع لمختصر الشرائع: 1/ 291.

إدريس الحلّيّ(1)، وظاهر الحرّ العامليّ، والوحيد، والسيّد الطباطبائيّ(2).

والظاهر عدم إمكان الاعتماد عليه بعد الخلاف المتقدّم. مضافاً إلى أنّه إجماع منقول يحتمل مدركيّته بعد ورود النصوص الكثيرة المشهورة في المذهب المعمول بها عند الأصحاب.

الدّليل الثَّالث

الأخبار الكثيرة المعتضدة بالشهرة القريبة من الإجماع الدالّة على الحصر بالأربعة، كما في صحيحة حمّاد: (من مخزون علم الله الإتمام في أربعة مواطن)(3)، ومرسلة الفقيه: (من الأمر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن)(4)، فلا يمكن التعدية إلى غيرها.

وقد يشكل: بأنّ الروايات متعدّدة الألسنة في موضوع الإتمام، فبعضٌ اقتصر على ذكر الحرم، وبعضٌ اقتصر على ذكر الحرمين، مع أنّ لسانها يوهم الحصر في الاثنين دون غيرهما، ومع ذلك رفعت اليد عنها بدلالة ما دلّ على غيره، ومنه نرفع اليد عن الأربع بما دلّ على عموم الموضوع لكلّ موضع مقدّس بدلالة الشرع عليه استحب فيه إكثار الصلاة(5).

والجواب عنه:

أوَّلاً: بأنّ هذا مبنيٌّ على فرض عموم الموضوع لكلّ مكان مقدّس ورد فيه الفضل.

ص: 122


1- لاحظ: الخلاف: 1/ 576 مسألة: 330، السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي: 1/ 342.
2- لاحظ: وسائل الشيعة: 8/ 534، مصابيح الظلام: 2/ 211، رياض المسائل: 4/ 446.
3- وسائل الشيعة: 8/ 524 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح1.
4- وسائل الشيعة: 8/ 531 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح26.
5- لاحظ: إتمام المسافر في مشاهد الأئمة (علیهم السلام): 44.

وستأتي مناقشة هذا الكلام.

وثانياً: بأنّه لم يرد الحصر في جميع الروايات، وإنّما ورد التعيين من سؤال السائل فأجابه الإمام (علیه السلام)،إلَّا ما يلوح من معتبرة مسمع عن أبي إبراهيم (علیه السلام) حيث ورد فيها: (كان أبي يرى لهذين الحرمين ما لا يراه لغيرهما)(1)، إلَّا أنّها ظاهرة في الحصر الإضافي بالقياس إلى المشاهد الموجودة في مكّة والمدينة.

وقد يستدلّ على القول بتعميم حكم التّمام لسائر المشاهد ببعض الأدلّة:

الدّليل الأوَّل: التعليل الوارد حكمه من الروايات؛ إذ يظهر منه تعلّق الحكم بهذه المواطن لما ورد من فضل الصلاة فيها فيتعدّى إلى سائر المشاهد لما دلّ من فضيلة إكثار الصلاة فيها..

1. ما ورد في صحيحة ابن مهزيار المتقدّمة: (قد علمت يرحمك الله فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما، فأنا أحبّ لك إذا دخلتهما أن لا تقصّر، وتكثر فيهما من الصلاة)(2). وقد عبّر عنه الوحيد بأنّه قياس منصوص العلّة؛ لأنّ قوله (قد علمت يرحمك الله فضل الصلاة في الحرمين) في مقام التعليل للإتمام في الحرمين(3).

ووجه الدلالة أحد أمرين:

أوّلهما: أنّ المستفاد منها استحباب الإتمام فيهما من جهة رجحان كثرة الصلاة فيهما.

والجواب عنه: بمنع دلالتها على كون ذلك علّة تامّة في الحكم، بتقريب:

ص: 123


1- وسائل الشيعة: 8/ 524 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح2.
2- وسائل الشيعة: 8/ 525 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح4.
3- لاحظ: مصابيح الظلام: 2/ 211.

أنّ العلّة المنصوصة هي التي يكون الحكم دائراً مدارها وجوداً وعدماً ويتعدّى فيها عن مورد الحكم إلى كلّ ما تتحقّق فيه الواسطة المذكورة، ويكون مرجع التعليل إلى كبرى كلّيّة مطّردة ومنعكسة، كما في قولنا: (كلّ مسكر حرام) الذي كان علّة في ثبوت حرمة الخمر المسكر.

ولكن لا يظهر من الرواية المذكورة علّيّة فضل الصلاة في استحباب الإتمام لأمرين:

الأوَّل: احتمال كون فضل الصلاة في الحرمين هو علّة لخصوص حكم الإتمام فيهما دون غيرهما بقرينة قوله (علیه السلام): (قد علمت... على غيرهما) بدعوى دلالته على وجود خصوصيّة للصلاة فيهما.

والآخر: احتمال أن تكون علّة الحكم هي خصوص العلّة المضافة للمورد دون غيرها ممّا يضاف إلى الموارد الأخرى؛ أي أنّ علّة استحباب الإتمام هو خصوص الفضل المضاف للحرمين.

إن قيل: إنّ الفضل علّة مستنبطة؛ لأنّها ثابتة في تمام أفراد ذلك الموضوع الذي لحقه الحكم بواسطتها.

أُجيب: بعدم إمكان تسرية الحكم إلى غير الموارد المنصوصة إلَّا بعد إثبات عدم الخصوصيّة للمورد وتنقيح المناط القطعيّ، ومثل هذا غير متحقّق في المقام.

وآخرهما: دعوى دلالة الرواية على أنّ الموضوع للإتمام هو قدسيّة الموضع الموجبة لتضاعف ثواب الصلاة فيه، بدعوى استفادته من صدر الرواية، وأمّا قوله (أحبّ لك إذا دخلتهما أن لا تقصّر وتكثر فيهما من الصلاة)، فهذا بيان لتلازم إكثار الصلاة مع الإتمام في الموضوع، وهو كلّ موضع شريف مقدّس(1).

ص: 124


1- لاحظ: إتمام المسافر في مشاهد الأئمة (علیهم السلام): 31.

ويجاب عنه بجوابين:

الأوَّل: أنّ لازم ظهور الرواية في هذا المعنى البناء على التمام في كلّ موضع للصلاة فيه فضل كبيت المقدس ومسجد الخيف ومسجد قبا؛ لما ورد من الفضل الكثير في الصلاة فيها. ومثل هذا المعنى غير مقصود بالكلام يقيناً، ولم يلتزم به أحد حتى القائل بالتوسعة إلى عموم المشاهد، وهذه قرينة متّصلة مفهمة على نفي إرادة عموم الأمر بالإتمام في كلّ محلّ يكون للصلاة فيه فضيلة خاصّة، كيف! ولو كان الأمر كذلك لما ناسب ما ورد من أنّ الإتمام في المواضع الأربعة من الأمر المذخور، أو كونه من مخزون علم الله.

نعم، قد يعمّم الحكم إلى مسجد براثا لما رواه الشيخ في أماليه عن حميد بن قيس (... فنصب أمير المؤمنين (علیه السلام) الصخرة وصلّى إليها وأقام هناك أربعة أيّام يتمّ الصلاة، وجعل الحرم في خيمة من الموضع على دعوة، ثمّ قال: أرض براثا هذا بيت مريم (رحمة الله)،هذا الموضع المقدّس صلّى فيه الأنبياء)(1)، حيث حكم بالإتمام فيه لكون الموضع مقدّساً؛ وذلك لصلاة الأنبياء فيه(2).

ولكن هذه الرواية ضعيفة السند والدلالة لعدم ظهور كون الموضوع لإتمام الصلاة هو صلاة الأنبياء (علیهم السلام) كما سيأتي في الدليل الثالث.

هذا، والصحيح أنّ ذكر فضل الصلاة في هذه المواضع - حسبما يحدس به الناظر في مجموع أحاديث الباب - لتقريب هذا الحكم إلى ذهن السائل حيث كانت هذه الخصوصيّة محلّ استبعاد جماعة من الأصحاب كما عرفت، ومن ثَمَّ ورد أنّ الإتمام فيها من الأمر

ص: 125


1- أمالي الشيخ الطوسي: 200 مرور علي (علیه السلام) بالزوراء وبراثا بعد وقعة الخوارج.
2- لاحظ: إتمام المسافر في مشاهد الأئمة (علیهم السلام): 91 - 93.

المذخور، وكان جماعة من أجلّاء الأصحاب يقصّرون الصلاة.

الآخر: منع دلالة الرواية على ذلك، فقد وردت جملة كبيرة من الروايات على فضيلة العبادة في مشاهد الأنبياء والأوصياء وبعض الأماكن الأخرى، وجعلت لها خصوصيّة على سائر الأماكن وشرّفتها ببعض الأجساد، لكن كل هذا لا يدلّ على إمكان سراية الاستحباب إلى إتمام الفرائض للمسافر إليها وإنّما تندب للسفر لها والإقامة فيها.

وما ذكر - من جعل الموضوع لحكم الإتمام هو قدسيّة المكان في رواية ابن مهزيار المتقدّمة - خلاف الظهور؛ إذ الظاهر منها هو أنّ الإمام بيّن حكم الصلاة ورجحان الإتمام، حيث إنّه رغّب السائل بترك التقصير والإتيان بصلاة تامّة فكانت مصداقاً للإكثار الموجب لمضاعفة الثواب.

2. معتبرة إبراهيم بن أبي شيبة: (كان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يحبّ إكثار الصلاة في الحرمين، فأكثر فيهما وأتمّ)(1).

بتقريب: أنّها (صريحة الدلالة على أنّ موضوع الإتمام هو الموضع الذي يستحبّ فيه إكثار الصلاة لعظم فضيلة الثواب فيه، فعطف الإتمام في الحرمين على ذلك كالتفريع وابتدأ (علیه السلام) جواب السؤال بتقديم بيان الموضوع وهو "استحباب إكثار الصلاة" تبياناً لكون هذا العنوان هو أصل الموضوع)(2).

وفي هذا التقريب نظر؛ وجهه: وضوح بيان ترغيب الإمام (علیه السلام) السائل في الإكثار من الصلاة في الحرمين، وكون الإتمام مصداقاً له كما هو الحال في التطوّع والقضاء، فلو

ص: 126


1- وسائل الشيعة: 8/ 529 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح18.
2- إتمام المسافر في مشاهد الأئمة (علیهم السلام): 28.

سلّمنا ذلك كيف يمكن التعدية إلى غيرها بعد احتمال ثبوت الخصوصيّة؟!

3. وقد استدل على كون المناط في الإتمام قداسة المكان برواية أبي شبل (قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام): أزور قبر الحسين (علیه السلام) ؟ قال: زر الطيّب، وأتمّ الصلاة عنده.

قلت: أتمّ الصلاة؟ قال: أتمّ.

قلت: بعض أصحابنا يرى التقصير؟ قال: إنّما يفعل ذلك الضَعَفَة)(1).

بدعوى دلالة الرواية على أنّ موضوع التمام هو قداسة المكان بقداسة المكين(2).

ويلاحظ عليه: أنّ هذه الدعوى في غاية البعد؛ لعدم دلالة الرواية عليه لا من بعيد ولا من قريب؛ لوضوح دلالتها على كون الإمام في مقام بيان حكم زيارة الحسين (علیه السلام) وبيان وظيفته في الصلاة؛ لكونها من المواضع التي ورد فيها الحكم بالإتمام، فاقتضى التنبيه.

4. ما ورد في لسان بعض الروايات من أنّ الأمر بإتمام الصلاة في هذه المواضع لكونها زيادة خير، كما في رواية عمران بن حمران، فقد ورد فيها: (قلت لأبي الحسن (علیه السلام) أقصّر في المسجد الحرام أو أتمّ؟ قال: إن قصّرتَ فَلك، وإن أتممت فهو خير وزيادة الخير خير)(3). ومثلها غيرها، حيث تضمّنت التعليل بأنّ الإتمام في المواطن الأربعة زيادة خير.

بتقريب: أنّ المستفاد من هذا أنّ علّة الاستحباب كون الإتمام في هذه المواضع يكون خيراً، فيمكن تسرية الحكم وثبوت الاستحباب في جميع المشاهد(4).

ص: 127


1- وسائل الشيعة: 8/ 527 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح12.
2- لاحظ: إتمام المسافر في مشاهد الأئمة (علیهم السلام): 34.
3- وسائل الشيعة: 8/ 526 - 527 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح11.
4- لاحظ: إتمام المسافر في مشاهد الأئمة (علیهم السلام): 38.

والجواب عن هذا التقريب: بأنْ لا دلالة في الرواية على أنّ خيريّة الإتمام لأجل استحباب كثرة الصلاة فيها حتّى يمكن تعميم الحكم إلى المشاهد، بل لا يزيد مفادها على أنّ إثبات خيريّة الإتمام ممّا يدل على المشروعيّة بطبيعة الحال.

والصحيح في مفاد هذه الروايات: أنّ ذكر خيريّة الإتمام إنّما هو لتقريب الحكم إلى ذهن الرواة، كما تقدّم.

هذا، وقد يدّعى كون مفاد هذه الروايات هو أنّ كون كثرة الصلاة خيراً هو الموجب للأمر بالإتمام بقرينة ما ورد من الأمر بالتطوّع والتنفّل في المواضع والمشاهد موصوفاً بأنّه خير، كما ورد في صحيحة ابن أبي عمير، عن أبي الحسن (علیه السلام)،قال: (سألته عن التطوّع عند قبر الحسين (علیه السلام) وبمكّة والمدينة وأنا مقصّر؟ فقال: تطوّع عنده وأنت مقصّر ما شئت، وفي المسجد الحرام، وفي مسجد الرسول، وفي مشاهد النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) فإنّه خير)(1).

وتشبه هذه الرواية ما رواه ابن قولويه بإسناده عن إسحاق بن عمار، التي ورد فيها ذكر مشاهد النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) مقترناً بقبر الحسين (علیه السلام) والحرمين في سؤال السائل، حيث قال: (سألته عن التطوّع عند قبر الحسين (علیه السلام) ومشاهد النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) والحرمين والتطوّع فيهن بالصلاة ونحن مقصّرون؟ قال: نعم، تطوّع ما قدرت عليه، هو خير)(2).

والجواب عن هذه الدعوى: بعدم دلالة الرواية على كون الأمر بالإتمام في المواضع الأربعة لمجرّد خيريّة كثرة الصلاة.

ومجرّد الترغيب في التنفّل معلّلاً بأنّه خير لا يقتضي أنّ هناك مناطاً مشتركاً وهو

ص: 128


1- وسائل الشيعة: 8/ 535 باب: 26 من أبواب صلاة المسافر ح2. ولاحظ رسالة: إتمام المسافر في مشاهد الأئمة (علیهم السلام): 44.
2- وسائل الشيعة: 8/ 536 باب: 26 من أبواب صلاة المسافر ح6.

كون الصلاة خير لاسيَّما بعد ما عرفت من ترجيح أنْ يكون ذكر الخيريّة لتقريب الحكم بالإتمام في هذه المواضع إلى ذهن المخاطب.

يضاف إلى ذلك: أنّ هذه الدعوى تبتني على فرض عدم سقوط النوافل النهارية للمسافر إلى هذه المشاهد. إلَّا أنّه وقع الخلاف بين فقهائنا في إمكان التنفّل في المواضع الأربعة للمسافر إلى عدّة أقوال، ولم يحكم أحدهم بالشمول لغير هذه الأربعة، وقد اختار جمع منهم سقوطها مطلقاً كما في الشرائع للمحقّق وغيره(1)، واختار آخر عدم سقوطها مطلقاً كما حكى ذلك الشيخ ابن نما عن شيخه ابن إدريس(2)، واختار ثالث أنّ النوافل تابعة للفرائض(3)، ومن الواضح عدم جريان هذه الدعوى بناءً على القول الأوّل وكذلك على القول الثّالث؛ لما يظهر من توقف ثبوت استحباب الإتيان بالنوافل على ثبوت استحباب الإتمام فيها، وهو أوّل الكلام.

أمّا القول الثَّاني فقد خصّ الاستحباب بهذه المواضع.

وأمّا ما ذكر من الخبرين فسيأتي الحديث عنهما في الدليل الثاني.

الدّليل الثَّاني: ما دلّ على الملازمة بين مشروعيّة الإتيان بالنافلة مع إتمام الفريضة، وقد دلّت بعض الأحاديث على استحباب الإتيان بالنافلة في غير المواضع الأربعة فيمكن استفادة التعميم لكلّ مشهد ورد فيه فضل التطوّع وإكثار الصلاة.

وهذا الدليل يبتني على مقدّمتين:

ص: 129


1- لاحظ: شرائع الإسلام: 1/ 46، مصباح الفقيه: 9/ 63.
2- لاحظ: ذكرى الشيعة: 4/ 335.
3- لاحظ: جواهر الكلام: 7/ 50 - 51.

المقدّمة الأولى: هي الملازمة، وقد يستدلّ لها برواية أبي يحيى الحنّاط، قال: (سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن صلاة النافلة بالنهار في السفر؟ فقال: يا بني لو صلحت النافلة في السفر تمّت الفريضة)(1)، بدعوى ثبوت التلازم الموضوعي بين التطوّع النهاري والإتمام في الصلاة.

المقدّمة الأخرى: استحباب التطوّع في غير المواضع الأربعة.

والوجه فيه: أنّه قد ثبت جواز التطوّع النهاري في مشاهد النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) كما في صحيحة ابن أبي عمير، عن أبي الحسن (علیه السلام)،قال: (سألته عن التطوّع عند قبر الحسين (علیه السلام) وبمكّة والمدينة وأنا مقصّر؟ فقال: تطوّع عنده وأنت مقصّر ما شئت، وفي المسجد الحرام، وفي مسجد الرسول، وفي مشاهد النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) فإنّه خير)(2). وفي رواية إسحاق بن عمّار المتقدّمة: (سألته عن التطوّع عند قبر الحسين (علیه السلام) ومشاهد النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) والحرمين، والتطوّع فيهن بالصلاة ونحن مقصّرون؟ قال: نعم، تطوّع ما قدرت عليه، هو خير)(3).

وعليه فحيث ثبت استحباب التنفّل في مشاهد النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) يمكن إثبات استحباب الإتمام فيها، وكذلك يسري الحكم في جميع المشاهد المشرّفة لثبوت استحباب التطوّع فيها.

والجواب عن هذا الاستدلال..

أوَّلاً: بالنظر في المقدّمة الأولى؛ إذ يلاحظ عليها ما يلي:

1. ضعف رواية أبي يحيى الحناط سنداً من جهة عدم ثبوت وثاقة أبي يحيى المذكور

ص: 130


1- وسائل الشيعة: 4/ 82 باب: 21 من أبواب أعداد الفرائض ح4.
2- وسائل الشيعة: 8/ 535 باب: 26 من أبواب صلاة المسافر ح2.
3- وسائل الشيعة: 8/ 536 باب: 26 من أبواب صلاة المسافر ح4.

فقد تعرّض لذكره النجاشي والشيخ ولم يوثّقاه(1).

2. عدم تمامية دلالتها؛ إذ الظاهر عدم قصد إثبات هذه الملازمة بنحوٍ جدّيّ في الرواية بقرينة مشروعية النوافل الليلّية مع عدم إتمام الفريضة الرباعيّة فيه - وهي صلاة العشاء -. وعليه فالظاهر أنّ ذكر هذه الملازمة إنّما هو لمجرّد تقريب الحكم إلى ذهن المخاطب من جهة استبعاده سقوط النوافل النهارية، فتأمّل.

وثانياً: بالنظر في المقدّمة الثّانية؛ لعدم ثبوت مشروعيّة النوافل النهارية في الأماكن التي يستحبّ الإكثار من الصلاة تطوّعاً فيها، واستحباب التطوّع فيها غير استحباب التنفّل فيها؛ فإنّ المراد بالتنفّل هو الإتيان بالنوافل الراتبة دون مطلق التطوّع من قبيل صلاة تحية المسجد مثلاً أو غيرها.

وقد دلّت جملة من الأخبار على منع التنفّل في السفر كما في قوله (علیه السلام): (إنّما فرض الله على المسافر ركعتين لا قبلهما ولا بعدهما شيء إلَّا صلاة الليل)(2)، وكما في رواية صفوان، قال: (سألت الرضا (علیه السلام) عن التطوّع بالنهار وأنا في السفر؟ فقال: لا، ولكن تقضي صلاة الليل بالنهار وأنت في سفر)(3). والظاهر شمولها للأماكن التي يستحبّ إكثار الصلاة فيها كالمشاهد.

وعليه فدعوى الملازمة بين استحباب التطوّع وتمام الفريضة غير تامّة؛ لظهور أنّ غاية ما يستفاد من رواية الحنّاط هو تلازم النوافل الراتبة مع تمام الفريضة، لا مطلق التطوّع.

ص: 131


1- لاحظ: رجال النجاشي: 456 رقم: 1236، الفهرست: 535 رقم: 869.
2- وسائل الشيعة: 4/ 84 باب: 22 من أبواب أعداد الفرائض ح3.
3- وسائل الشيعة: 4/ 82 باب: 21 من أبواب أعداد الفرائض ح5.

إن قيل: إنّ المراد بالتطوّع هنا ما يشمل النوافل بقرينة ما ثبت من استحبابها في مشاهد النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) - كما تقدّم في رواية إسحاق -. وعليه فيكون المراد به في شأن غير مشاهده (صلی الله علیه و آله و سلم) من المذكورات معها هو الأعم من جهة وحدة السياق، وبذلك يمكن الحكم بثبوت مشروعية إتمام الفريضة فيها، كما في صحيحة ابن أبي عمير.

فإنه يقال: إنّ في شمول التطوّع للنوافل في هذه الروايات تأمّلاً؛ فيحتمل أن يكون النظر فيها إلى ثبوت استحباب التطوّع بعنوانه في هذه الموارد لمن وظيفته قصر الصلاة. بل لا يبعد نظر السائل في الروايتين بذكر كونه مقصّراً في الصلاة الإشارة إلى سقوط النوافل النهاريّة، ولكن هل تستحبّ الصلاة تطوّعاً لمزيّة المكان أو لا؟

وقد يساعد عليه قوله (علیه السلام): (ما قدرت عليه) الظاهر منه عدم وجود حدّ لآخره المناسب للتطوّع من غير النوافل المنصوصة.

وقد يساعد عليه أيضاً أنّه لو كان النظر في الرواية إلى إثبات مشروعيّة النافلة لنبّه على رجحان الإتمام في الفريضة حيث ذكر الراوي أنّه يقصّر الصلاة فيها، فتأمّل.

الدّليل الثَّالث: وممّا استدلّ به على سراية استحباب الإتمام إلى سائر المشاهد المشرّفة بعض الروايات التي ورد فيها الحثّ على الصلاة ركعتين، أو أربع ركعات في هذه المشاهد؛ بدعوى أنّ المراد منها الإشارة للفريضة، وهي رواية أبي علي الحرّاني، قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام): ما لمن زار قبر الحسين؟ قال: من أتاه وزاره وصلّى عنده ركعتين، أو أربع ركعات كتبت له حجّة وعمرة. قال: قلت جعلت فداك، وكذلك لكلّ من أتى قبر إمامٍ مفترض طاعته؟ قال: وكذلك لكلّ من أتى قبر إمام مفترض طاعته)(1).

فيقال: بدلالة الرواية على أنّ المراد بهذا الترديد بيان التخيير في صلاة الفريضة

ص: 132


1- كامل الزيارات: 434 باب: 83 أنّ الصلاة الفريضة عنده تعدل حجّة والنافلة عمرة، ح3.

وكونها مخيّرة بين الركعتين والأربع ركعات، فتكون نصّاً في المطلوب وهو التخيير في جميع مراقد المعصومين (علیهم السلام).

ويشهد لذلك بعض الروايات الأُخَر:

منها: ما رواه ابن قولويه بقوله: (حدّثني جعفر بن محمّد بن إبراهيم الموسوي، عن عبيد الله بن نهيك، عن ابن أبي عمير، عن رجلٍ، عن أبي جعفر (علیه السلام)،قال: قال لرجل: يا فلان ما يمنعك إذا عرضت لك حاجة أن تأتي قبر الحسين (علیه السلام) فتصلّي عنده أربع ركعات ثمّ تسأل حاجتك؟ فإنّ الصلاة الفريضة عنده تعدل حجّة، والصلاة النافلة عنده تعدل عمرة)(1).

بدعوى أنّها نصّ في إرادة الإتمام في الفريضة من ال-(أربع ركعات) الواردة في رواية الحرّاني، وأنّ الترديد بين الاثنين والأربع هو التخيير بين القصر والتمام.

ومنها: رواية أبي شبل المتقدّمة(2) حيث ورد فيها الأمر بالزيارة وإتمام الصلاة وذكر أنّ التقصير فيها إنّما هو من فعل الضعفة، فهي صريحةٌ في النظر إلى الفريضة، فيكون الظاهر من الإتيان بالأربع ركعات أو الاثنين في رواية الحرّاني هو الفريضة؛ نظراً لعظم فضيلتها بإقامتها عنده.

والجواب عن هذا الاستدلال: أنّ رواية الحرّاني ظاهرةٌ في دلالتها على أنّ المراد بالصلاة هي (صلاة الزيارة) بدلالة العطف، إذ قال: (من أتاه وزاره وصلّى...) وثبوت ثواب الحج والعمرة.

وما ورد في رواية ابن أبي عمير إنّما هو لبيان فضل الصلاة عنده، وبيَّن فضل صلاة

ص: 133


1- كامل الزيارات: 433 باب: 83 أنّ الصلاة الفريضة عنده تعدل حجّة والنافلة عمرة، ح1.
2- لاحظ: وسائل الشيعة: 8/ 527 باب: 25 من أبواب صلاة المسافر ح12.

النافلة وفضل صلاة الفريضة، ولا قرينة على اختصاصها ببيان فضل الفريضة، ولو كان المراد بها هو خصوص الفريضة فلماذا خصّها بالأربع لإمكان ثبوت الفضل بإتيانها مقصورة أيضاً، فتنصيصه على خصوص الأربع يظهر منه إرادة التطوّع؛ إذ لو كان المراد بالأربع الفريضة لأمكن أن يقول: (وصلِّ عنده ثمّ تسأل حاجتك).

وعليه فالظاهر أنّ المراد بالركعات الأربع هو صلاة قضاء الحاجة. نعم، إقامتها في هذا المكان لشرفيّته التي بيَّنها الإمام (علیه السلام)،وبيان عظم ثواب الصلاة فيه له دور في تحقّق المراد.

وممّا يناسب ذلك: وجود جملة من الروايات تدلّ على أنّ صلاة الحاجة أربع ركعات:

منها: ما رواه الشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن ابن أبي حمزة، قال: (سمعت علي بن الحسين (علیهما السلام) قال لابنه: يا بني من أصابه منكم مصيبة أو نزلت به نازلة فليتوضّأ وليسبغ الوضوء ثمّ يصلّي ركعتين، أو أربع ركعات ثمّ يقول في آخرهن: يا موضع كلّ شكوى، ويا سامع كلّ نجوى، وشاهد كلّ ملاء، وعالم كلّ خفيّة، ويا دافع ما يشاء من بليّة، ويا خليل إبراهيم، ويا نجي موسى، ويا مصطفي محمّد (صلی الله علیه و آله و سلم) أدعوك دعاء من اشتدّت فاقته، وقلّت حيلته، وضعفت قوّته، دعاء الغريق الغريب المضطرّ الذي لا يجد لكشف ما هو فيه إلَّا أنت يا أرحم الراحمين. فإنّه لا يدعو به أحد إلَّا كشف الله عنه إن شاء الله)(1). وغيرها كثير(2).

ص: 134


1- الكافي: 2/ 560 - 561 ح15 باب الدعاء للكرب والهمّ والحزن والخوف.
2- يلاحظ على سبيل المثال: ما ورد في الكافي: 3/ 475 ح5 باب الصلاة في طلب الرزق، 478 ح5 باب صلاة الحوائج، من لا يحضره الفقيه: 1/ 559 ح1547، كامل الزيارات: 313 ح4 باب: 69 أن زيارة الحسين (علیه السلام) ينفس بها الكرب وتقضى بها الحوائج.

هذا، وقد يُحتمل أن يكون المراد بالأربع في رواية ابن أبي عمير صلاة الزيارة أيضاً كما استظهرناه من رواية الحرّاني من جهة استبعاد عدم ذكر صلاة الزيارة فيها.

فتحصّل من جميع ما تقدّم: أنّه لا مأخذ صحيح للقول بتعميم التخيير إلى سائر المشاهد، بل ذلك الحكم - كما عليه جمهور الفقهاء - من خواصّ المواطن الأربعة المشرّفة وميزة حَفّها الله سبحانه وتعالى بها.

وبذلك يتمّ القول في هذه المسألة.

وقد اتّفق الفراغ منها في ليلة التاسع من ذي الحجّة الحرام لعام 1438ﻫ.

والحمد لله ربِّ العالمين وصلّى الله على أشرف بريته محمّد وآله الطاهرين.

* * *

ص: 135

المصادر

1. إتمام المسافر في مشاهد الأئمة (علیهم السلام): تقرير بحث الشيخ محمّد السند، بقلم: نخبة من الفضلاء، ط: الأولى 2013م، المطبعة: النور.

2. اختيار معرفة الرجال: شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460ﻫ)، طبعة وزارة الثقافة والإرشاد الإسلاميّ.

3. إصباح الشيعة بمصباح الشريعة: الشيخ قطب الدين البيهقي الكيدري (ت ق6)، تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري، الناشر: مؤسسة الإمام الصادق، ط: الأولى، المطبعة: اعتماد - قم، سنة الطبع: 1416ﻫ.

4. بحوث في علم الأصول: تقرير أبحاث السيّد محمّد باقر الصدر (ت1400ﻫ)، تأليف: السيّد محمود الهاشمي، الناشر: مؤسسة دائرة المعارف الفقه الإسلاميّ، ط: الثالثة، المطبعة: محمّد، سنة الطبع: 1426ﻫ.

5. بداية المجتهد ونهاية المقتصد: ابن رشد الحفيد (ت595ﻫ)، الناشر: المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب، ط: الأولى، 1431ﻫ.

6. البدر الزاهر: تقرير بحث السيّد حسين الطباطبائي البروجردي (ت 1380ﻫ)، تأليف: الشيخ المنتظري (ت 1431ﻫ).

7. تصحيح اعتقادات الإماميّة: الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان المعروف بالشيخ المفيد (ت413ﻫ)، تحقيق: حسين درگاهي، الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان، الطبعة: الثانية، 1414ﻫ- 1993 م.

ص: 136

8. تعارض الأدلّة: السيّد علي الحسيني السيستاني، نسخة محدودة التداول.

9. تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العامليّ (ت 1104ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام)

لإحياء التراث، 1414ﻫ.

10. تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد: شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد ابن الحسن الطوسي (ت 460 ﻫ)، تحقيق: الشيخ علي أكبر الغفاري، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة - طهران، ط: الثالثة، 1363ش.

11. جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام: الشيخ محمّد حسن النجفيّ (ت 1266ﻫ)، تحقيق وتعليق: الشيخ عباس القوجاني، الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران، ط: الثانية، مطبعة: خورشيد، سنة الطبع: 1365ش.

12. حاشية المدارك: المحقّق محمّد باقر الوحيد البهبهاني (ت 1205ﻫ)، الناشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، ط: الأولى، 1419ﻫ.

13. الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة: الشيخ يوسف البحراني (ت 1186ﻫ)، الناشر: مؤسسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرفة.

14. الخصال: الشيخ محمّد بن علي ابن بابويه القميّ (الصدوق) (ت 381ﻫ)، تحقيق: الشيخ علي أكبر الغفاري، الناشر: مؤسسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، سنة الطبع: 1403ﻫ.

15. الدروس الشرعية في فقه الإمامية: الشيخ محمّد بن جمال الدين مكّي العاملي (الشهيد الأوّل) (ت 786ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة، ط: الثانية، سنة الطبع: 1417ﻫ.

16. ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد: المحقّق محمّد باقر السبزواريّ (ت 1090ﻫ)،

ص: 137

الناشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الحجرية.

17. رجال النجاشي: الشيخ أحمد بن علي النجاشي (ت 450ﻫ)، تحقيق: السيّد موسى الشبيري الزنجاني، الناشر: مؤسسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط: الخامسة: 1416ﻫ.

18. رسائل الشريف المرتضى: السيّد علي بن الحسين (الشريف المرتضى) (ت 436ﻫ)، تحقيق: السيّد أحمد الحسينيّ، إعداد: السيّد مهدي الرجائيّ، الناشر: دار القرآن الكريم - قم، المطبعة: سيد الشهداء - قم، سنة الطبع: 1405ﻫ.

19. الرواشح السماويّة: السيّد محمّد باقر الحسيني الأسترآبادي المعروف بالمحقّق الداماد (ت 1041ﻫ)، الطبعة الحجريّة.

20. روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه: الشيخ محمّد تقي المجلسي (ت1070ﻫ)، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة، ط: الأولى، 1429ﻫ.

21. رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل: السيّد علي ابن السيّد محمّد ابن السيّد علي الطباطبائي (ت 1231ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، ط: الأولى، سنة الطبع: 1412ﻫ.

22. علل الشرائع: الشيخ أبو جعفر محمّد بن علي ابن بابويه القمي (الصدوق) (ت 381ﻫ)، تحقيق: السيّد محمّد صادق بحر العلوم، نشر وطبع: منشورات المكتبة الحيدرية - النجف الأشرف، سنة الطبع: 1385ﻫ- 1966م.

23. الفقه المنسوب للإمام الرضا (علیه السلام) والمشتهر ب-(فقه الرضا)، تحقيق: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم المشرّفة، ط: الأولى، 1406ﻫ.

24. فوائد الأصول: الشيخ محمّد حسين الغرويّ النائينيّ (ت 1355ﻫ)، تأليف:

ص: 138

الشيخ محمّد علي الكاظمي الخراسانيّ (ت 1365ﻫ)، تعليق: الشيخ آغا ضياء الدين العراقي (ت 1361ﻫ)، الناشر: مؤسسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة، سنة الطبع: 1404ﻫ.

25. الفوائد الحائرية: محمّد باقر الوحيد البهبهاني (ت 1206ﻫ)، تحقيق ونشر: مجمع الفكر الإسلامي، مطبعة باقري - قم، 1415 ﻫ.

26. الكافي: الشيخ أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني (ت 329ﻫ)، تحقيق ونشر: دار الحديث للطباعة والنشر، ط: الأولى، قم - إيران، 1429ﻫ.

27. كامل الزيارات: الشيخ جعفر بن محمّد بن قولويه القمّي (ت 368ﻫ)، تحقيق: الشيخ جواد القيّومي، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة، ط: الأولى، المطبعة: مؤسسة النشر الإسلاميّ، سنة الطبع: 1417ﻫ.

28. المبسوط في فقه الإمامية: شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460ﻫ)، تحقيق: السيّد محمّد تقي الكشفي، الناشر: المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، المطبعة: الحيدرية - طهران، سنة الطبع: 1387ﻫ.

29. مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان: المقدّس أحمد بن محمّد الأردبيلي (ت993ﻫ)، تحقيق: الحاج آغا مجتبى العراقي، الشيخ علي بناه الاشتهاردي، الحاج آغا حسين اليزديّ الأصفهانيّ، الناشر: مؤسسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة.

30. محاضرات في أصول الفقه: تقرير أبحاث السيّد أبو القاسم الخوئي (ت 1413ﻫ)، تأليف: الشيخ محمّد إسحاق الفياض، طبع ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط: الأولى، سنة الطبع: 1419ﻫ.

ص: 139

31. مختلف الشيعة في أحكام الشريعة: الشيخ أبو منصور الحسن بن يوسف الأسديّ الحلّيّ المعروف بالعلّامة (ت 726ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة، ط: الأولى، 1412 ﻫ.

32. مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام: السيّد محمّد بن عليّ الموسويّ العامليّ (ت 1009ﻫ)، تحقيق: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث - مشهد المقدسة، الناشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم المشرّفة، ط: الأولى، مطبعة: مهر - قم، سنة الطبع: 1410ﻫ.

33. المرتقى إلى الفقه الأرقى: تقرير أبحاث السيّد محمّد الحسيني الروحانيّ (ت 1418ﻫ)، تأليف السيّد عبد الصاحب الحكيم (ت 1403ﻫ)، الناشر: مؤسسة مولود الكعبة، 1420ﻫ.

34. المزار: الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان المعروف بالشيخ المفيد (ت 413ﻫ)، تحقيق: السيّد محمّد باقر الأبطحي (ت 1435ﻫ)، الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان، ط: الثانية، سنة الطبع: 1414 ﻫ- 1993 م.

35. مستمسك العروة الوثقى: السيّد محسن الطباطبائي الحكيم (ت 1390ﻫ)، طبعة: دار إحياء التراث العربي، 1404ﻫ.

36. مستند الشيعة في أحكام الشريعة: الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقيّ (ت1245ﻫ)، تحقيق: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث - مشهد المقدّسة، الناشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم، ط: الأولى، مطبعة: ستارة - قم، سنة الطبع: 1415ﻫ.

37. مستند العروة الوثقى: تقرير بحث السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي (ت

ص: 140

1413ﻫ)، تأليف: الشيخ مرتضى البروجردي (ت 1418ﻫ) طبعة: مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي، ط: الثانية، 1429ﻫ.

38. مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع: الشيخ محمّد باقر الوحيد البهبهانيّ (ت 1205ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة العلّامة المجدّد الوحيد البهبهاني، ط: الأولى، سنة الطبع: 1424ﻫ.1. مصباح الفقيه: الشيخ رضا بن محمّد هادي الهمدانيّ (ت 1322ﻫ)، الناشر: مؤسسة التاريخ العربي.

2. مصباح المتهجد: شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (ت 460 ﻫ)، الناشر: مؤسّسة فقه الشيعة - بيروت - لبنان، ط: الأولى، سنة الطبع: 1411ﻫ- 1991م.

3. معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة: السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي (ت 1413ﻫ)، مطبعة الآداب - النجف.

4. المغني: موفّق الدين أبو محمّد عبد الله بن قدامة (ت 620ﻫ)، الناشر: دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.

5. مفاتيح الأصول: السيد محمّد المجاهد الطباطبائي (ت 1242ﻫ)، الطبعة الحجريّة.

6. مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة: السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي (ت 1228ﻫ)، تحقيق: الشيخ محمّد باقر الخالصيّ، نشر وطبع: مؤسسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، ط: الأولى، سنة الطبع: 1419ﻫ.

7. مَن لا يحضره الفقيه: الشيخ محمّد بن عليّ ابن بابويه القمّي (الصدوق) (ت

ص: 141

381ﻫ)، تحقيق: الشيخ علي أكبر الغفاري، الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران.

8. منتقى الأصول: تقرير أبحاث السيّد محمّد الحسينيّ الروحانيّ (ت 1418ﻫ)، تأليف: السيّد عبد الصاحب الحكيم (1403ﻫ)، ط: الثانية، المطبعة: الهادي، سنة الطبع: 1416ﻫ.

9. المهذَّب: القاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسيّ (ت 481ﻫ)، تحقيق: مؤسّسة سيّد الشهداء العلميّة، الناشر: مؤسسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، سنة الطبع: 1406ﻫ.

ص: 142

دراسات فقهيّة مقارنة بين قانون الأحوال الشّخصيّة العراقيّ ومشروع قانون الأحوال الشّخصيّة الجعفريّ: (الأحكام العامّة والزّواج أنموذجا) (الحلقة الثانية) - الشيخ يحيى السعداوي (دام عزه)

اشارة

دراسات فقهيّة مقارنة بين مصطلحات وتعريفات وموادّ قانون الأحوال الشّخصيّة العراقي ومشروع قانون الأحوال الشّخصيّة الجعفري في بعض فقرات باب النّكاح (الزّواج) وأيّهما أصحّ أو أدق أو أولى بالاتّباع وأيّ منهما موافق للمادّة الدّستورية (2) التي نصّ عليها الدّستور الدّائم، وعدم مخالفته للشريعة الإسلامية وتطبيق المادّة (41) التي تخصّ الأحوال الشّخصيّة من دون إرجاع المجتمع العراقي إلى عدّة قوانين في الأحوال الشخصيّة وعدم فرض القوانين المخالفة لدينه ومذهبه.

ص: 143

ص: 144

بسم الله الرحمن الرحیم

تعرّضنا في المبحث الأوّل - الحلقة السابقة - إلى تاريخ قانون الأحوال الشخصيّة العراقي، وأسباب نشوئه، وإلى الأسس والمباني العامّة لقانونيّ الأحوال الشخصيّة العراقي ومشروع القانون الجعفري بدراسة فقهيّة مقارنة، كما تناولنا فيه أسباب تدوين القوانين في الدولة الإسلاميّة، والمانع الفقهيّ من تقنين الأحكام الشرعيّة، وكيفيّة معالجته.

ونتعرّض في هذه الحلقة إلى المبحث الثاني الذي يتناول دراسة فقهيّة تحليليّة مقارنة لعنوانيّ البابين (الزّواج) و(النّكاح)، وتعريفهما، وتعدّد الزوجات في ضمن موادّ القانونين العراقي ومشروع القانون الجعفري في مطلبين وخاتمة:

المطلب الأوّل: وفيه مقصدان:

المقصد الأوّل: دراسة فقهيّة لعنوان الباب الأوّل (الزّواج) من قانون الأحوال الشخصيّة العراقي، وما يقابله من مشروع القانون الجعفري الباب الثاني (النّكاح)، وترجيح الأصحّ والأصدق والأدقّ والأولى منهما.

المقصد الثّاني: دراسة فقهيّة للمادّة (الثالثة ف1) - تعريف الزّواج - من قانون الأحوال العراقي، وما يقابلها - تعريف النّكاح - المادّة (42) من مشروع القانون الجعفري.

المطلب الثّاني: دراسة فقهيّة للمادّة (الثالثة ف4): (تعدّد الزوجات) من قانون الأحوال الشخصيّة العراقي، وما يقابلها المادّتان (102) و(104) من مشروع القانون الجعفري.

ص: 145

الخاتمة: في نتائج البحث والمقترحات.

المطلب الأوّل

المقصد الأوّل: دراسة فقهيّة لعنوانيّ البابين من القانونين، وترجيح الأصحّ والأصدق والأدقّ والأولى منهما

اشارة

ذَكَر المشرّع العراقي في بداية القانون: (الباب الأوّل(1): الزّواج. الفصل الأوّل: الزّواج والخطبة) بينما أبدل مشرّع القانون الجعفري كلمة (الزّواج) ب-( النّكاح)، حيث ذكر: (الباب الثاني: عقد النّكاح (الزّواج)). ولكي يتّضح أيّ الكلمتين أصحّ وأصدق وأدقّ وأبلغ وأولى نبحثهما في اللّغة والاصطلاح:

أوّلاً: الزّواج والنّكاح لغةً
1. الزّواج لغةً

قال ابن فارس: (زوج) الزاء والواو والجيم أصل يدلّ على مقارنة شيء لشيء، من ذلك الزوج زوج المرأة، والمرأة زوج بعلها وهو الفصيح(2)، ويجمع الزوج: أزواجاً. والزوج: خلاف الفرد، يقال: زوج أو فرد، وزوج المرأة بعلُها، وزوج الرجل امرأتُه(3)، قال تعالى مخاطباً آدم (علیه السلام): [اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ](4).

ص: 146


1- هذا الباب يتناول فيه المشرّع العراقي أحكام عقد النّكاح تعريفاً وحكماً وحكمةً وأركاناً وشروطاً وأهليةً وإثباتاً في أربعة فصول.
2- يلاحظ: معجم مقاييس اللغة: 3/ 35.
3- يلاحظ: الصحاح: 1/ 320، لسان العرب: 2/ 292.
4- سورة البقرة: 35.

والزَّوَاج - بالفتح - من التَّزويجِ كالسَّلامِ من التَّسليم، والكسرُ فيه لغة، كالنِّكاح وَزْناً ومعنىً، وحَمَلُوه على المُفَاعَلَة(1).

والزّواج: الاقتران، وزوّج الأشياء تزويجاً وزواجاً: قَرَن بعضها ببعض(2)، قال الله تعالى: [وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ](3)أي قرّناهم بهنّ.

ولا يختصّ الزوج بالإنسان بل يعمّ غيره أيضاً، فتقول: عندي زوجا نعالٍ، وزوجا حمامٍ، وأنت تعني ذكراً وأنثى(4)، كما لا يختصّ بالعلاقة الزوجية أيضاً(5).

2. النِّكَاح لغةً
اشارة

قال ابن فارس: (النون والكاف والحاء أصل واحد وهو البضاع(6)، ونكح ينكح. والنّكاح يكون العقد دون الوطء. يقال: نكحت تزوجت وأنكحت غيري)(7)، وقال الخليل وغيره: (ونَكَحَها يَنْكِحُها: باضعها أَيضاً، وقال الأَعشى في نَكَحَ بمعنى تزوج، وامرأة ناكح: أي ذات زوج، وأنكَحه المرأةَ: زوّجه إيّاها، وأنكحها: زوّجها)(8)،

ص: 147


1- يلاحظ: تاج العروس: 3/ 396.
2- يلاحظ: لسان العرب: 2/ 293، 4/ 430، المعجم الوسيط: 405.
3- سورة الدخان: 54.
4- يلاحظ: العين: 6/ 166.
5- يلاحظ: الزاهر في معاني كلمات الناس: 96.
6- البِضاع: بكسر الباء الموحدة: هو الجماع. ومنه المثل (كمعلِّمة أمِّها البِضَاع) يضرب لمن يُعَلِّم من هو أعلم منه. انظر مادّة (بضع). معجم مقاييس اللغة (1/ 255-256)، الصحاح (3/ 1187).
7- معجم مقاييس اللغة: 5/ 475.
8- يلاحظ: العين: 3/ 63، لسان العرب: 2/ 625.

والاسم: النُكح والنَّكح، وهما لغتان، وكانت العرب تتزوج بها(1)، والنّكاح إنّما يكون للإنسان خاصّة، فيقال: (نكَحَ الإنْسانُ، كَامَ الفَرَس، بَاكَ الحِمَارُ، قَاعَ الجَمَلُ، نَزَا التَّيْسُ والسَّبُعُ، عَاظَلَ الكَلْبُ، سَفَدَ الطَّائِرُ، قَمَطَ الدِّيكُ)(2).

ويطلق النّكاح على الخطبة أيضاً، فيقال: هذا خِطْب فُلاَنَةَ، فيقولُ المَخْطُوب إليه نِكْحٌ(3).

واختلفوا في حقيقة النّكاح على أربعة أقوال:

القول الأوَّل

الاشتراك اللفظي بين العقد والوطء، وهو قول الخليل، وظاهر الجوهري وغيرهما(4). واستدلّ بعض الفقهاء لهذا المعنى بما نُقل عن أبي القاسم الزَّجَّاجي أنّه قال: (النِّكاح في كلام العرب بمعنى الوطء والعقد جميعاً)(5).

وتوجيه هذا القول: هو تحقُّق الاستعمال في اللغة في كلٍّ منهما، والأصل في الاستعمال الحقيقة(6). لكنّ هذا التوجيه غير مقبول عند الكثير؛ لأنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة.

القول الثَّاني

أنّ النّكاح حقيقة في العقد ومجاز في الوطء، وهو قول ابن فارس - كما تقدّم - والراغب في المفردات حيث قال: (نكح: أصل النّكاح للعقد، ثمّ استعير للجماع،

ص: 148


1- الصحاح: 1/ 413.
2- فقه اللغة وسر العربية: 164.
3- يلاحظ: المخصص: 1 ق4/ 18.
4- يلاحظ: العين: 3/ 63، الصحاح: 1/ 413، المخصّص: 1 ق5/ 110.
5- شرح صحيح مسلم: 9/ 171، الإنصاف: 8/ 3.
6- يلاحظ: فتح القدير: 3 /185.

ومحال أن يكون في الأصل للجماع ثمّ استعير للعقد؛ لأنّ أسماء الجماع كلّها كنايات)(1). وقال ابن جنِّي: (سألت أبا علي الفارسي عن قولهم "نكحها"، فقال: فرّقت العرب فرقاً لطيفاً يعرف به موضع العقد من الوطء، فإذا قالوا: "نكح فلانة أو بنت فلان" أرادوا تزويجها والعقد عليها، وإذا قالوا "نكح امرأته" لم يريدوا إلّا المجامعة؛ لأنّه بذكر امرأته وزوجته تستغنى عن العقد)(2). وهذا خلاف ما نقل ابن منظور عن ابن سيده من أنّ (النِّكاحُ: البُضْعُ، وذلك في نوع الإِنسان خاصّة، نكح: ينكح نكحاً: وهو البضع)(3). وهذا المعنى أقرب إلى الشرع(4)، كما سيأتي.

القول الثَّالث

أنّه حقيقة في الوطء ومجاز في عقد التزويج، وهو مختار الأزهري والفيروزآبادي والزَّبيدي(5)، حيث ذهبوا إلى أنّ أصل النِّكاح في كلام العرب الوطء، وقد يطلق على التزويج؛ لأنَّه سبب الوطء المباح.

القول الرَّابع

أنّه مجاز في العقد والوطء وحقيقة في الجمع والضّم والتداخل - أي مطلقاً - قال الفيّوميّ: (فيكون النِّكاح مجازاً في العقد والوطء جميعاً؛ لأنَّه مأخوذ من غيره، ويؤيِّده أنّه لا يفهم العقد إلّا بقرينة نحو "نكح في بني فلان"، ولا يفهم الوطء إلّا بقرينة نحو "نكح زوجته"، وذلك من علامات المجاز)(6). وعن الكوفيين والمبرِّد

ص: 149


1- المفردات في غريب القرآن: 505.
2- الإنصاف: 8/ 3، كشف القناع: 5/ 3.
3- لسان العرب: 2/ 626.
4- يلاحظ: مغني المحتاج: 3/ 123، عمدة القاري: 20/ 64.
5- يلاحظ: تهذيب اللغة: 4/ 103، وعنه لسان العرب: 2 /626 مادّة (نكح(، القاموس المحيط: 1/ 254، تاج العروس: 4/ 240.
6- المصباح المنير: 2/ 624، وانظر في ورود النِّكاح بمعنى الضم والدخول في كل من: تهذيب اللغة: 4/ 204، لسان العرب: 2/ 626، تاج العروس: 2/ 240.

والبصريين أنّه للجمع، قال الشاعر:

أيّها المنكح الثريا سهيلاً *** عمرك الله، كيف يجتمعان(1).

ومن وروده في الضمّ قولهم: تناكحت الأشجار إذا انضمّ بعضها إلى بعض(2)، ومن وروده في الدخول قولهم: نكح النومُ عينَه إذا غلبه، ومنه قول المتنبي:

أنكحتْ صمُّ حصاها خُفَّ يَعْمَلَةٍ *** تَغَشْمَرَتْ بي إليك السهلَ والجبلا(3)

ونقل المرداوي عن ابن تيمية قوله:) معناه في اللغة: الجمع والضمّ على أتمّ الوجوه، فإن كان اجتماعاً بالأبدان فهو الإيلاج الذي ليس بعده غاية في اجتماع البدنين، وإن كان اجتماعاً بالعقود فهو الجمع بينهما على الدَّوام واللزوم، ولهذا يقال: استنكحه المذي إذا لازمه وداومه)(4).

فالنتيجة المستفادة من النظر في المعاني اللُّغوية لكلٍّ من الزّواج والنِّكَاح هي:

أ. الزّواج من (زوج) أصل يدلّ على مقارنة شيء لشيء، وأمّا النِّكَاح فهو من (نكح) أصل واحد وهو البضاع، وحقيقة النّكاح العقد دون الوطء عند الأكثر، خلافاً للأزهري والفيروزآبادي والزبيدي حيث ذهبوا إلى أنّ أصل النّكاح في كلام العرب الوطء ويستعمل في العقد لأنّه سببه.

ب. الزّواج لا يختصّ بالإنسان، بل يعمّ غيره أيضاً. وأمّا النّكاح فهو للإنسان دون

ص: 150


1- الإنصاف: 8/ 3، وانظر (بيت الشعر) الصحاح: 2/756.
2- يلاحظ: كشاف القناع: 5/ 3.
3- يلاحظ: شرح الزرقاني على الموطأ: 3/ 2.
4- الإنصاف: 8/ 3 - 4.

غيره، ويطلق على الخطبة أيضاً.

ت. إنّ النِّكاح قد يجري مَجْرَى التَّزْويج كما عن الخليل والجوهري وابن سيده، وهي كلمة كانت العرب تتزوج بها.

وعليه يمكن القول: إنّ التزويج والنّكاح يدلّان على معنى واحد، حيث يطلقان على العقد، بخلاف الزّواج.

ثانياً: الزّواج والنّكاح اصطلاحاً
1- الزّواج اصطلاحاً

أ. الزّواج في القرآن والروايات: لم يُستعمل لفظ الزّواج في القرآن للدلالة على الزّواج المعروف بين الناس إلّا في موضع واحد فقط، حيث اتّفق المفسّرون على دلالته على الزّواج المعروف بمعنى التزويج، وهو قوله تعالى: [فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا](1) أي زواج النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) من زينب بنت جحش (فإنّ التزويج بمعنى النّكاح بالعقد متعدٍ بنفسها)(2).

وأمّا ما قيل: من أنّ هناك موضعاً آخر في القرآن بمعنى التزويج وهو قوله تعالى: [وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ](3) حيث فسّرها مجاهد ب-(أنكحناهم)(4) فهو مخالف لأكثر المفسّرين - حيث ذهبوا إلى أنّه بمعنى الاقتران، والمعنى: قرنّا هؤلاء المتقين بالحور العين -

ص: 151


1- سورة الأحزاب: 37.
2- الميزان في تفسير القرآن: 19/ 12.
3- سورة الطور: 20، سورة الدخان: 54.
4- يلاحظ: تفسير مجاهد: 2/ 590.

كالشيخ الطوسي والطبرسي، والفيض الكاشاني (قدس سرهم) (1)، وقال السيّد الطباطبائي (قدس سره): (المراد بالتزويج القرن أي قرناهم بهنّ دون النّكاح بالعقد، والدليل عليه تعديه بالباء)(2).

وأمّا مفسّرو العامّة فقد ذهب ابن الجوزي إلى أنّه بمعنى الاقتران، قال: ([وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ] قال المفسرون: المعنى: قرنّاهم بهنّ، وليس من عقد التزويج)(3)، وكذا فخر الدين الرازي(4).

إذاً فاستعمال القرآن لكلمة (الزّواج) إنّما هو بمعنى الاقتران إلّا في قوله تعالى: [فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا] باتّفاق مفسّريّ الإماميّة، وأكثر مفسّريّ العامّة، عدا مجاهد ومَن تبعه، ولذا قال الراغب: (ولم يجئ في القرآن زوّجناهم حوراً كما يقال زوّجته امرأة تنبيهاً أنّ ذلك لا يكون على حسب المتعارف فيما بيننا من المناكحة)(5).

ب. الزّواج في الفقه: أمّا فقهاء الإماميّة فلم يعنونوا المسائل التي تناولت عقد الزّواج وأحكامه وشروطه ب-(كتاب الزّواج) وإنّما ب-(كتاب النّكاح).

وأمّا فقهاء العامّة فقد كان استخدام لفظ (النِّكاح) أكثر شيوعاً من لفظ (الزّواج) عند القدامى، وعلى العكس من المتأخّرين الذين استخدموا لفظ (الزّواج) أكثر من لفظ (النِّكاح)، وقد تناولوه بمعنى واحد.

ص: 152


1- يلاحظ: التبيان في تفسير القرآن: 9/ 406، مجمع البيان في تفسير القرآن: 9/ 275، تفسير الصافي: 4 / 410.
2- الميزان في تفسير القرآن: 19/ 12.
3- زاد المسير في علم التفسير: 7/ 120.
4- تفسير الرازي: 27/ 253، 28/ 251.
5- المفردات في غريب القرآن: 216.
2. النّكاح اصطلاحاً
أ. في القرآن والروايات

المشهور أنّه علقة الزّواج، ويقال أيضاً على سببها وهو العقد المبيح للوطء دخل العاقد أو لم يدخل، وعلى ذلك اتّفاق المسلمين(1)، قال الشيخ الطوسي (قدس سره): (النّكاح يعبّر به عن الوطي، كما يعبّر به عن العقد، فيجب أن يحمل عليهما)(2)، وصرّح بذلك أيضاً الشيخ الطبرسي (قدس سره)،حيث قال: (النّكاح: اسم يقع على العقد والوطء. وقيل: إنّ أصله الوطء، ثمّ كثر حتّى قيل للعقد نكاح... يقال: نكح ينكح نكاحاً إذا تزوّج. وأنكحه غيره: زوّجه)(3).

وعليه فإنَّ لفظ النِّكاح بمعنى التزويج أكثر استعمالاً في القرآن ولسان أهل العرف وأشهر، كما في قوله تعالى: [وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ](4)، وقوله تعالى: [ولا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ] حيث أطلق النّكاح على عقد الزّواج، وعلى الوطء، تقول: فلان نكح فلانة، أي عقد عليها إن كانت خليّة، وتقول: نكح زوجته، أي وطأها، وعليه يكون المراد من النّكاح الزّواج بحقيقته وجميع ملابساته. وكذا قوله تعالى: [ولا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ] عزماً باتاً قطعياً، أو لا تنشئوا عقد الزّواج. وقوله تعالى: [يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ] فالمراد بالنّكاح هنا عقد الزّواج.

ص: 153


1- يلاحظ: آلاء الرحمن في تفسير القرآن: 2/ 62.
2- التبيان في تفسير القرآن: 3/ 155.
3- مجمع البيان في تفسير القرآن: 2/ 83.
4- سورة النور: 32.

وأمّا في الروايات فقد رُوي عن النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم) أنّه قال: (من أحبّ فطرتي فليستن بسُنّتي، ومن سُنّتي النّكاح)(1). وقوله (صلی الله علیه و آله و سلم): (أيُّما امرأة نَكَحت بغير إذن وليّها فنكاحها باطل باطل باطل فإن أصابها فلها المهر..(2). وقوله (صلی الله علیه و آله و سلم): (تناكحوا، تكثّروا، فإنّي أباهي بكم الأمم حتّى بالسقط)(3). فحُمل قوله (صلی الله علیه و آله و سلم): (النّكاح والتناكح) على العقد.

ب. في الفقه

أمّا فقهاء الإماميّة فقد ذكر الشهيد الثاني (قدس سره): أنّ النّكاح يستعمل بالمعنيين العقد والوطء إلّا أنّ استعماله في العقد أكثر، وقد اختلف الفقهاء في كونه مشتركاً بين المعنيين، نظراً إلى استعماله فيهما، والأصل في الاستعمال الحقيقة. وقيل: العقد، لكثرة الاستعمال فيه فيكون جانب الحقيقة فيه راجحاً حيث يضطر إلى جعل أحدهما مجازاً. وهذا هو الأجود(4).

وقال المحقّق البحراني (قدس سره): إنّ (هذا القول مختار السيّد السند في شرح النافع، حيث قال: والظاهر أنّه حقيقة في العقد، مجاز في الوطء... ونُقل عن الشيخ أنّه نصّ على أنّ النّكاح في عرف الشرع حقيقة في العقد، مجاز في الوطء، وتبعه ابن إدريس، وقال: إنّه لا خلاف في ذلك)(5).

وقال (قدس سره) أيضاً: (وقد يطلق ويراد به العقد خاصّة في كلٍّ من عرفيّ الشرع واللغة)(6).

ص: 154


1- السنن الكبرى للبيهقي: 7/ 78.
2- المغني: 7/ 338، الشرح الكبير: 7/ 409، مغني المحتاج: 3/ 147، المجموع: 16/ 146، نيل الأوطار: 6/ 249.
3- معرفة الآثار والسنن: 5/ 220.
4- يلاحظ: مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام: 7/ 7.
5- الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة: 23/ 19.
6- الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة: 23/ 18.

وقال السيّد السبزواري (قدس سره): (يطلق النّكاح على العقد الموجب لحلّيّة هذا الانضمام والاختلاط بهذا الجامع(1) أيضاً، فللانضمام مراتب: الشأني والخارجي، فلا وجه للمشترك اللفظي، ولا الحقيقة والمجاز، ولا غير ذلك ممّا ذكروه في أمثال المقام)(2). فالاختلاف في حقيقته كالأقوال في اللغة.

وأمّا المذاهب الأُخر فقد اختلفوا في حقيقة النّكاح على أقوال أربعة:

الأوَّل: أنّ النّكاح حقيقة في العقد دون الوطء، وهو قول الشافعية، والحنابلة، وظاهر صنيع بعض المالكيّة يدل على اعتماده في المذهب(3). واستدل عليه بالقرآن والسُنّة وعرف الصحابة(4).

الثَّاني: أنّ النّكاح حقيقة في الوطء دون العقد، وهو مذهب الحنفية، واختاره بعض الحنابلة، وهو أحد الأوجه عند الشافعية(5).

ص: 155


1- وهو (الانضمام والاختلاط والمخامرة الشهوية)، كما ذكره السيّد (قدس سره) قبل هذه العبارة.
2- مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام: 24/ 3.
3- يلاحظ من مصادر الشافعية: شرح النووي على مسلم: 9/ 172، فتح الباري: 9/ 103، مغني المحتاج: 3/ 123، تفسير الفخر الرازي: 6/ 55. ومن الحنابلة: المغني: 7/ 333، الشرح الكبير: 7/ 333، الإنصاف: 8/ 4، كشاف القناع: 5/ 5، شرح منتهى الإرادات: 3/ 2. ومن المالكية: شرح الزرقاني على الموطّأ: 3/ 2، الفواكه للدواني: 2/ 21، الخرشي والعدوي: 3/ 165، مواهب الجليل: 3/ 403.
4- انظر توجيه هذا الاستدلال لهذا القول في: المغني: 7/ 333، الشرح الكبير: 7/ 333، شرح النووي: 9/ 172، فتح الباري: 9/ 103، مغني المحتاج: 3/ 123، نيل الأوطار: 6/ 115، شرح الزرقاني على الموطّأ: 3/ 2.
5- يلاحظ: من مصادر الحنفية: المبسوط: 4/ 921، الفتح والعناية: 3/ 185- 187، البحر الرائق: 3/ 82، تبيين الحقائق: 2/ 95. ومن الحنابلة: المغني: 7/ 333، الشرح الكبير: 7/ 333، الإنصاف: 8/ 4، المبدع: 7 / 3 - 4. ومن الشافعية: شرح النووي: 9/ 172، فتح الباري: 9/ 103، مغني المحتاج: 3/ 123.

ودليل هذا القول: أنّ الأصل في استعماله لغة إنَّما هو في الوطء، كما قاله الأزهري وغيره من أهل اللّغة، والأصل عدم النقل(1)، وجاءت به السُنّة من قبيل ما ورد عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم): (اصنعوا كلّ شيء إلّا النّكاح)(2).

الثَّالث: أنّ النّكاح مشترك لفظيّ بين العقد والوطء، وهو قول لبعض الحنابلة، وقيل: إنّه ظاهر ما نُقل عن أحمد ابن حنبل(3)، وهو أحد الأوجه عند الشافعية(4)، قال ابن حجر: (وقيل: مقول بالاشتراك على كلٍّ منهما، وبه جزم الزجّاجي. وهذا الذي

ص: 156


1- يلاحظ: فتح القدير: 3/185- 186، كشاف القناع: 5/ 4 تنبيه: يلاحظ أنَّ الأزهري قال: (إنَّه لا يعرف شيء من ذكر النِّكاح في كتاب الله إلّا على معنى التزويج). تهذيب اللغة: 4/ 103، ونقله ابن منظور في لسان العرب: 3/ 625.
2- رواه بهذا اللفظ مسلم عن أنس كما في شرح النووي على صحيح مسلم: 3/ 205، كتاب الحيض، باب تحريم جماع الحائض، عون المعبود شرح سنن أبي داود: 6/ 207، كتاب النّكاح، باب إتيان الحائض ومباشرتها، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: 8/ 255 تفسير سورة البقرة. سنن الدارمي: 1/245، كتاب الطهارة، باب مباشرة الحائض. ورواه النسائي وابن ماجة بلفظ (الجماع) يلاحظ: حاشية السندي على سنن النسائي: 1/ 187، كتاب الطهارة، باب تأويل قول الله عزّ وجلّ: [وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ]. سنن ابن ماجة: 1/ 211، كتاب الطهارة، باب ما جاء في مؤاكلة الحائض سؤرها.
3- يلاحظ: الإنصاف: 8/ 5.
4- يلاحظ: شرح صحيح مسلم للنووي: 9/ 172، مغني المحتاج: 3/ 123.

يترجّح في نظري وإن كان أكثر ما يستعمل في العقد)(1). ودليل هذا القول أنَّه ثبت الاستعمال في اللغة والشّرع بمعنى الوطء والعقد، والأصل في الإطلاق الحقيقة(2).

الرَّابع: أنّ النّكاح مشترك معنويّ فيهما. قال المرداوي: (وقيل هو حقيقة فيهما معاً، فلا يقال هو حقيقة على أحدهما بانفراده، بل على مجموعهما فهو من الألفاظ المتواطئة. قال ابن رزين: والأشبه أنّه حقيقة في كل واحد باعتبار مطلق الضمّ؛ لأنّ التواطؤ خير من الاشتراك والمجاز؛ لأنّهما على خلاف الأصل انتهى. وقال ابن هبيرة: وقال مالك وأحمد... هو حقيقة في العقد والوطء جميعاً وليس أحدهما أخصّ منه بالآخر انتهى).

وأضاف المرداوي: (مع أنّ هذا اللفظ ]أي ما نقل عن أحمد[ محتمل أن يريد به الاشتراك ]أي اللفظي[)(3).

فالراجح عند الفقهاء هو أنّ النّكاح هو العقد، ويمكن الاستدلال عليه:

أوَّلاً: بقول الراغب من أنّ (أصل النِّكاح للعقد ثمّ استعير للجماع، ومُحَال أن يكون في الأصل للجماع ثم استعير للعقد؛ لأنَّ أسماء الجماع كلَّها كنايات؛ لاستقباحهم ذكره كاستقباح تعاطيه، ومحال أن يستعير مَن لا يقصد فحشاً اسم ما يستفظعونه لما يستحسنونه)(4).

وثانياً: لأنَّه يصحّ نفي النِّكاح عن الوطء، فيقال: هذا سفاح لا نكاح، وصحّة

ص: 157


1- فتح الباري: 9 /89.
2- يلاحظ:فتح القدير: 3/ 185- 187، كشاف القناع: 5/ 6.
3- الإنصاف: 8/ 5.
4- المفردات في غريب القرآن: 505.

النفي دليل المجاز(1).

وثالثاً: أنّ النِّكاح أحد اللفظين المجمع على صحّة العقد بهما، فكان حقيقة فيه كاللفظ الآخر، وهو لفظ التزويج(2).

ورابعاً: أنَّ الذهن ينصرف إليه عند الإطلاق ولا يتبادر إلّا إليه، فهو إن لم يكن حقيقة فيه أصلاً - أي في اللغة - فهو ممّا نقله العرف(3).

ويمكن الجواب: بأنَّ هذا العرف في المفهوم الشرعي الفقهي(4).

ولذا استعملت كلمة النّكاح وأطلق على مسائله (كتاب النّكاح) في موسوعات الحديث من الكافي، ومن لا يحضره الفقيه، والاستبصار وغيرها، وكذا في الموسوعات والكتب الفقهية للقدماء والمتأخّرين ومتأخّري المتأخّرين والمعاصرين، إلّا البعض منهم.

وأمّا المذاهب الأُخر فقد كان استعمال لفظ النِّكَاح أكثر شيوعاً عند الفقهاء القدامى من لفظ الزّواج، ولم يعنون الفقهاء في موسوعاتهم الفقهية أحكام الزّواج وأنواعه ب-(كتاب الزّواج أو التزويج)، بل عنونوها ب-(كتاب النّكاح). وقد ورد عن الشافعي: (أنّه تلا الآيات التي وردت في القرآن في النّكاح والتزويج، ثمّ قال: فأسمى الله عزّ وجلّ النّكاح اسمين: النّكاح والتزويج، وذكر آية الهبة وقال: فأبانَ جلّ ثناؤه أنّ الهبة لرسول الله (صلّى الله عليه ]وآله[ وسلّم) دون المؤمنين، قال والهبة - والله أعلم - تجمع

ص: 158


1- يلاحظ: المغني: 7/ 333، الشرح الكبير: 7/ 333، 334، مغني المحتاج: 3/ 123، تحفة المحتاج وحواشيها: 7/ 183.
2- يلاحظ: المغني: 7/ 333، الشرح الكبير: 7/ 334.
3- يلاحظ: المغني: 7/ 333، الشرح الكبير: 7/ 334.
4- يلاحظ: فتح القدير: 3 /185- 186.

أن ينعقد له عليها عقدة النّكاح بأن تهب نفسها له بلا مهر، وفي هذا دلالة على أن لا يجوز نكاح إلّا باسم النّكاح أو التزويج)(1).

وعليه يكون (النّكاح) أكثر استعمالاً في الفقه للدلالة على عقد الزّواج وأحكامه.

فالنتيجة من جميع ما تقدّم: أنّ لفظ (النّكاح) وإن استعمل في الوطء، أو في المعنى الأعمّ وهو الضمّ ونحوه، إلّا أنّه أكثر استعمالاً وأشهر في الدلالة على عقد الزّواج - وكثرة الاستعمال من أقوى أدلَّة حقائق معاني الألفاظ؛ إذ ليس هناك حجَّة أقوى من كثرة الاستعمال وشهرته في أحد المعنيين - وظهوره في عقد التزويج في القرآن والروايات والفقه، ولذا اتفق المسلمون على أنّ النّكاح علقة الزّواج، ويقال أيضاً على سببها، وهو العقد المبيح للوطء دخل العاقد أو لم يدخل؛ ومن أجل ذلك قالوا: إنّه لم يرد في القرآن بمعنى الوطء إلّا في قوله تعالى: [حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ].

فإذاً هو يطلق على عقد الزّواج، أو على الزّواج بحقيقته وجميع ملابساته، أو على الوطء.

ولذا يكون النّكاح هو الأصحّ والأصدق والأبلغ والأولى من الزّواج والموافق للّغة والاصطلاح؛ لأنّه الأصل في العقد عند الأكثر، ويطلق على نكاح الإنسان ولا يشترك غيره معه، ويطلق على الخطبة أيضاً. و(في النكاح معنى التعبّد ولهذا اختص بلفظ التزويج والإنكاح فأشبه ألفاظ الأذكار في الصلاة والله تعالى أعلم)(2). فالمشرّع لقانون الأحوال الشخصيّة العراقي لم يكن دقيقاً في اختيار عنوان الباب الأوّل (الزّواج) والفصل الأوّل (الزّواج) حيث خالف اللّغة والاستعمال القرآني والفقهي.

ص: 159


1- أحكام القرآن: 1/ 180 - 181.
2- المجموع للنووي: 9/ 171.

وقد أحسن مشرّع قانون الأحوال الشخصيّة الجعفري حين عنون الباب الثاني ب-(النّكاح) فوافق اللغة والاستعمال القرآني والفقهي، ولكنّه جعل الزّواج بين قوسين، ولا أعلم السبب الذي دعاه لذلك، ولعلّه للبيان. وربّما هذا السبب هو الذي دعا بعض القوانين العربية - كقانون الأحوال الشخصيّة الأردني - إلى استعمال كلمة (الزّواج) في موادّه ومشتقاته وعنون الباب ب-(النّكاح)(1).

ص: 160


1- قانون الأحوال الشخصيّة الأردني رقم (61) لسنة 1976م المنشور في العدد رقم 2668 من الجريدة الرسميّة الأردنية بتاريخ: 10/ 12/ 1976 وتعديلاته.

المقصد الثَّاني: دراسة فقهيّة مقارنة لتعريف الزّواج والنّكاح في القانونين العراقي والجعفري

اشارة

ثمّ التعرّض لنقدهما، فهاهنا أمران:

الأمر الأوَّل
اشارة

دراسة فقهيّة مقارنة لتعريف الزّواج في المادّة (الثالثة ف1) من قانون الأحوال الشخصيّة العراقي، وما يقابلها من تعريف النّكاح في المادّة (42) من مشروع قانون الأحوال الشخصيّة الجعفري.

ذكر المشرّع العراقي في هذا الباب أحكام عقد الزّواج تعريفاً وحكماً وحكمةً وأركاناً وشروطاً وأهليّةً وإثباتاً، في أربعة فصول. وتناول في الفصل الأوّل تعريف الزّواج والخطبة، فنصّ في المادّة الثالثة منه على أنّ: (الزّواج: عقد بين رجل وامرأة تحلّ له شرعاً غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل). وهو منقول نصّاً من المادّة الأولى من قانون الأحوال الشخصيّة السوري(1)، مع تغيير كلمة (على الوجه الشرعي). وقريب من القانون الفلسطيني(2) والأردني(3) ).

وأمّا المشرّع الجعفري في المادّة (42) فنصّ على أنّ: (النّكاح (الزّواج): هو رابطة تنشأ بين رجل وامرأة تحلّ له شرعاً).

ص: 161


1- المادّة (1) من قانون الأحوال الشخصيّة السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم: 59 لعام 1953م وتعديلاته.
2- المادّة (2) من قانون الأحوال الشخصيّة الأردني رقم (61) لسنة 1976، عندما كانت الضفة الغربية جزءا من المملكة الأردنية.
3- المادّة (5) من قانون الأحوال الشخصيّة الأردني رقم 36 لسنة 2010.
دراسة تحليليّة للتعريفين

تظهر أهميّة الزّواج من التعاريف التي ذكرت في القوانين سواء العراقي أم الفرنسي أم السوفيتي أم غيرها، بل في كافة المجتمعات؛ لأنّه النّواة والأساس لبناء المجتمع.

والمشرّع العراقي تبعاً لعدّة من الفقهاء عرّف الزّواج بأنّه عقد. ونذكر بعض هذه التعريفات الفقهية، وعلى النحو الآتي:

أ. المذهب الجعفري: نُقل عن الشيخ أنّه نصّ على أنّ النّكاح في عرف الشرع حقيقة في العقد وتبعه ابن إدريس، وقال: إنّه لا خلاف في ذلك، كما أنّه مختار السيّد السند في شرح النافع، حيث قال: والظاهر أنّه حقيقة في العقد(1). وقال الشهيد الأوَّل: (التزويج حقيقة في العقد)(2). و ذكر الشهيد الثَّاني: أنّه (قد اختلف الفقهاء في كونه مشتركاً بين المعنيين؛ نظراً إلى استعماله فيهما، والأصل في الاستعمال الحقيقة، أم هو حقيقة في أحدها مجاز في الآخر؛ التفاتاً إلى أنّ المجاز خير من الاشتراك عند التعارض. ثمّ اختلفوا في أنّ أيّ المعنيين الحقيقي؟ فقيل: الوطء؛ لثبوته لغة بكثرة، فحقيقته لغة لا إشكال فيها فيستصحب؛ لأصالة عدم النقل. وقيل: العقد؛ لكثرة الاستعمال فيه فيكون جانب الحقيقة فيه راجحاً حيث يضطر إلى جعل أحدهما مجازاً. وهذا هو الأجود)(3).

ب. عرّفه الحنفية بأنّه: (عقد يفيد ملك المتعة).(4)

ت. وعرّفه الغرياني المالكي بأنّه (عقد بين الرجل والمرأة يبيح استمتاع كلٍّ منهما

ص: 162


1- يلاحظ: الحدائق الناضرة: 23/ 19.
2- غاية المراد في شرح نكت الإرشاد: 3/ 4.
3- مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام: 7/ 7.
4- الدر المختار شرح تنوير الأبصار: 3/ 3.

بالآخر ويبيّن ما لكلّ منهما من حقوق وما عليه من واجبات، ويقصد به حفظ النوع الإنساني)(1).

ث. وعرّفه الشافعية بقولهم: (عقد يتضمّن إباحة وطء بلفظ الإنكاح والتزويج)(2).

ج. وعرّفه الحنابلة بأنّه: (عقد التزويج)(3).

ح. وعرّفه من المعاصرين محمّد أبو زهرة بقوله: (إنّه عقد يفيد حِلّ العشْرة بين الرجل والمرأة بما يحقّق ما يتقاضاه الطبع الإنساني، وتعاونهما مدى الحياة، ويحدّد ما لكليهما من حقوق وما عليه من واجبات)(4)(.

توضيح مفردات التعريف

قوله: (عقد) هو تطابق إرادتين أو أكثر على ترتيب آثار قانونيّة سواء كانت هذه الآثار هي إنشاء الالتزام، أم نقله، أم تعديله، أم إنهاؤه، حسبما عُرّف في فقه القانون.

وعرَّفه المشرّع العراقي في المادّة (72) من القانون المدني العراقي بأنّه: (ارتباط الإيجاب الصادر من أحد المتعاقدين بقبول الآخر على وجه يثبت أثره في المعقود عليه). وبهذا يتّضح أنّ العقد لا يكون إلّا عبارة عن إرادتين متطابقتين لا إرادة واحدة، فالعقد يصدق قانوناً إذا توفّر على شرطين:

1. أن يكون الاتّفاق بين الطرفين واقعاً في نطاق القانون الخاصّ.

ص: 163


1- مدونة الفقه المالكي وأدلّته: 2/ 491.
2- الوجيز في فقه الإمام الشافعي: 2/ 4.
3- المغني على مختصر الخرقي: 7/ 333.
4- الأحوال الشخصيّة/ قسم الزّواج: 19.

2. أن يكون في دائرة المعاملات الماليّة.

وعلى هذا فالمعاهدة التي تبرم بين دولة وأخرى لا تعدّ عقداً؛ لأنّها تقع في نطاق القانون العامّ، وكذا الزّواج لا يعدّ عقداً؛ لأنّه وإن كان واقعاً في نطاق القانون الخاصّ، إلّا أنّه لا يقع في دائرة المعاملات الماليّة.

والزّواج لا يعدّ عقداً بمعنى أنّه لا يدخل في القانون المدني العراقي، بل يدخل في الأحوال الشخصيّة.

ولذا عرَّف المشرّع العراقي الزّواج في قانون الأحوال الشخصيّة بأنّه عقد لكن لا بمصطلح القانون المدني، وإنّما بالمعنى اللغوي.

وأمّا مشرّع القانون الجعفري فقد عرّف النّكاح ب-(رابطة)، وهو بهذا التعريف لم يتبنَّ مشهور الفقه الجعفري الذي ذهب إلى أنّ النّكاح عقد. وسوف نبحث عن معنى العقد والرابطة ليتّضح أيّهما أدقّ وأبلغ في تعريف الزّواج.

العقد والرابطة بالمعنى اللغوي

أمّا ال-(عقد) فقال ابن فارس: ((عقد) العين والقاف والدال أصل واحد يدلّ على شدّ وشدّة وثوق، وإليه ترجع فروع الباب كلّها، من ذلك عقد البناء، والجمع أعقاد وعقود. قال الخليل: ولم أسمع له فعلاً... وعاقدته مثل عاهدته وهو العقد، والجمع عقود، قال الله تعالى: [أَوْفُوا بِالْعُقُودِ]. والعقد عقد اليمين، ومنه قوله تعالى: [وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ]. وعقدة النّكاح وكل شيء وجوبه وإبرامه. والعقدة في البيع إيجابه... والجمع عُقد)(1).

ص: 164


1- معجم مقاييس اللغة: 4/ 86.

وقال الخليل: (وعقدة كلّ شيء: إبرامه, وعقدة النّكاح: وجوبه. وعقدة البيع: وجوبه... والعقد مثل العهد، عاقدته عقداً مثل عاهدته عهداً)(1).

قال الزبيدي: (والذي صَرَّحَ به أَئِمَّةُ الاشتِقَاقِ: أَنَّ أَصلَ العَقْدِ نَقِيض الحَلِّ... ومنه عُقْدةُ النِّكَاح)(2).

أمّا ال-(رابطة) فمعناها كما ذكر الجوهري: (قد خلّف فلان بالثغر جيشاً رابطة. وببلد كذا رابطة من الخيل)(3). وذكر أيضاً: أنّ (بالبلد شحنة من الخيل: أي رابطة)(4).

وقال ابن فارس في معنى (ربط): (الراء والباء والطاء أصل واحد يدلّ على شدّ وثبات، من ذلك ربطت الشيء أربطه ربطاً، والذي يشدّ به رباط)(5). وقال الزمخشري: (ربط الدابة شدّها بالرباط والمربط وهو الحبل، وقطعت الدابة رباطها ومربطها والخيل ربطها ومرابطها)(6).

وأمّا في المعاجم الحديثة واللغة العربية المعاصرة فالرابِطة اسم، والجمع: رَابِطات وروابِطُ. (الرَّابطَةُ: العَلاقةُ والوُصْلَةُ بين الشيئين...والجماعة يجمَعُهم أمر يشتركون فيه. يقال: رابطة الأُدباء)(7).

ص: 165


1- العين: 1/ 140- 141.
2- تاج العروس: 5/ 115.
3- الصحاح: 3/ 1127.
4- الصحاح: 5/ 2143، لسان العرب: 13/ 234.
5- معجم مقاييس اللغة: 2/ 478.
6- أساس البلاغة: 316.
7- المعجم الوسيط: 323.
النتيجة

أوَّلاً: أصل العقد: عقد الشيء بغيره ووصله به، وأصله نقيض الحلّ. وأمّا الرابطة فإن كانت مأخوذة من (ربط) فهو أصل واحد يدلّ على شدّ وثبات.

ثانياً: العقد لغةً: الإبرام والشدّ والربط والوصل والوجوب. فالربط أحد معاني العقد؛ لأنّه يفيد الشدّ والثبات. والرابطة لغةً: هي المجموعة من الخيل أو الجيش. نعم، هناك تطوّر دلالي في استعمالها فقالوا الرَّابطَةُ: الجماعة يجمَعُهم أمر يشتركون فيه، وهي مؤنَّث رابط. والرابطة هي العلاقة والوصلة بين الشيئين.

ويستفاد من ذلك:

1. طبيعة العقد أن يكون بين طرفين، فإن صدر من واحد فهو عهد وليس عقداً؛ ولذا قالوا: أصل العقد: عقد الشيء بغيره. والرابطة: هي المجموعة من الخيل أو من الإنسان.

2. العقد فيه معنى التغليظ والإبرام والوجوب. أمّا الرابطة فليس فيها هذا المعنى. نعم، الربط فيه معنى الشدّ والثبات فإذا كانت الرابطة مؤنث الرابط يمكن أن تدلّ على الشدّ والثبات.

3. إضافة العقد إلى النّكاح وغيره من العقود استعارة من المعنى اللغوي، وليس معناه الأصلي؛ لأنّ الألفاظ حسب الاستعمالات الأوّليّة موضوعة للمعاني الحسيّة والأمور المشهودة في بداية تكوّن المجتمعات والشعوب، ثمّ اتّسعت وتجاوزت إلى المعاني الذوقيّة والأمور التخيّليّة الشعريّة والعقليّة العرفانيّة، وذلك بعد حصول الحضارة والتمدّن. إلّا أنّ اتساع نطاق اللغة، تارة: يكون بواسطة المجاز والاستعارة والكناية وسائر أنحاء المجازات، وأخرى: يكون على وجه الحقيقة الثانويّة باكتساب اللفظ معنًى حديثاً أو

ص: 166

نطاقاً واسعاً من معناه الأوّليّ.

أمّا الرابطة في اللغة العربية المعاصرة فهي إذا أضيفت إلى الزّواج فهي العلاقة الشرعيّة والصحيحة التي تربط الرجل بامرأته بفعل عقد النِّكاح الذي تمَّ حسب الأصول الدينيّة. فالرابطة علاقة تنشأ بسبب العقد الصحيح فكيف نعرّف النّكاح - الذي هو عقد - بأنّه (رابطة)؟!

4. إضافة العقد إلى النّكاح وغيره من العقود يُدخل معنى آخر له وهو الوجوب والإلزام، فالإلزام خارج عن ماهية العقد، ولذا عبَّر القرآن عن عقد النّكاح بالميثاق الغليظ بقوله تعالى: [وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا](1). وأمّا الرابطة فإنّها إذا أضيفت للزواج فالمقصود بها العلاقة الشرعيّة بعد العقد، فهي مسبّبة عن العقد.

5. العقد يتألّف من إيجاب وقبول وهما من أهم أركان العقد، ويتحقّق العقد برضا الطرفين، ولذا نصّ المشرّع العراقي على الأركان والشروط الشكليّة والموضوعيّة لعقد الزّواج في الموادّ التالية للتعريف، والعقد سبب الزّواج، والمقصود بالعقد اتّفاق بين طرفين.

والحاصل: العقد أدقّ وأبلغ، بل وأصحّ من كلمة (رابطة) في تعريف الزّواج، والعقد حقيقة فيه، فالمشرّع العراقي وإن كان موفّقاً في كلمة (العقد) وأنّها بالالتزام تدلّ على التغليظ إلّا أنّه لم يظهرها صراحة كما أظهرها القرآن الكريم.

وأمّا المشرّع الجعفري فلم يكن موفّقاً بكلمة الرابطة لأنّها ليست حقيقة في النّكاح، وإنَّما هي مسبّبة عن العقد الصحيح.

قوله: (بين رجل وامرأة). هذا القيد مشترك بين التعريفين - العراقي والجعفري -،

ص: 167


1- سورة النساء: 21.

وهو يبيّن أنّ طرفي العقد يجب أن يكونا مختلفين بالجنس أي رجل وامرأة، فلا يصحّ بين رجلين أو امرأتين، كزواج المثليين - والعياذ بالله -.

وكلمة (رجل) تعني الذكر البالغ، فلا يصحّ العقد إذا كان طرف العقد صبياً ذكراً غير بالغ. وكلمة (امرأة) تعني الأنثى البالغة؛ فلا يصحّ العقد إذا كان طرف العقد أنثى غير بالغة، ونصّ المشرّع العراقي - أيضاً - على الأهليّة بالعقل، وإكمال الثامنة عشرة في فقرات أُخر، فليس البلوغ وحده كافياً في تولّي طرفي العقد، بل لا بُدَّ من الأهليّة لذلك.

قوله: (تحلّ له شرعاً). هو قيد مشترك أيضاً بين التعريفين، وهو وارد على المرأة، بمعنى أن لا تكون المرأة محرّمةً شرعاً على الرجل - الذي هو طرف العقد - بأيّ نوع من أنواع التحريم النسبي - كالأم والأخت وغيرهما - والسببي - كالرضاعة حيث تُحرم المرضعة وبناتها وغيرهما ممّا تنشره الرضاعة من الحرمة، والمصاهرة فتحرم أم الزوجة وأختها جمعاً وغيرهن -، والطلاق ثلاثاً؛ فالزوجة إذا طلقت ثلاث مرات لا تحلّ على الزوج الأوَّل إلّا بالمحلّل، والزنا بالمحصنة حيث تحرم عليه مؤبّداً عند أكثر الفقهاء.

قوله: (غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل)..

الغاية في اللغة: (مدى كلّ شيء وقصاره)(1). قال ابن الأنباري: (هذا الشيء غاية: أي هو منتهى هذا الجنس في الجودة، أُخذ من غاية السّبق... فكذلك الغاية من الأشياء هو منتهى الجودة)(2). وقال الجوهري: (الغاية: مدى الشيء، والجمع غاي، مثل ساعة وساع)(3). قال ابن فارس: (فأمّا الغاية فهي الراية وسميت بذلك؛ لأنّها تظل من تحتها

ص: 168


1- العين: 4/ 457.
2- الزاهر في معاني كلمات الناس: 322 - 323.
3- الصحاح: 6/ 2451.

... ثمّ سميّت نهاية الشيء غاية، وهذا من المحمول على غيره، إنّما سميّت غاية بغاية الحرب وهي الراية؛ لأنّه ينتهى إليها كما يرجع القوم إلى رايتهم في الحرب)(1). وقال الجواليقي: (وغاية الشيء منتهاه)(2).

وليس المقصود من الغاية في تعريف الزّواج هو نهايته أو منتهاه، بل أنّ عقد الزّواج يعقد لأجل أن تكون حياة مشتركة ولأجل النسل؛ لأنّ الغاية من الفاعل ومن الفعل، فالغاية من الفاعل ما لأجله الحركة - بمعنى الفاعل يتحرّك لغاية في نفسه يريد تحقيقها - والغاية من الفعل ما ينتهي إليه - كالبذرة تصبح شجرة - فالمراد بالغاية هنا سبب تشريعه وعلّته، فإنّ عقد الزّواج عقد من الطرفين لغاية في نفسيهما، وهي تحقيق حياة مشتركة إشارة إلى قوله تعالى: [ومِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً ورَحْمَةً](3).

وتحصيل النسل إشارة إلى قوله تعالى: [وجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وحَفَدَةً](4).

وليس من شكّ أنّ الزّواج بقصد الإنسانية والتعاون على الخير ينتج النماء والزكاة في الرزق، والطهر في الخلق، والعفة في العِرض، والنجاح في النسل. أمّا إذا ساء القصد والمعشر فعاقبته الفقر والفسق والبلاء والشقاء في حياة الآباء والأبناء.

الأمر الثَّاني
اشارة

نقد نصّ المادّة (الثالثة ف1): (تعريف الزّواج) من قانون الأحوال العراقي وما يقابلها من تعريف النّكاح في المادّة (42) من مشروع قانون الأحوال

ص: 169


1- معجم مقاييس اللغة: 4/ 400.
2- شرح أدب الكاتب: 26.
3- سورة الروم: 21.
4- سورة النحل: 72.

الشخصيّة الجعفري.

أوَّلاً: إيجاباً

1. النّكاح قضية حيوية هامة جدُّ سامية يجب أن تكون الغريزة الجنسيّة في خدمتها أيضاً، ألا وهو بقاء النوع البشري، وحفظه من التلوث والانحراف واختلاط الأنساب؛ ولذا ضمّن المشرّع العراقي في تعريفه الغاية من الزّواج بقوله: (حياة مشتركة والنسل)، وهي يمكن أن تكون مستفادة من قوله تعالى [واللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً](1) أي من جنسكم، لا من جنس أدنى أو أرفع، ليتمّ الأُنس للجانبين، ويحصل التعاون والمشاركة في الحياة من كلّ الجهات، وأوضح تفسير لهذه الجملة قوله تعالى: [ومِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً ورَحْمَةً](2)، لتسكنوا من السكون. قال فتح الله الكاشاني (قدس سره): أي: (لتطمئنوا إليها، وتميلوا إليها، وتألفوا بها، ويستأنس بعضكم ببعض. يقال: سكن إليه إذا مال إليه)(3).

وأمّا قوله: (والنسل) فهي مستفادة من قوله تعالى: [وجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وحَفَدَةً] بعد أن ذكر سبحانه وتعالى نعمة الزّواج والحياة المشتركة ذكر نعمة النسل بالأولاد من البنين والحفدة، وهم كالأموال زينة الحياة الدنيا.

فالمشرّع العراقي كان موفّقاً في تعريف الزّواج بأنّه عقد؛ لأنّه وافق المذاهب الفقهيّة الإسلاميّة وأكثر القوانين العربية، وأنّه يدلّ على التغليظ بالالتزام. وكذا نصّه على غاية الزّواج في التعريف موافق لما ذكره المفسّرون من الآيات القرآنية بخصوص الزّواج،

ص: 170


1- سورة النحل: 72.
2- سورة الروم: 21.
3- زبدة التفاسير: 5/ 258.

بخلاف مشرّع مشروع القانون الجعفري إذ لم يكن موفّقاً ولا دقيقاً في تعريفه للنكاح بقوله: (رابطة) فخالف مشهور الفقه الجعفري الذي ادّعى أنّه يمثّله، والمذاهب الفقهيّة الأُخر، وانفرد عن القوانين العربية التي عرّفت الزّواج بأنّه عقد، أو ميثاق، أو ارتباط كما عرّفه القانون المصري واليمني، وهو أقرب إلى كلمة (رابطة)، والارتباط داخل في تعريف العقد في القانون المدني.

فالعقد هو الأصحّ؛ لأنّه الأصل في النّكاح، ودالّ على التغليظ لغةً، وهو حقيقة في النّكاح في مشهور الفقه كما ثبت في البحوث السابقة. وأمّا الرابطة فهي مسبّبة عن العقد الصحيح.

2. المشرّع العراقي أبرز الشروط الموضوعيّة والشكليّة في تعريف العقد.

ثانياً: سلباً

1. المشرّع العراقي في تعريفه لم يُبيّن صراحة عمق العلاقة الزوجيّة وعظمتها وقدسيتها التي أظهرها ربُّ العزّة والجلال في القرآن الكريم بقوله تعالى: [وأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً](1)، وإن دلّت عليها كلمة (عقد) التزاماً لغة.

ذكر الشيخ مغنية في وصف هذه العلاقة الحميمة التي ذكرها جلّ جلاله في كتابه المجيد بقوله عزّ مَن قائل: [لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً ورَحْمَةً](2) وقوله تعالى: [هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ](3) ب-: أنّ الله سبحانه وتعالى (أوجب الوقوف عندها، والتعبّد بها تماماً كألفاظ العبادة، وأضفى على عقد الزّواج من القداسة ما أبعده عن كل

ص: 171


1- سورة النساء: 21.
2- سورة الروم: 21.
3- سورة البقرة: 187.

العقود، كعقد البيع والإجارة وما إليهما؛ لأنّ البيع مبادلة مال بمال، أمّا الزّواج فكأنّه مبادلة روح بروح، وعقده عقد رحمة ومودَّة وسكون، لا عقد تمليك للجسم بدلاً عن المال. ولذا قال الفقهاء: إنّ عقد الزّواج أقرب إلى العبادات منه إلى عقود المعاملات والمعاوضات؛ لأنّه استحباب مؤكّد، ومن أجل هذا يجرونه على اسم اللَّه، وكتاب اللَّه، وسُنّة رسول اللَّه (صلی الله علیه و آله و سلم). وقال الشيخ محمود شلتوت: «إذا تنبّهنا إلى أنّ كلمة ميثاق لم ترد في القرآن الكريم إلّا تعبيراً عمّا بين اللَّه وعباده من موجبات التوحيد، والتزام الأحكام، وعمّا بين الدولة والدولة من الشؤون العامّة الخطيرة، علمنا مقدار المكانة التي سما القرآن بعقد الزّواج إليها، وإذا تنبّهنا مرّة أخرى إلى أنّ وصف الميثاق «بالغليظ» لم يرد في موضع من مواضعه إلّا في عقد الزّواج تضاعف لدينا سمو هذه المكانة التي رفع القرآن إليها هذه الرابطة السامية عن كل ما أطلق عليه كلمة ميثاق)(1).

أقول: ولكن وصف الميثاق بالغليظ وارد في غير الزّواج، قال تعالى: [وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ... وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا](2)، وقوله تعالى: [وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا](3)، فعجباً من قوله: (لم يرد في موضع من مواضعه إلّا في عقد الزّواج)!

وعلى ضوء ذلك لم نجد هذا التعظيم والتقييم لعقد الزّواج في تعريف المشرّع العراقي، وأسوء منه تعريف مشرّع مشروع القانون الجعفري في المادّة (42)، والمشرّع

ص: 172


1- تفسير الكاشف: 2/ 283.
2- سورة النساء: 154.
3- سورة الأحزاب: 7.

الفرنسي كان أكثر إنصافاً منهما في تعريفه للزواج بقوله: (اتّحاد متين بين رجل وامرأة)(1).

2. التعريف لا يصدق على الخنثى إذا تزوجت؛ لأنّها لا رجل ولا أنثى.

3. التعريف لا يصدق على زواج غير البالغ؛ لأنّ كلمة (رجل) تصدق على الذكر البالغ، وكلمة (امرأة) تصدق على الأنثى البالغة.

4. التعريف يصدق على عقد المجنون من الطرفين.

5. الأَوْلى تقديم الخطبة والوعد بالزّواج على عقد الزّواج؛ لأنّهما من مقدّماته، وأنَّ الخطبة تبع العقد فإن كان العقد جائزاً فهي كذلك، وإن كان العقد غير جائز فالخطبة كذلك، كخطبة المعتدّة الرجعية، وهي فترة يمكن التراجع فيها من دون ملزم، ولها أحكام ذكرت في محلّها.

وكيفما كان فلا تجب الخطبة إجماعاً أو ضرورة، وإنّما هي مستحبة.

ص: 173


1- الأحوال الشخصيّة في القانون الدولي الخاصّ العراقي: 8.

المطلب الثَّاني

اشارة

وفيه مقصدان:

المقصد الأوَّل: دراسة فقهيّة للمادّة الثالثة (ف4)

اشارة

(تعدّد الزوجات) من قانون الأحوال الشخصيّة العراقي، وما يقابلها من المادّتين (102) و(104) من مشروع قانون الأحوال الشخصيّة الجعفري.

نصّ المشرّع العراقي في المادّة الثالثة (ف4) على ما يلي: (لا يجوز الزّواج بأكثر من واحدة إلّا بإذن القاضي ويشترط لإعطاء الإذن تحقّق الشرطين التاليين:

· أن يكون للزوج كفاية مالية لإعالة أكثر من زوجة واحدة.

· أن يكون هناك مصلحة مشروعة).

ويقابلها في مشروع الأحوال الشخصيّة الجعفري الفصل الرابع، الفرع الثاني، المادّة (102): (حقّ الزوجة على الزوج أن ينفق عليها)، والمادّة (104): (إذا كان للزوج أكثر من زوجة واحدة فحقّ المبيت يكون كالآتي...).

دراسة المادّتين
اشارة

لم يجز المشرّع العراقي تعدّد الزوجات لأكثر من واحدة، وأعطى الولاية للقاضي في الجواز واشترط عليه تحقّق المبرّر للتعدّد، وحدّد شرطين للإذن بالتعدّد وهما: الكفاية الماليّة، والمصلحة المشروعة.

وأمّا مشرّع القانون الجعفري فالجواز عنده أمر مسلّم، ولكنّه لم ينصّ عليه خلافاً لكتب الفقه الجعفري والرسائل العمليّة التي نصّت على عدم جواز الزيادة على الأربع

ص: 174

في العقد الدائم(1).

نعم، نصّ على حقوق الزوجات على الرجل من جهة تقسيم الليالي؛ لوجوبه في التعدّد كما ذكره السيّد السيستاني (دام ظلّه) بقوله: (فبات عند إحداهن ليلة يجب عليه أن يبيت عند غيرها أيضاً)(2).

وأمّا النفقة فقد نصّ عليها في الفصل الخامس: الفرع الثاني في الموادّ من (125) إلى (134).

ولم ينصّ - أيضاً - على العدالة بين الزوجات لاستحبابها، فالمشهور: أنّه (تستحب التسوية بين الزوجات في الإنفاق والالتفات وطلاقة الوجه والمواقعة، وأن يكون في صبيحة كل ليلة عند صاحبتها)(3).

والجاهلية قبل الإسلام لم تقيّد تعدّد الزوجات بأيّ قيد، وأمّا الشريعة الإسلاميّة فقد جوّزت تعدّد الزوجات، ولكن قيّدته بالأربع بنصّ القرآن الكريم في قوله تعالى: [فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا](4).

وفي هذا النصّ نكتتان ينبغي توضيحهما قبل الولوج في تفسيره:

ص: 175


1- يلاحظ: منهاج المؤمنين للسيّد شهاب الدين المرعشي (قدس سره): 2/ 209 فصل: 7 مسألة: 1، منهاج الصالحين للسيّد السيستاني (دام ظلّه): 3/ 66 مسألة: 200، منهاج الصالحين للشيخ الفياض (دام ظلّه): 3/ 20 مسألة 41.
2- منهاج الصالحين: 3/ 104- 106 مسألة: 342، استفتاءات السيّد السيستاني (دام ظلّه): 366.
3- منهاج الصالحين للسيّد السيستاني (دام ظلّه): ج3/ 106 مسألة: 349.
4- سورة النساء: 3.
النّكتة الأولى

هل تدلّ صيغة الأمر [فَانْكِحُوا] على وجوب التعدّد أو استحبابه فيكون المشرّع العراقي خالف الشريعة في ذلك؛ إذ لم يجزه؟

الجواب: أنّ ظهور الأمر الأوّلي وإن كان في الوجوب إلّا أنّ تعليق الحكم على رغبة المكلّف يصرفه عن ظهوره الأوّلي ويعطيه ظهوراً في الإباحة(1)، أو الاستحباب كما نُقل عن السيّد الخوئي (قدس سره): بأنّ (الأصل استحباب تعدّد الزوجات)(2). هذا عند علمائنا.

وأمّا علماء العامّة فإنّ قوله تعالى: [فَانْكِحُوا] وإن كان مخرجه مخرج الأمر، لكنّه بمعنى الدلالة على النهي عن نكاح ما خاف الناكح الجور فيه من عدد النساء، لا بمعنى الأمر بالنّكاح(3)؛ ولذا فإنّ المشرّع العراقي تبعاً لهم قال: (لا يجوز) فنهى عن تعدّد الزوجات، وأخذ بمفهوم النصّ لا بظاهره، وبمذهبٍ دون آخر.

النّكتة الثّانية
اشارة

وفيها أمران:

الأمر الأوَّل

أنّه قيل: إنّ قوله تعالى: [فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً] بانضمامه إلى ذيل الآية 129من سورة النساء وهو قوله تعالى: [فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ] هو الدليل على أنّ المراد من قوله تعالى: [وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ] نفي مطلق العدل وينتج إلغاء تعدّد الأزواج في الإسلام.

ولكن هذا القول ليس صحيحاً؛ لأنّ الذيل يدلّ على أنّ المنفي هو العدل الحقيقي الواقعي من غير تطرّف أصلاً بلزوم حاقّ الوسط حقيقة، وأنّ المشرَّع هو العدل التقريبي عملاً من غير تحرّج. على أنّ السُنّة النبوية ورواج الأمر بمرأى ومسمع من النبي (صلی الله علیه و آله و سلم)

ص: 176


1- يلاحظ: بحوث في الفقه المعاصر: 6/ 359.
2- صراط النجاة تعليقة الميرزا التبريزي: 6/ 260.
3- يلاحظ: جامع البيان عن تأويل آي القرآن: 4/ 317.

والسيرة المتصلة بين المسلمين يدفع هذا التوهم. هذا أوَّلاً.

وثانياً: أنّ صَرْف قوله تعالى في أوّل آية تعدّد الأزواج: [فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ](1) إلى مجرد الفرض العقلي الخالي عن المصداق ليس إلّا تعمية يجلّ عنها كلامه سبحانه.

وثالثاً: أنّ قوله: [وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا] تأكيد وترغيب للرجال في الإصلاح عند بروز أمارات الكراهة والخلاف، ببيان أنّه من التقوى، والتقوى تستتبع المغفرة والرحمة وهذا بعد قوله: [وَالصُّلْحُ خَيْرٌ] وقوله: [وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا] تأكيد على تأكيد(2).

الأمر الثَّاني

أنّ الآيتين بينهما فرق؛ إذ ورد في الكافي في روايةٍ لهشام بن الحكم وقد سأله ابن أبي العوجاء عن الفرق بين آيتي [فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ]، وقوله تعالى: [وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ] فسأل هشام أبا عبد الله (علیه السلام) عن ذلك فقال (علیه السلام): (أمّا قوله عزّ وجلّ: [فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً] يعني في النفقة. وأمّا قوله:[وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ] يعني في المودة)(3). وسندها: علي بن إبراهيم صاحب التفسير، عن أبيه، عن نوح بن شعيب، عن محمّد بن الحسن. وهذا الحديث عبّر عنه أكثر الفقهاء

ص: 177


1- سورة النساء: 3.
2- يلاحظ: الميزان في تفسير القرآن: 5/ 102.
3- الكافي: 5/ 362 - 363 ح1 باب في ما أحلّه الله عزّ وجلّ من النساء.

بالحسن، ومنهم من عبّر عنه بأنّه قوي حسن كالصحيح(1)، ومنهم من قال: في الصحيح أو الحسن(2).

واحتجّ بهذه الرواية أغلب مفسّري الشيعة(3). وقد استند جملة من الفقهاء إلى هذه الرواية، فقد نُقل عن السيّد الخوئي (قدس سره) قوله: (من لا يتيّسر له الإنفاق على الأزيد فالأولى، بل الأحوط الاقتصار على الأقل)(4)، وصرّح به السيّد السيستاني (دام ظله) بقوله: (تستحب التسوية بين الزوجات في الإنفاق)(5). وأمّا القسمة في الليالي فيجب عليه القسم بينهنّ في كلّ أربع ليالٍ(6).

وأمّا أقوال مفسّري العامّة فانحصرت في النفقة والقسمة والحبّ(7).

المقصد الثَّاني: النّقد

1. نصّ المادّة الثالثة (ف4): (تعدّد الزوجات) من قانون الأحوال العراقي مخالفٌ لظاهر القرآن؛ لأنّه أخذ مفهوم الآية حسب تفسير بعض علماء العامّة وهو النهي، ولم يأخذ بظاهرها وهو الجواز عند الأكثر؛ وقد اتّفق علماء الشيعة وأغلب علماء العامّة على

ص: 178


1- يلاحظ: روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه: 8/ 295.
2- كتاب النّكاح للشيخ محمّد علي الأراكي: 737.
3- يلاحظ: فقه القرآن: 2/ 116، تفسير شبّر: 108، تفسير مقتنيات الدرر: 3/ 46، تفسير الميزان: 5/ 106، التفسير الكاشف: 2/ 249.
4- صراط النجاة: 6/ 260.
5- منهاج الصالحين: 3/ 106 مسألة 349.
6- منهاج الصالحين للسيّد السيستاني (دام ظلّه): 3/ 104 مسألة: 342، الاستفتاءات له: 366.
7- كالضحّاك والجصّاص وأبي الليث السمرقندي. يلاحظ: تفسير السمرقندي: 1/ 305، المفردات في غريب القرآن: 325، أحكام القرآن: 1/ 410، وغيرها.

جواز التعدّد، والشرط هو القسم بين الزوجات في الليالي والنفقة، والعيلولة هي المدار عند العامّة في العدالة بين الزوجات على اختلاف الرأي في القسم والنفقة، ولكنّ الشيعة لا تعدّه شرطاً في الصحّة خلافاً لعلماء العامّة، فالزّواج مع عدم القدرة الماليّة صحيح عند الشيعة الإمامية.

2. لم يُحدِّد العدد المسموح به من النساء والذي حدّدته الشريعة الإسلاميّة بالأربع، فعدم النصّ على عدد الزوجات المسموح به يعدّ نقصاً في القانونين العراقي ومشروع القانون الجعفري، ومخالفة لظاهر القرآن، ومشهور الفقه الجعفري.

3. خالف المشرّع العراقي الفقه الإسلامي في إعطاء الولاية للقاضي في الإذن وعدمه، والمفروض أن يكون ذلك للحاكم الشرعي؛ لأنّه القاضي والمأذون حقيقة (1). وإعطاء الصلاحيات للقاضي إنّما يصحّ إذا كان جامعاً للشرائط شرعاً. وأمّا القاضي المنصوب من الجائر - الفاقد للشرائط أو بعضها - فإعطاؤه الولاية بهذه السعة اتّباع للهوى، ودليل على عدم علمه بالآثار المترتبة عليه.

وأمّا مشرّع مشروع قانون الأحوال الشخصيّة الجعفري فعدم نصّه على جواز تعدّد الزوجات، والعدد المسموح به، والتسوية بينهن، والعدالة، نقصٌ في القانون وإن نصّ في موادّه على قسمة الليالي والنفقة.

4. إنّ أغلب موادّ مشروع قانون الأحوال الجعفري هي بيان لتكليف الزوج شرعاً كالرسائل العمليّة، وليست صياغة قانونيّة.

ص: 179


1- اتّضح في المطلب الثاني من المبحث الأوّل بإجماع الأمة.

الخاتمة: في النّتائج والمقترحات

أوَّلاً: النّتائج

اشارة

1. حال الشخص في اللغة يطلق على زواجه وطلاقه وإرثه وغيرها ممّا ذكر في قانون الأحوال الشخصيّة لسببين:

أحدهما: أنّ الأعزب إذا تزوج تحوّل عن حالة العزوبيّة إلى حالة الزوجيّة، وإذا طلق انتقل إلى حالة أخرى وهكذا يتحوّل من حال إلى أخرى من أحواله، فيصدق لغة عليها حال الشخص؛ لأنّ كلّ متحوّل عن حاله يطلق عليه حال الشخص لغة.

والآخر: أنّ الزّواج تغيّر في نفس الإنسان وكذا الطلاق، وأمّا الإرث فتغيّر في قنية الإنسان، فيطلق عليها أحوال؛ لما ذكر عن الراغب أنّ الحال ما يَختَصُّ به الإنسانُ وغيرُه من الأمورِ المتغيِّرة في نَفسِه وبَدَنِه وقُنْيَتِه.

2. إنّ مصطلح الأحوال الشخصيّة غير دقيق وغير بليغ في إطلاقه على النّكاح والطلاق والإرث وغيرها من شؤون الإنسان، وأنّ إطلاق الشؤون الشخصيّة أو شؤون الأشخاص عليها أدقّ وأبلغ في صدقها عليها؛ لما ذكرنا في الحلقة الأولى.

3. كتب الفتاوى من الرسائل العمليّة ونحوها لا تعدّ قوانين تشريعيّة بالمصطلح الحديث، وإنّما هي تدوين للأحكام الشرعيّة وإن نظمّت علاقات الإنسان؛ لعدم الإلزام بها، وعدم الجزاء على المخالفة من جهة أخرى.

4. المطابقة اللفظيّة بين نصّ المادّة (الأولى ف1) من قانون الأحوال الشخصيّة العراقي ونصّ المادّة (245 ف أوّلاً) من مشروع قانون الأحوال الشخصيّة الجعفري، والمعنى واحد فيهما ولا أثر لإضافة كلمة (مضمونها) في المادّة (245 ف أوّلاً) من مشروع قانون الأحوال الشخصيّة الجعفري، وإنّما نقلت من دون دراسة تحليليّة وفقهيّة متأنية،

ص: 180

ويرد عليها كلّ ما ورد من إيجابيات وسلبيات، وخصوصاً كلمة (لفظها وفحواها).

5. إنّ السبب في تدوين الأحكام الشرعيّة في الدولة الإسلاميّة استبدال القضاة المجتهدين بالمقلِّدين، والتقييد بمذهب معيّن والتشريع لهم حسب المصالح والأهواء. وهذا ما اقتضته السياسة. والشرع خلافه بكل مذاهبه.

6. إنّ التقنين: وهو تدوين الأحكام الشرعيّة وصياغتها في موادّ قانونيّة حديثة في زماننا وفي دولنا الإسلاميّة أمر راجح ثبوتاً عقلاً وواقعاً، وما ذكر من إشكالات عليه يمكن معالجتها وتحاشيها.

7. إنّ تدوين الأحكام الشرعيّة ثابت شرعاً؛ لأنّه من السُنّة وهي أمر رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وفِعْله وفِعْل أمير المؤمنين علي (علیه السلام) وأهل بيته المعصومين (علیهم السلام) والصحابة، ولا دليل على منعه سوى منع عمر من تدوين الحديث وهو أعمّ من تدوين الأحكام. وأمّا ما استدلوا به على حرمة التقنين بالقرآن والسُنّة والإجماع، وأنّه خلاف ما عليه الإجماع العملي للقرون المفضّلة، فهو غير دقيق وخلاف التحقيق؛ لذا تمّ الردّ عليه حلاً ونقضاً، ولا يبقى دليل على حرمة التقنين، خصوصاً تدوين الأحكام الشرعية الثابتة والمتواترة والمجمع عليها عند المسلمين. نعم، المختلف فيها على قولين أو أكثر وإن كان لا دليل على حرمة تدوينها إن كانت تستند إلى نقل الصحابة لكن يجب تدوين القولين أو الأكثر وعدم ترجيح أحدهما أو أحدها، وكذا لم يثبت منع تقنين الأحكام الشرعية المختلف فيها والتي استنبطت بالاجتهاد.

8. المانع الفقهي والشرعي من تقنين الأحكام الشرعية هو التقيّد بمذهب معيّن في التشريع والقضاء، والأخذ بالأقوال الراجحة والمشهورة، وهذا ما اختلفت فيه المذاهب الفقهيّة الإسلاميّة.

ص: 181

9. الإجماع على التقيّد بمذهب أهل البيت (علیهم السلام) في التشريع والحكم والقضاء عند الإمامية؛ لأنّه المذهب الحقّ الذي يجب الحكم به، ويشمل استنباط الأحكام الشرعيّة من المجتهدين في مدرسة أهل البيت (علیهم السلام)،كما فعل مشرّع مشروع قانون الأحوال الشخصيّة الجعفري - وهو مجهود ومحاولة نثمّنها ونستفيد منها - إلّا أنّه لم يوفق في عدة أمور، منها:

أ. إنّ القانون لم يكن مدروساً، والمشرّع لم يكن متأنياً كما ينبغي، ولم يظهر لي أنّه مبني على دراسة قانونيّة وفقهيّة متكاملة.

ب. إنّ بعض موادّه وإنْ صيغت بموادّ قانونيّة إلّا أنّها للتدوين أقرب منه إلى التقنين.

ت. لم تُذكر بعض الأمور الواجب ذكرها، كما أثبتنا ذلك في المبحث الثاني من تحديد العدد المسموح به لنكاح النساء، والعدالة وغيرها.

10. آراء المذاهب الفقهية الأربعة متّفقة على أنّ المجتهد المطلق (لا يجوز أن يعقد تقلّد القضاء على أن يحكم بمذهب بعينه لقوله عزّ وجلّ: [فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ](1) والحقّ ما دلّ عليه الدليل، وذلك لا يتعيّن في مذهب بعينه)(2).

ونقل الطرطوشي عن الباجي: أنّه (كان في سجلّات قرطبة: ولا يُخرج عن قول ابن القاسم ما وجده).

قال الحطّاب الرعيني: (وهو جهل عظيم منهم، يريد لأنّ الحقّ ليس في شيء معين)(3).

وأمّا غير المجتهد المطلق ففيه خلاف تقدّم تفصيله في محلّه. وأمّا السلفيّة فقالوا بحرمة التقنين والإلزام بالراجح، واستدلّوا بالقرآن والسُنّة والإجماع، وأنّ تقنين الأحكام

ص: 182


1- سورة ص: 26.
2- المجموع شرح المهذب: 20/ 128.
3- مواهب الجليل: 8/ 80.

الشرعيّة وإلزام القضاة بالحكم بها هو خلاف ما عليه الإجماع العملي للقرون المفضّلة.

11. إنّ المدار في القضاء الإسلامي هو الحكم بالحقّ، ويتحقّق بتطبيق الموازين التي قرّرها الشارع المقدس للقضاء، والقواعد التي توصّل إليها المجتهدون، وثبت في كلّ مذهب من المذاهب على حسب المدارك الثابتة في الحكم الكلي وفي الموضوعات الخارجية بالبيّنات والأيمان، فالمذهب الذي استنبط قواعد قضائه من النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) أو من أهل بيته (علیهم السلام) وطبّقها على الأحكام القضائية يصدق عليه أنّه حكم بالحقّ, والله العالم.

12. إنّ شرعيّة القضاء في زمن الغيبة تنحصر بالمجتهد المطلق الجامع للشرائط، ويجوز تولّي المجتهد المتجزئ: إمّا بإذن المجتهد المطلق بوصفه الحاكم الشرعي، أو مع عدم وجوده. وأمّا المقلِّد فمع بعض الشروط يجوز له تولّي القضاء.

والذي أفهمه: أنّ المقلِّد والعاميّ لا يعدّ قاضياً، وإنّما هو قاضي تحكيم أو قاضي ضرورة، وهو الصحيح؛ لعدم قابليته لمنصب القضاء، وإنّما يصحّ تولّيه من الحاكم الشرعي إذا رأى المصلحة في ذلك؛ لذا يجوز للمجتهد المطلق تفويض القضاء إلى المقلِّد أو توكيله والحكم بفتوى المجتهد المطلق؛ لولايته العامّة في القضاء.

وأمّا ما ذهب إليه صاحب الجواهر (قدس سره) - من جواز تولي القضاء لكلّ مؤمن بشرط الحكم بالحقّ - فهو ممّا يحتاجه الواقع المعاصر فعلاً ويعالج مشكلة القضاة. وقد تقدّم الكلام في الحلقة الأولى في عرض أدلته (قدس سره) ومناقشتها.

ويضاف إلى ما تقدّم: أنّ ما ذكره (قدس سره) خلاف الإجماع المركب بين المجتهد المطلق والمتجزئ. وقد وردت روايات شديدة اللسان في التحذير من التصدّي للقضاء.

ومن ثَمَّ تصدى الفاضل المقداد (قدس سره) للجواب عن هذه الروايات: بأنّه ليس المقصود منها ذمّ القضاء مطلقاً، بل المراد بيان اشتماله على المشقة والخطر العظيم؛ لصعوبة شروطه

ص: 183

من العلوم والأعمال، فإنّه لا يجوز أن يتعرّض له إلّا مَن كان عالماً بالأحكام الشرعية عن مآخذها التفصيلية، ورعاً عن المحارم، زاهداً في الدنيا، متوفّراً على الأعمال الصالحة، مجتنباً للذنوب كبائرها وصغائرها، شديد الحذر من الهوى، حريصاً على التقوى، ولشدّة هذه الشروط كان السلف يمتنعون منه(1).

وعليه فنقول: كيف لنا بعد كثرة الروايات المحذّرة من تولي القضاء أن نجيزه لغير العالم بالأحكام.

هذا، وقد جوّز بعض الحنفية القضاء للعامي والجاهل إن نصّبه السلطان ذو الشوكة. وهذا أيضاً لا يمكن المساعدة عليه لما ذكرنا.

وأمّا الفاسق وغير المسلم فلا يجوز توليه القضاء؛ لأنّه خلاف شروط القاضي شرعاً، وتسميته بالقاضي تحكّم ظاهر وتَجَرّي على الله تعالى. عصمنا الله وإياكم من منابر أهل الضلال والجور والنار.

13. على القول بجواز تصدي المقلِّد للقضاء، تكون الحاجة ماسّة للتقنين وتدوين الأحكام الشرعيّة وصياغتها في قانون ليُحكم على طبقها.

14. لا يمكن إجراء تعديل لقانون الأحوال الشخصيّة العراقي، لما ذكره الشيخ المظفر (قدس سره) في مذكرته من مخالفته الشريعة الإسلاميّة في بعض موادّه، وما خلّفه ويخلّفه من الآثار النفسية والاجتماعية في الفرد والمجتمع، ولعدم صياغته على رؤية إسلاميّة متكاملة.

نعم، يمكن إضافة موادّ عليه وحذف موادّ أُخر وتغييرها كما بيّنته في الأطروحة الثانية التي اقترحتها، بناءً على رؤية إسلاميّة متكاملة دون مخالفة الشريعة الإسلاميّة

ص: 184


1- يلاحظ: التنقيح الرائع لمختصر الشرائع: 4/ 232.

وأسس الديمقراطيّة كما نصّ الدستور الدائم في المادّة (2)، وتتحقّق فيه المميّزات المذكورة في المطلب الأوّل من المبحث الأوّل، وتطبيق المادّة (41) التي تخصّ الأحوال الشخصيّة من دون إرجاع المجتمع العراقي إلى عدّة قوانين في الأحوال الشخصيّة كما فعل أصحاب مشروع قانون الأحوال الشخصيّة الجعفري.

وعليه فالأفضل إلغاؤه وتشريع قانون إسلامي أو عراقي جديد برؤية إسلاميّة متكاملة وعصرية، وهو أمر راجح عقلاً وواقع في زماننا، خصوصاً إذا كتب بالصيغة الشرعيّة المقترحة، فلا يُعدّ هجراً للشريعة الإسلاميّة، ولا سلباً لمقام فقهاء الأمّة وسلطتهم، بل يحدّد السلطة التشريعيّة والقضائيّة ويفصل بينهما.

15. يحقّ لمن أذن له الله سبحانه وتعالى أن يشرّع ضمن القواعد الكليّة والمنهج العامّ الذي قرّره سبحانه وتعالى، وهم النبيّ والوصيّ (صلوات الله وسلامه عليهم) ومَن أذنوا له - ممّن توفّرت فيهم شروط القدرة على الاستنباط من الفقهاء - في غير الثابت من الأحكام عن الله والنبي والوصي - يعني في الأحكام المتغيّرة حسب الزمان والمكان والظروف المحيطة -، ولا يحقّ لغيرهم أن يشرّع القوانين، وما يشرّعه غير المأذون من الله يعدّ من أحكام الجاهلية وحكماً بغير ما أنزل الله، هذا إذا كان في الأحكام الثابتة. وأمّا الأحكام المتغيّرة وإن كان لا يجوز له تشريعها أيضاً، لكن لو شرّعها فلا يقال لتشريعه أنّه بغير ما أنزل الله تعالى حيث إنّه جلّ وعلا لم ينزّل خلافه.

16. توصّلنا من البحث إلى معالجة التعارض بين المذاهب الفقهيّة الإسلاميّة في تدوين الأحكام الشرعيّة وصياغتها في قوانين والحكم بها بأطروحة إضافة مادّة إلى القانون تجيز المصادقة والتنفيذ لما يصدر من أحكام المؤسسات الدينية المختلفة، والتي يمكن من خلالها ولادة قانون إسلاميّ موحّد يحكم المسلمين ويحلّ مشاكلهم العصرية،

ص: 185

ويواكب تطوّرات العصر.

17. يتحقّق القضاء العادل بتطبيق أحكام الله، والحكم بما أنزله سبحانه وتعالى، وهذا يحتاج إلى العارفين به من نبي، أو وصي، أو فقيه أنار الله قلبه بأنوارهما؛ لتحقيق القسط بين الناس. ويظهر ذلك من القرآن والسُنّة وأقوال الفقهاء، فلا يجوز لفاقد الشروط أو بعضها التصدّي للقضاء بين الناس وإنْ استطاع الحكم بالقوانين الموافقة لما أنزله الله سبحانه.

18. (النّكاح) هو العنوان الأصحّ والأبلغ والأصدق والأولى من (الزّواج) والموافق للّغة والاصطلاح على عنوان الباب الأوّل؛ لأنّه الأصل في العقد ويطلق على زواج الإنسان فقط دون غيره من الحيوانات والجمادات، وأيضاً يطلق على الخطبة. وأمّا الزّواج - الذي يعني الاقتران - فيشترك فيه الإنسان وغيره، وهو لا يطلق على الخطبة.

ولذا نرى عدّة من القوانين العربية كقانون الأحوال الشخصيّة الأردني(1) قد استعمل في موادّه كلمة (الزّواج) ومشتقاته وعنون الباب ب-(النّكاح)، وهو الأصحّ.

والتزويج أولى من إطلاق الزّواج؛ لأنّه مصدر ويأتي بمعنى النّكاح، فالمشرّع لقانون الأحوال الشخصيّة العراقي عنون الباب الأوّل (الزّواج) والفصل الأوّل (الزّواج) فخالف اللّغة والاستعمال القرآني والفقهي، ولم يكن دقيقاً في عنونة الفصل الأوّل بالزّواج. وقد أحسن مشرّع قانون الأحوال الشخصيّة الجعفري حين عنون الباب الثاني ب-(النّكاح) فوافق اللغة والاستعمال القرآني والفقهي، ولكنّه جعل الزّواج بين قوسين، ولا أعلم السبب الذي دعاه لذلك، ولعلّه للبيان.

ص: 186


1- لسنة 1976م المنشور في العدد رقم 2668 من الجريدة الرسمية الأردنيّة بتاريخ: 10/ 12/ 1976م.

19. إنّ القرآن الكريم عظَّم النّكاح والزّواج بقوله تعالى: [وأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً] ولم نجد هذا التعظيم والتقييم لعقد الزّواج في تعريف المشرّع العراقي للزواج في المادّة (الثالثة ف1)، ولا في تعريف المشرّع لمشروع قانون الأحوال الشخصيّة الجعفري المادّة (42)، وإن كانت كلمة العقد لغة تتضمّن التغليظ والإبرام والوجوب. ولذا قلنا إنّ المشرّع العراقي كان موفّقاً في تعريفه بالقياس إلى تعريف مشرّع مشروع قانون الأحوال الشخصيّة الجعفري الذي عرّفه بأنّه (رابطة) ولم يعرّفه بأنّه (عقد)، فلا بُدَّ من إظهار التغليظ والإبرام كما أظهره القرآن الكريم. والمشرّع الفرنسي كان أكثر إنصافاً منهما في تعريفه للزواج بقوله: (اتّحاد متين بين رجل وامرأة)(1).

20 خالف المشرّع العراقي ظاهر القرآن في المادّة (الثالثة ف4): (تعدّد الزوجات) من قانون الأحوال الشخصيّة العراقي بقوله: (لا يجوز إلّا بشرطين)، كما أنّه لم يحدّد العدد المسموح به من النساء، ولذا ذكر الشيخ المظفر (قدس سره) في مذكرته مخالفةَ هذا القانون لنصّ القرآن. وخالف أيضاً الفقه الإسلامي في إعطاء الولاية للقاضي في الإذن وعدمه. وأمّا مشرّع مشروع قانون الأحوال الشخصيّة الجعفري فعدم نصّه على هذه المادّة يعدّ نقصاً في القانون، وإنْ نصّ في موادّه على قسمة الليالي، ولم ينصّ على العدالة بالنفقة أيضاً.

ص: 187


1- الأحوال الشخصيّة في القانون الدولي الخاصّ العراقي: 8.
النّتيجة النّهائيّة للبحث

1. إنّ قانون الأحوال الشخصيّة العراقي فيه إيجابيات وسلبيات، وكذا قانون الأحوال الشخصيّة الجعفري:

أمّا قانون الأحوال الشخصيّة العراقي فمن سلبياته أنّه قد خالف ظاهر القرآن وإجماع المسلمين وأخذ بمذهب معيّن أو القول الراجح، فلا شرعية له؛ لأنّ مخالفة تطبيق الشريعة والمعتَقَد له آثاره السلبية على حياة الإنسان واستقراره النفسي والاجتماعي، والمفروض أنّ القانون يشرَّع لاستقرار الإنسان وحصوله على الحياة الحرّة الكريمة، فالمطلوب تشريع قانون أقلّ خللاً، وإيجابياته أكثر من سلبياته، وأن يكون مدروساً دراسة فقهيّة قانونيّة ناشئة من واقع المسلمين، ومطبّقة لشريعتهم، وناظرة إلى مذاهبهم الفقهيّة واختلافها وأن يحلّ مشاكلهم.

2. إنّ مشروع قانون الأحوال الشخصيّة الجعفري لا يصح أن يكون أطروحة حديثة لتقنين وتدوين الأحكام الشرعيّة الإسلاميّة؛ لأنّ كلّ مذهب يدوّن الأحكام المشهورة فيه ويلزم القضاة والحكّام بها، وهذا ما يظهر من بعض الروايات في الفقه الجعفري وما التزم به بقية المذاهب.

ولكن الذي أفهمه من الروايات هو خصوص ما علمناه من أحكام الأئمة المعصومين (صلوات الله عليهم)، وليس الأحكام الاجتهاديّة الظنيّة فما ثبت من أحكامهم (علیهم السلام) بالأدلة القطعية والذي يطلق عليه الحكم الواقعي وهو المجعول من الشارع بدليل قطعي سواء كان بالعنوان الأولي أو الثانوي كوجوب الحج وحرمة الميتة وحرمة قتل النفس المحترمة، هذا الذي يجب الحكم به والقضاء، ولا يجوز مخالفته. وأمّا ما ثبت بالأدلّة الاجتهادية الظنّية كالحكم المجعول من الشارع والذي دلّت عليه

ص: 188

الأمارات والطرق الظنّية كالإقامة في الصلاة، والدية وغير ذلك فهذا ليس حكماً واقعياً لعدم القطع بكونه من أحكام أهل البيت (علیهم السلام) فيجوز مخالفته والحكم والقضاء بضده.

ثانياً: المقترحات

اشارة

المقترح الأوَّل: إبدال مصطلح (الأحوال) ب-(الشؤون) فإنّه أدقّ وإن صدق على الزّواج والطلاق والإرث والوصية وغيرها أنّها أحوالٌ لغةً؛ لأنّ الحال بمعنى الشأن، وهو - الحال العظيم - أبلغ وأدقّ في إطلاقه على الزّواج والطلاق وغيرهما من شؤون ومختصات الإنسان؛ فهي أمور وأحوال عظيمة يصدق عليها (شؤون) بالدقة. وقد عبّر القرآن عن الزّواج ب-(الميثاق الغليظ)، وعبّر الرسول

(صلی الله علیه و آله و سلم) عن الطلاق ب-(أبغض الحلال عند الله). والفرائض من أهم مسائل الفقه. والشؤون مختصّة بالإنسان، والأحوال غير مختصّة به.

وقد يقال: إنّه يمكن إبدال مصطلح (الشخصيّة) ب-(الأشخاص) فيقال: (قانون أحوال الأشخاص) وليس (قانون الأحوال الشخصيّة)؛ لأنّ (الشخصيّة) لم ترد في اللغة لا جمعاً للشخص؛ لأنّ جمعه (أشخاص وشخوص وأشخص)، ولا اسماً فاسمه (شخاصة) ولا مصدراً فمصدره (شخاصة)، ولا اسم مصدر فاسم مصدره (التشّخص)، ولا مذكّر له فمذكره لفظ (شخص)، والأُنْثى (شَخِيصةٌ)، ولا فعل له.

نعم، قد تكون (الشخصيّة) صفة للشخص مثل (السبُعية) صفة الأسد، ولكن لم يذكرها أحد من أهل اللغة - فيما أعلم - وإن استعملت في الكلام العربي. والأحوال جمع يناسبه أنْ يكون متعلّقه - الشخص - جمع قلّة وهو أشخاص.

والجواب عن ذلك: بأنّ (الشخصيّة) أنسب؛ لأنّها مصدر صناعي وهي صفة الأحوال، ولا مانع منها لاشتهارها.

ص: 189

فالخلاصة: إبدال مصطلح (قانون الأحوال الشخصيّة) ب-(قانون الشؤون الشخصيّة) أو (قانون شؤون الأشخاص)، وإن كان مصطلح الأحوال الشخصيّة هو السائد في الاستعمال، ولكن الأشخاص جمع يناسب الأحوال والشؤون وإن صحّ وصفهما بالشخصيّة وهي مصدر صناعي ولا مانع منه.

المقترح الثَّاني: أنّ كتب فتاوى الفقهاء من الرسائل العمليّة تحتاج لجعلها قوانين إلى أمرين:

1. ترتيب الآثار القانونيّة.

2. إضافة الجزاء المناسب إليها حسب المخالفة، وحينئذ فلا يبقى مانع لجعلها قوانين يُستند إليها في الحكم والقضاء خصوصاً مع وجود المقتضي. ويمكن بواسطتها تطبيق المادّة (41) من الدستور التي تنصّ: (العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصيّة...) لا بتشريع قوانين متعدّدة للأحوال الشخصيّة، وإنّما إضافة مادّة إلى قانون الأحوال الشخصيّة تلزم دائرة التنفيذ بما يصدر من قرارات من المؤسسة الدينيّة الخاصّة بكل دين ومذهب وطائفة، وبذلك نكون قد طبّقنا المادّة الدستوريّة (41) من حريّة الإنسان العراقي في الأحوال الشخصيّة.

المقترح الثَّالث: إبدال الكلمتين (لفظها وفحواها) الواردتين في نصّ المادّة (الأولى ف 1) من قانون الأحوال الشخصيّة العراقي، والمادّة (245 ف أوّلاً) من مشروع قانون الأحوال الشخصيّة الجعفري

بالكلمتين (منطوقها ومفهومها الموافق فقط).

المقترح الرَّابع: مذكرة الشيخ المظفر (قدس سره) التي رفعها لحكومة (14رمضان) فريدة من نوعها، وفيها إحاطة تامّة بالقانون، ودراسة دقيقة بأسلوب علمي حديث، ولو أخذ بها لكان بحقّ مجدّدَ قانون الأحوال الشخصيّة الإسلامي، وما طرحه (قدس سره) من الإشكالات

ص: 190

والمخالفات لظاهر القرآن والشريعة والرؤى الإسلامية لا زالت قائمة في هذا القانون، فيجب العمل بملاحظاته وصياغة القانون من جديد بالرؤية العصريّة الإسلاميّة التي طرحها، والنظريّة التكامليّة في معالجة الجرائم وفي المفاهيم والنظريات الإسلاميّة. وقد تناولتُ ذلك في بحث خاصّ أسميته: (الشيخ محمّد رضا المظفر وتعديل قانون الأحوال الشخصيّة العراقي) شاركت فيه في المؤتمر الدولي في التجديد في فكر الشيخ المظفر (قدس سره) (1).

المقترح الخامس: أنّ هذه النصوص التشريعيّة وإن كانت حجّة على المسلمين فيما يخصّ الأحكام الثابتة والمجمع عليها بين المذاهب الإسلاميّة، إلّا أنّ الأحكام الخلافيّة ليست حجّة على المجتهد المطلق من القضاة، فالمفروض إضافة فقرة للمادّة في القانون لاستثناء المجتهد المطلق في الأحكام الخلافيّة؛ لأنّ الحقّ ما وصل إليه بالدليل.

المقترح السَّادس: تفعيل العمل لتشريع قانون الأحوال الشخصيّة العراقي: إمّا بإضافة مادّة كما ذكرتُ، أو على وفق الأطروحة الثانية: وهي تقنين القانون الإسلامي من الأحكام الثابتة والمتّفق عليها بين المذاهب الإسلاميّة. وأمّا المختلف فيها فتؤخذ ممّا ثبت من أحكام أهل البيت (علیهم السلام) عند أغلب المذاهب الفقهيّة الإسلاميّة.

وأمّا القضايا المستحدثة ممّا اختلفت فيه الأمة الإسلاميّة بمدارسها ومذاهبها واجتهاداتها فيؤخذ ممّا اتّفقت عليه ثلاثة مذاهب أو أكثر بضمنهم المذهب الجعفري ممّن ظهر دليله من القرآن والسُنّة.

وأمّا القضايا المستحدثة فمسؤوليتها ترجع إلى أهل الاستنباط من فقهاء المسلمين لاستنباط الحكم المناسب لها، ويؤخذ بالرأي الذي يحاكي الواقع ويلاحظ تطور العصر ويحلّ مشاكل المسلمين العصريّة، كما فعل المشرّع المصريّ في مسائل الطلاق والغريق

ص: 191


1- وقد طبع ضمن موسوعة الشيخ المظفر الجزء العاشر.

وغيرهما حين استند في أحكامهما إلى الفقه الجعفري وحلّ مشاكل كثيرة، كما قيل(1).

المقترح السَّابع: إبدال لفظة (الزّواج) الواردة كعنوان للباب الأوّل والفصل الأوّل من قانون الأحوال الشخصيّة العراقي ب-(النّكاح)؛ لموافقة اللغة والاستعمال القرآني والفقهي، ولأنّ النّكاح يدلّ على عقد التزويج والخطبة، ويختصّ بالإنسان ولا يشترك معه غيره، والزّواج لم يستعمل في العقد، ويشترك به غير الإنسان.

المقترح الثَّامن: إبدال تعريف (الزّواج) المنصوص عليه في المادّة (الثالثة ف1) من قانون الأحوال الشخصيّة العراقي، وكذا المادّة (42) من مشروع قانون الأحوال الشخصيّة الجعفري بما يظهر عمق وعظمة العلاقة الزوجيّة التي أظهرها القرآن الكريم.

فالأَوْلى في التعريف أن يكون: (الزّواج: ميثاق أو عقد غليظ بين جنسين مختلفين يحلّ شرعاً أحدهما على الآخر؛ لاستقرارهما وسكونهما بحياة كريمة ليجعل الله لهما النسل)؛ فإنّ الخنثى التي تتزوج إمّا فيها صفات الذكر أو الأنثى. وأمّا الخنثى المشكل فهي مشكل.

المقترح التَّاسع: تعديل النصّ من قانون الأحوال الشخصيّة العراقي المادّة (الثالثة ف4) وإضافته كمادّة في مشروع قانون الأحوال الشخصيّة الجعفري وعلى النحو الآتي:

(يجوز النّكاح الدائم بأكثر من واحدة بشرطين:

1. أن لا يتجاوز الأربع زوجات.

2. القدرة على العدل بينهن بالقسم والإنفاق).

ص: 192


1- نقلاً عن المستشار المصري الدمرداش.
المقترح النّهائي للبحث

1. إنشاء مركز للدراسات القانونيّة في الحوزة العلميّة الهدف منه دراسة القوانين بطريقة الاستدلال الفقهي وتحصيل قوانين مصدرها الرئيس أو الأساس الشريعة الإسلاميّة، وتشريع قوانين أقلّ خللاً وإيجابياتها أكثر من سلبياتها، وأن تكون مدروسة دراسة فقهيّة قانونيّة ناشئة من واقع المسلمين ومطبِقة لشريعتهم، وناظرة إلى مذاهبهم الفقهيّة واختلافها، وأن تَحِلّ مشاكلهم العصريّة، وتواكب تطورات العصر مستفادة من بركة أهل الاستنباط والاجتهاد من مراجعنا العظام (رحم الله الماضين وأدام ظلّ الباقين وإفاضاتهم)؛ ليكون مَعيناً لا ينضب لتشريع القوانين في دولة العراق، والدول العربيّة والإسلاميّة.

2. تشكيل لجنة من فقهاء الشريعة والقانون لدراسة قانون الأحوال الشخصيّة العراقي وتغيير النصوص القانونيّة بما يتوافق والدستور الدائم، لتدوين الأحكام الشرعيّة الإسلاميّة وصياغتها في موادّ قانونيّة وفق الأطروحة الثانية للبحث أو غيرها تكون نواةً للتوفيق بين المذاهب الفقهيّة الإسلاميّة لتقنين قانون إسلامي مدني وجنائي وأحوال شخصيّة وغيرها؛ لأنّ وجود قانون عصري موحد لكلّ العراقيين في الأحوال الشخصيّة، وبشكل تراعى فيه المواثيق والاتفاقيات الدوليّة، ويحلّ مشاكلهم العصريّة ويواكب تطوّرات العصر وسرعته، يعدّ دفاعاً عن قيم الحضارة والتمدّن ومفهوم المواطنة؛ لأنّه يشكّل أساساً لبناء العائلة العراقيّة ووحدة الشعب العراقي.

هذا, والله سبحانه وتعالى أسأل أن يوفقنا لخدمة الدين الحنيف إنّه ولي التوفيق.

* * *

ص: 193

المصادر والمراجع

القرآن الكريم

1. إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان: العلّامة الحلي (ت 726ﻫ)، تحقيق: الشيخ فارس الحسون، طبع ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة: الأولى، 1410ﻫ،.

2. الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب أحمد ابن حنبل: علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي (ت 885ﻫ)، تحقيق: محمد حامد الفقي، طبع ونشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة: الثانية 1406ﻫ- 1986م.

3. أبحاث هيئة كبار العلماء أصدار1421ﻫ- 2001م تدوين الراجح من أقوال الفقهاء في المعاملات وإلزام القضاة بالحكم به

4. الأحكام السلطانية والولايات الدينية: علي بن محمد البغدادي الماوردي (ت 450ﻫ)، الناشر: دار التعاون للنشر والتوزيع عباس أحمد الباز - مكة المكرمة، الطبعة: الثانية 1386ﻫ- 1966م المطبعة: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر.

5. أحكام القرآن: الشافعي (ت 204ﻫ)، تحقيق: عبد الغني عبد الخالق، طبع ونشر: دار الكتب العلمية، بيروت - 1400ﻫ.

6. أحكام القرآن: ابن العربي (ت 543ﻫ)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، طبع ونشر: دار الفكر للطباعة والنشر - لبنان.

7. أحكام القرآن: الجصاص (ت 370ﻫ)، تحقيق: عبد السلام محمد علي شاهين،

ص: 194

الطبعة: الأولى 1415ﻫ- 1995م، طبع ونشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان.

8. الأحوال الشخصية في القانون الدولي الخاص العراقي عبد الواحد كريدي.

9. الأحوال الشخصية: محمد أبو زهرة (ت 1394 ﻫ)، الناشر: دار الفكر العربي، الطبعة: الثالثة، 1948م.

10. إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل: محمد ناصر الألباني (ت 1999م)، إشراف: زهير الشاويش، الناشر: المكتب الإسلامي - بيروت - لبنان، الطبعة: الثانية 1405ﻫ- 1985م.

11. أساس البلاغة: الزمخشري (ت 538ﻫ)، الناشر: دار ومطابع الشعب - القاهرة، 1960م.

12. استفتاءات السيد السيستاني / موقع مكتب السيد السيستاني.

13. الإصابة في تمييز الصحابة: ابن حجر (ت 852ﻫ)

تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، طبع ونشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1415ﻫ.

14. أضواء على قانون الأحوال الشخصية: السيد محمد بحر العلوم.

15. إعانة الطالبين: البكري الدمياطي (ت 1310ﻫ)، طبع ونشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى 1418ﻫ- 1997م.

16. أعيان الشيعة: السيد محسن الأمين (ت1371ﻫ)، تحقيق وتخريج: حسن الأمين، طبع ونشر: دار التعارف للمطبوعات - بيروت - لبنان.

17. الإفصاح عن معاني الصحاح: ابن هبيرة (ت 560 ﻫ)، نشر: دار الوطن.

18. الإقناع في حلّ ألفاظ أبي شجاع: محمد بن أحمد الشربيني (ت977ﻫ)، طبع

ص: 195

ونشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع.

19. آلاء الرحمن في تفسير القرآن: الشيخ محمد جواد البلاغي النجفي (ت 1352ﻫ)، سنة الطبع: 1352ﻫ- 1933م، مطبعة العرفان - صيدا.

20. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، معاصر.

21. الأنوار اللوامع في شرح مفاتيح الشرائع: الشيخ حسين آل عصفور (ت 1216ﻫ)، تحقيق: الميرزا محسن آل عصفور، المطبعة: أمير - قم.

22. بحوث في الفقه المعاصر: الشيخ حسن الجواهري، معاصر الناشر: دار الذخائر - بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى.

23. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: أبو بكر الكاشاني (ت 587ﻫ)، طبع ونشر: المكتبة الحبيبية - باكستان، الطبعة: الأولى 1409ﻫ- 1989م.

24. بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمد (علیهم السلام): محمد بن الحسن بن فروخ (الصفار)، (ت290ﻫ) تحقيق: تصحيح وتعليق وتقديم: الحاج ميرزا محسن كوچه باغي.

25. تاج العروس من جواهر القاموس: الزبيدي (ت 1205ﻫ) تحقيق: علي شيري، سنة الطبع: 1414ﻫ- 1994م، المطبعة: دار الفكر - بيروت.

26. التاريخ الكبير: البخاري (ت 256ﻫ) الناشر: المكتبة الإسلامية - ديار بكر - تركيا.

27. التبيان في تفسير القرآن: الشيخ الطوسي (ت 460ﻫ) تحقيق وتصحيح: أحمد حبيب قصير العاملي، طبع ونشر: مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة: الأولى 1409ﻫ.

28. تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية: العلّامة الحلّي (ت 726ﻫ)،

ص: 196

تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري، إشراف: الشيخ جعفر السبحاني، الناشر: مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام)،الطبعة: الأولى، 1420ﻫالمطبعة: اعتماد - قم.

29. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي: عبد الرحمن بن أبي بكر جلال الدين السيوطي (ت 911ﻫ).

30. تذكرة الحفاظ: الذهبي (ت 748ﻫ)، طبع ونشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان.

31. تذكرة الفقهاء: العلّامة الحلي (ت 726ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة: الأولى 1414ﻫالمطبعة: مهر - قم.

32. التفسير الكبير: فخر الدين الرازي (ت 606ﻫ)، الطبعة الثالثة.

33. تفسير السمرقندي: أبو الليث السمرقندي (ت 383ﻫ)، تحقيق: د. محمود مطرجي، المطبعة: بيروت - دار الفكر.

34. التفسير الصافي: الفيض الكاشاني (ت 1091ﻫ)، صححه وقدّم له وعلّق عليه: الشيخ حسين الأعلمي، الناشر: مكتبة الصدر - طهران، الطبعة: الثانية 1416ﻫ، المطبعة: مؤسسة الهادي - قم المقدسة.

35. تفسير القرآن العظيم: إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (ت 774ﻫ)، تقديم: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، طبع ونشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، سنة الطبع: 1412ﻫ- 1992م.

36. تفسير القرآن الكريم (تفسير شبر): السيد عبد الله شبر (ت1242ﻫ)، مراجعة: الدكتور حامد حفني داود، الناشر: السيد مرتضى الرضوي، الطبعة: الثالثة 1385ﻫ- 1966م.

ص: 197

37. تفسير القمي: علي بن إبراهيم القمي (ت 329ﻫ)، تصحيح وتعليق وتقديم: السيد طيب الموسوي الجزائري، الناشر: مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر - قم - إيران، الطبعة: الثالثة، 1404ﻫ.

38. التفسير الكاشف: الشيخ محمد جواد مغنية (ت 1400ﻫ)، الناشر: دار العلم للملايين، بيروت - لبنان، الطبعة: الثالثة 1981م.

39. الميزان في تفسير القرآن: السيد محمد حسين الطباطبائي (ت1402ﻫ)، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

40. تفسير مجاهد: مجاهد بن جبر (ت 104ﻫ)، تحقيق: عبد الرحمن الطاهر بن محمد السورتي - مجمع البحوث الإسلامية - إسلام آباد.

41. تفسير مجمع البيان: الشيخ الطبرسي (ت 548ﻫ)، تحقيق وتعليق: لجنة من المحقّقين الأخصائيين، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان الطبعة: الأولى 1415ﻫ- 1995م.

42. تفسير مقتنيات الدرر: مير سيد علي الحائري الطهراني (ت1353ﻫ)، الناشر: الشيخ محمد الآخوندي مدير دار الكتب الإسلامية، سنة الطبع: 1337 ش، المطبعة: الحيدري بطهران.

43. تنقيح مباني الأحكام (القضاء والشهادة): الميرزا جواد التبريزي (ت 1427ﻫ) الطبعة: الأولى 1429ﻫالمطبعة: وفا، الناشر: دار الصديقة الشهيدة.

44. تهذيب الأحكام: الشيخ الطوسي (ت 460ﻫ)، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة: الثالثة 1364ش المطبعة: خورشيد، الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران.

ص: 198

45. ثلاث رسائل فقهية: الشيخ لطف الله الصافي الكلبايكاني (معاصر)، نسخة مصورة.

46. جامع البيان عن تأويل آي القرآن: محمد بن جرير الطبري (ت 310ﻫ)، تقديم: الشيخ خليل الميس، ضبط وتوثيق وتخريج: صدقي جميل العطار، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان، سنة الطبع: 1415ﻫ- 1995م.

47. الجامع الصحيح (صحيح مسلم): مسلم النيسابوري (ت 261ﻫ)، الناشر: دار الفكر - بيروت - لبنان.

48. جامع المقاصد في شرح القواعد: المحقّق الكركي (ت 940ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة: الأولى 1408ﻫ، المطبعة: المهدية - قم.

49. جهود تقنين الفقه الإسلامي: وهبة الزحيلي، الناشر: دار الفكر، الطبعة: الأولى، 2014م.

50. جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام: الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري (ت 1266ﻫ)، تحقيق وتعليق وتصحيح: محمود القوجاني، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، الطبعة: السابعة 1981م.

51. حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار: ابن عابدين (ت 1252ﻫ)، إشراف: مكتب البحوث والدراسات، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، سنة الطبع: 1415ﻫ- 1995م،.

52. الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة: الشيخ يوسف البحراني (ت 1186ﻫ)، طبع ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة،

ص: 199

الطبعة: الثالثة 1433ﻫ.ق.

53. الدر المختار: الحصفكي (ت 1088ﻫ)، إشراف: مكتب البحوث والدراسات، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان، سنة الطبع: 1415ﻫ- 1995م.

54. الدروس الشرعية في فقه الإمامية: الشيخ شمس الدين محمد بن مكّي العاملي (الشهيد الأوَّل) (ت 786ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة: الثانية 1417ﻫ.

55. الذريعة إلى تصانيف الشيعة: الشيخ آغا بزرك الطهراني (ت 1389ﻫ)، الناشر: دار الأضواء، بيروت، الطبعة: الثالثة 1403ﻫ- 1983م.

56. الروح: ابن القيم الجوزي، الناشر: دار ابن تيمية، الطبعة: الثانية.

57. الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية: زين الدين بن علي العاملي (الشهيد الثاني) (ت 965ﻫ)، تحقيق: السيد محمد كلانتر، الناشر: منشورات جامعة النجف الدينية، الطبعة: الأولى - الثانية 1386ﻫ- 1398ﻫ.

58. روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه: الشيخ محمد تقي المجلسي (ت1070ﻫ)، نمقه وعلّق عليه وأشرف على طبعه: السيّد حسين الموسوي الكرماني والشيخ علي پناه الإشتهاردي، الناشر: بنياد فرهنك إسلامي حاج محمد حسين كوشانپور.

59. زاد المسير في علم التفسير: ابن الجوزي (ت 597ﻫ) تحقيق: محمد بن عبد الرحمن عبد الله، الطبعة: الأولى 1407ﻫ- 1987م، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

ص: 200

60. الزاهر في معاني كلمات الناس: محمد بن القاسم بن محمد بن بشار ابن الأنباري (ت328ﻫ)، تحقيق: الدكتور يحيى مراد، الناشر: محمد علي بيضون - دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى 1424ﻫ- 2004م.

61. السرائر الحاوي في تحرير الفتاوي: الشيخ ابن إدريس العجلي الحلي (ت598ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة: الثانية 1410ﻫ، المطبعة: مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

62. سنن ابن ماجة: محمد بن يزيد القزويني (ت 273ﻫ)، تحقيق وترقيم وتعليق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

63. سنن أبي داود: سليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275ﻫ)، تحقيق وتعليق: سعيد محمد اللحام، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة: الأولى 1410ﻫ- 1990م.

64. سنن الترمذي (الجامع الصحيح): الحافظ أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت 279ﻫ)، تحقيق وتصحيح: عبد الوهاب عبد اللطيف، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان. الطبعة: الثانية 1403ﻫ- 1983م.

65. السنن الكبرى: أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458ﻫ).

66. سنن النسائي: النسائي (ت 303ﻫ)، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان. الطبعة: الأولى 1348ﻫ- 1930م.

67. شرح أدب الكاتب: موهوب بن أحمد الجواليقي (ت 539ﻫ)، الناشر: مكتبة القدسي: لصاحبها حسام الدين القدسي بالقاهرة بالأزهر بشارع رقعة القمح، سنة الطبع:1350ﻫ.

ص: 201

68. شرح الزرقاني على الموطأ: محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني المصري الأزهري، المطبعة: الخيرية.

69. شرح العروة الوثقى - التقليد (موسوعة الإمام الخوئي) تقرير بحث السيّد الخوئي (ت 1431ﻫ)، بقلم الميرزا علي الغروي (ت 1419ﻫ)، الناشر: مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي، الطبعة: الثانية 1426ﻫ- 2005م.

70. شرح تبصرة المتعلمين (كتاب القضاء): آقا ضياء الدين العراقي (ت 1361ﻫ)، تحقيق: محمد هادي معرفة، المطبعة: مهر - قم.

71. شرح قانون ا لأحوال الشخصية: خروفة.

72. شرح قانون الأحوال الشخصيّة رقم (188) القاضي محمد حسن كشكول والقاضي عباس السعدي.

73. شرح منتهى الإرادات: منصور بن صلاح الدين بن حسن بن إدريس البهوتي الحنبلي(ت 1050ﻫ)، الطبعة: الأولى 1414ﻫ-1993م.

74. الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية): الجوهري (ت 393ﻫ)، تحقيق: أحمد عبد الغفور العطار، الناشر: دار العلم للملايين - بيروت - لبنان، الطبعة: الرابعة 1407ﻫ- 1987م.

75. صحيح البخاري: محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256ﻫ)، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، سنة الطبع: 1401ﻫ- 1981م.

76. صراط النجاة (تعليق الميرزا التبريزي): السيّد الخوئي (ت1413ﻫ)، الناشر: دفتر نشر برگزيده، الطبعة: الأولى 1416ﻫ، المطبعة: سلمان الفارسي.

77. الطبقات الكبرى: محمّد بن سعد (ت230ﻫ)، طبع ونشر: دار صادر -

ص: 202

بيروت.

78. عبد الكريم قاسم وعراقيون آخرون: الشواف، الناشر: الوراق للنشر - بيروت، 2004م.

79. عوالي اللآلئ العزيزية في الأحاديث الدينية: ابن أبي جمهور الإحسائي (ت نحو 880ﻫ)، تقديم: السيّد شهاب الدين النجفي المرعشي (ت 1411ﻫ)، تحقيق: الحاج آقا مجتبى العراقي، الطبعة: الأولى 1403ﻫ- 1983م المطبعة: سيد الشهداء - قم.

80. عوائد الأيام: المحقّق النراقي (ت 1245ﻫ)، تحقيق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، طبع ونشر: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة: الأولى 1417ﻫ،.

81. العين: الخليل الفراهيدي (ت 175ﻫ) تحقيق: الدكتور مهدي المخزومي - الدكتور إبراهيم السامرائي، الناشر: مؤسسة دار الهجرة، الطبعة: الثانية 1410ﻫ.

82. غاية المراد في شرح نكت الإرشاد: الشهيد الأوّل (ت786ﻫ)، تحقيق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية - حسين قيصريه ها، المشرف: رضا المختاري، طبع ونشر: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة: الأولى 1420ﻫ.

83. الفتاوى الكبرى: ابن تيمية (ت 728ﻫ)، تحقيق: محمد عبد القادر عطا - مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى 1408ﻫ- 1987م.

84. الفتاوى الواضحة: السيد محمد باقر الصدر(ت 1400ﻫ)

مطبعة الآداب - النجف الأشرف.

ص: 203

85. فتح الباري شرح صحيح البخاري: الحافظ أبو الفضل شهاب الدين ابن حجر العسقلاني (ت 852ﻫ)، طبع ونشر: دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت - لبنان، الطبعة: الثانية.

86. فتح القدير: ابن الهمام.

87. فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب: زكريا الأنصاري (ت 936ﻫ)، الناشر: محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى 1418ﻫ- 1998م.

88. فرائد الأصول: الشيخ مرتضى الأنصاري (ت1281ﻫ)، إعداد: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الناشر: مجمع الفكر الإسلامي، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1419ﻫ، المطبعة: باقري - قم.

89. الفروق اللغوية: أبو هلال العسكري (ت 395ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة: الأولى، 1412ﻫ.

90. فقه القرآن: قطب الدين الراوندي (ت 573ﻫ)، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، الناشر: مكتبة آية الله العظمى النجفي المرعشي، الطبعة: الثانية، 1405ﻫ.

91. فقه اللغة وسرّ العربية: عبد الملك الثعالبي النيسابوري (ت 429 ﻫ)، تحقيق: د. فائز محمد، مراجعة: د. إميل يعقوب، الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان، الطبعة: الثانية 1416ﻫ- 1996م.

92. فقه النوازل: بكر بن عبد الله أبو زيد، الطبعة: الأولى.

93. الفقيه والمتفقه: أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، تحقيق: عادل العزازي، الناشر: دار ابن الجوزي، الطبعة: الثالثة.

94. فلسفة الصدر: د. محمد عبد اللاوي الجزائري، الناشر: مؤسسة دار الإسلام

ص: 204

الطبعة: الأولى، 1420ﻫ - 199م.

95. فهرست أسماء مصنفي الشيعة (رجال النجاشي): الشيخ أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس النجاشي الأسدي الكوفي (ت 450ﻫ)، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة: الخامسة، 1416ﻫ.

96. القاموس المحيط: الشيخ مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزأبادي (ت 817ﻫ)، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، 1403ﻫ- 1983م.

97. قانون الأحوال الشخصية العراقي الضرورة ومتطلبات التطوير: هادي محمود، استهلال تاريخي.

98. القضاء والشهادات: الشيخ الأعظم الأنصاري (ت 1281ﻫ) تحقيق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الناشر: المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري، الطبعة: الأولى 1415ﻫ المطبعة: باقري - قم.

99. قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام: العلّامة الحلي (ت726ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة: الأولى، 1413ﻫ.

100. الكافي: الشيخ الكليني (ت 329ﻫ)، تحقيق: تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران الطبعة: الخامسة، 1363 ش، المطبعة: حيدري.

101. كتاب الأم: الشافعي (ت 204ﻫ)، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية 1403ﻫ- 1983م.

102. كتاب القضاء: ميرزا حبيب الله الرشتي (ت 1312ﻫ)، تحقيق: السيد

ص: 205

أحمد الحسيني، الناشر: دار القرآن الكريم، قم - إيران، 1401ﻫ، المطبعة: الخيام - قم.

103. كتاب النكاح: الشيخ محمد علي الأراكي (ت 1415ﻫ)، الناشر: نور نگار، الطبعة: الأولى، 1377 ش المطبعة: اعتماد - قم.

104. كشاف القناع: منصور بن يونس البهوتي (ت 1051ﻫ)، تقديم: كمال عبد العظيم العناني، تحقيق: أبو عبد الله محمد حسن محمد حسن إسماعيل الشافعي، الناشر: محمد علي بيضون - دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى 1418ﻫ- 1997م.

105. كشف الرموز في شرح المختصر النافع: الفاضل الآبي (ت 690ﻫ)، تحقيق: الشيخ علي پناه الإشتهاردي، الحاج آغا حسين اليزدي

الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة 1408ﻫ.

106. كشف اللثام عن قواعد الأحكام: الفاضل الهندي (ت 1137ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة: الأولى 1416ﻫ.

107. كفاية الأحكام (كفاية الفقه): المحقّق السبزواري (ت 1090ﻫ)، تحقيق: الشيخ مرتضى الواعظي الأراكي، نشر وطبع: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة: الأولى، 1423ﻫ.

108. لائحة الأسباب الموجبة لصدور قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959.

109. لسان العرب: ابن منظور (ت 711ﻫ)، الناشر: نشر أدب الحوزة، 1405 ﻫ.

110. مباني تكملة المنهاج: السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي (ت 1413ﻫ)،

ص: 206

الطبعة: الثانية، مطبعة: بابل - بغداد.

111. المبدع في شرح المقنع: إبراهيم بن مفلح برهان الدين (ت 884ﻫ)، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت - لبنان، طبعة أولى 1418ﻫ- 1997م.

112. المبسوط: شمس الدين السرخسي (ت 483ﻫ)، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت - لبنان 1406ﻫ- 1986م.

113. مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان: المحقّق الأردبيلي (ت 993ﻫ)، تحقيق: الحاج آغا مجتبى العراقي، الشيخ علي پناه الاشتهاردي، الحاج آغا حسين اليزدي الأصفهاني، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

114. المجموع شرح المهذب: النووي (ت 676ﻫ)، الناشر: دار الفكر.

115. مجموعة الفتاوى: ابن تيمية (ت 728ﻫ)، طبعة الشيخ عبد الرحمن بن قاسم.

116. مختار الصحاح: محمد بن أبي بكر الرازي (ت 721ﻫ)، ضبط وتصحيح: أحمد شمس الدين، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1415ﻫ- 1994م.

117. المخصَّص: علي بن إسماعيل النحوي اللغوي الأندلسي المعروف ابن سيده (ت 458ﻫ)، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان.

118. المدخل الفقهي العام: مصطفى أحمد الزرقاء، الناشر: مطابع الأديب، الطبعة: التاسعة 1968.

ص: 207

119. المدخل لدراسة القانون: عبد الباقي البكري وزهير البشير

120. مدونة الفقه المالكي وأدلته: الغرياني، الصادق عبد الرحمن، الناشر: مؤسسة الريان، بيروت 1423ﻫ- 2002م، الطبعة: الأولى.

121. مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام: زين الدين بن علي العاملي، الشهيد الثاني (ت 965ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسسة المعارف الإسلامية - قم المقدسة، الطبعة: الثالثة، 1425ﻫ، المطبعة: عترت.

122. المستدرك على الصحيحين: الحاكم النيسابوري (ت 405ﻫ)، إشراف: يوسف عبد الرحمن المرعشلي.

123. مستند الشيعة في أحكام الشريعة: المحقّق النراقي (ت 1245ﻫ)، تحقيق: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - مشهد المقدسة، الناشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم، الطبعة: الأولى، 1415ﻫ، المطبعة: ستارة - قم.

124. مسند أحمد: أحمد ابن حنبل (ت 241ﻫ)، الناشر: دار صادر - بيروت - لبنان.

125. مسيرة الفقه الإسلامي المعاصر وملامحه: شويش هزاع علي المحاميد، الناشر، دار عمان - الأردن طبعة أولى 1422ه- 2001م.

126. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي: أحمد بن محمد المقري الفيومي (ت 770ﻫ)، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

127. المبسوط في فقه الإمامية: شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي (ت 460ﻫ)، تحقيق وطبع: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة، الطبعة: الثانية، 1431ﻫ.

ص: 208

128. المصنف: عبد الرزاق الصنعاني (ت211ﻫ)، عني بتحقيق نصوصه وتخريج أحاديثه والتعليق عليه: الشيخ المحدث حبيب الرحمن الأعظمي.

129. المعجم الوسيط: مصطفى إبراهيم وآخرون، الطبعة: الثانية، استانبول 1972م.

130. معجم رجال الحديث: السيد الخوئي (ت 1413ﻫ)،

الطبعة: الخامسة، 1413ﻫ- 1992م.

131. معجم مقاييس اللغة: أحمد بن فارس بن زكريا (ت 395ﻫ)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، الناشر: مكتبة الإعلام الإسلامي، 1404ﻫ.

132. مغني المحتاج: محمد بن أحمد الشربيني (ت 977ﻫ)، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان، 1377ﻫ- 1958م.

133. المغني: عبد الله بن قدامة (ت 620ﻫ)، الناشر: دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع بيروت - لبنان، طبعة بالأوفست.

134. المفردات في غريب القرآن: الراغب الأصفهاني (ت 425ﻫ)، الناشر: دفتر نشر الكتاب، الطبعة: الثانية، 1404ﻫ.

135. من لا يحضره الفقيه: الشيخ الصدوق (ت 381ﻫ)،

تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة: الثانية.

136. منهاج الصالحين: السيد السيستاني (معاصر)، الناشر: مكتب آية الله العظمى سماحة السيد السيستاني - قم، الطبعة: الأولى، 1414ﻫ، المطبعة: مهر - قم.

137. منهاج الصالحين: الشيخ محمّد إسحاق الفياض (معاصر) الناشر: مكتب

ص: 209

سماحة الشيخ محمد إسحاق الفياض، الطبعة: الأولى، المطبعة: أمير - قم.

138. منهاج المؤمنين: السيد المرعشي (ت 1411ﻫ)، الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي، 1406ﻫ، المطبعة: الخيام.

139. مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام: السيد عبد الأعلى الموسوي السبزواري (ت 1414ﻫ)، مطبعة: الآداب - النجف الأشرف 1405ﻫ- 1985م.

140. المهذب البارع في شرح المختصر النافع: ابن فهد الحلي (ت 841ﻫ)، تحقيق: الشيخ مجتبى العراقي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1407ﻫ.

141. مواهب الجليل: الحطّاب الرعيني (ت 954ﻫ)، ضبطه وخرّج آياته وأحاديثه: الشيخ زكريا عميرات، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1416ﻫ- 1995م.

142. موسوعة الفقه والقضاء في الأحوال الشخصية: محمد عزمي البكري، دار النشر والتوزيع 1989م.

143. موسوعة طبقات الفقهاء: اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام)،إشراف: جعفر السبحاني، الطبعة: الأولى 1424ﻫ المطبعة: اعتماد - قم.

144. الموطأ: مالك بن أنس (ت 179ﻫ)، تصحيح وتعليق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان، 1406ﻫ- 1985م.

145. نهاية الأفكار: تقرير أبحاث المحقّق الشيخ آغا ضياء الدين العراقي (ت 1361ﻫ): الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي (ت 1391ﻫ)، طبع ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم، الطبعة: السادسة 1435ﻫ.

ص: 210

146. نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: الشافعي الصغير (ت 1004ﻫ)، الناشر: دار إحياء التراث العربي - مؤسسة التاريخ العربي - بيروت، الطبعة: الثالثة 1413ﻫ.

147. النهاية في غريب الحديث والأثر: مجد الدين ابن الأثير (ت 606ﻫ)، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، محمود محمد الطناحي، الناشر: مؤسسة إسماعيليان إيران، الطبعة: الرابعة، 1364 ش.

148. النور الساطع في الفقه النافع: الشيخ علي كاشف الغطاء (ت 1253ﻫ)، سنة الطبع: 1381ﻫ- 1961م المطبعة: مطبعة الآداب.

149. نيل الأوطار: الشوكاني (ت 1255ﻫ)، الناشر: دار الجيل - بيروت - لبنان 1973م.

150. هدية العارفين: إسماعيل باشا البغدادي (ت 1339ﻫ)، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان.

151. الوافي: الفيض الكاشاني (ت 1091ﻫ)، عني بالتحقيق والتصحيح والتعليق عليه والمقابلة مع الأصل: ضياء الدين الحسيني (العلّامة) الأصفهاني، الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي (علیه السلام) العامة - أصفهان، الطبعة: الأولى، 1406ﻫ، المطبعة: أفست نشاط أصفهان.

152. الوجيز في فقه الإمام الشافعي: أبو حامد الغزالي (ت 505ﻫ)، تحقيق: علي معوض وعادل عبد الموجود، الناشر: دار الأرقم بن أبي الأرقم 1418ﻫ- 1997م.

153. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (ت 1104ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم المشرفة،

ص: 211

الطبعة: الثانية 1414ﻫ، المطبعة: مهر - قم.

154. الوسيط في شرح قانون الأحوال الشخصية العراقي: فاروق عبد الله كريم، طبع على نفقة جامعة السليمانية 2004م.

155. مجلة النجف: رئيس التحرير هادي فياض، العدد: السادس شوال 1383- آذار 1963م، السنة الخامسة.

156. هل هناك مفهوم للحكم والسلطة في الفكر الإسلامي؟ نصر حامد أبو زيد، مقالة في مجلة الثقافة الجديدة، العدد: 295 تموز - آب 2000م.

ص: 212

الشّهرة حجّة ومرجحاً وجابراً - الشيخ حَميد رُمح الحِلي (دام عزه)

اشارة

اهتمّ الفقهاء بمصطلح الشّهرة وحجّيتها؛ لتأثير نتيجة البحث في بعض أقسامه على إضافة وسيلةٍ من وسائل إثبات الأحكام الشّرعية، أو مرجّحٍ لمرجّحات باب التّعارض، أو جابر للضعف السّنديّ.

وهو ما يتكفّل بحثنا هذا ببيانه إثباتاً أو نفياً.

ص: 213

ص: 214

المقدّمة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على خير خلقه محمَّد وآله الطيّبين الطّاهرين المعصومين، واللّعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدّين.

الشُّهرة في اللّغة: وضوح الأمر(1). أمّا في اصطلاح الأصوليين، فتضاف تارةً إلى الرواية، وأخرى إلى الفتوى، لذلك قسّمت إلى قسمين رئيسين(2):

الأوّل: الشهرة في الرواية، وهي عبارة عن شيوع نقل الخبر من عدّة رواة على وجه لا يبلغ حدّ التواتر، سواء اشتهر العمل به عند الفقهاء أم لم يشتهر.

والآخر: الشهرة في الفتوى، وهي عبارة عن شيوع الفتوى بحكم شرعيّ عند الفقهاء، وذلك بأن يكثر المفتون به على وجهٍ لا تبلغ معه حدّ الإجماع الموجب للقطع برأي المعصوم (علیه السلام).

وتُقسّم الأخيرة - أيضاً - إلى قسمين:

ص: 215


1- لسان العرب: 4/ 2351.
2- يُلاحظ أجود التقريرات: 3/ 173، 276، ودروس في علم الأصول، الحلقة الثالثة: 1/ 133، أصول الفقه: 3/ 167- 170.

1. الشهرة العمليّة الاستناديّة: وهي ما علم باستنادها إلى خبرٍ خاصٍّ موجودٍ بين أيدينا، وتسمّى شهرةً عمليةً استنادية؛ لاستناد الفقهاء القريب عصرهم من عصر الأئمّة (علیهم السلام) في فتواهم إلى رواية خاصّة.

2. الشهرة الفتوائيّة: وهي اعتبار عدمه، بأن لا يعلم أنّ مستندها أي شيء هو، فتكون شهرةً في الفتوى مجرّدةً، سواء كان هناك خبر على طبق الشهرة ولكن لم يستند إليه المشهور، أو لم يُعلم استنادهم إليه أو لم يكن هنالك خبر أصلاً، وسمّيت - في غير الصورة الأخيرة - بالشهرة الفتوائيّة(1) المطابقيّة، لمطابقة فتاواهم مع مضمون الرواية من دون استناد إلى روايةٍ معيّنة.

قال المحقّق النائيني (قدس سره): (إنّ الشهرة تارةً تكون في الرواية، وأخرى في العمل، وثالثة في الفتوى. أمّا الشهرة في الرواية، فهي عبارة عن اشتهارها بين أصحاب الأئمّة (علیهم السلام) من حيث الرواية، بأن يكون الراوي لها كثيراً. والشهرة العمليّة عبارة عن اشتهار الرواية من حيث العمل، بأن يكون العمل بها كثيراً، ويعلم ذلك من استناد المُفتين إليها في الفتوى، فبين الشهرتين عموم من وجه. وأمّا الشهرة الفتوائيّة فهي عبارة عن اشتهار الفتوى بين أرباب الفتاوى من قدماء الأصحاب، الذين يقرب عصرهم من عصر الأئمّة (علیهم السلام)،سواء عُلم استنادهم في تلك الفتوى إلى رواية فيها أم لا، فبينها وبين الشهرة العمليّة أيضاً عموم من وجه)(2).

إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّ الشهرة مطلقاً قد بُحث عنها على ثلاثة مستويات:

ص: 216


1- ولم يفرّق السيد الشهيد الصدر (قدس سره) بين الشهرتين العمليّة والفتوائيّة، بل جعلهما واحدة في مقابل الشهرة الروائية، تلاحظ الحلقة الثالثة: 1/ 133.
2- أجود التقريرات: 3 / 173و 276.

المستوى الأوَّل: صلاحيّتها لأنْ تكون حجّةً على الحكم الشَّرعيّ

اشارة

اعلم أنّ الأصوليين ذكروا نوعين من الوسائل لإثبات صدور الدليل الشرعيّ عن الشارع:

النّوع الأوَّل

وسائل الإثبات التعبّدي، وأهمّ ما يذكر فيه - عادةً - خبر الواحد، وهو كلّ خبر لا يفيد العلم. ولاشكّ في أنّه ليس حجّةً على الإطلاق وفي كلّ الحالات، وقد بحثوا في حجّيّة بعض أقسامه، كخبر الثقة(1) على مرحلتين:

الأولى: إثبات حجّيّته على نحو القضية المهملة.

الثّانية: تحديد دائرة هذه الحجّيّة وشروطها.

النّوع الثّاني

اشارة

وسائل الإثبات الوجداني، والمقصود بها كلّ وسيلة تورث اليقين بالدليل الشرعي كالتواتر والإجماع على كلام فيهما.

وقد بحثوا عن الشهرة الفتوائيّة(2) تارةً كوسيلة إثباتٍ وجدانيّة، وأخرى كوسيلة إثباتٍ تعبّديّة، وممّن بحثها بهذه الطريقة السيّد الشهيد الصدر (قدس سره). وغيره لم يفصّل البحث بهذه الطريقة، وإنّما بحث عن حجّيّتها مطلقاً.

والفارق بين الطريقتين يكمن في فرز أدلّة الحجّيّة إلى أدلّة وجدانيّة تنحصر في نظريّة حساب الاحتمالات التي يتبناها السيّد الشهيد الصدر (قدس سره)،والى أدلّة تعبّديّة يشترك في

ص: 217


1- إذ إنَّ الواحد قد لا يكون ثقةً، فلا يُبحث عن حجيّة خبره.
2- تخصيص البحث بالشهرة الفتوائيّة هو ما صنعه المحقّق النائيني والسيّد الخوئي والسيّد الشهيد الصدر (قدس سرهم)،وإنْ عمَّمهُ الأخير في الحلقة الثالثة ليشمل الشهرة الروائيّة.

إقامتها جميع القائلين بحجّيتها كما سيأتي بيانه.

ولكي نستوعب البحث من جميع جهاته سنوقع الكلام عن حجّيّة الشهرة كوسيلة وجدانيّة أوّلاً، ثمّ عنها كوسيلة تعبّديّة.

أمّا البحث عنها كوسيلة إثبات وجدانيّة فهو - كما مرّ - ممّا انفرد ببيانه السيّد الشهيد الصدر (قدس سره)،وإنْ كان في نهاية المطاف قد اختار عدم حجّيّتها غالباً كوسيلة وجدانيّة.

وحاصل ما أفاده (قدس سره) ببيان منّا: أنّه بعد الاتّفاق على أنّ الشهرة الروائيّة هي تعدّد الرواية بدرجةٍ لا تبلغ معها حدّ التواتر، وأنّ الشهرة في الفتوى هي انتشار الفتوى بدرجةٍ لا تبلغ حدّ الإجماع، فإذا حدّدنا التواتر تحديداً كيفيّاً(1) بالتعدّد في الرواية الواصل إلى درجةٍ موجبةٍ للعلم - ولو بمعنى يشمل الاطمئنان - فسوف لا تتجاوز الشهرة في الحديث - التي فُرض فيها أنّها تكون دون التواتر - درجة الظنّ. والخبر الظنّي ليس من وسائل الإحراز الوجداني للدليل الشرعي، بل يحتاج ثبوت حجّيته إلى التعبّد الشرعي كما سيأتي.

وإذا حدَّدنا الإجماع تحديداً كيفيّاً بتعدّد المُفتين إلى درجة موجبة للعلم - ولو بمعنى يشمل الاطمئنان - فسوف لا تتجاوز الشهرة في الفتوى - التي فُرض فيها أن تكون دون الإجماع - درجة الظنّ بالدليل الشرعي. وهو ليس كافياً للإحراز الوجداني للدليل الشرعي، ما لم يقم دليل على التعبّد بحجّيته.

وإذا حدّدنا الإجماع تحديداً كمّيّاً عدديّاً باتّفاق طائفة من الفقهاء، كان معنى الشهرة في الفتوى تطابق الجزء الأكبر من هذه الطائفة: إمّا مع عدم وجود فكرة عن آراء

ص: 218


1- إنّما اقتصر (قدس سره) على التحديد الكيفي للتواتر، بخلاف الإجماع الذي سيحدّده تحديداً كيفيّاً وكمّيّاً، لأنّ الأكثر لم يشترطوا عدداً معيّناَ في تحقّق التواتر.

الآخرين، أو مع الظنّ بموافقتهم أيضاً، أو مع العلم بخلافهم. والشهرة بهذا المعنى قد تدخل في الإجماع بالتحديد الكيفيّ المتقدّم، وتوجب إحراز الدليل الشرعي بحساب الاحتمال، وهو أمر يختلف من موردٍ إلى آخر. كما أنّ إحراز مخالفة البعض يعيق الكشف القطعي للشهرة بدرجة تختلف تبعاً لنوعيّة البعض وموقعه، ولخصوصيّات أخرى.

لذلك قال (قدس سره): (أمّا على مقتضى القاعدة، فحجّيّة الشهرة لا بُدَّ وأن تكون كحجّيّة الإجماع على أساس حساب الاحتمالات وتراكمها حتى يحصل اليقين أو الاطمئنان بالحكم على أساسها، إلّا أنّ جريان حساب الاحتمالات فيها أضعف من جريانه في باب الإجماع لسببين: قصور كمّيّة الأقوال والفتاوى؛ لأنّ المفروض عدم اتّفاق كلّ العلماء، ومعارضتها بفتاوى غير المشهور لو كانت مخالفةً، فتكون مزاحمةً مع حساب الاحتمالات في فتاوى المشهور، ولهذا يكون الغالب عدم انتاج حساب الاحتمالات في باب الشهرة، فلا تكون حجّةً غالباً)(1).

أمّا ثبوت حجّيّة الشهرة تعبّداً فإنّه يتوقّف على مقدّمةٍ، حاصلها: أنّ فتوى مجتهدٍ واحدٍ أو أكثر من القدماء مالم تبلغ حدّ الشهرة، هل تكون حجّةً على مجتهدٍ آخر أو لا؟

فإنْ أجيبَ بالنفي لم يكن مجالٌ للبحث عن حجّيّة الشهرة الفتوائيّة؛ لأنّه يكون من قبيل اجتماع الحجج، وهذا هو معنى ما اتّفقوا عليه من عدم جواز التقليد بالنسبة لمنْ يتمكّن من الاستنباط.

وإنْ أُجيب بالإيجاب اتَّجه البحث عن حجّيّة الشهرة الفتوائيّة.

فالقائل بالحُجّيّة يمكن أن يستدلَّ بثلاثة أمور:

ص: 219


1- بحوث في علم الأصول: 4/ 321.

الأوّل: إنّ بناء القدماء على الإفتاء بمضمون الروايات وعدم التعدّي عنها، وذكروا مجموعة من الشواهد على ذلك:

(منها) عملهم برسالة الشيخ علي ابن بابويه تنزيلاً لفتواه منزلة روايته.

(ومنها) اعتماد هذه الطريقة من قِبَل الشيخ الصدوق في المقنع.

(ومنها) ما ذكره الشيخ في مقدّمة المبسوط من أنَّ المسألة لو غُيِّر لفظها وعُبِّر عن معناها بغير اللفظ المعتاد لهم لعَجبوا منها وقصُر فهمهم عنها، وأنّه أوردَ جميع ذلك أو أكثره بالألفاظ المنقولة حتى لا يستوحشوا من ذلك(1).

الثّاني: إنّ النقل بالمعنى ممّا يمكن أن يُعوَّل عليه في الإفتاء، فهو غير مُضرٍّ حتى عند منْ لا يقول بالحجّيّة؛ إذ الفتوى غالباً لا تكون خاليةً من النقل بالمعنى، ولا فرق بين أن يكون الناقل بالمعنى من الرواة أو من الفقهاء، بل نقل الفقيه بالمعنى أدقّ من غيرِه؛ لأنّه يعرف مزايا الكلام، فما ينقله بالمعنى يكون أكثر تطابقاً مع ما صدر عن الإمام بخلاف غير الفقيه.

الثّالث: إنّه بعد إثبات أنّ فتواه خبر على نحو النقل بالمعنى - وهذا غير مضرٍّ - فمرجعُه إلى الخبر عن الإمام (علیه السلام) . وفي صورة الشكّ في تخلّل الاجتهاد وعدمه: يعني في صورة الشكّ في كونه حدسيّاً - بتخلّل الاجتهاد - أم حسّياً تجري أصالة الحسّ - كما يقال ذلك في توثيقات الرجاليين - فيكون حجّةً، أو يقال بما أنّهم أهل خبرة في صحيح الروايات وسقيمها فيكون رأيهم حجّةً.

وقد ناقش القائلون بعدم الحجّيّة في صحّة الأمور الثلاثة، فقال بعض أعاظم

ص: 220


1- المبسوط: 1/ 2.

العصر (دامة ظله العالی) (1):

((أمّا الأمر الأوّل فلم يؤيَّد بالشواهد، بل الظاهر أنّ قدماء الأصحاب كانوا يستنبطون ويفرّعون الفروع، وكانت أنظارهم مختلفة في الاستناد إلى حديث معيّن، وفي جميع الروايات المختلفة، وكانوا يمشون وفق الأصول، لكنّه لا على نحو الأصول المنظور في زماننا، وربّما كان فيهم من يقول بأوسع ممّا نقوله في دخالة الآراء للفتاوى، فقد ذكر في الفقيه بعد نقله لكلام الفضل بن شاذان مع جلالة قدره: (وهذا ممّا زلّت به قدمه عن الطريق المستقيمة، وهذا سبيل من يقيس).

وقال في التهذيب بعد نقل قول يونس ومَن تبعه، وفضل بن شاذان ومن تبعه: (وما ذكره أصحابنا من خلاف ذلك ليس به أثر عن الصادقين، ولا عليه دليل من ظاهر القرآن، بل إنّما قالوه لضربٍ من الاعتبار، وذلك عندنا مطروح بالإجماع).

ونُسب إلى ابن الجنيد وغيره العمل بالقياس، والشواهد التاريخية لا تؤيّد أنّ جميع علمائنا كانوا كذلك. نعم، جماعة منهم كانوا على هذا المنوال، فإنّه كان في عصر المفيد والطوسي مدارس ثلاثة: مدرسة المتطرّفين في العمل بالرأي حتّى القياس، ومنهم ابن الجنيد، ومدرسة الأخباريين والمحدّثين في قبال ابن الجنيد وأمثاله، ومدرسة معتدلة، وهذه المدرسة كانت تعارض ابن الجنيد، فإنّ للمفيد رسائل في ردّ القائلين بالقياس، وفي خصوص ابن الجنيد، كما أنّ لهم معارضة شديدة مع المحدّثين، فلا يمكن القول بأنّ الكلّ كانوا يفتون بنفس الروايات.

وأمّا الأمر الثّاني - وهو عدم الضير في النقل بالمعنى - فكما يقولون.

ص: 221


1- يلاحظ: مباحث الحجّج تقريراً لأبحاث سماحة السيّد علي الحسيني السيستاني (دامة ظله العالی) بقلم السيّد محمّد علي الرباني: 256- 258، طبعة أوّليّة محدودة التداول.

وأمّا الأمر الثّالث فعلى فرض قبولهم روايةً والاعتماد عليها، فإنّا إمّا أن نقول بحجّيّة خبر الثقة، فإنّ الروايات الصحيحة عندهم أعمّ من أن تكون رواتها ثقات أو غير ثقات، كما يظهر ذلك من المراجعة إلى الكافي وغيره.

وإمّا أن نقول بحجّيّة الخبر المطمأن به، وعلى ذلك: اطمئنانهم لا يوجب الاطمئنان لنا. وإن قيل إنّ قولهم حجّة من جهة أنّهم أهل الخبرة، فإنّا نرى أنّهم مختلفون فيما بينهم، فإنّ الشيخ المفيد والسيّد المرتضى لا يرون عدّةً منهم أهلاً لذلك.

وقد تأمّل بعضٌ في توثيقات الشيخ المفيد، فإنّه أوّل من قال بالتوثيق في أربعة آلاف من أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وقد ذكر الوحيد البهبهاني والشيخ محمّد ابن صاحب المعالم وجه التأمّل في توثيقاته)).

وبعد اتّضاح هذه المقدّمة، وبطلان هذه الأمور الثلاثة في الجملة، والاتّفاق على أنّ فتوى مجتهدٍ واحدٍ أو أكثر من القدماء ما لم تبلغ حدّ الشهرة لا تكون حجّةً على مجتهدٍ آخر، فقد قيل: إنّ الشهرة الفتوائيّة حجّة على الحكم الذي وقعت عليه الفتوى من جهة كونها شهرةً، فتكون من الظنون الخاصّة كخبر الواحد.

وهو ما يمكن أن يلاحظ في استدلالات الشهيد الأوّل (قدس سره) في الذكرى، وكذلك صاحب الرياض، والمحقّق الخوانساري، وصاحب المعالم (قدس سرهم).

وقيل: لا دليل على حجّيّة الظنّ الناشئ من الشهرة مهما بلغ من القوّة.

وقد استدلّ القائلون بحجّيّتها بأمور ٍ - وصَفَها المحقق النائيني (قدس سره) بأنّها ضعيفة(1) -:

الأمر الأوّل

وهو ما عُنون بعنوان أولويّة الشهرة من خبر العادل، بمعنى أنّ الظنّ

ص: 222


1- أجود التقريرات: 3/ 174.

الحاصل من الشهرة لكونه أقوى من الظنّ الحاصل من خبر الواحد يكون أولى بالحجّيّة منه، فإذا ثبتت حجّيّة خبر الواحد ثبتت حجّيّة الشهرة الفتوائيّة بالأولويّة.

وبعبارة أخرى: إنّ حجّية الشهرة مستفادة من نفس دليل حجّية خبر الواحد بعد افتراض أنّ حجّيّته تثبت من باب الطريقيّة لا الموضوعيّة، وبعد افتراض أنّ الشهرة قد تفيد الظنّ والطريقيّة بنحو أكمل أو مساوٍ لما يفيده الخبر، خصوصاً إذا كان مع الواسطة.

وقد نسب الشيخ الأعظم (قدس سره) هذا الاستدلال إلى بعضٍ في بعض رسائلِه واصفاً إيّاه بالخيال الضعيف، وأنَّ نظيرهُ قد وقعَ من الشهيد الثاني في المسالك(1).

وقد أجيب عنه بوجوه:

الأوّل: ما عن المحقّق النائيني (قدس سره) من (أنّ مناط حجّيّة الخبر لوكان إفادته الظنّ، فللقول بحجّيّة الشهرة بنحو الموجبة الجزئيّة مجال واسع. وأمّا إذا كانت حجّيّته للأدلّة الخاصّة الدالة عليها، فلا وجه للتعدّي عن موردها إلى موردٍ آخر لم يُعلم فيه تحقّق مناطها)(2).

الثّاني: ما ذكرهُ السيّد الخوئي (قدس سره) من أنّ من المحتمَل أن يكون ملاك حجّيّة الخبر لا لمجرّد إفادته الظنّ ليُتعدّى منه إلى الشهرة بدعوى إفادتها ذلك أيضاً، بل من أجل أنّ الخبر غالب المطابقة للواقع، فإنَّ غالب الإخبارات تكون من حسٍّ، وهي في الغالب مطابقة للواقع، واحتمال تعمُّد الكذب مرفوع بوثاقة الراوي، كما أنّ احتمال غفلتهِ في الأمور الحسّيّة يدفعهُ البناء العقلائي، وهذا لا يُحرز في الشهرة(3).

ص: 223


1- فرائد الأصول: 1/ 232.
2- أجود التقريرات: 3/ 176.
3- مصابيح الأصول: 2/ 356، بتصرّف.

وقد وصف السيّد الشهيد الصدر (قدس سره) في بحوثه كلام أستاذِه بأنّه (غير صحيح، إذ لو فرض أنّ الشهرة تفيد الظنّ، وأنّه ظنّ نوعي عقلائي لا شخصي، وأنّه يساوي في درجة كشفه لدرجة كشف الخبر، فلا محالة يكون درجة مطابقة مجموع الشهرات للواقع بمقدارها في مجموع الأخبار، وهذا مضافاً إلى أنّه وجداني واضح مبرهن عليه في منطق الاستقراء وحساب الاحتمالات، فالتفكيك بين درجة الكشف النوعي وغلبة المطابقة للواقع غير فنّي. نعم، يمكن دعوى أنّ الشارع بعلمه الغيبي ربّما أحرز - صدفةً - أنّ مجموع أخبار الآحاد أكثر مطابقةً للواقع من مجموع الشهرات)(1).

الثّالث: وهو عبارة عن مجموعة أجوبة للسيّد الشهيد الصدر (قدس سره) بعد مناقشته لجواب السيّد الخوئي (قدس سره) حيث قال: (وأيّاً ما كان، فالجواب عن هذا الوجه إمّا أن يكون على أساس ما ذكرناه من إحراز الشارع بعلمه الغيبي أغلبيّة مطابقة الخبر للواقع من الشهرة، وهذا إنّما يتّجه إذا كانت حجّيّة الخبر تأسيسيّة شرعيّة، لا إمضائيّة عقلائيّة.

أو إنكار إفادة الشهرة الحدسيّة للظنّ بمقدار خبر الثقة الحسّي، أو أنّ التزاحم الحفظي الذي هو ملاك جعل الحجّيّة والحكم الظاهري يكفي فيه في نظر الشارع والعقلاء جعل الحجّيّة بمقدار خبر الثقة. وأمّا في غيره من الدوائر فيرجع إلى القواعد والأصول الأخرى، فالملاكات المتزاحمة يستوفى الأهم منها بمقدار الحجّيّة للخبر بلا حاجة إلى جعلها للشهرة أيضاً، وهذا هو حلّ هذه المغالطة الكلّيّة، وهي دعوى استفادة حجّيّة شيءٍ من دليل حجّيّة مماثلِه)(2).

ص: 224


1- بحوث في علم الأصول: 4/ 324.
2- المصدر السابق نفسه.
الأمر الثّاني

إنّ المستفاد من عموم التعليل في آية النبأ(1) أنّ كلّ ما يُؤمَن معه من الإصابة بجهالةٍ فهو حجّة يجب الأخذ به(2). والشهرة كذلك، فقد قال المحقّق النائيني (قدس سره) في معرض حكايته لهذا الاستدلال: (إنّ المستفاد من عموم العلّة في آية النبأ هو أنّ كلّ ما لم يكن فيه إصابة القوم بجهالةٍ فلا بدّ من الأخذ به، فكما أنّ الشهرة الفتوائيّة توجب خروج العمل بالرواية الضعيفة عن إصابة القوم بجهالةٍ، فكذلك يكون العمل على طبق نفس الشهرة خارجاً عنها أيضاً)(3).

وأجيب عنه: بأنّه على فرض التسليم بأنّ قوله تعالى ﴿أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ﴾ واردٌ مورد التعليل، فهو ليس تمسّكاً بعموم التعليل، بل هو تمسّك بنقيض عموم التعليل، ولا دلالة في الآية على نقيض عموم التعليل بالضرورة؛ لأنّ هذه الآية نظير قول الطبيب (لا تأكل الرمان لأنّه حامض) مثلاً، فإنّ هذا التعليل لا يدلّ على أنّ كل ما هو ليس بحامض يجوز أو يجب أكله. وكذلك الحال ههنا؛ فإنّ حرمة العمل بنبأ الفاسق بدون تبيّن - لأنّه يستلزم الإصابة بجهالةٍ - لا تدلّ على وجوب الأخذ بكلِّ ما يُؤمَن فيه ذلك.

إنْ قلت: كيف إذن تمسّكوا بعموم التعليل المذكور في إبطال الاستدلال بمفهوم الشرط في آية النبأ على حجّية خبر الواحد بحجّة أنّه يقتضي إسراء الحكم المُعلَّل إلى سائر موارد عدم العلم؟

ص: 225


1- قوله تعالى: [أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ] سورة الحجرات: 6.
2- لذلك استدلَّ بنفس الدليل على حجّية خبر الثقة، كونه ممّا يؤمَن معه من إصابة القوم بجهالة، وكذلك استدلَّ به على جابريّة الشهرة الفتوائيّة للضعف السندي، كما سيأتي بيانه في محلّه في البحث الثّالث من هذه الرسالة.
3- أجود التقريرات: 3/ 175.

قلنا: إنّ هذا يتمُّ بناءً على تفسير الجهالة في الآية الكريمة بعدم العلم، لكننا لا نلتزم بهذا التفسير، وإنّما نلتزم بتفسير صاحب الكفاية (قدس سره) من أنّ الجهالة المذكورة في التعليل ليست بمعنى عدم العلم، بل بمعنى السفاهة والتصرّف غير المتّزن، فلا يشمل خبر العادل الثقة؛ لأنّه ليس سفاهةً ولا تصرّفاً غير متّزنٍ لا ينبغي صدورهُ من العاقل(1).

فالحاصل: أنّ غاية ما تدلّ عليه الآية الكريمة في تعليلها أنّ الإصابة بجهالةٍ مانع

ص: 226


1- كفاية الأصول: 297، بتصرف. وهناك جوابان آخران عن هذا الاعتراض: أحدهما: إنّ المفهوم مخصّص لعموم التعليل؛ لأنّه يثبت الحجّية لخبر العادل غير العلمي، والتعليل يقتضي عدم حجّية كلّ ما لا يكون علمياً، فالمفهوم أخصّ منه. ثانيهما: إنّ المفهوم حاكم على عموم التعليل - على ما ذكره المحقّق النائيني (قدس سره) -؛ وذلك لأنّ مفاده حجّية خبر العادل، وحجّيته معناها - على مسلك جعل الطريقية - اعتباره علماً، والتعليل موضوعه الجهل وعدم العلم، فباعتبار خبر العادل علماً يخرج عن موضوع التعليل، وهو معنى كون المفهوم حاكماً. ويرد على الأوّل: أنّ هذا إنّما يتمُّ إذا انعقد للكلام ظهور في المفهوم ثمّ عارض عموماً من العمومات فإنّه يُخصِّصه، وأمّا في المقام فلا ينعقد للكلام ظهور في المفهوم؛ لأنّه متّصل بالتعليل، وهو صالح للقرينيّة على عدم انحصار الجزاء بالشرط، ومعه لا ينعقد الظهور في المفهوم لكي يكون مخصِّصاً. ويرد على الثاني: أوَّلاً: إنّه مصادرة على المطلوب؛ إذ إنّ كون مفاد المفهوم هو حجّية خبر العادل الذي رُتّب عليه أنّ معناه اعتباره علماً، وهو عين المدَّعى، كما لا يخفى. ثانياً: إنّه إذا كان مفاد المفهوم اعتبار خبر العادل علماً، فمفاد المنطوق هو نفي هذا الاعتبار، وعليه فالتعليل يكون ناظراً إلى توسعة دائرة هذا النفي وتعميمه إلى كلّ ما لا يكون علمياً، فكأنّ التعليل يقول: إنّ كل ما لا يكون علماً وجداناً لا أعتبره علماً، وبهذا يكون مفاد التعليل ومفاد المفهوم في رتبة واحدة، أحدهما يثبت اعتبار خبر العادل علماً، والآخر ينفي هذا الاعتبار، ولا موجب لحكومة أحدهما على الآخر.

عن تأثير المقتضي لحجّيّة الخبر، ولا تدلّ على وجود المقتضي للحجّيّة في كلّ شيءٍ آخر حيث لا يوجد فيه المانع حتّى تكون دالةً على حجّيّة مثل الشهرة المفقود فيها المانع.

وبعبارة أخرى: إنّ فقدان المانع عن الحجّيّة في مثل الشهرة لا يستلزم وجود المقتضي فيها للحجّيّة، ولا تدلّ الآية على أنّ كلّ ما ليس فيه مانع فالمقتضي فيه موجود.

ولهذا وصف المحقّق النائيني (قدس سره) هذا الاستدلال بكونه ضعيفاً، وأجاب عنه بأنّ (معنى العمل بعموم العلّة هي تسرية الحكم المذكور إلى كلّ مورد تكون فيه العلّة، كما يستفاد من قضية (لا تشرب الخمر فإنّه مسكر) حرمة كلّ مسكر، لا إثبات نقيض الحكم المذكور فيما لا تتحقّق فيه العلّة، بأن تكون القضية المذكورة دالّة على حلّيّة كلّ ما لم يكن مسكراً. وعليه فالمستفاد من قوله تعالى هو: أنّ كلّ عمل يكون فيه إصابة قومٍ بجهالة فهو مرغوب عنه، لا أنّ كلّ ما لا يكون في العمل على طبقه إصابة القوم بجهالة يكونُ العمل على طبقه واجباً)(1).

الأمر الثّالث
اشارة

دلالة بعض الأخبار، وهما روايتان:

الرواية الأولى

مقبولة عمر بن حنظلة التي جاء فيها: (قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دَينٍ أو ميراث، فتحاكما - إلى أن قال: - فإن كان كل واحد اختار رجلاً من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما، واختلف فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم؟ فقال: الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما، ولا يُلتفت إلى ما يحكم به الآخر. قال: فقلت: فإنّهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على صاحبه؟ قال:

ص: 227


1- أجود التقريرات: 3/ 175.

فقال: يُنظر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه - إلى أن قال: - فإن كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟ قال: يُنظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسُنّة وخالف العامة فيؤخذ به، ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسُنّة ووافق العامة. قلت: جعلت فداك، إن رأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسُنّة ووجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامّة والآخر مخالفاً لهم، بأيّ الخبرين يؤخذ؟ فقال: ما خالف العامّة ففيه الرشاد. فقلت: جعلت فداك فإن وافقهما الخبران جميعاً؟ قال: ينظر إلى ما هم إليه أميل - حكامهم وقضاتهم - فيترك ويؤخذ بالآخر. قلت: فإن وافق حكامهم الخبرين جميعاً؟ قال: إذا كان ذلك فأرجئه حتّى تلقى إمامك؛ فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات)(1).

والاستدلال بها موقوف على تماميّة مقدّمتين:

الأولى: أن يراد بالإجماع الإجماع النسبي المساوق للشهرة إلحاقاً للمخالف النادر بالعدم، والقرينة التي قد تدّعى على ذلك أنّه قد فُرض في الرواية وجود الشاذ النادر في قبال المشهور عند الأصحاب، فيكون قرينةً على أنّ المراد بالمجمع عليه في الذيل (فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه) هو المشهور أيضاً.

الثّانية: أنْ يكون قوله (علیه السلام) : (فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه ) مسوقاً مساق التعليل، وهو يقتضي التعميم وحمل الكلام على أنّ كلّ مشهور لا ريب فيه، فتثبت حجّيّة الشهرة.

إلّا أنّ السيّد الشهيد الصدر (قدس سره) وصف كلتا المقدّمتين بأنّهما باطلتان:

ص: 228


1- وسائل الشيعة: 18/ 75 - 76 باب 9 من أبواب صفات القاضي، حديث 1.

أمّا الأولى؛ فلأنّ المراد من الشهرة في إطلاق الرواية المعنى اللّغوي الصالح للانطباق على الإجماع أيضاً.

ودعوى وجود القرينة الدالة على إرادة الشهرة الفتوائيّة مردودةٌ بأنّ النظر فيها إلى الشهرة الروائيّة لا الفتوائيّة. وفي باب الرواية يعقل الاتّفاق والإجماع على نقل روايةٍ مع وجود روايةٍ شاذّة ينفرد بنقلها بعض أولئك لا كلّهم. وليست الرواية كالفتوى ليكون وجود النقل الشاذّ منافياً مع الاتّفاق على نقل الرواية المشهورة، ومعه لا موجب لحمْل قوله (علیه السلام) : (فإنّ المجمع عليه لاريب فيه) على الشهرة الاصطلاحيّة أصلاً.

وأمّا الثّانية؛ فلأنّ نفي الريب يحتمل أن يراد منه أحد تفسيرات أربعة:

1- أن يُراد نفي الريب الحقيقي بمعنى الشكّ حقيقةً، ويكون المعنى أنّ الرواية المجمع عليها في النقل لا شكّ في صدورها وصحّتها إطلاقاً، وهذا هو ظاهر الكلام.

وهذا إنّما يكون مخصوصاً بالشهرة الروائيّة بالمعنى الذي ذكرناه، ولا يتمّ في الشهرة الفتوائيّة؛ لوضوح عدم انتفاء الريب الوجداني فيها.

(ودعوى) أنّ المقبولة إنّما رجّحت بالشهرة بعد الصفات، فلو أُريد من الشهرة فيها الاستفاضة في النقل والشهرة الروائيّة بمرتبة حصول اليقين لم يصحّ ذلك؛ لأنّ المعارض كان ساقطاً حينئذٍ في نفسه وكان من تعارض الحجّة مع اللاحجّة، (مدفوعةٌ) بأنّ الترجيح بالصفات ترجيح للحاكم لا الرواية، على ما ذُكر مفصّلاً في بحث التعارض.

2- أن يراد نفي الريب العقلائي عن المشهور، بمعنى أنّ اتّباعه هو الطريقة العقلائيّة لا اتّباع الشاذّ، وبهذا تكون الرواية بصدد إمضاء حجّيّةٍ عقلائيّةٍ للشهرة.

وهذا الاحتمال - مضافاً إلى أنّه خلاف الظاهر؛ لِما تقدّم من ظهور الريب في الشكّ

ص: 229

الوجداني لا ما يقابل الحجّة العقلائيّة - لا يفيد في إثبات حجّيّة الشهرة الفتوائيّة كما هو المطلوب؛ لأنّ التعليل إذا كان مسوقاً لإمضاء قضيّةٍ عقلائيّة تنحصر بحدودها، ومن الواضح أنّ العقلاء لا يتبعون الشهرة الفتوائيّة في الأمور الاجتهادية الحدسيّة، كما هو واضح.

3- أن يراد نفي الريب الشرعي بمعنى نفي الحجّيّة الشرعيّة، وحينئذٍ قد يقال بإمكان استفادة التعميم من التعليل؛ إذ يمكن للشارع أن يجعل الحجّيّة ونفي الريب عن كلّ مشهور، وإن كان هذا أيضاً قابلاً للخدشة؛ لأنّ اللّام يحتمل أن تكون للعهد ولا نافي له إلّا ظهور التعليل، وهو إنّما ينفيه إذا كان التعليل بأمرٍ عرفيّ ارتكازيّ، لا تعبّديّ وغيبيّ.

وفيه: أوّلاً: إنّه خلاف الظاهر من ناحية أنّه مبتنٍ على حمل الريب على ما يقابل الحجّة الشرعيّة والريب التعبّديّ، أو جعل الجملة إنشائيّةً لا خبريّة. وكلاهما خلاف الظاهر.

وثانياً: إنّ ظاهر التعليل أنّه تعليل بأمر تكوينيّ ارتكازيّ لا غيبيّ تعبّديّ.

4- أن يراد نفي الريب الإضافي، ومن ناحية الشهرة فإنّ كلَّ ما في المشهور من احتمالات البطلان موجود في غير المشهور، ولكن في غير المشهور احتمال البطلان من ناحية قلّة العدد والشذوذ، وهو غير موجود في المشهور، فالمراد نفي هذا الريب الحيثي.

وفيه: أوّلاً: إنّه خلاف الظاهر؛ لما تقدّم من ظهوره في نفي الريب المطلق لا الحيثي.

وثانياً: إنّه لا يفي بالمقصود؛ لأنّ مفادها حينئذٍ الترجيح بالمزيّة، فلو استُفيد التعميم فغايته التعميم في الترجيح بكلّ مزيّةٍ موجودةٍ في أحد الخبرين مفقودةٍ في الآخر

ص: 230

بعد الفراغ من أصل الحجّية، لا إثبات حجّية تأسيسيّة بعنوان عدم الريب النسبي، فيكون خبر الكاذب - مثلاً - حجّةً، لأنّه لا ريب نسبي فيه بلحاظ خبر الكذّاب، وهذا واضح الفساد(1).

الرّواية الثّانية

مرفوعة زرارة، حيث قال: (جعلت فداك، يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان، فبأيّهما نعمل؟ قال (علیه السلام) : خُذْ بما اشتهر بين أصحابك، ودع الشاذّ النادر. قلت: يا سيديّ، هما معاً مشهوران مأثوران عنكم؟ قال: خذ بما يقوله أعدلهما...)(2) إلى آخر الخبر.

ووجه الاستدلال بها بطريقين:

الطّريق الأوَّل: أنّ قول الإمام (علیه السلام) : (خذ بما اشتهر بين أصحابك واترك الشاذّ والنادر) يعمّ الشهرة الروائية والفتوائية، وموردها وإن كان خصوص الروائيّة دون الفتوئيّة إلّا أنّ المورد لا يكون مخصّصاً لعموم العام؛ فإنّ العبرة بعموم الجواب لا بخصوص السؤال(3) ).

أي أنّ المراد من الموصول في قوله (بما اشتهر) مطلق المشهور بما هو مشهور، لا خصوص الخبر، فيعمّ المشهور بالفتوى؛ لأنّ الموصول من الأسماء المبهمة الّتي تحتاج إلى ما يعيّن مدلولها، والمعيّن لمدلول الموصول هو الصلة، وهنا هي قوله (اشتهر) التي تشمل كلّ شيء قد اشتهر حتّى الفتوى.

ص: 231


1- بحوث في علم الأصول: 4/ 322 - 324، بتصرف.
2- عوالي اللآلئ: 4/ 133، ومستدرك الوسائل: 17/ 303 الباب التاسع من أبواب صفات القاضي: الحديث/2.
3- أجود التقريرات: 3/ 174.

وقد أجاب المحقّق النائيني (قدس سره) عن هذا الطريق بجوابين(1):

الأوَّل: إنَّا نُسلِّم أنَّ المورد ليس مخصّصاً لعموم العام، إلّا أنّه فرع وجود العموم في الكلام، والمقام ليس كذلك، فإنّ لفظة (ما) من الأسماء المبهمة، فكما أنّ الصلة المذكورة في الكلام معرّفة لها، فكذلك لفظ (الخبر) المذكور في السؤال معرّف لها، فلا تكون لفظة (ما) إلّا كناية عن الخبر، لا عن كلّ شيء، فيكون مفاد قوله (علیه السلام) : في مورد المعارضة لا بدّ من الأخذ بالخبر المشهور وترك الشاذّ النادر، ليس إلّا، والقرينة على ذلك هو السؤال.

الثّاني: إنّ الظاهر من لفظ (الشهرة) المذكور في الرواية ليس هو المعنى المصطلح بين الفقهاء، وإلّا لما أمكن فرض الشهرة في كلّ من الروايتين، بل المراد منه المعنى اللّغوي، وهو ما يكون ظاهراً وبيّناً، فيكون معنى الرواية أنّه يجب الأخذ بالرواية التي رواها الكلّ، وهي ظاهرة بين الأصحاب، وترك الشاذّ النادر الذي اختصّ بنقله أشخاص معدودون.

وقد فرَّعَ (قدس سره) على هذا الوجه جواباً عن التعليل المذكور في المقبولة ب- (أنّ المُجمَع عليه لا ريب فيه).

وحاصل هذا الجواب: أنّ جعْل الشاذ الذي ليس بمشهور مقابلاً للمُجمَع عليه قرينة على أنّ المراد بالمُجمَع عليه ليس هو المشهور المصطلح عليه بين الفقهاء حتّى يدلّ على وجوب الأخذ بكلِّ مشهور، بل المراد منه ما اتّفق الكلّ على روايته. وأنَ المراد من المشهور معناه اللّغوي، ولذا جعلهُ الإمام (علیه السلام) من قبيل ما هو بيّن رشده، وجعل مقابله من المُشكِل الذي يُرَدُّ عِلمُه إليهم (علیهم السلام).

ص: 232


1- المصدر نفسه، بتصرُّف.

فالروايتان أجنبيّتان عن الشهرة الفتوائيّة بالمعنى المصطلح بالكليّة(1).

الطّريق الثّاني: أنّه على تقدير أن يراد من الموصول في قوله (علیه السلام) (بما اشتهر) الخبر، فإنّ المفهوم من المرفوعة إناطة الحكم بالشهرة، فتدلّ على وجوب اعتبار الشهرة بما هي شهرة، فيدور الحكم معها حيثما دارت، فتكون الفتوى المشتهرة أيضاً معتبرة كالخبر المشهور.

وهو ما استقرَّ عليه رأي السيّد الشهيد الصدر (قدس سره) في بحث التعارض على أساس قرائن، من جملتها تقديم الترجيح بالشهرة في المرفوعة على الترجيح بصفات الراوي، حيث يفرض السائل بعد هذه الفقرة أنّهما معاً مشهوران، وهذا لا يتناسب مع كون المراد بالشهرة الروائيّة، لأنّها توجب الوثوق بالصدور عادةً، ومعه لا مجال للترجيح بالصفات التي هي مرجّحات سنديّة، فيتعيّن أن يكون المراد الشهرة في الفتوى والعمل.

إلّا أنّه (قدس سره) وصف هذا الوجه بأنّه غير تامٍّ أيضاً لسببين:

(أوّلاً: ضعف سند المرفوعة، بل هي من أضعف الروايات.

ثانياً: ضعف الدلالة، حيث إنّها ظاهرة في الأخذ بالحديث المشتهر بين الأصحاب شهرة فتوائيّة، فإنّ (ما) الموصولة لا مرجع لها إلّا ذلك؛ لأنّه المذكور في كلام الراوي لا الفتوى، ولو أغمضنا عن ذلك وافترضنا إرادة الفتوى المشهورة كالرواية فسياقها سياق الترجيح في مقام التعارض لإحدى الحجّتين على الأخرى، لا تأسيس حجّة جديدة)(2).

ص: 233


1- أجود التقريرات: 3/ 174- 175، بتصرف.
2- بحوث في علم الأصول: 4/ 324.

فالحاصل ممّا تقدَّم: عدم إمكانيّة الالتزام بحجّيّة الشهرة كوسيلة من الوسائل التعبّديّة لإثبات الأحكام الشرعية.

ص: 234

المستوى الثّاني: في كون الشّهرة مرجّحاً لأحد الخبرين المتعارضين

اشارة

التعارض: هو التنافي إمّا بالذات أو بالعرض على وجهٍ يستلزم التناقض أو التضاد لو أُريد الجمع، وذلك لأنّ الدليلين إمّا متنافيان بحسب الدلالة أو غير متنافيين.

وعلى الأوّل، إمّا أن تكون المنافاة بالذات أو بالعرض.

أمّا المنافاة بالذات فمعناها كون مدلول أحدهما منافياً لمدلول الآخر بحسب الدلالة المطابقيّة - حسبما يُفهم ذلك من العرف - تنافياً إمّا على نحو التناقض أو التضاد، كما لو فرض أنّ أحد الدليلين دلَّ على حرمة شيءٍ ودلَّ الآخر على عدم حرمته، أو دلّ أحدهما على وجوب شيء والآخر على حرمته، فإنّ العرف لو نظر إلى مدلول كلٍّ منهما لفهم أنّ كلّا ً منهما ينفي ما يُفهم من مقتضى الدليل صراحةً.

وأمّا المنافاة بالعرض فمعناها استناد عدم إمكان الجمع إلى أمر خارج عن مقتضى الدلالة، وذلك الأمر الخارج إمّا إجماع أو ضرورة أو خبر، فمثلاً لو دَلَّ دليل على وجوب صلاة الظهر في يوم الجمعة، ودلّ آخر على وجوب صلاة الجمعة، فإنّ العرف لا يرى منافاة بين الدليلين؛ لأنّه يجوز أن تكون هناك صلاتان في نهار واحد، ولكن بالنظر إلى نهوض الأدلّة على أنّه لا تجب على المكلّف صلاتان، إمّا للإجماع أو للضرورة، فحينئذ يكون علمنا بذلك الأمر الخارج عن ذات الدليلين موجباً للحكم بوجود منافاة بين مدلولي الدليلين، فيكون مدلول أحدهما مستلزماً لنفي مدلول الآخر بالدلالة الالتزاميّة التي منشؤها وسببها هو قيام الإجماع أو الضرورة ونحوهما من الخارج.

ص: 235

فتحصّل من ذلك: أنّ التعارض هو استلزام التنافي إمّا تنافياً ذاتيّاً مستفاداً من صريح اللفظ، وإمّا تنافياً عرضيّاً لأجل أمرٍ خارج عن دلالة الدليل على وجهٍ تستلزم إرادة الجمع بينهما إمّا التضادّ أو التناقض، وكلاهما مستحيل.

واعلم أنّهم بعد اتّفاقهم على أنّ التعارض (هو التنافي إمّا بالذات أو بالعرض على وجهٍ يستلزم التناقض أو التضاد) اختلفوا في أنّ متعلّق التنافي هل هو مدلول الدليلين، أم نفس الدليلين بحسب الدلالة ومقام الإثبات؟

فقد وصف الشيخ الأعظم (قدس سره) الأوّل بأنّه الغالب في الاصطلاح(1)، واختاره المحقّق النائيني((قدس سره) (2). وذهب صاحب الكفاية إلى الثاني(3).

والسبب في هذا الاختلاف هو اعتقاد كلٍّ منهما بضرورة إخراج موارد الجمع العرفي - كالتزاحم، والتخصيص، والحكومة، والتخصّص، والورود - عن التعريف.

فصاحب الكفاية (قدس سره) يعتقد أنَّ تعريف المشهور قاصر عن ذلك؛ إذ إنّ التنافي بين المدلولين ثابت في موارد الجمع العرفي أيضاً فيشمله تعريفهم، بينما يسلم تعريفه من ذلك؛ لعدم التنافي بحسب الدلالة مع إمكان الجمع العرفي بين الدليلين، وهو ما دعاه للعدول عن تعريف المشهور.

في حين يعتقد المحقّق النائيني (قدس سره) بعدم شمول تعريف المشهور لموارد الجمع العرفي؛ وذلك لعدم التنافي بين المدلولين في الموارد المذكورة(4).

ص: 236


1- فرائد الأصول: 4/11.
2- فوائد الأصول: 4/ 700.
3- كفاية الأصول: 439.
4- يلاحظ: فوائد الأصول: 4/ 700 وما بعدها.

وبهذا يتّضح لك اتّفاق الجميع على عدم تحقّق التعارض في موارد التزاحم(1)، أو التخصّص(2)، أو الحكومة، أو الورود(3).

ص: 237


1- إذ إنّ الدليلين إنّما يكونان متعارضين إذا تكاذبا في مقام الجعل والتشريع، ويكونان متزاحمين إذا امتنع الجمع بينهما في مقام الامتثال مع عدم التكاذب في مقام التشريع.
2- قال السيّد الخوئي (قدس سره) في المصابيح: ( 4/380 ): (لأنّ التخصّص عبارة عن الخروج الموضوعي وجداناً وسببه أمرٌ وجداني، مثل ما لو قال: (أكرم العلماء) فالجاهل بلا ريب خارج عن الموضوع خروجاً وجدانيّاً غير مشوب بالتعبّد، فليس بين الأمرين تنافٍ حتى يقع البحث عنه).
3- للحكومة معنيان رئيسان: الأوّل: أن يكون أحد الدليلين ناظراً للدليل الآخر وشارحاً له على نحو المفسّرية ب- (أي) التفسيرية أو ما شاكلها، على نحو لولا دليل المحكوم لما كان للدليل الحاكم أثرٌ مهم، كما لو قال الفقيه: (لا يعيد المكلّف إذا شكّ في صلاته)، ثمّ يأتي دليل آخر يقول: (المقصود منها الشكّ بين الثلاث والأربع) فلا منافاة بين الدليلين حينئذ. الثّاني: أن يكون أحد الدليلين رافعاً للدليل الآخر رفعاً تعبّديّاً بسببٍ من الشارع، بمعنى أنّ الرفع وسببه إنّما كان من الشارع المقدّس، أي بتعبّده. وكون أحد الدليلين رافعاً للآخر يكون (تارة) بالتصرف في عقد الوضع: إمّا بتضييق دائرة الموضوع، كما لو قال المولى: (أكرم العلماء) وقال: (الفاسق ليس بعالم)، فمفاد الثاني إخراج الفاسق عن صفة العلم بتنزيل الفسق منزلة الجهل، وهذا تصرّفٌ في عقد الوضع فلا يبقى عموم لفظ العلماء شاملاً للفاسق بحسب هذا الادّعاء والتنزيل. ومثاله في الشرعيات قوله (علیه السلام) : (لا شكّ لكثير الشكّ) وقوله (علیه السلام) : (لا ربا بين الوالد وولده) وقوله (علیه السلام) : (لا سهو على الإمام إذا حفظ منْ خلفه) التي تنزّل الشكّ والربا والسهو في هذه الموارد منزلة العدم. وبهذا يتّضح أنّ نتيجة الحكومة ههنا عين نتيجة التخصيص، إلّا أنّ الأخير لا يخرج الخاصّ عن الموضوع تنزيلاً على وجه لا يبقى معه ظهور ذاتي للعموم في الشمول، وإنّما يحافظ على بقاء صفة العالم للفاسق، ويخرجه عن وجوب الإكرام إخراجاً حقيقياً مع بقاء الظهور الذاتي للعالم في شموله للفاسق. وإمّا بتوسعة دائرة الموضوع، مثل ما لو قال عقيب الأمر بإكرام العلماء: (المتّقي عالم) فإنّ هذا يكون حاكماً على الأوّل وليس فيه إخراج، بل هو تصرّف في عقد الوضع بتوسعة معنى العالم ادّعاءً إلى ما يشمل المتّقي تنزيلاً للتقوى منزلة العلم. ومثاله في الشرعيات قوله (علیه السلام) (الطواف بالبيت صلاة) الذي يُثبت للطواف الأحكام المناسبة التي تخصّ الصلاة من الطهارة ونحوها. (وأُخرى) في عقد الحمل، مثل أدلّة لا ضرر ولا حرج، كقوله تعالى: [وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ] فإنّ هذه الأدلّة التي تفيد رفع الحكم في صورة ثبوت الحرج والضرر إنّما تكون ناظرة إلى تلك الأدلّة المطلقة الثابتة للأحكام بعناوينها الأوّلية. فالنتيجة أنّ الدليل الحاكم ليس بينه وبين الدليل المحكوم تنافٍ، كما لا يخفى. أمّا الورود فهو عبارة عن أن يكون الدليل الوارد رافعاً للدليل المورود على أن يكون الخروج وجدانياً، ولكنّه بسبب التعبّد الشرعي، أي أنّ مستند الخروج أمر تعبدي إلّا أنّ نفس الخروج أمر وجداني. فالورود من حيث نفس الخروج عين معنى التخصّص، فلو قال المولى: (أكرم العالم) كان الجاهل خارجاً تخصّصاً بالوجدان، ومن حيث مستند الخروج يفترق عن التخصّص باحتياجه إلى دليل شرعي يتعبّد به في الخروج. ومن هنا تعرف أنّ الرفع في كلّ من الورود والتخصّص واحد وهو أمر وجداني، وسببه في التخصّص وجداني أيضاً، ولكن في الورود تعبّدي. ومثاله خبر الواحد، فإنّه لا يثبت كونه مفيداً للعلم إلّا بتعبّدٍ من الشارع، حيث لم يكن فيه جهة كاشفيّة عن الواقع، بل كاشفيته ناقصة لا يمكن العمل على مقتضاها. أمّا عدم كونه علماً فلخروجه من حيث هو ظنٌّ عن العلم وجداناً؛ كونه خارجاً عن العلم تخصّصاً. ومثاله الآخر دليل الأمارة الوارد على أدلّة الأصول العقلية، كالبراءة وقاعدة الاحتياط وقاعدة التخيير، فإنّ البراءة العقلية لمّا كان موضوعها عدم البيان الذي يحكم معه العقل بقبح العقاب، فالدليل الدالّ على حجّية الأمارة يعتبر الأمارة بياناً تعبّداً مع كونها ليست بياناً وجداناً، وبهذا التعبّد يرتفع موضوع البراءة العقلية وهو عدم البيان، وعليه فلا تنافي بين دليل الأمارة وبين أدلّة الأصول العقلية ولا تعارض.

ص: 238

لذلك صرّح بعضهم(1) بأنَّ من شروط التعارض عدم كون أحد الدليلين مزاحماً أو مخصّصاً للآخر، أو وارداً أو حاكماً عليه، مضافاً إلى شروط أخرى:

منها: أن لا يكون أحد الدليلين أو كلٌّ منهما قطعيّاً؛ لأنّه لو كان أحدهما قطعيّاً عُلم منه كذب الآخر، وكون كلٍّ منهما قطعيّاً مستحيل في نفسه، كما لا يخفى.

ومنها: أن لا يكون الظنُّ الفعلي معتبراً في حجّيتهما معاً؛ لاستحالة حصر الظنّ الفعلي بالمتكاذبين كاستحالة القطع بهما. نعم، يجوز أن يعتبر في أحدهما الظنّ الفعلي دون الآخر.

ومنها: أن يكون كلٌّ من الدليلين المتعارضين واجداً لشرائط الحجّية، بمعنى أنّ كلّا ً منهما لو خُلّي ونفسه، ولم يحصل ما يعارضه، لكان حجّةً يجب العمل بموجبه وإن كان أحدهما لا على التعيين بمجرّد التعارض يسقط عن الحجّيّة بالفعل.

إذا عرفت ذلك، فاعلم أنّهم اختلفوا في القاعدة الأوّليّة في المتعارضين على ثلاثة أقوال:

الأوّل: التساقط المطلق، وهو ما ذهب إليه المشهور.

الثّاني: بقاء الحجّيّة في الجملة في تمام موارد التعارض.

الثّالث: ما ذهب إليه المحقّق العراقي من التفصيل بين ما إذا كان الخبران متنافيين بحسب مدلولهما، فيحكم فيه بالتساقط المطلق، وبين ما إذا لم يكن تنافٍ بين مدلول الخبرين، بل يمكن صدقهما معاً لكنه عُلم بكذب أحد الراويين المستلزم لدلالة كلّ

ص: 239


1- منهم المحقّق النائيني (قدس سره) في فوائد الأصول: 4/ 710 - 715، والشيخ المظفّر (قدس سره) في أصول الفقه: 3/ 214.

منهما بالملازمة على كذب الآخر، فيحكم فيه بالحجّيّة وتنجيز مدلولهما على المكلّف.

ومن المعلوم أنّه قبل الوصول إلى هذه المرحلة لابدَّ إمّا من محاولة الجمع العرفي(1) بينهما - لتسالمهم على أنَّ الجمع أوْلى من الطرح، بل عن عوالي اللآلئ دعوى الإجماع على هذه القاعدة(2)، ويعبَّر عن التعارض حينئذٍ بالتعارض غير المستقِّر -، أو ترجيح أحد المتعارضين بعد فرض حجّيتهما معاً في أنفسهما(3) وعدم إمكان الجمع العرفي، وهو ما يعبّر عنه بالتعارض المستقر.

والمرجّحات منها ما ادّعي أنّه منصوص عليه في الروايات، ومنها ما هو غير منصوص عليه(4).

ص: 240


1- إنّما قيّدنا الجمع بكونه عرفيّاً؛ لأنّه القدر المتيقّن الداخل في هذه القاعدة، أمّا الجمع التبرعي فقد وقع البحث في دخوله في القاعدة، والصحيح عدم دخوله على ما نقّح في محلّه.
2- عوالي اللآلئ: 4/ 136.
3- إنّما قيّدنا بذلك احترازاً عمّا يقوّم أصل الحجّة ويميّزها عن اللاحجّة، فالجهة التي تكون من مقوّمات الحجّة مع قطع النظر عن المعارضة لا تدخل في مرجّحات باب التعارض، بل تكون من باب تمييز الحجّة عن اللاحجّة. لذلك يجب التنبّه إلى أنّ الروايات المذكورة في باب الترجيحات هل هي واردة في صدد ترجيح الحجّة على الحجّة، أو تمييز الحجّة عن اللاحجّة؟ فعلى الثاني لا يكون فيها شاهد على ما نحن فيه، كما قال صاحب الكفاية (قدس سره) في روايات الترجيح بموافقة الكتاب (يلاحظ: كفاية الأصول: 505)، والسيّد الخوئي (قدس سره) في روايات الترجيح بالشهرة (يلاحظ: مصابيح الأصول: 4/ 467) كما سيأتي بيانه. لذلك جعل فرض حجّيتهما في أنفسهما أحد شروط تحقّق التعارض الاصطلاحي، كما تقدّمت الإشارة إليه.
4- وسيأتي البحث مستقلّا ً في المرجّحات غير المنصوصة، وهل يجوز التعدّي إليها عند إرادة ترجيح أحد المتعارضين أم لا؟

أمّا المُرجِّحات التي ادُّعي(1) أنّها منصوص عليها فخمس، وإنْ كانت الروايات الدالّة عليها عبارة عن أربعة أصناف، وذلك لوحدة روايات الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة، وهذه المرجّحات الخمسة هي:

أوّلاً: الترجيح بموافقة الكتاب.

ثانياً: الترجيح بمخالفة العامّة.

ثالثاً: الترجيح بالأحدث زماناً.

رابعاً: الترجيح بصفات الراوي.

خامساً: الترجيح بالشهرة، وهو ما عُقد هذا الفصل للبحث عنه، فنقول:

إنّه قد تقدّم في (المقدّمة) أنّ الشهرة على أنواع ثلاثة: شهرة عمليّة استناديّة، وشهرة فتوائيّة مطابقيّة، وشهرة في الرواية وإنْ لم يكن العمل على طبقها مشهوراً.

أمّا الأولى والثّانية - المعبَّر عنهما بالفتوائية - فإنَّ القول بكونهما من المرجّحات في باب التعارض مبنيٌّ على القول بوجوب الترجيح بكلّ ما يوجب الأقربيّة للواقع، ومع ذلك فإنَّ تقوية الرواية بالعمل بها مشروط عند القائلين به بأمرين:

الأوّل: أن يُعلم استناد الفتوى إليها؛ إذ لا يكفي مجرّد مطابقة فتوى المشهور للرواية في الوثوق بأقربيّتها للواقع.

الثّاني: أن تكون الشهرة العمليّة قديمةً، أي واقعة في عصر الأئمّة (علیهم السلام)،أو العصر الذي يليه، والذي تمّ فيه جمع الأخبار وتحقيقها. أمّا الشهرة في العصور المتأخّرة فيشكل تقوية الرواية بها وترجيحها.

ص: 241


1- وذلك للخلاف الواقع في إفادة النصوص مرجّحيّة بعضها مثل الترجيح بالصفات والأحدثيّة، والتي ذهب كثير من الأصوليين إلى عدمه.

والقول بكونها من المرجّحات مبنيٌّ على القول بوجوب الترجيح بكل ما يوجب الأقربيّة للواقع؛ وذلك أنّ الشهرة الفتوائيّة لم يرد فيها من الأخبار ما يدلُّ على الترجيح بها، كما سيتّضح قريباً.

إلّا أنَّ السيّد الشهيد الصدر (قدس سره) لم يستبعد أن يكون ظاهر مرفوعة زرارة الآتية إرادة الاشتهار في الفتوى لا في الرواية، وذلك لقرينتين:

(أولاهما: ما جاء في افتراض السائل تعليقاً على الترجيح بالشهرة من إمكان اشتهار الروايتين المتعارضتين معاً، وهذا لا يناسب الشهرة في الرواية المساوقة مع قطعيّة الصدور؛ إذ لو أُريد ذلك لم يبقَ مجال بعد ذلك للترجيح بالأعدليّة والأوثقيّة عقلائيّاً.

ودعوى: أنّ الشهرة الروائيّة حينما توجد في المتعارضين معاً لا يحصل القطع بالصدور منها، مدفوعة ب-:: أنّ هذا إنّما يصحّ فيما إذا كان يستبعد صدور أحاديث متعارضة عن الأئمّة (علیهم السلام)،ولا استبعاد في صدورها عنهم بعدما عرف من حالهم الابتلاء بظروف التقية وغيرها من الملابسات التي كانت تضطرّهم إلى التحفظ والاحتياط، كما تشهد بذلك جملة من الأحاديث الواردة عنهم - إلى أنْ قال - فلا يؤثّر مجرّد تعارض الخبرين المشهورين بحسب الظهور في حصول القطع أو الاطمئنان بصدورهما معاً أثراً معتدّاً به.

ثانيتهما: إباء سياق الترجيح بالصفات في المرفوعة عن إرادة الشهرة الروائيّة؛ إذ لو كان المراد ذلك لكان المناسب أن يرجّح ما كان مجموع رواته أعدل وأصدق، مع أنّه جاء في تعبير الإمام (علیه السلام) : (خذ بما يقول به أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك)، وجاء في تعبير السائل: (إنّهما معاً عدلان مرضيان)، وهو ظاهر في ملاحظة الراويين المباشرين،

ص: 242

وهكذا يظهر إمكان استفادة الترجيح بالشهرة الفتوائيّة من المرفوعة)(1).

وأمّا الثّالثة - وهي الشهرة في الرواية - فقد ادَّعى العلّامة المظفر (قدس سره) أنَّ إجماع المحقّقين قائمٌ على الترجيح بها(2).

وقد استدلَّ على كونها مرجّحاً بروايات:

الرّواية الأولى

اشارة

مقبولة عمر بن حنظلة المتقدّمة حيث جاء فيها (فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه) بناءً على أنّ المقصود من (المجمع عليه) هو المشهور، بدليل فهم السائل ذلك، إذ عقّبه بالسؤال بقوله (فإنّ كان الخبران عنكما مشهورين)، ولا معنى لأنْ يراد من الشهرة الإجماع.

والبحث في هذه الرواية يقع من جهات:

الجهة الأولى: في سندها

فقد قال السيّد الخوئي (قدس سره): (إنّ الرجل - يعني عمر بن حنظلة - لم يُنصّ على توثيقه، ومع ذلك ذهب جماعة - منهم الشهيد الثاني - إلى وثاقته، واستدلّ على ذلك بوجوه:

الأوّل: ما رواه محمّد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن يزيد بن خليفة، قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) : إنّ عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقتٍ، فقال أبو عبد الله (علیه السلام) : (إذن لا يكذب علينا)(3).

والجواب: أنّ الرواية ضعيفة السند؛ فإنّ يزيد بن خليفة واقفي لم يُوثّق، فلا يصحّ الاستدلال بها على شيء.

ص: 243


1- بحوث في علم الأصول: 4/ 372 - 273.
2- أصول الفقه: 3/ 253.
3- الكافي: 3/ 275 باب وقت الظهر والعصر من كتاب الصلاة ح1.

الثّاني: ما رواه الصفار عن الحسن بن علي بن عبد الله، عن الحسن بن علي بن فضّال، عن داود بن أبي يزيد، عن بعض أصحابنا، عن عمر بن حنظلة فقال: (قلت لأبي جعفر (علیه السلام) : إنّي أظنُّ أنّ لي عندك منزلة. قال: أجل) الحديث(1).

والجواب عنه ظاهر، فإنّ الرواية عن نفس عمر بن حنظلة، على أنّها ضعيفة ولا أقلّ من جهة الإرسال، مضافاً إلى أنّها لا تدلُّ على الوثاقة.

الثّالث: ما رواه محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن علي ابن الحكم، عن عمر بن حنظلة، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: (يا عمر، لا تحملوا على شيعتنا وارفقوا بهم، فإنّّ الناس لا يحتملون ما تحملون)(2).

والجواب: أنّ ذلك شهادة من عمر بن حنظلة لنفسه، وهي غير مسموعة.

الرّابع: ما رواه محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن ابن سنان، عن محمّد بن مروان العجلي، عن علي بن حنظلة، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: (اعرفوا منازل الناس على قدر روايتهم عنّا)(3).

وتقريب الرّواية: أنّ كثرة رواية شخص عن المعصومين (علیهم السلام) تدلُّ على عظمة مكانته. ومن الظاهر أنّ عمر بن حنظلة كثير الرواية.

والجواب: أنّ الرواية ضعيفة بسهل بن زياد وبابن سنان، فإنّه محمّد بن سنان بقرينة رواية سهل بن زياد عنه. ومحمّد بن مروان العجلي مجهول.

هذا مع أنّ كثرة الرواية إذا لم يعلم صدق الراوي لا تكشف عن عظمة الشخص

ص: 244


1- بصائر الدرجات: 230 باب 12 في الأئمّة (علیهم السلام) أنّهم أعطوا الاسم الأعظم ح1.
2- الكافي: 8/ 334 ح522.
3- المصدر نفسه: 1/ 50 باب النوادر، كتاب فضل العلم، ح13.

بالضرورة.

الخامس: إنّ المشهور عملوا برواياته، ومن هنا سمّوا رواياته في الترجيح عند تعارض الخبرين بالمقبولة.

والجواب: أنّ الصغرى غير متحقّقة، وتسمية رواية واحدة من رواياته بالمقبولة لا تكشف عن قبول جميع رواياته. وعلى تقدير تسليم الصغرى فالكبرى غير مسلّمة، فإنّ عمل المشهور لا يكشف عن وثاقة الراوي، فلعلَّهُ من جهة البناء على أصالة العدالة من جمعٍ وتبعهم الآخرون.

السّادس: إنّ الأجلّاء كزرارة، وعبد الله بن مسكان، وصفوان بن يحيى، وأضرابهم قد رووا عنه.

والجواب عن ذلك: أنّ رواية الأجلّاء لا تدلّ على الوثاقة كما أوضحنا ذلك فيما تقدّم)(1) (2).

إلّا أنّ الذي يظهر من جوابه (قدس سره) عن الوجه الخامس من الوجوه المتقدّمة عدم ممانعته من تسمية الرواية محلّ البحث بالمقبولة، بل صرّح في مصابيح الأصول بصحّة سندها اكتفاءً بقبول الأصحاب لها، حيث قال: (وأمّا المقبولة فمن حيث سندها فالراوي لها عمر بن حنظلة، وهو لم يسمع عنه بمدح ولا بقدح في كتب الرجال، ولكن

ص: 245


1- معجم رجال الحديث: 14/ 33.
2- ولنا رسالة مستقلّة نشرت في العددين التاسع والعاشر من مجلّة دراسات علمية، في بيان دعوى الشيخ الطوسي (قدس سره) من أنّ صفوان وابن أبي عمير والبزنطي لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة، وقد تعرّضنا فيها بالتفصيل لأدلّة السيّد الخوئي (قدس سره) التي اعتمد عليها في الجزم بعدم دلالة رواية هؤلاء الأجلّاء على وثاقة مَن رووا عنه، فراجع.

روايته قد قبلها الأصحاب وأخذوا بها، ويكفينا في صحّة السند قبول الأصحاب لها، ولذا سمّيت مقبولة)(1).

مضافاً إلى أنّ مَنْ وافق الشهيد الثاني في توثيق مشايخ صفوان بن يحيى، كالسيّد الشهيد الصدر (قدس سره) وآخرين صحَّح سندها، بناءً على مختاره في توثيق من ينقل عنه أحد الثلاثة - أعني ابن أبي عمير والبزنطي وصفوان - وذلك باعتبار ما ورد في رواية يزيد بن خليفة. فهو (ظاهر في أنّ عمر بن حنظلة كان ثقة بطبعه عند الإمام (علیه السلام) ، إلّا أنّ يزيد بن خليفة نفسه مَنْ لا توجد شهادة بتوثيقه، وإنّما يمكن توثيقه بالقاعدة المذكورة، حيث قد روى عنه صفوان بن يحيى - وهو أحد الثلاثة - بسند معتبر في باب كفارة الصوم من الكافي، فتثبت بذلك وثاقته، وبروايته تثبت وثاقة عمر بن حنظلة أيضاً، فالمقبولة صحيحة سنداً)(2)، فتأمّل.

الجهة الثّانية: في تحديد مفادها

فإنّ الرواية وإنْ وردت في مقام الترجيح في مورد القضاء والحكومة بين المتخاصمين - كما هو ظاهر صدرها - حيث يقول: (عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دَينٍ أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو القضاة...إلخ)، إلّا أنّ ورودها في هذا المورد لا يضر في دلالتها على الترجيح حتى في مقام الرواية، وذلك أنّ الإمام (علیه السلام) بعد أنْ رجّح أحد الحَكمين على الآخر لكونه أعدل أو أفقه أو أصدق من صاحبه، وحكم بلزوم اتّباع حكمه، انتقل إلى مرتبة ثانية من الترجيح في حال تساويهما في تلك الصفات، فقال (علیه السلام) : (ينظر إلى ما كان من رواياتهما عنّا في ذلك الذي ليس حكما به المجمع عليه

ص: 246


1- مصابيح الأصول: 4 / 466.
2- بحوث في علم الأصول: 4 / 370.

عند أصحابك فيؤخذ به من حكمنا، ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك)، وهذه المرتبة من الترجيح إنّما هي ترجيح للمشهور على غير المشهور، لأنّنا ذكرنا سابقاً أنّ المقصود من المجمع عليه هو المشهور، بدليل فهم السائل ذلك، إذْ عقّبه بالسؤال (فإنْ كان الخبران عنكما مشهورين؟)، ولا معنى لأنْ يراد من الشهرة الإجماع.

وقد ذهب كلّ من المحقّق الأصفهاني(1)، والسيّد الخوئي (قدس سرهما) (2) إلى أنّ الشهرة ليست من المرجّحات لإحدى الحجّتين على الأخرى. بل هي من مميّزات الحجّة عن اللاحجّة، بتقريب أنّ شهرة الرواية في عصر الأئمّة (علیه السلام) ، وهو الذي عبَّر عنه (علیه السلام) في المقبولة (بَيّن الرشد) يوجب كونه مقطوع الصدور، أو على الأقلّ يوجب كونه موثوقاً بصدوره، وإذا كان كذلك فالشاذّ المعارض له، وهو ما عبّرت عنه المقبولة (بيّن الغي أو المشكل)، إمّا مقطوع العدم أو موثوق بعدمه، فلا تشمله أدلّة حجّيّة الخبر، وعليه فيخرج اقتضاء الشهرة في الرواية عن مسألة ترجيح إحدى الحجّتين على الأخرى، بل تكون مميّزةً للحجّة عن اللاحجّة.

وقد أُجيب عن ذلك بجوابين:

الأوّل: إنّه بناءً على عدم اشتراط حصول الظنّ الفعلي بخبر الثقة، ولا عدم الظنّ بخلافه، فإنّ الشاذّ المقطوع العدم لا يدخل في مسألتنا قطعاً، وأمّا الموثوق بعدمه من جهة حصول الثقة الفعليّة بمعارضه فلا يضرّ ذلك في كونه مشمولاً لأدلّة حجّيّة الخبر، بناءً على القول بكفاية وثاقة الراوي في قبول خبره من دون إناطةٍ بالوثوق الفعلي بخبره.

الثّاني: إنّ الشهرة إذا لوحظت بالنسبة إلى الرواية بما هي حكاية عن حديث

ص: 247


1- نهاية الدراية: 6/ 317.
2- مصابيح الأصول: 4/ 467- 468.

المعصوم، تكون ظاهرة في الشهرة الروائيّة المساوقة للتواتر والاستفاضة في النقل، وفي مثل هذه الحالة تسقط الرواية عن الحجّية في نفسها لمعارضتها مع دليلٍ قطعي، فلا يكون الأخذ بالمشهور من باب ترجيح إحدى الحجّتين على الأخرى، بل من باب تمييز الحجّة عن اللاحجّة. وهو ما خلص له السيّد الشهيد الصدر (قدس سره)،حيث قال: (والمقبولة وإنْ ورد فيها الترجيح بالصفات والشهرة، مضافاً إلى موافقة الكتاب ومخالفة العامّة، إلّا أنّه قد عرفت رجوع الأولى إلى الحَكَمَين لا الروايتين، وكون الثاني من باب تمييز الحجّة عن اللاحجّة)(1).

أمّا إذا لوحظت الشهرة بالنسبة إلى الرواية بما هي رأي نُقل عن المعصوم، كانت ظاهرةً في الشهرة الفتوائيّة والعمليّة عند الفقهاء. وهو ما لم يستبعده السيّد الشهيد الصدر (قدس سره) (2)، كونه هو الظاهر من مرفوعة زرارة اعتماداً على قرينتين تقدّم نقلهما عنه عند الحديث عن استفادة الترجيح بالشهرة الفتوائيّة من المرفوعة المذكورة.

الرّواية الثّانية

اشارة

المعروفة بمرفوعة زرارة التي رواها ابن أبي جمهور الأحسائي في عوالي اللآلئ عن العلّامة مرفوعاً إلى زرارة، قال: (سألت أبا جعفر (علیه السلام) فقلت له: جعلت فداك، يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان، فبأيهما آخذ؟ فقال: يا زرارة، خذ بما اشتهر بين أصحابك، ودع الشاذ النادر...)(3).

والبحث عن هذه الرواية يقع أيضاً في جهتين:

ص: 248


1- بحوث في علم الأصول: 7 /375.
2- بحوث في علم الأصول: 7/371.
3- عوالي اللآلئ: 4/133، 229، مستدرك الوسائل: 17/ 303، الباب التاسع من أبواب صفات القاضي، الحديث 2.
الجهة الأولى: في سندها

فعلى الرغم ممّا نقله السيّد الخوئي (قدس سره) عن الشيخ الحرّ في مدح المؤلِّف - في مواضع من تذكرة المتبحّرين، منها في رقم (749) من أنّ محمّد ابن أبي جمهور الأحسائي، كان عالماً فاضلاً، راوية، له كتب منها عوالي اللآلئ، كتاب الأحاديث الفقهية على مذهب الإمامية، كتاب معين المعين، شرح الباب الحادي عشر، كتاب زاد المسافرين في أصول الدين، وله مناظرات مع المخالفين، كمناظرة الهروي، ورسالة في العمل بأخبار أصحابنا، وغير ذلك(1)- إلّا أنّ المرفوعة المذكورة ضعيفة السند.

قال صاحب الكفاية (قدس سره): (وأمّا المرفوعة فهي ضعيفة السند؛ لأنّ الراوي لها ابن أبي جمهور الأحسائي، وهو مطعون فيه)(2).

وقد وصف السيّد الخوئي (قدس سره) ما قاله صاحب الكفاية (قدس سره) من ضعف سند المرفوعة بأنّه: (متين جداً؛ لأنّها رفعت عن العلّامة إلى زرارة عن الصادق (علیه السلام) ، فحذف جميع مَنْ في السلسلة ولم يذكر واحداً منهم، ومن المعلوم أنّ أولئك الذين في السلسلة لمّا كانوا غير معلومين كانت وثاقتهم وعدالتهم غير محرزة لدينا، فكيف نحكم بصحّة السند مع حذف الرواة، بل حتّى لو كان نفس العلّامة (قدس سره) قد رفعها عن زرارة فمع ذلك لا يمكننا الأخذ بها لوجود الملاك والمناط الذي عرفته هنا، مضافاً إلى ذلك أنّ العلّامة (قدس سره) بنفسه لم يذكرها في كتبه أصلاً، وإنّما ذكرها ابن أبي جمهور الأحسائي في كتابه المسمّى بعوالي اللآلئ، ورفعها عن العلّامة، فكان المنفرد بالنقل خاصّة هو ابن أبي جمهور، ومن المعلوم أنّ هذا الرجل قد طعن فيه وفي كتابه من ليس دأبه ذلك، وهو صاحب

ص: 249


1- معجم رجال الحديث: 15/ 246.
2- كفاية الأصول: 443.

الحدائق (قدس سره) الذي كان يتقبّل كلّ رواية إلّا روايات هذا الكتاب.

إذاً فما جاء به صاحب الكفاية (قدس سره) من ضعف سند المرفوعة متين وتامّ حسبما عرفت)(1).

وما نسبه السيّد الخوئي (قدس سره) لصاحب الحدائق (قدس سره) من الطعن بابن أبي جمهور وكتابه دقيقٌ، حيث قال صاحب الحدائق (قدس سره): (فإنا لم نقف عليها - يعني المرفوعة - في غير كتاب عوالي اللآلئ، مع ما هي عليه من الرفع والإرسال، وما عليه الكتاب من نسبة صاحبه إلى التساهل في نقل الأخبار، والإهمال، وخلط غثِّها بسمينها، وصحيحها بسقيمها)(2).

الجهة الثّانية: في دلالتها

فمع الإغماض عمّا تقدّم من ضعفها السندي، فإنّ قول الإمام (علیه السلام) (خذ بما اشتهر بين أصحابك، ودع الشاذّ النادر) يدلّ على الترجيح بالشهرة كسابقتها، مع فارق وحيد بينهما هو تحديد مرتبة كلّ من المرجّحين، وكونه مقدّماً على الآخر أو مؤخّراً عنه، فالترجيح بالشهرة مقدّمٌ على الترجيح بالصفات في المرفوعة، ومؤخّرٌ عنه في المقبولة من هذه الناحية، فهنا احتمالان:

الأوّل: إمكان الجمع العرفي بين مدلولي الروايتين، وهو ما مال إليه السيد الشهيد الصدر (قدس سره)،حيث قال: (يمكن أنْ يُدَّعى وجود جمعٍ عرفي بينهما)(3)،

حيث افترض إمكان أربع حالاتٍ في دليلي الترجيح المختلفين:

ص: 250


1- مصابيح الأصول: 4/ 465.
2- الحدائق الناضرة: 1/ 99.
3- بحوث في علم الأصول: 7/ 377.

الحالة الأولى: اقتصار كلٍّ من الدليلين على مرجّحٍ غير ما تكفّله الآخر، كما إذا جاء في أحدهما (خُذ بالمشهور)، وورد في الآخر (خُذ بما يرويه أعدلهما).

الحالة الثّانية: اقتصار أحدهما على مرجّح ويذكر الآخر مرجّحين، أولهما غير ما ذكر في الأوّل، كما إذا جاء في أحدهما (خذ بالمشهور) وورد في الآخر (خذ بما يرويه الأعدل، وإنْ لم يكن فبالمشهور).

الحالة الثّالثة: الحالة السابقة عينها مع افتراض ذِكر دليل الترجيح الثاني في المرجّح المذكور في الأوّل أوَّلاً أيضاً.

الحالة الرّابعة: أن يذكر كلٌّ من الدليلين كلا المرجّحين مع التعاكس في الترتيب كما هو الحال في المرفوعة والمقبولة.

فإنْ قيل باستحكام التعارض فإنّما يقال به في الحالة الأولى بالخصوص التي تكون المعارضة بنحو العموم من وجه، لا الحالات الثلاث الأخرى؛ إذ في الحالة الثانية يكون دليل الترجيح المشتمل على مرجّحين أخصّ مطلقاً من دليل الترجيح الآخر فيتقيّد به. وفي الحالة الثالثة لا تعارض بينها أصلاً؛ لأنّ الدليل المشتمل على المرجّح الأوّل فقط ساكت عن وجود ترجيح آخر طولي ولا ينفيه. وفي الحالة الرابعة يكون لكلٍّ من دليلي المرجّحين المتعاكسين ظهوران، ظهور إطلاقي يقتضي تقدّم المرجّح المذكور فيه أوّلاً على المذكور فيه ثانياً؛ لأنّه مقتضى إطلاق الترجيح به حتى إذا كان المرجّح الثاني ثابتاً في المعارض الآخر، وظهور عرفي صريح في أنّ المرجّح المذكور فيه أوّلاً ليس متأخّراً رتبةً عن المذكور فيه ثانياً، بل إمّا مقّدم عليه أو في عرضه على الأقل وإلّا لما قُدّم عليه في التسلسل الترجيحي. وهذا الظهور أقوى من الإطلاق وأظهر، والتعارض بين دليل الترجيح بحسب الحقيقة واقع بين الظهور الإطلاقي لأحدهما مع هذا الظهور العرفي

ص: 251

الصريح من الآخر فيرفع اليد عن الإطلاق بالظهور الصريح بقانون حمل الظاهر على الأظهر المتقدّم في أقسام الجمع العرفي، فينتج عرضية المرجّحين معاً، وإعمال هذا الجمع واضح جداً إذا فرضنا مجيء الترتيب بين المرجّحين في كلام الإمام (علیه السلام) ابتداءً.

وأمّا إذا افترضنا انتزاع الترتيب من كلام الإمام (علیه السلام) عن طريق الترتيب الوارد في سؤال الراوي بعد فرضه تساويهما في المرجّح الأوّل كما هو الحال في المقبولة والمرفوعة، فقد لا يكون الجمع المذكور واضحاً؛ إذ لعلَّ الإمام (علیه السلام) في جوابه على السؤال الأوّل أجاب بالمرجّح الثاني؛ إذ لا بأس بذلك، لذا لا تضايق من أن يقتصر الإمام على ذكر المرجّح الثاني فقط - كما في الحالة الثانية من الحالات الأربع - إلّا أنّه مع ذلك يقال: إنّ ظاهر كلام الإمام (علیه السلام) أنّ المرجّح الثاني على الأقلّ ليس مقدّماً على الأوّل؛ إذ لو كان مقدّماً عليه كان ما ذكره أوّلاً مقيّداً لبّاً بعدم المرجّح الثاني، وهذا القيد غير مأخوذ في الكلام الثاني، فلا يكون الجوابان منصبّين على موضوع واحد مع أنّ ظاهرهما ذلك، فهذا من قبيل أنْ يقول الإمام في الجواب عن المتعارضين (خذ بأشهر الحديثين المتساويين في صفات الراويين لهما، قال: فإنْ كانا متساويين في الشهرة، قال: خذ بقول أصدقهما)، فالترتيب العكسي ليس محذوره مجرّد تقييد الإطلاق بل إضافةً إلى ذلك يلزم ورود الكلامين على موضوعين، وهذه مخالفة لظهور أقوى من الإطلاق.

وإنْ شئت قلت: إنّ الكلام الثاني قرينة على أنّ موضوع كلامه الأوّل قابل لأن يفرض في أحدهما أصدق والآخر غير أصدق، وهذا لا يتلاءم مع الترتيب العكسي، فيقيّد إطلاق كلٍّ من المرجّحين المتعاكسين بهذا الظهور في دليل الترجيح الآخر وتثبت عرضيتهما في النتيجة.

لا يقال: بناءً على العرضيّة أيضاً يكون موضوع الحكم بالترجيح بالمزيّة الأولى

ص: 252

مقيّداً بعدم اتّصاف معارضه بالمزيّة الثانية.

فإنّه يقال: عند عرضيّة المرجّحين يكون الموضوع ذات الخبرين، فيكون الجوابان واردين على موضوع واحد، والفرق هو أنّ المرجّح الثاني بناءً على الترتيب العكسي يرفع شأنيّة الترجيح بالمرجّح الأوّل. وأمّا بناءً على العرضيّة فإنّما لا يمكن فعليّة الترجيح للتعارض وإلّا فمقتضي الترجيح فيهما معاً تامّ.

الاحتمال الثّاني: عدم إمكان الجمع العرفي، أي أنّ التعارض بين إطلاقي الروايتين تعارض مستقر، فقد ذكر الشيخ الأعظم (قدس سره) أنّه يمكن العمل بالمقبولة بحكم المرفوعة نفسها التي تقضي بتقديم المشهور على الشاذّ، والمقبولة مشهورة بخلاف المرفوعة التي لم تُنقل إلّا من عوالي اللآلئ مرفوعةً إلى زرارة(1).

واعترض عليه المحقّق الأصفهاني (قدس سره) بأنّ هذا مستحيل؛ إذ يلزم منه سقوط المرفوعة عن الحجّيّة، وكلّ ما يلزم من وجودِه عدمُه يكون محالاً(2).

وهو ما وصفهُ السيّد الشهيد الصدر (قدس سره) بغير الوارد؛ لأنّ المقبولة والمرفوعة تتضمّنان إطلاقات طوليّة متعارضة، منها:

أوّلاً: تعارض إطلاقهما للخبرين المتعارضين الدالّ أحدهما - مثلاً - على وجوب السورة والآخر على عدم وجوبها؛ حيث إنّ المقبولة تُرجِّح الأصدق منهما، والمرفوعة ترجِّح المشهور.

وثانياً: تعارض إطلاقيَ المقبولة والمرفوعة لهذا المورد، يتولَّد من المعارضة الأولى؛ فإنّه أيضاً مصداق للتعارض بين حديثين تعالجُه المقبولة والمرفوعة فيُقدَّم الأصدق

ص: 253


1- فرائد الأصول: 448.
2- نهاية الدراية: 3/ 369.

بحكم المقبولة، والأشهر بحكم المرفوعة، وفي هذه المرتبة أيضاً تتشكّل معارضة جديدة هي فرد ثالث لحكم المقبولة والمرفوعة، وهكذا. وهذا يعني أنّ المحذور في تقديم المقبولة على المرفوعة أنّه في أيّ مرتبةٍ من هذه المراتب الطولية للتعارض لو أعملنا المرفوعة في مقام الترجيح كان جزافاً، لا أنّه يلزم من وجودِه عدمُه - كما ادَّعى ذلك المحقّق الأصفهاني - فإنّ التقديم في أيّ مرتبةٍ إنّما يسقط في المرتبة السابقة عليها لا في نفس تلك المرتبة(1).

وللسيّد الشهيد الصدر (قدس سره) تحقيق رائع في المقام، حاصله(2):

أنَّ المرجّحات الواردة في هذه الأخبار: إمّا أن تكون مخصوصة بالتعارض السندي أو الدلالي. وعلى الأوّل لا معنى لترجيح المقبولة على المرفوعة بكونها مشهورة.

وعلى الثاني فيتعارضان في خصوص ما إذا كان أحدهما واجداً للصفات والآخر مشهوراً، بناءً على عدم سريان التعارض الدلالي، وأنَّ التعارض بين المقبولة والمرفوعة في هذه المادّة إنّما هو من قبيل العموم من وجه(3).

وإنْ بنينا على شمول الترجيح بالمرجّحات المنصوصة للعامّين من وجه فينفتح مجال لدعوى الشيخ الأعظم (قدس سره) بترجيح المقبولة على المرفوعة بالشهرة، عملاً بالمرفوعة

ص: 254


1- بحوث في علم الأصول: 7/ 377، بتصرّف.
2- بحوث في علم الأصول: 7/ 375، بتصرّف.
3- لا التباين، بمعنى أنّ التعارض بين إطلاق الترجيح وكلٍّ من المرجحين المتعاكسين فيهما مع إطلاق الآخر، فالمقبولة تُثبت الترجيح بالصفات سواء كان الآخر مشهوراً أم لا، والمرفوعة تُثبت الترجيح بالشهرة سواء كان الآخر مشهوراً أم لا، فيتعارضان في خصوص ما إذا كان أحدهما واجداً للصفات والآخر مشهوراً.

نفسها.

إلّا أنّه (قدس سره) ذهب إلى أنّ الصحيح هو التفصيل بين صورتين حينئذٍ:

الأولى: افتراض كون المقبولة مشهورةً من دون أن يكون الراوي في المرفوعة واجداً لمزيّةٍ صفتيّة، وفي هذه الصورة لا بُدّ من الحكم بتقديم المقبولة في مادّة التعارض؛ لأنّ هذه الحالة داخلة في مادّة الافتراق للمرفوعة، فلا موجب لرفع اليد عنها، وهذا معناه أنّ المرفوعة تدلّ بمادّة افتراقها على العمل بالمقبولة في مادّة التعارض بينهما، وبالتالي تكون المرفوعة بإطلاقها في مادّة الافتراق لهذا المورد من موارد التعارض قد خصّصت مادّة اجتماعها مع المقبولة، فلم يلزم من وجود شيء واحد عدمه، كما لا يلزم من إسقاط مادّة اجتماعها تخصيصها بالفرد النادر؛ لبقاء موارد الافتراق التي لا مبرر لفرض ندرتها.

الثّانية: افتراض أرجحيّة المرفوعة على المقبولة من حيث صفات الراوي وإنْ كانت المقبولة أشهر، وفي هذه الحالة لا يتمّ ما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره)؛ لأنّ ترجيح المقبولة على المرفوعة بالشهرة عملاً بالمرفوعة ليس بأولى من ترجيح المرفوعة على المقبولة عملاً بالمقبولة.

وبعبارة أخرى: إنّ المرفوعة في أيّ مرتبة يتمسّك بها تكون مبتلاة في هذه الصورة بالمعارضة مع المقبولة في تلك المرتبة.

هذا كلُّه فيما إذا فرضنا رجوع الترجيح بالصفات في المقبولة إلى الروايتين لا إلى الحاكمين. أمّا إذا فرضنا عدم رجوع الترجيح بالصفات في المقبولة إلى الروايتين، وإنّما هو راجع للحاكمين، فيكون أوَّل المرجّحات حينئذٍ في كلٍّ من المقبولة والمرفوعة هو الشهرة، وآخرها مخالفة العامّة، فإنّه يقع التعارض بينهما من ناحتين:

ص: 255

الأولى: المعارضة بالعموم من وجه بين نفس المرجّحين المتوسّطين، وهما مخالفة العامّة والشهرة، حيث يكون مقتضى إطلاق كلٍّ منهما تقدّمه على الآخر، وتكون هذه المعارضة من الحالة الأولى من حالات الاختلاف بين دليلي الترجيح الأربعة، وهي أن يقتصر كلٌّ منهما على مرجِّحٍ غير ما تكفَّلهُ الآخر.

وحُكم هذه المعارضة التساقط في مورد اجتماع المرجحين المتعارضين بالعموم من وجه، وبالتالي عدم تقدّم شيء منهما على الآخر.

الثّانية: المعارضة بلحاظ مورد افتراق كلٍّ من المُرجّحين، فلو كان أحدهما موافقاً للكتاب - مثلاً - وليس راوي الآخر أصدق، دلّت المقبولة حينئذٍ على ترجيح الموافق للكتاب، بينما تحكم المرفوعة بلزوم الانتقال إلى المرجّح الثالث، لأنّهما متساويان في الصفات، وتكون هذه المعارضة من الحالة الثانية من حالات الاختلاف بين دليلي الترجيح الأربعة، وهي اقتصار أحدهما على مُرجِّحٍ واحد ويذكر الآخر مُرجّحين.

وحُكم هذه المعارضة هو التخصيص وتقييد إطلاق المرجّح الثالث بما إذا لم يكن يوجد المرجّح الثاني، أي أنّ كلّا ً من المقبولة والمرفوعة كالصريح في الدلالة على أنّ المرجّح الثالث في طول ما اختصّت به من المرجّح الثاني، ومقتضى الجمع بين هاتين الصراحتين تعذُّر تقديم المرجّح الثالث على أي واحدٍ من المرجّحين المتعارضين بالعموم من وجه(1).

لا يقال: إنّ المقبولة لا تدلُّ على عدم مرجّحية الصفات كي تعارض بالعموم من

ص: 256


1- ويبقى الكلام عن إعمال المرجّح الثالث عند تكافؤ المتعارضين في المرجحين المتقدّمين عليه، بأن يكون أحدهما موافقاً للكتاب والآخر واجداً لصفات الراوي فسيأتي الحديث عنه عند ملاحظة النسبة بين رواية الراوندي والمرفوعة.

وجه مع المرفوعة؛ لأنّها بيّنت الترجيح بموافقة الكتاب في موردٍ فرغ فيه عن تساوي الراويين - وهما الحاكمان - في الصفات، فلا ينعقد فيها إطلاق لحال فقدان أحدهما للصفة الترجيحيّة حتى يدلّ على عدم مرجّحيّة الصفات.

فإنّه يقال: قد تقدّم أنّ مرجّحيّة الصفات لا بُدّ من لحاظها في الراويين المباشرين لسماع الحديث من المعصوم، أو في كلّ طبقات السند على تقدير التنزّل، وهذا لم يُفرَض في المقبولة(1).

الرّواية الثّالثة

اشارة

رواية الطبرسي التي ورد فيها (وروي عنهم (علیهم السلام) أنّهم قالوا (إذا اختلفت أحاديثنا عليكم فخذوا بما اجتمعت عليه شيعتنا، فإنّه لا ريب فيه))(2).

ومع قطع النظر عن ضعف هذه الرواية لكونها مرسلةً، ففي تعيين المراد من اجتماع الشيعة الوارد فيها ثلاثة احتمالات:

الأوّل: أن يراد به الاجتماع في الرواية، وهو مساوق للتواتر، فلا إشكال حينئذ في لزوم الأخذ به وطرح الخبر المعارض له.

الثّاني: أن يراد به اجتماعهم عليه في العمل والفتوى، فتكون نتيجته الترجيح بالشهرة الفتوائيّة.

الثالث: أن يراد به إجماع فقهائهم، بدعوى ظهور الاجتماع في الاتّفاق، فلا إشكال حينئذٍ أيضاً في الأخذ به، وطرح الخبر المعارض له.

ولم يستبعد السيّد الشهيد الصدر (قدس سره) ظهورها في الثاني (باعتبار إضافة الاجتماع فيها إلى الشيعة، لا إلى الرواة بالخصوص، ممّا يناسب أن يكون المراد منه الاجتماع في

ص: 257


1- يلاحظ: بحوث في علم الأصول: 7/ 380 - 381.
2- وسائل الشيعة: 27/ 122، الباب: 9 من أبواب صفات القاضي ح43.

الرأي والعمل)(1).

بقي الكلام في أنّ المرجّحات (الخمس المُدَّعى أنّها قد نُصَّ عليها، أو الأقلّ منها، على الخلاف في اعتبار بعضها مرجّحاً أوْ لا) هل هي مترتّبة فيما بينها عند استقرار التعارض، أو أنّها في عرَضٍ واحد؟

وهو ما يحتاج إلى تقديم مقدّمتين:

المقدّمة الأولى

أنّ المرجّحات - في جملتها - ترجع إلى ثلاث نواحٍ لا تخرج عنها:

الأولى: ما تجعل احتمال صدور أحد الخبرين عن المعصوم أقرب من احتمال صدور الآخر، وهو ما يُسمّى بالمرجّح الصدوري، كالشهرة، وصفات الراوي بناءً على كونه من المرجّحات(2).

الثّانية: ما تجعل صدور الخبر - المعلوم حقيقةً أو تعبّداً - إنّما يكون لبيان الحكم الواقعي، لا لبيان خلافهِ - من تقيّةٍ ونحوها من مصالح إظهار خلاف الواقع -،وذلك مثل ما إذا كان الخبر مخالفاً للعامّة، فإنّه يُرجّح في مورد معارضته بخبرٍ آخر موافقٍ لهم؛ لأنّ صدوره كان لبيان الحكم الواقعي؛ لأنّه لا يحتمل فيه إظهار خلاف الواقع بخلاف الآخر، ويسمّى هذا المرجّح بالمرجّح الجهتي، ومنه كون أحد الخبرين أحدث زماناً - على القول بأنّه مرجّح من مرجّحات باب التعارض - اعتماداً على مجموعة روايات(3):

ص: 258


1- بحوث في علم الأصول: 7/ 361.
2- إذ من الواضح أنّ مورد كلٍّ من المقبولة والمرفوعة المتقدّمتين - اللّتين لا مستند للقول بكون صفات الراوي مرجِّحاً غيرهما - هو التعارض بين الحاكمين لا بين الراويين، كما تقدّم بيان ذلك مراراً.
3- يلاحظ: جامع أحاديث الشيعة: 1/ 266 باب 6من أبواب المقدّمات.

منها: ما رواه الكليني (قدس سره) عن الحسين بن المختار، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (علیه السلام) : (أرأيتك لو حدّثتك بحديثٍ العامَ ثُمَّ جئتني من قابلٍ فحدّثتك بخلافه، بأيِّهما كنتَ تأخذ؟ قال: قلت: كنت آخذ بالأخير، فقال لي: رحمك الله)(1).

إلّا أنّ المحقّق الأصفهاني (قدس سره) استظهر أنّ هذه الروايات لا شاهد فيها على ما نحن فيه(2) - حتى مع الإغماض عن الملاحظات السندية الواضحة مثل الإرسال الواقع في رواية الحسين بن المختار المتقدّمة - أي أنّها لا تدلّ على ترجيح الأحدث من البيانين كقاعدة عامّة بالنسبة إلى كلّ مكلّف وبالنسبة إلى جميع العصور؛ لأنّها لا تدلّ على ذلك إلّا إذا فُهم منها أنّ الأحدث هو الحكم الواقعي، وأنّ الأوّل واقع موقع التقية أو نحوها، مع أنّه لا يفهم منها أكثر من أنّ مَنْ أُلقي إليه البيان خاصّة حكمه الفعلي ما تضمّنه البيان الأخير، وليست ناظرةً إلى أنّه الحكم الواقعي، فلربّما كان حكماً ظاهرياً بالنسبة إليه من باب التقية، كما أنّها ليست ناظرةً إلى أنّ هذا الحكم الفعلي هو حكم كلّ أحد وفي كلِّ زمان.

وذهب إلى ذلك أيضاً جماعة منهم السيّد الشهيد الصدر (قدس سره)،من أنّ (الصحيح عدم صحة الترجيح بالأحدثية)(3)، وأنّ مفاد هذه الطائفة من الروايات أمر آخر.

أمّا عدم صحّة الترجيح بالأحدثيّة؛ فلأنّ (الترجيح بالأحدثيّة حكم تعبّدي بحت، لا يطابق القواعد العقلائيّة المرتكزة في باب الطريقيّة فلا محالة يقتصر فيه على مورد النصّ بعد أن لم يكن فيه إطلاق لفظي، فإنّ كلمات الأئمّة (علیهم السلام) تنظر جميعاً إلى وقت

ص: 259


1- الكافي: 1/67 ح 8.
2- يلاحظ نهاية الدراية في شرح الكفاية: 3/ 365.
3- بحوث في علم الأصول: 7 / 367.

واحد وتكشف عن حكم شُرّع في صدر الإسلام فلا أثر لمجرّد كون أحد الخبرين أحدث من الآخر صدوراً في الكاشفيّة والطريقيّة التي هي ملاك الحجّيّة والاعتبار، ومورد هذه الطائفة يتضمّن خصوصيتين:

أُولاهما: كون الحديثين قطعيين سنداً ومسموعين عن الإمام (علیه السلام) مباشرةً، فلا يمكن التعدّي منهما إلى الظنّيّين؛ لاحتمال دخل القطع بالصدور في هذا الحكم؛ إذ ليس حكماً واقعيّاً حتى يكون ظاهرُ أخذِ قيد القطع في لسان دليله كونه طريقاً إلى الواقع المقطوع به، بل هو حكم ظاهري تعبّدي يُعقل أن يكون للشكّ واليقين دخل فيه.

وثانيتهما: معاصرة السامع للحديث الأحدث وحضوره في مجلس الصدور؛ لأنّ المفروض فيها ذلك بمقتضى قوله (علیه السلام) (ثُمَّ جئتني من قابل فحدَّثتك بخلافه) فلعلَّ لهذه الخصوصيّة دخلاً في الحكم المذكور أيضاً.

وهذه الخصوصيّة بنفسها يمكن إبرازها أيضاً في رواية معلّى بن خنيس، (قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) : إذا جاء حديث عن أوّلكم وحديث عن آخركم بأيّهما نأخذ؟ فقال: خذوا به حتى يبلغكم عن الحيّ فإن بلغكم عن الحيّ فخذوا بقوله).

فإنّ الرواية قد لا يتّجه في حقّها احتمال اختصاصها بمعلومي الصدور؛ لأنّه قد عُبّر فيها بمجيء الحديث الذي قد يدّعى إطلاقه للأخبار الآحاد، إلّا أنّ الخصوصية الثانية واضحة في موردها، مضافاً إلى ضعف سندها)(1).

وأمّا كون مفاد هذه الطائفة أمراً آخر فتوضيح ذلك:

(أنّ الحديث الأحدث المسموع من الإمام (علیه السلام) فيه ظهوران. أحدهما: الظهور في كونه بصدد بيان الحكم الواقعي العام. والثاني: ظهوره في بيان وظيفة السامع الفعليّة

ص: 260


1- بحوث في علم الأصول: 7/ 365 - 366.

التي قد تكون واقعيّةً، وقد تكون لظروف التقية - كما في قصة علي بن يقطين مع الإمام موسى بن جعفر (علیه السلام) - والظاهر أنّ المقصود من الأخذ بالأحدث في هذه الروايات ملاحظة الظهور الثاني في حقّ السامع، والتأكيد على لزوم اتباعه على كلّ حال، لا ترجيح الأحدث بلحاظ ظهوره الأوّل الكاشف عن الحكم الواقعي العام.

وممّا يشهد لهذا الفهم - مضافاً إلى كون الأحدثيّة لا تتضمّن أيّة مناسبة عقلائيّة للترجيح في باب الحجّيّة فمن المستبعد جداً افتراض دخلها شرعاً في هذا الباب - التفات السائل لهذا الترجيح بنفسه، حيث أجاب على سؤال الإمام بأنّه يأخذ بالأحدث، ممّا يعني أنّ هذا المعنى كان واضحاً مركوزاً لدى العرف، وذلك لا يكون إلّا بالاعتبار الذي أوضحناه.

وأيضاً ممّا يعزّز هذا الفهم ما ورد في ذيل رواية الكناني من قوله (علیه السلام) : (أبى الله إلّا أنْ يُعبد سراً، أما والله لئن فعلتم ذلك إنّه لخير لي ولكم، وأبى الله عزّ وجلّ لنا ولكم في دينه إلّا التقيّة). وهذا صريح في أنّ نظر الإمام (علیه السلام) - على تقدير صدور الحديث - إلى ما هو وظيفة السامع بالفعل ولو من أجل التقية.

وأخيراً يمكننا أن نستظهر هذا المعنى من هذه الروايات وما افتُرض فيها من سماع المكلف بنفسه الحديث المخالف لما كان يعرفه من رأي الامام (علیه السلام) سابقاً، الذي يعني قطعية الحديثين سنداً ودلالةً المستدعي حصول القطع عرفاً بأنّ ما وافق منهما العامّة إنّما صدر مراعاةً لظروف التقية المُعاشة وقتئذٍ، فيكون مساقها مساق روايات أخرى وردت بهذا الشأن، من قبيل رواية أبي عبيدة عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: (قال لي: يا زياد، ما تقول لو أفتينا رجلاً ممن يتولّانا بشيء من التقية؟ قال: قلت له: أنت أعلم جُعلت فداك، قال: إن أخذ به فهو خير له وأعظم أجراً، قال: وفي رواية اخرى: إن أخذ به أُجر، وإن تركه

ص: 261

والله أُثم).

وما عن الخثعمي قال: (سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: من عرف أنّا لا نقول إلّا حقّاً فليكتفِ بما يعلم منّا، فإن سمع منّا خلاف ما يعلم فليعلم أنّ ذلك دفاع منّا عنه).

فالصحيح عدم صحّة الترجيح بالأحدثيّة)(1).

الثّالثة: ما يكون مضمون الخبر أقرب إلى الواقع في النظر، ويسمّى بالمرجّح المضموني، مثل موافقة الكتاب والسُنّة.

المقدّمة الثّانية

قد أشرنا فيما تقدّم إلى وقوع الخلاف في وجوب الاقتصار على المرجّحات المخصوصة المنصوصة، أو التعدّي عنها إلى غيرها، على قولين رئيسين(2):

الأوّل: وجوب التعدِّي إلى كلِّ ما يوجب الأقربيّة إلى الواقع نوعاً(3)، وهو قول الشيخ الأعظم (قدس سره) في فرائد الأصول(4)، ووصفه العلّامة المظفر (قدس سره) بأنّه القول المشهور.

الثّاني: وجوب الاقتصار على المرجّحات المنصوصة، وهو الذي يظهر من كلام الشيخ الكليني في مقدّمة الكافي(5)، ومال إليه صاحب الكفاية (قدس سره) (6)، وهو لازم طريقة

ص: 262


1- بحوث في علم الأصول: 7/ 366 - 367.
2- هناك قول آخر، وهو: التفصيل بين صفات الراوي فيجوز التعدّي فيها، وبين غيرها فلا يجوز، وقد ذكر هذا القول العلّامة المظفر (قدس سره) (3 / 261) من دون أن يُسمّي القائل به.
3- وفي مقابلِه قول بالتعدّي إلى ما يوجب الظنَّ الشخصي بالصدق والموافقة للواقع.
4- يلاحظ فرائد الأصول: 2/ 780.
5- يلاحظ الكافي: 1/ 8.
6- يلاحظ كفاية الأصول: 509.

الأخباريين في الاقتصار على نصوص الأخبار والجمود عليها.

وقد اُستدلّ لكلٍّ من القولين بأدلّة كثيرة.

أمّا أدلّة القول بوجوب التعدّي فأهمّها أربعة:

أوّلها: أنّ من جملة المرجّحات المنصوصة الأصدقيّة الواردة في المقبولة، والأوثقيّة الواردة في المرفوعة، ونحوهما كالأعدليّة والأورعيّة، لما فيه من الدلالة على أنّ المناط في الترجيح بها هو كونها موجبة للأقربيّة إلى الواقع، لا جهة موضوعيّتها، وإذا كان هذا هو المناط في أخذها فلا بُدّ من التعدّي عنه لكلِّ ما يتحقّق معه القرب إلى الواقع لتحقّق المناط فيه(1).

ثانيها: أنّ التعليل الوارد وجهاً لتقديم الرواية المشهورة على غير المشهورة هو كون المشهور ممّا لا ريب فيه. وعليه فلا بُدّ من استظهار أنّ العلّة هي عدم الريب فيه بالإضافة إلى الخبر الآخر، لا نفي الريب حقيقةً، فالمشهور لكونه أقلّ ريباً يترجّح على غيره، ولو كان فيه ألف ريب، وإذا كان الأمر كذلك فلا بُدّ من التعدّي لكلّ ما كان الريب فيه أقلّ(2).

ثالثها: أنّ التعليل الوارد لترجيح ما خالف العامّة هو كون الرشد في خلافهم؛ لأنّه أقرب إلى الواقع؛ لوضوح مخالفة أحكامهم للواقع، فهذا التعليل يدلّ على أنّ المناط في الترجيح هو القرب إلى الواقع. وعليه فلا بُدّ من التعدّي لكلّ مزيّة توجب القرب إلى الواقع لتحقّق المناط فيه(3).

ص: 263


1- المصدر نفسه، بتصرف.
2- المصدر نفسه، بتصرف.
3- المصدر نفسه، بتصرف.

رابعها: بناء العقلاء على العمل بكلِّ ما هو أقرب إلى الواقع من الخبرين المتعارضين، أي أنّ العقلاء وأهل العرف في مورد التعارض بين الخبرين غير المتكافئين لا يتوقّفون في العمل بما هو أقرب إلى الواقع في نظرهم، ولا يبقون في حيرة من ذلك، وإن كانوا يعملون بالخبر الآخر المرجوح لو بقي وحده بلا معارض، وإذا كان للعقلاء مثل هذا البناء العملي فإنّه يستكشف منه رضا الشارع وإمضاؤه(1).

ويؤيّد ذلك ما حكي عن العلاّمة الحلي (قدس سره) في النهاية من دعوى الإجماع من الصحابة على ذلك في جميع الموارد، حيث قدّموا ما ورد من أنّه: (إذا التقى ختانان فقد وجب الغسل) على خبر أبي هريرة: (إنّما الماء من الماء)، ومثل ما قدّموا خبر أبي هريرة (من أصبح جنباً فلا صوم له) على خبر عائشة: (إنّ النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) كان يصبح جنباً وهو صائم)، ونحو ذلك من تقديم بعض الأخبار على بعض(2).

بل ادّعى صاحب مفاتيح الأصول(3) الإجماع على وجوب الترجيح لعدم المخالف منّا، إلّا ما حكي عن خروج من لا يضرّ خروجه في تحقّق الإجماع، ألا ترى أنّ القوم قدّموا الخبر المروي في الكتب الأربعة على الخبر المنقول في غيرها، وقدّموا رواية الكليني في الكافي على رواية الشيخ (قدس سره) وغيره؛ لكون الكليني أضبط، وقدّموا خبر من لا يحضره الفقيه لالتزام الصدوق (قدس سره) فيه بأنّه لا يروي إلّا عن ثقة، وأنّه يعمل به ويفتي بمضمونه، وهذه كلّها من المرجّحات غير المنصوصة.

ص: 264


1- يلاحظ: أصول الفقه: 3/261-262
2- يلاحظ: مفاتيح الأصول: 687 (ط. حجر)، بحر الفوائد في شرح الفرائد: 4/ 43.
3- مفاتيح الأصول: 686، الخاتمة في التعادل والتراجيح، السيّد محمّد الطباطبائي، طبعة محمّد حسين الحجرية - طهران.

وقد أجاب صاحب الكفاية عن الأدلة الثلاثة الأُوَل بقوله: (ولا يخفى ما في الاستدلال بها:

أمّا الأوَّل فإنّ جعل خصوص شيء فيه جهة الإراءة والطريقيّة حجّةً أو مرجّحاً لا دلالة فيه على أنّ الملاك فيه بتمامه جهة إراءته، بل لا إشعار فيه كما لا يخفى، لاحتمال دخل خصوصيّته في مرجّحيّته أو حجّيته، لاسيّما قد ذكر فيها ما لا يحتمل الترجيح به إلّا تعبّداً، فافهم.

وأمّا الثّاني فلتوقّفه على عدم كون الرواية المشهورة في نفسها ممّا لاريب فيها، مع أنّ الشهرة في الصدر الأوَّل بين الرواة وأصحاب الأئمة (علیهم السلام) موجبة لكون الرواية ممّا يُطمأن بصدورها، بحيث يصح أن يقال عرفاً: إنّها ممّا لا ريب فيها، كما لا يخفى. ولا بأس بالتعدّي منه إلى مثله ممّا يوجب الوثوق والاطمئنان بالصدور، لا إلى كلِّ مزيةٍ ولو لم يوجب إلّا أقربيّة ذي المزية إلى الواقع من المعارض الفاقد لها.

وأمّا الثّالث فلاحتمال أن يكون الرشد في نفس المخالفة لحسنها. ولو سُلّم أنّه لغلبة الحقّ في طرف الخبر المخالف، فلا شبهة في حصول الوثوق بأنَّ الخبر الموافق المعارَض بالمخالف لا يخلو من الخلل صدوراً أو جهةً، ولا بأس بالتعدّي منه إلى مثله)(1).

وأمّا جواب الدّليل الرّابع فإنّ المعلوم هو تباني العقلاء على إسقاط حجّيّة الخبرين المتعارضين معاً، مع قطع النظر عن أقربيّة أحدهما إلى الواقع، وما يظهر من عمل العقلاء بما هو أقرب للواقع فهو من باب تحرّي الواقع، لا من باب المعذّريّة والمنجّزيّة، فتأمّل.

وأمّا دعوى الإجماع من قبل الصحابة - فضلاً عن سيرتهم على ترجيح الأقرب -

ص: 265


1- كفاية الأصول: 510.

فغير مسلّمة، لعدم وجود دليلٍ يدلّ على أنّه لم يكن اجتهاداً من المذكورين أو استحساناً شخصيّاً، وكيفما كان فهو لا يكشف عن قول المعصوم (علیه السلام) .

وأمّا الإجماع المدّعى من أمثال صاحب المفاتيح (قدس سره)،فهو منقوض بمخالفة مثل المحقّق القمي، والشيخ الكليني (قدس سره) في مقدّمة الكافي، وصاحب الكفاية (قدس سره) والأخباريين كلّهم، كما تقدّم بيانه.

مضافاً إلى أنّ الإجماع المدّعى - على فرضه - مدركيٌّ، لا يكشف عن قول المعصوم (علیه السلام) لا حسّاً ولا حدساً صحيحاً.

ولا يخفى أنّ مقتضى القاعدة الأوّليّة في المتعارضين - على ما ذهب إليه المشهور - هو التساقط ولا يخرج عن هذه القاعدة إلّا بمقتضى ما دلّت عليه الأخبار العلاجيّة، وهي لم تدلّ إلّا على الترجيح بالمرجّحات المنصوصة، وعليه فلا مجال للخروج عن القاعدة الأوّليّة - وهي التساقط - حتى مع وجود مرجّحات غير منصوصة.

نعم، هنالك أخبار استفاضت بل تواترت في عدم التساقط، غير أنّ آراء الفقهاء اختلفت في استفادة نوع الحكم منها، لاختلافها على ثلاثة أقوال:

الأوّل: التخيير في الأخذ بأحدهما، وهو مختار المشهور بل نُقل الإجماع عليه.

الثّاني: التوقّف بما يرجع إلى الاحتياط في العمل، ولو كان الاحتياط مخالفاً لهما كالجمع بين القصر والإتمام في مورد تعارض الأدلّة بالنسبة إليهما.

وإنّما كان التوقّف راجعاً إلى الاحتياط، لأنّ التوقّف يراد منه التوقّف في الفتوى على طبق أحدهما، وهذا يستلزم الاحتياط في العمل، كما في المورد الفاقد للنصّ مع العلم الإجمالي بالحكم.

الثّالث: وجوب الأخذ بما طابق منهما الاحتياط، فإن لم يكن فيهما ما يطابق

ص: 266

الاحتياط تخيّر بينهما.

وللنظر في هذه الأخبار لاستظهار الأصحّ من الأقوال محلّ آخر.

وإذا اتّضحت هاتان المقدّمتان، فاعلم أنّه قد وقع الخلاف في أنّ هذه المرجّحات (الصدوريّة والجهتيّة والمضمونيّة) هل هي مترتّبة عند التعارض بينها، أم أنّها في عرض واحد؟ قولان:

أوّلهما: أنّها مترتّبة، وفيه أقوال أيضاً:

الأوّل: أنّ المرجّح الجهتي مقدّم على سائر المرجّحات، فالمخالف للعامّة أولى بالتقديم من الموافق لهم وإن كان مشهوراً، وهو ما نسبه صاحب الكفاية (قدس سره) للوحيد البهبهاني (قدس سره)،ولمنْ عبَّر عنه ببعض أعاظم المعاصرين، ويعني به المحقّق الرشتي صاحب البدائع، ووصفه بالمبالغة فيه، حيث قال: (وانقدح بذلك أنّ حال المرجّح الجهتي حال سائر المرجّحات في أنّه لا بُدّ في صورة مزاحمته مع بعضها من ملاحظة أنّ أيّهما فعلاً موجب للظنّ بصدق ذيه بمضمونه، أو الأقربيّة كذلك إلى الواقع، فيوجب ترجيحه وطرح الآخر، أو أنّه لا مزيّة لأحدهما على الآخر، كما إذا كان الخبر الموافق للتقية بما له من المزيّة مساوياً للخبر المخالف لها بحسب المناطين، فلا بُدّ حينئذٍ من التخيير بين الخبرين، فلا وجه لتقديمه على غيره، كما عن الوحيد البهبهاني (قدس سره) وبالغ فيه بعض أعاظم المعاصرين أعلى الله درجته)(1).

الثّاني: أنّ المرجّح المضموني مقدّم على المرجّح الصدوري، والمرجّح الصدوري مقدّم على المرجّح الجهتي. وهو ما ذهب إليه الشيخ الأعظم (قدس سره) (2).

ص: 267


1- كفاية الأصول: 518.
2- لاحظ فرائد الأصول: 4/ 113وما بعدها، كفاية الأصول: 518.

الثّالث: لزوم الترتيب وفق الوارد في روايات الترجيح، بأن يقدّم - مثلاً حسبما يظهر من المقبولة - المشهور، فإن تساويا في الشهرة قُدّم الموافق للكتاب والسُنّة، فإن تساويا في ذلك قدّم ما يخالف العامّة (1).

الرّابع: تقديم المرجّح الصدوري على المرجح الجهتي، وتقديم المرجّح الجهتي على المضموني، فيقدّم المشهور الموافق للعامّة - مثلاً - على الشاذّ المخالف لهم. وهذا هو ما ذهب إليه المحقّق النائيني (قدس سره) اعتماداً على توقّف التعبّد بالمضمون على التعبّد بجهة الصدور، والأخير يتوقّف على التعبّد بالصدور، والمتوقَّف عليه يقدّم على المتوقِّف، قال (قدس سره) في الفوائد: (إنّ التعبّد بجهة الصدور فرع التعبّد بالصدور والظهور، كما أنّ التعبّد بكون المضمون تمام المراد فرع التعبّد بجهة الصدور، بداهة أنّه لا بُدَّ من فرض صدور الخبر لبيان حكم الله الواقعي حتّى يتعبّد بكون مضمونه تمام المراد، لا جزءه... وعلى كلّ حال، لا إشكال في أنّ التعبّد بجهة الصدور يتوقّف على التعبّد بالصدور، والتعبّد بالمضمون يتوقّف على التعبّد بجهة الصدور، ولازم ذلك هو تقديم المرجّح الصدوري على المرجّح الجهتي عند التعارض بينهما، كما هو ظاهر أدلّة الترجيح)(2).

ثانيهما: عدم الترتيب أصلاً، وأنّها جميعاً في عرض واحد، فلو كان أحد الخبرين المتعارضين واجداً لبعض المرجّحات المنصوصة، والخبر الآخر واجداً لبعضٍ آخر وقع التزاحم بينهما، فيقدّم الأقوى مناطاً، فإن لم يكن أحدهما أقوى مناطاً تُخُيّر بينهما، وهو ما ذهب إليه صاحب الكفاية (قدس سره)،حيث قال: (ثمّ إنّه لا وجه لمراعاة الترتيب بين المرجّحات لو قيل بالتعدّي، وإناطة الترجيح بالظنّ، أو بالأقربيّة إلى الواقع ضرورة أنّ

ص: 268


1- الوافية: 325 وما بعدها، أصول الفقه: 3/ 257، بتصرّف.
2- فوائد الأصول: 4/ 780 - 781.

قضية ذلك تقديم الخبر الذي ظُنّ صدقه، أو كان أقرب إلى الواقع منهما، والتخيير بينهما إذا تساويا، فلا وجه لإتعاب النفس في بيان أنّ أيّهما يقدّم أو يؤخّر إلّا تعيين أنّ أيّهما يكون فيه المناط في صورة مزاحمة بعضها مع الآخر)(1).

ولا بُدّ من التنبيه على أنّ للقول بالتعدّي عن المرجّحات المنصوصة وعدمه أثراً في هذه الأقوال؛ إذ إنّ كلّا ً من القول الأوّل والثاني والرابع مبتنٍ على القول بوجوب الاقتصار على المرجّحات المنصوصة، لذلك ترى العلّامة المظفر (قدس سره) قد فصَّل اعتماداً على ذلك، فذهب إلى أنّ مقتضى البناء على القول بوجوب الاقتصار على المرجّحات المنصوصة (أن يُرجع إلى مدى دلالة أخبار الباب، وإلى ما ينبغي من الجمع بينها من الجمع العرفي فيما اختلفت فيه)(2).

وأمّا مقتضى البناء على القول بالتعدّي إلى غير المرجّحات المنصوصة، فإنّه (لا قاعدة هناك تقتضي تقدّم أحد المرجحات على الآخر، ما عدا الشهرة التي دلّت المقبولة على تقديمها، وما عدا ذلك فالمُقدّم هو الأقوى مناطاً، أي ما هو الأقرب إلى الواقع في نظر المجتهد، فإن لم يحصل التفاضل من هذه الجهة فالقاعدة هي التساقط لا التخيير، ومع التساقط يرجع إلى الأصول العملية التي يقتضيها المورد)(3).

ولكلِّ قولٍ من هذه الأقوال - التي عرضنا أهمّها، وهناك غيرها كثير - أدلّته الخاصّة، التي يخرجنا ذكرها، ومناقشتها، وبيان ما هو الصحيح منها، عن المقصود من إعداد هذه الرسالة.

ص: 269


1- كفاية الأصول: 518.
2- أصول الفقه: 3/ 257- 258.
3- أصول الفقه: 3/ 260.

المستوى الثّالث: في كون الشّهرة جابرةً للضعف السّندي أم لا

في كون الشّهرة جابرةً للضعف السّندي(1) أم لا

أمّا بالنسبة للشهرة الروائيّة فمجرّد كون الخبر مشهوراً بالشهرة الروائيّة(2) لا عبرة به في جبر الضعف السندي؛ إذ إنّ الشهرة الروائيّة أعمُّ من الصحّة، لذلك تراهم يعدُّون المشهور بمجرد الشهرة الروائية - أي من دون شهرة عملية - من أحد أقسام الخبر الضعيف، كما صنع ذلك الشهيد الثاني في درايته، حيث قال: (ومنها ما يختصّ بالضعيف، وهو ثمانية... ثامنها المشهور)(3).

نعم، لا مانع من ذلك إذا انضمَّ إليها اعتماد المشهور وعمَلُهم بأنْ تكون مشهورةً بالشهرة العمليّة أيضاً بعد أنْ بيَّنا فيما سبق أنّ النسبة بينهما العموم من وجه.

وذكر المحقّق النائيني وجهاً آخر يوجِب كون الشهرة الروائيّة مُدخِلةً للخبر الضعيف غير الموثوق بصدورهِ في نفسه في الخبر الموثوق بصدوره، فيكون حجةً.

وحاصلهُ: أنَّ كثرة رواية أصحاب الأئمّة (علیهم السلام) لروايةٍ معينة - ولو كان في سندها منْ

ص: 270


1- قد بحث المحقّق النائيني (قدس سره) - على ما نقله في أجود التقريرات (3/ 277) - جابرية الشهرة للضعف الدلالي، فحيث إنَّ موضوع الحجّيّة هو كون اللفظ بنفسهِ ظاهراً في المعنى ومُلقياً له في الخارج، حكمَ باستحالة تحقّق ذلك بالشهرة الخارجيّة؛ إذ غاية ما يحصل من الشهرة هو الظنّ بكون الحكم الذي أفتى به المشهور مراداً من الرواية، وهو أجنبي عن ظهور اللفظ في المعنى، الذي هو موضوع الحجّيّة.
2- التي تعني اشتهار الرواية بين الرواة وتدوينها في كتب الحديث.
3- الرعاية في شرح البداية: 33 وما بعدها.

لا يوثَق به - لا ريب توجِب الظنّ الاطمئناني باحتفافها بقرينةٍ أوجبتْ اشتهارها بين الأصحاب؛ لقُرْب عهدهم من زمان صدورها، فيكشف ذلك عن تثبتهم فيها، ووقوفهم على ما يوجِب اطمئنان النفس بصدورها، لذلك اشترط في الشهرة الجابرة كونها بين قدماء الأصحاب(1).

أمّا الشهرة العمليّة فترى المحقّق النائيني (قدس سره) (تارةً) يجزم باستحالة إحرازها مطلقاً؛ لأنّها إنّما تكون في عصر الحضور أو ما قاربَهُ قبل تأليف كتب الفتوى، فالذي لنا إليه سبيل هو الشهرة الفتوائيّة(2).

(وأخرى) يُفصِّل بين ما كانت الشهرة عمليَّة استناديّة بين القدماء فيشملها دليل الحجيّة؛ فهي وإنْ كانت ضعيفةً في نفسها إلّا أنّها تكشف بحسب العادة عن اطّلاعهم على قرائن فيها أوجبتْ اطمئنانهم بصدورها حتى صارت مَدرَكاً لفتواهم.

وبين ما كانت بين المتأخّرين البعيد عصرهم عن عصر الصدور فلا توجِب دخول الرواية فيما يوثَق بصدورهِ حتى يشملها دليل الحجّيّة؛ وذلك لِبُعْدِ اطلاعهم عادةً على قرائن موجبة للاطمئنان بالصدور، وإنْ كانوا بحسب النظر أدقَّ من القدماء خصوصاً الطبقة الوسطى منهم (قدس سرهم)،فغاية ما يحصل من الشهرة هو الظنّ بمطابقة مضمون الرواية للحكم الواقعي، في حين أنّ موضوع دليل الحجّيّة هو الوثوق بصدور الرواية.

بل ألحقَ بالأخيرة - في هذا الموضع - في عدم الحجّيّة الشهرةَ الفتوائيّة المطابقيّة أيضاً ولو كانت من القدماء؛ لنفس السبب المتقدِّم(3).

ص: 271


1- أجود التقريرات: 3/ 276، بتصرّف.
2- يلاحظ: فوائد الأصول: 4/ 787.
3- أجود التقريرات: 3/ 277، بتصرّف.

فينحصر البحث في جابريّة الشهرة للضعف السندي في الشهرة الفتوائيّة التي تقدَّم منّا بيان معناها وهو اشتهار الفتوى بين أرباب الفتاوى من قدماء الأصحاب، الذين يقرب عصرهم من عصر الأئمّة (علیهم السلام)،فقد ذهب مشهور المتأخرين إلى أنّها جابرة للضعف السندي، بحيث أصبحوا يُعبِّرون عنها - أحياناً - بالقاعدة، وقد اشترطوا في الشهرة لتكون جابرةً شرطين:

الأوّل: أن تكون الشهرة واقعة بين قدماء الأصحاب الذين يقرب عصرهم من عصر الأئمّة (علیهم السلام).

الثّاني: إحراز استناد الفقهاء للخبر في مقام الإفتاء؛ إذ إنّ العمل بالخبر الضعيف أعمّ من أن يكون مستنده شهرة هذا الخبر، بل يمكن أن يكون مستندهم في ذلك خبر آخر ليس بضعيف، أو كانوا مستندين إلى أصلٍ عملي أو عقلائي، أو أنّهم يفتون بإفتاء دون التصريح بمنشئه، أو لم تكن لهم فتوى منافية لمضمون الخبر الضعيف.

وقد أشار إلى هذين الشرطين المحقّق النائيني (قدس سره) حيث قال: (إنَّ الترجيح والجبر يتوقّف على الاستناد والاعتماد إلى الرواية، ولا يكفي في ذلك مجرّد مطابقة الفتوى لمضمون الرواية، كما لا يكفي في الترجيح والجبر عمل المتأخّرين بالرواية واستنادهم إليها، فإنَّ العبرة على عمل المتقدّمين من الأصحاب بالرواية لقُرْب زمانهم بزمان الأئمّة (علیهم السلام)،ومعرفتهم بحال الرواة، وتشخيصهم غثَّ الرواية عن سمينها، فلا أثر لشهرة المتأخّرين واستنادهم إلى الرواية ما لم تتصل بشهرة المتقدّمين)(1).

وقد أضاف سيدنا الأستاذ (دامت افاداته) شرطاً آخر وهو أن يكون ضعف السند واضحاً جليّاً، قال (دامت افاداته): (إنّ مورد الجبر - لو قيل به - ما إذا كان ضعف السند واضحاً جليّاً،

ص: 272


1- فوائد الأصول: 4/ 787.

ومع ذلك اعتمد الأصحاب على الرواية وعملوا بها وأفتوا بمضمونها، فإنّه قد يقال في مثل ذلك: إنَّ عمل المشهور بالرواية الضعيفة يكشف إمّا عن ورود تلك الرواية بطريقٍ آخر معتبرٍ لم يصل إلينا، أو أنّه قد توفّرت الشواهد المورثة للاطمئنان عادةً بصدور الرواية عن المعصوم؛ إذ لو لم يكن كذلك لما ذهب الأصحاب كلّهم أو جلُّهم إلى العمل بها مع اختلاف مشاربهم ومسالكهم.

والملاحظ أنَّ هذا كلام لا يتمُّ فيما إذا احتُمل أنْ يكون منشأ الاعتماد على الرواية هو الاعتقاد بأنّ الراوي الفلاني المذكور في السند متحدٌ مع راوٍ متفق على وثاقته، ولكنْ لم يثبت عندنا الاتحاد بينهما (في خصوص سويد القلاء وسويد بن مسلم القلاء)، أو ثبت الاختلاف بينهما، ولذلك كانت الرواية عندنا ضعيفة السند.

فإنّه إذا احتُمل أنْ يكون منشأ اعتمادهم على الرواية هو اعتقادهم بالاتّحاد لا يحرز وجود طريق آخر للرواية خالٍ من الخدش، ولا توفّر شواهد تورث الاطمئنان بصدور الرواية عادة بالرغم من ضعف سندها، فلا يصحُّ القول في مثلِه بأنَّ عمل الأصحاب يوجب جبْر ضعف السند، كما لعلَّه واضح)(1).

وقد استدلَّ المشهور على ما ذهبوا إليه من جابريّة الشهرة للضعف السندي بوجوه، يمكن أن يكون عمدتها أنّ موضوع حجّيّة خبر الواحد هو الخبر الموثوق، بقطع النظر عن منشأ الوثوق، فقد يكون منشؤه وثاقة الراوي كما في الصحيح، وقد يكون منشؤه استناد مشهور الفقهاء من قدماء الطائفة إليه، كما في اشتهار العمل بالخبر وإنْ كان ضعيفاً، فوثاقة الراوي ليست هي المناط الوحيد في تنقيح موضع الحجّيّة لخبر الواحد.

ص: 273


1- قبسات من علم الرجال: 2/ 308 - 309.

ويمكن أن يَرِد على رأي المشهور إشكال صغرويٌّ حاصله: أنّ تماميّة دعوى الانجبار منوطة بإحراز استناد مشهور القدماء للخبر الضعيف في مقام العمل، ودون ذلك خرط القتاد؛ وذلك لأنّه ليس للمشهور كتب استدلاليّة يمكن التعرّف بواسطتها على ما هو مستندهم في هذه الفتوى أو تلك، وهل أنّ مستند هذه الفتوى المطابقة لمؤدّى الخبر الضعيف هو نفس الخبر، أو أنّ المستند لذلك هو دليل آخر؟ وبهذا لو سلّمنا بتماميّة كبرى الانجبار فإنّه لا ثمرة مترتّبة عليها بعد أن لم يكن إحراز الصغرى - وهو الاستناد - ميسوراً.

وقد أجاب عن ذلك المحقّق النائيني (قدس سره) (بأنّ الأمر ليس بتلك المثابة من الإشكال، فإنّه إذا توافقت شهرة المتأخّرين مع شهرة المتقدّمين على الفتوى بمضمون الرواية، وكانت الفتوى على خلاف ما تقتضيه القاعدة، ولم يكن فيما بأيدينا ما يصلح لأنْ يكون مستنداً لفتوى المتقدّمين إلّا ما استند إليه المتأخّرون من الرواية، فيكشف ذلك كشفاً عادياً على أنّ مستند المتقدّمين هو تلك الرواية، فإنّ احتمال أن يكون للمتقدّمين مستند آخر غير ما استند إليه المتأخّرون - وقد خفي عليهم - بعيد غايته.

بل لا ينبغي احتماله، فإنَّ اتصال المتأخّرين بالمتقدّمين مع انحصار المستند عند المتأخّرين بما بأيدينا من الرواية يمنع عن احتمال اختلاف مستند المتقدّمين لمستند المتأخّرين، بل لو ادَّعى أحد القطع باتحاد المستند لم يكن في دعواه مجازفاً.

نعم، لو كانت شهرة المتأخّرين على طبق ما تقتضيه القاعدة وإن استندوا إلى الرواية أيضاً، فلا مجال لاستكشاف كون مستند المتقدّمين تلك الرواية؛ لأنّه يحتمل قريباً أن يكون مستند المتقدّمين في الفتوى هو ما اقتضته القاعدة لا الرواية، فلا أثر لشهرة المتأخّرين واستنادهم إلى الرواية.

ص: 274

وكذا لا أثر لشهرة المتأخّرين والمتقدّمين لو فرض أنّه لم يكن فيما بأيدينا من الكتب ما يصلح أن يكون مستنداً لفتواهم ولو كانت الفتوى على خلاف القاعدة، فإنّ أقصى ما يستفاد من اشتهار الفتوى بين المتأخّرين والمتقدّمين هو استنادهم في الفتوى إلى ما يكون حجّة عندهم؛ لأنّ عدالتهم تأبى عن الفتوى بلا مستند، ولكنَّ مجرّد ذلك لا يقتضي وجوب موافقتهم في الفتوى؛ لعدم العلم بالمستند وكيفيّة دلالته - إلى أن قال - فتحصَّل: أنّه إذا توافقت شهرة المتأخّرين وشهرة المتقدّمين في الفتوى على خلاف ما تقتضيه القاعدة، وكان فيما بأيدينا من الكتب - ولو لم تكن من الكتب المعتبرة كدعائم الإسلام والأشعثيّات والفقه الرضوي - رواية على فتوى المشهور، فهذه الشهرة تكون مرجّحة للرواية إذا كانت معارضةً مع غيرها، وجابرةً لضعف سندها ولو مع عدم المعارضة.

وأمّا إذا خالفتْ شهرة المتأخّرين مع شهرة المتقدّمين في الفتوى - كما اتّفق ذلك في عدّة مواضع، منها جواز الصلاة في السنجاب - فالعبرة إنّما تكون بشهرة المتقدّمين. وممّا ذكرنا ظهر وجه الحاجة إلى تحصيل شهرة المتقدّمين على الفتوى، فتأمّل جيّداً)(1).

وفي مقابل ما ذهب إليه المشهور ذهب جماعة إلى منع كون الشهرة جابرةً للضعف السندي، منهم الشهيد الثاني والسيّد الخوئي (قدس سرهما) وآخرون، حيث قال الأوّل في معرض مناقشته للمُجوِّزين للعمل بالضعيف مع اعتضاده بالشهرة: (إنّا نمنع من كون هذه الشهرة التي ادَّعوها مؤثّرةً في جبر الخبر الضعيف؛ فإنَّ هذا إنّما يتمُّ لو كانت الشهرة متحقّقة قبل زمن الشيخ (قدس سره)، والأمر ليس كذلك، فإنَّ مَنْ قبلَه من العلماء كانوا بين

ص: 275


1- فوائد الأصول: 4/787 - 789.

مانعٍ من خبر الواحد مطلقاً - كالسيّد المرتضى والأكثر، على ما نقله جماعة - وبين جامعٍ للأحاديث من غير التفاتٍ لتصحيح ما يصحُّ وردِّ ما يُرَد.

وكان البحث عن الفتوى مجرّدةً لغير الفريقين قليلاً جداً، كما لا يخفى على مَنْ اطّلع على حالهم.

فالعمل بمضمون الخبر الضعيف قبل زمن الشيخ على وجهٍ يجبر ضعفه، ليس بمتحقّق، ولمّا عمل الشيخ بمضمونه في كتبه الفقهيّة جاء من بعده من العلماء واتَّبعهُ منهم عليها الأكثر تقليداً له، إلّا منْ شذَّ منهم، ولم يكن فيهم منْ يسبر الأحاديث وينقّب عن الأدّلة بنفسه سوى الشيخ المحقّق ابن إدريس، وقد كان لا يُجيز العمل بخبر الواحد مطلقاً)(1).

وتبنّى السيّد الخوئي (قدس سره) الإشكال الصغروي المتقدِّم على إحراز استناد مشهور القدماء للخبر الضعيف في مقام العمل، ممّا يعني منْعَهُ من كون الشهرة جابرةً للضعف السندي.

ص: 276


1- الرعاية في شرح البداية: 29.

تنبيهان

التنبيه الأوّل

قد تقدَّم أنّه بناءً على أنَّ المناط في حجّيّة الخبر هو الوثوق بصدوره، فإنّ العمل بالخبر عند المشهور من القدماء ممّا يوجِب الوثوق بصدوره، يكون جابراً لضعفه السندي.

فكذلك العكس، فالمشهور أنّ إعراض الأصحاب عن الخبر يوجِب وهْنَه، وإن كان قوي السند، وراويه ثقة، بل كلّما قَوِيَ سند الخبر فأعرض عنه الأصحاب كان ذلك أكثر دلالةً على وهْنِه، قال المحقّق النائيني (قدس سره): (لا إشكال في كون الشهرة الفتوائيّة على خلاف مضمون الرواية تكون موهنةً لها على كلِّ حال؛ لأنّ إعراض الأصحاب عن الرواية أقوى موهنٍ لها)(1).

وفي قوله (موهنة لها على كلِّ حالٍ) نظر؛ إذ لا بدَّ من تقييده بما لم يعمل به المشهور حال كونه بمرأىً منهم ومسمع، وأمّا الذي احتُمل عدم اطلاعهم عليه فهو خارج عن محلّ الكلام، ولا يبعد جواز العمل به مع كونه صحيحاً في نفسه؛ إذ لا يصدق عليه أنّه مُعرَض عنه من قِبل المشهور؛ لأنّ الإعراض فرع الاطّلاع، ويساعد عليه ما ذكره صاحب الكفاية من أنَّ العبرة في الوهن إنّما هو الخروج بالمخالفة من تحت دليل الحجّيّة، فلا يبعد عدم وهن السند بالظنّ بعدم صدوره، وكذا عدم وهن دلالته مع ظهوره، إلّا فيما كشف بنحوٍ معتبر عن ثبوت خللٍ في سنده، أو وجود قرينةٍ مانعةٍ عن انعقاد ظهورهِ فيما فيه ظاهر(2).

ص: 277


1- فوائد الأصول: 4 / 787.
2- كفاية الأصول: 332 - 333، بتصرّف.

التنبيه الثّاني

أنَّه من المعروف عن المحقّقين من علمائنا أنّهم لا يقدمون على مخالفة المشهور إلّا مع دليلٍ قويٍ ومستندٍ جليٍ يصرفهم عن المشهور، بل ما زالوا يحرصون على موافقة المشهور، وتحصيل دليلٍ يوافقه ولو كان الدال على غيره أوْلى بالأخذ، وأقوى في نفسه، وما ذلك من جهة التقليد للأكثر، ولا من جهة قولهم بحجّيّة الشهرة، وإنّما منشأ ذلك إكبار المشهور من آراء العلماء، لاسيّما إذا كانوا من أهل التحقيق والنظر.

وهذه طريقة جارية في سائر الفنون؛ فإنَّ مخالفة أكثر المحقّقين في كلِّ صناعةٍ لا تسهل إلّا مع حجّةٍ واضحةٍ وباعثٍ قوي؛ لأنّ المُنصِف قد يشكُّ في صحّة رأيه مقابل المشهور، فيُجوِّز على نفسه الخطأ، ويخشى أن يكون رأيُه عن جهلٍ مركب، لاسيّما إذا كان قول المشهور هو الموافق للاحتياط(1).

وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، والصلّاة والسّلام على خير خلقهِ محمَّدٍ وآلهِ الطيّبين الطاهرين.

* * *

ص: 278


1- أصول الفقه: 3/ 169، بتصرّف.

مصادر البحث

القرآن الكريم.

1- أجود التقريرات: تقريراً لأبحاث الميرزا محمّد حسين الغروي النائيني (ت 1355ﻫ)، تأليف السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي (ت 1413ﻫ)، طبعة مؤسسة صاحب الأمر (علیه السلام) الطبعة الثانية 1430ﻫ- قم المقدسة.

2- أصول الفقه: الشيخ محمّد رضا المظفر (ت 1383ﻫ)، طبعة مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين - قم المقدّسة.

3- بحوث في علم الأصول: تقريراً لأبحاث السيّد محمّد باقر الصّدر (ت 1400ﻫ)، تأليف السيد محمود الهاشمي، طبعة مركز الغدير للدراسات الإسلامية، الطبعة الثانية 1417ﻫ- إيران.

4- جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة: الشيخ إسماعيل المعزي الملايري، مطبعة المهر - قم 1413ﻫ.

5- الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة: الشيخ يوسف البحراني (ت 1186ﻫ)، طبعة مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين - قم.

6- دروس في علم الأصول/ الحلقة الثالثة: السيّد الشهيد محمّد باقر الصدر (ت1400ﻫ) طبعة دار التعارف للمطبوعات - بيروت 1425ﻫ.

7- الرعاية في شرح البداية: الشهيد الثاني زين الدين بن علي الشاميّ العامليّ (ت965ﻫ)، منشورات الفيروزآبادي - قم 1414ﻫ.

ص: 279

8- عوالي اللآلئ العزيزية في الأحاديث الدينية: الشيخ محمّد بن علي بن إبراهيم المعروف بابن أبي جمهور الأحسائي (ت880ﻫ)، مطبعة سيّد الشهداء، الطبعة الأولى 1403ﻫ- قم.

9- فرائد الأصول: الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري (ت1281ﻫ)، طبعة لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الطبعة الأولى 1419ﻫ.

10- فوائد الأصول: الميرزا محمّد حسين الغروي النائيني (ت 1355ﻫ) بقلم المحقّق الشيخ محمّد علي الكاظمي (ت1365ﻫ) طبعة مؤسسة التاريخ العربي، الطبعة الأولى 1432ﻫبيروت.

11- قبسات من علم الرجال: السيّد محمّد رضا السيستاني، بقلم: السيّد محمّد البكاء، طبع ونشر: دار المؤرخ العربي، بيروت - لبنان، ط: الأولى 1437ﻫ.

12- الكافي: الشيخ أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (ت329 ﻫ)، طبعة دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثالثة 1363ش - طهران.

13- كفاية الأصول: الشيخ محمّد كاظم الآخوند الخراساني (ت1328ﻫ)، طبعة مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - الطبعة الأولى 1409ﻫ.

14- لسان العرب: جمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور الأنصاري (ت 711ﻫ)، طبعة دار المعارف - بيروت.

15- مباحث الحجج: تقريراً لأبحاث سماحة السيّد علي الحسيني السيستاني (دامة ظله العالی) بقلم: السيّد محمّد علي الرباني، طبعة أوّلية محدودة التداول.

16- المبسوط في فقه الإمامية: شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت460ﻫ)، طبعة المكتبة الرضوية لإحياء الآثار الجعفرية - إيران 1387ﻫ.

ص: 280

17- مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل: المحدّث الشيخ حسين النّوري (ت1320ﻫ)، طبعة مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) - قم 1407ﻫ.

18- مصابيح الأصول: تقريراً لأبحاث السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي(ت1413ﻫ)، تأليف السيّد علاء الدين بحر العلوم (ت حدود 1411ﻫ) طبعة دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثالثة 1431ﻫ- بيروت.

19- مصباح الأصول: تقريراً لأبحاث السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي (ت1413ﻫ)، تأليف السيّد محمّد سرور الواعظ الحسيني البهسودي، المطبعة العلمية - قم، الطبعة الخامسة 1417ﻫ.

20- معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرجال: السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي (ت1413ﻫ) الطبعة الخامسة (ت 1413ﻫ).

21- مفاتيح الأصول: السيّد محمّد الطباطبائي (ت 1242ﻫ) طبعة محمّد حسين الحجرية - طهران.

22- نهاية الدّراية في شرح الكفاية: الشيخ محمّد حسين الغروي الأصفهاني (ت1361ﻫ)، طبعة انتشارات سيّد الشهداء، الطبعة الأولى - قم المقدسة.

23- الوافية في أصول الفقه: الفاضل التوني المولى عبد الله بن محمّد البشروي الخراساني (ت1050ﻫ) طبعة مجمع الفكر الإسلامي، الطبعة الأولى 1412ﻫ- إيران.

24- وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (ت1104ﻫ)، طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت.

ص: 281

ص: 282

تصحيح الأسانيد بنظرية التّعويض - الشيخ محمّد راتب (دام عزه)

اشارة

دراسة في نظرية التعويض - بعد متابعة بداياتها وإرهاصاتها في كلمات الأعلام (رضوان الله تعالی علیه) إلى أن تبلورت بهذا العنوان - وهي جمع لشتات ما ذكره الأعلام وتبويبها وعرضها ومحاولة تقعيدها بشكل ينتفع به مريدو العلم وبغاته.

وسيظهر من خلال البحث أنّها صحيحة في الجملة ويمكن الاستفادة منها في تصحيح الأسانيد كما بنى على ذلك جماعة من الأعلام.

ص: 283

ص: 284

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على سيِّدنا محمّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهرين، اللهم عليك توكَّلتُ وبك استعنت وإليك أنيب.

تمهيد

إنّ أهمّ مصدر للتشريع في مدرسة أهل البيت (علیهم السلام) - بعد القرآن الكريم - هو الروايات الواردة عنهم والتي تمثّلت في الأصول الأربعمائة، ثمّ في المجاميع الحديثيّة التي ضمّت بين دفتيها جلّ ما احتوته تلك الأصول. ولبعد العهد عن مصدر التشريع غابت أكثر القرائن التي توجب الأخذ بالروايات ممّا يؤثّر في دائرة الروايات التي يمكن الاستفادة منها في مقام الاستنباط. وبغضّ النظر عن الظروف التي تعرّضت لها مصادرنا الحديثيّة عبر التاريخ فقد كاد يتمثّل تراثنا الحديثيّ في الكتب الأربعة، ولكن أسلوب هذه الكتب متفاوت حيث التزم في الكافي بذكر السند كاملاً بخلاف الشيخ الصدوق (قدس سره) في الفقيه حيث التزم بحذف الأسانيد معلِّلاً ذلك بأن لا تكثر طرقه(1) وذكر في آخر الكتاب أغلب طرقه. وأمّا في التهذيبين فكثرت ظاهرة الإرسال، حيث إنّه لم يذكر كثيراً من الطرق في المشيخة وربّما ذكر طريقاً ضعيفاً، وفي إثر ذلك جرت

ص: 285


1- ينظر: من لا يحضره الفقيه: 1/ 2.

محاولات للخروج عن ظاهرة هذه المراسيل بالتعويض عن طريق الاستعانة بطرق الشيخ في فهرسته، ولكن مع ذلك بقيت الكثير من الروايات مرسلة.

وأيّاً كان فلو تمّت محاولة تعويض الطرق بالرجوع إلى الكتب والفهارس وتركيب الأسانيد لخرج قسم كبير من الروايات من حيّز الإهمال إلى حيّز الاستفادة في مقام الاستنباط، بل تظهر فائدة التعويض حتّى في الروايات الصحيحة - مثلاً - حيث يتمّ الحصول على طريق أصحّ، ممّا قد يؤثّر في الاستنباط في مقام التعارض والترجيح.

تعريف مفردات البحث لغةً واصطلاحاً

أ. لغة

1. التعويض: ذكر الخليل أنّ: (العوض معروف... والمستعمل التعويض عوّضته من هبته خيراً... عاوضت فلاناً بعوض في البيع والأخذ فاعتضته ممّا أعطيته)(1).

وذكر ابن فارس أنّ (عوض) كلمة صحيحة تدلّ على بدل للشيء(2).

2. التصحيح: ذكر الجوهري أنّ: ((صحّح) الصحّة: خلاف السقم)(3).

وذكر الزبيدي أنّ: ((صحّح): الصُّحُّ، بالضّمّ، والصِّحَّةُ، بالكسر... والصَّحَاحُ، بالفتح، الثّلاثة بمعنَى "ذَهَاب المَرَضِ"... هو أَيضاً "البَرَاءَةُ من كلِّ عَيْبٍ"... وقد "صَحَّ يَصِحّ" صِحَّةً فهو صَحِيحٌ)(4).

ص: 286


1- كتاب العين: 193.
2- ينظر: معجم مقاييس اللّغة: 4/ 188.
3- الصحاح (تاج اللّغة وصحاح العربيّة): 1/ 381.
4- تاج العروس من جواهر القاموس: 4/ 115.

3. الأسانيد: جمع (سند)، وقد ذكر ابن فارس أنّ: (السين والنون والدال أصل واحد يدلّ على انضمام الشيء إلى الشيء... وأسندت غيري إسناداً... وفلان سندٌ أي معتمدٌ... والإسناد في الحديث أن يسند إلى قائله، وهو ذلك القياس)(1).

4. المقطع الأوّل: هو القطعة من السند بين الشيخ (رحمة الله) إلى من يُبتدئ به السند.

5. المقطع الثّاني: وهو القطعة الأخرى من السند أي بين من يُبتدئ به السند إلى المعصوم (علیه السلام).

ب. اصطلاحاً

قد يظهر أنّ أوّل تعريف لهذه النظرية هو تعريف السيّد الصدر (قدس سره) حيث عرّفها بأنّها: (فرض التصرّف في السند، إمّا باعتبار المقطع الأوّل بما فيه من نقطة الضعف، أو باعتبار المقطع الثاني بما فيه من نقطة الضعف، أو باعتبار تمام السند واستبداله بسند آخر)(2).

واكتفى تلميذه (دامت برکاته) في كتاب القضاء بذكر أنّها: (تعويض السند الضعيف بسند تامّ)(3).

ويمكن تعريفها - أيضاً - بأنّها: عبارة عن تصرّف في سند الرواية المشكل، وذلك بالاستعانة بطريق آخر أو أكثر بحيث ينتج طريقاً معتبراً للرواية، كما سيأتي ذلك تفصيلاً.

ويكون هذا التصرّف والاستعانة على أنحاء:

ص: 287


1- معجم مقاييس اللغة: 3/ 105.
2- مباحث الأصول: ق2 ج3/ 238 - 239.
3- القضاء في الفقه الإسلاميّ: 52.

1. باختلاف المورد من حيث محلّ وقوع كلٍّ من الضعيف والثقة في السند، فتارةً يكون بين صاحب المجمع الحديثيّ وصاحب الكتاب الذي ابتدأ به، وأخرى بين صاحب الكتاب والإمام (علیه السلام).

2. بحسب الطرق التي يستعان بها: مفردة أو متعدّدة.

3. بحسب مصدرها: هل هو أسانيد الروايات، أو الفهارس، أو المشيخة، أو الإجازات، أو غير ذلك؟

وسيتّضح بيان كيفيّة التصرّف في السند من خلال دراسة طرائق التعويض. وعليه فطرائق التصحيح متعدّدة حتّى ذكروا موارد فرضيّة لهذه النظريّة كما في الطريقة السابعة الآتية.

ويظهر من إطلاق التعريف أنّ النظريّة تعمّ الرجوع إلى الفهرست، بل إلى مشيخة الكتاب.

لمحة تأريخيّة عن النظريّة

أوّلاً

إنّنا نجد بحسب التتبع التأريخي أنّ أوّل من طبّق هذه النظريّة - ولكن ليس بعنوان نظريّة التعويض - هو السيّد محمّد العاملّي (قدس سره) (ت 1009 ﻫ) في مداركه، فقد ذكر مورداً من تطبيقاتها قائلاً: (وأمّا رواية الريّان فهي جيدة السند؛ لأنّ الشيخ (رحمة الله) وإن رواها في التهذيب عنه مرسلاً، إلّا أنّ طريقه إليه في الفهرست صحيح)(1).

ولعلّ منشأ هذا الكلام هو الشيخ (قدس سره) (2) نفسه بإرجاعه إلى الفهرست، وأنّه لم يستوفِ

ص: 288


1- مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام: 5/382.
2- سيأتي نقله في الطريقة الأولى.

جميع طرقه في المشيخة.

ثانياً

لقد استخدم الميرزا محمّد الأسترابادي (قدس سره) (ت 1028ﻫ) - في الفائدة الثامنة من خاتمة منهجه - التعويض في تصحيح طريق الصدوق إلى عبيد بن زرارة - وسيأتي التعرّض له في الطريقة الثامنة إن شاء الله تعالى - حيث أفاد: (وإلى عبيد بن زرارة فيه أيضاً الحَكَم بن مسكين ولم يوثّق، لكن في جش ]أي رجال النجاشي[: أخبرنا عدّة من أصحابنا عن أحمد بن يحيى، عن عبد الله بن جعفر، عن ابن أبي الخطّاب ومحمّد بن عبد الجبار وأحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن حمّاد بن عثمان عن عبيد بكتابه. وفي ست ]أي الفهرست[: عبد الله بن جعفر أخبرنا برواياته أبو عبد الله، عن محمّد بن علي بن الحسين، عن أبيه ومحمّد بن الحسن عنه، وأيضاً أخبرنا ابن أبي جيد، عن ابن الوليد عنه. ولا يخفى ما في هذا من صحّة طريق المصنّف إلى عبيد، فافهم)(1).

ثالثاً

قد أشكل معاصره المحقّق الشيخ محمّد بن الحسن ابن الشهيد الثاني (قدس سرهم) (ت 1030ﻫ) على مورد من تطبيقات النظريّة بقوله: (وفي الفهرست طريقه إلى كتابه غير سليم، ولا ينفع بتقدير صحّته هنا إلَّا إذا عُلِمَ أنّ الحديث من الكتاب. وقد اشتبه على بعض الأصحاب الحال في طرق الفهرست...)(2).

وهذا يكشف عن أنّ بعض العلماء قد ذكر التعويض بطرق الفهرست حتى أشكل عليه المحقّق الشيخ محمّد بأنّ التعويض لا يتمّ إلّا إذا تمّ إحراز أنّ الرواية مأخوذة من

ص: 289


1- منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال، مخطوط برقم 105ر، المحفوظ في مكتبة الإمام الحكيم العامّة، ظهر الورقة: 278.
2- استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار: 2/ 35.

الكتاب الذي صحّ الطريق إليه.

رابعاً

أشار العلّامة المجلسي الأوَّل (قدس سره) (ت1070 ﻫ) إلى تطبيق هذه النظرية في تصحيح الطريق إلى محمّد بن مسلم بقوله: (مع أنّ طريقه إلى أخبار البرقي والعلاء بن رزين صحيحة، بل الظاهر أنّه لم يكن للعلاء خبر إلّا خبر محمّد بن مسلم كما ظهر آنفاً ويظهر من أسانيد الأخبار، فيكون الخبر صحيحاً بأسانيد كثيرة)(1).

ومن كلامه هذا يظهر أنّه فتح باباً آخر بخروجه عن المتعارف من الاكتفاء بالرجوع إلى المشيخة أو فهرست الشيخ.

خامساً

قام المولى محمّد بن علي الأردبيلي (قدس سره) (ت 1101ﻫ) - صاحب جامع الرواة - بتأليّف كتاب أسماه (تصحيح الأسانيد)، وهو وإن لم يصل إلينا إلَّا أنّه اختصره في جامعه، و(تصحيح الأسانيد) وإن كان عنواناً أعمّ مفهوماً من نظرية التعويض، لكن يظهر أنّه أخصّ مصداقاً، ويعدّ ما قام به (قدس سره) من جملة المحاولات الأولى لفتح باب التعويض، فبعد عدم كفاية الرجوع إلى المشيخة والفهرست في حلّ أسانيد التهذيبين وبقاء أكثر الأسانيد بلا تصحيح جاء هذا المحقّق وأضاف إلى ما ذكره الشيخ (رضوان الله علیه) - من إحالته على المشيخة والفهرست لرفع الإرسال - فكرة تعويض الأسانيد ببعضها، وكان بيانه في ذلك مؤلَّفاً من مقدّمات:

الأولى: إنّ العلماء لم يذكروا جميع طرق الشيخ (قدس سره)،وما ذكروه كان قليلاً فلم يكن وافياً في أداء المطلوب.

الثّانية: إنّه (رحمة الله) حاول ذكر جميع طرق الشيخ (قدس سره) حتّى يكون وافياً في أداء المطلوب.

الثّالثة: إنّ طريقة الشيخ (قدس سره) في ذكر الأسانيد مختلفة في كتابيه.

ص: 290


1- روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه: 14/ 255.

الرّابعة: إنّه يذكر في المشيخة والفهرست طريقاً أو أكثر إلى مَن ابتدأ بهم اختصاراً لإخراج الأحاديث عن حدّ الإرسال.

الخامسة: وجد - بعد الرجوع إلى المشيخة والفهرست - أنّ الكثير من الطرق معلول.

السّادسة: وجد أيضاً أنّ هناك أحاديث معلّقة لم يُذكر لها طريق في المشيخة أو الفهرست لكون الأصول والكتب عند الشيخ (قدس سره) مشهورة بل متواترة، ومن ثَمَّ نراه عند الحاجة إلى القدح لا يقدح في أوائل السند بل فيمن يذكر بعد أصحاب الأصول.

السّابعة: باعتبار أنّ هذه الشهرة لم تثبت عند المتأخّرين أخرجوا الكثير من أخبار الكتابين عن الاعتبار.

ونتيجة هذه المقدّمات توصل إلى طريقةٍ لتصحيح أسانيد هذه الأخبار بالنظر في أسانيد التهذيبين حيث وجد لكلّ من الأصول والكتب طرقاً كثيرة في المشيخة والفهرست أكثرها موصوف بالصحّة والاعتبار(1).

سادساً

أضاف بعد ذلك العلّامة المجلسي الثاني (قدس سره) (ت 1111ﻫ) في كتابه الأربعين طريقة أخرى لتصحيح طرق الشيخ (رضوان الله علیه) من خلال التعويض بطرق الشيخ الصدوق (قدس سره)،وأفاد في بيان ذلك: (أنّ الشيخ روى جميع مرويّات الصدوق (نوّر الله تعالى ضريحه) بتلك الأسانيد الصحيحة، فكلّما روى الشيخ خبراً من بعض الأصول التي ذكرها الصدوق في فهرسته بسند صحيح فسنده إلى هذا الأصل صحيح وإن لم يذكر في الفهرست سنداً صحيحاً إليه)(2).

ص: 291


1- ينظر: جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والأسناد: 2/ 473 - 474.
2- كتاب الأربعين: 512.

سابعاً

ما أفاده السيّد محمّد مهدي بحر العلوم (قدس سره) (ت 1212ﻫ)، ويمكن بيانه من خلال مقدّمات:

الأولى: إنّ طريقة ذكر شيخ الطائفة (قدس سره) للأسانيد مختلفة، فقد يذكر جميع السند، وقد يحذف صدره.

الثّانية: إنّ الشيخ (قدس سره) استدرك ذلك في مشيخته في آخر الكتابين، حيث ذكر فيها جملة من طرقه إلى مَن صدّر الحديث بذكرهم.

الثّالثة: أحال الشيخ (قدس سره) تفصيل الطرق إلى فهارس الشيوخ المصنّفة في هذا الباب بالإضافة إلى إحالته في التهذيب إلى فهرسته.

الرّابعة: لم يصلنا من فهارس الشيوخ إلّا القليل كمشيخة الصدوق وفهرست أبي غالب الزراري.

وبذلك: توصّل إلى إمكان معرفة طرق الشيخ (قدس سره) بطريقتين:

أ. الرجوع إلى مشيخة الصدوق وفهرست أبي غالب الزراري.

ب. الرجوع إلى كتاب النجاشي باعتبار معاصرته للشيخ (قدس سره)،ومشاركته له في أكثر المشايخ (1).

ثامناً

ارتضى المحدِّث النوري (قدس سره) (ت 1320ﻫ) طريقة المولى الأردبيلي (قدس سره)،ونقل كلامه في خاتمة مستدرك الوسائل وأفرد له تمام الجزء السادس من كتابه بحسب الطبعة الأخيرة(2).

ص: 292


1- ينظر: الفوائد الرجالية: 4/ 74 - 75.
2- وستأتي بعض الموارد التي استخدم فيها المحدِّث النوري (قدس سره) نظرية التعويض في الطريقتين الثانية والثالثة.

تاسعاً

تعرّض الميرزا أبو هدى الكلباسي (رحمة الله) (ت 1356ﻫ) لنظريّة التعويض

- بدون أن يعنونها بهذا العنوان - في مقام بيان الحاجة لكتاب الفهرست للشيخ

الطوسي (قدس سره) حيث ذكر: (أنّه ينفع تارة على سبيل الاستقلال، وأخرى على وجه التركيب والانضمام...)(1)، وفي هذا السياق تعرّض لجملة من طرائق التصحيح، كما سيتّضح في البيان الإجمالي للطرائق المقترحة للتعويض.

عاشراً

تعرّض السيّد الخوئي (رضوان الله علیه) (ت 1413 ﻫ) لعدد من تطبيقاتها في بحوثه الفقهيّة(2)، وارتضاها في بعض الطرائق كما في الطريقة الأولى والثامنة, وتعرض لها - أيضاً - في المعجم أثناء مناقشته للتوثيقات العامة تحت عنوان (ذكر الطرق إلى الشخص في المشيخة)(3), وارتضى (رضوان الله علیه) - أيضاً - التصحيح بالاستعانة بطرق النجاشي بشروطٍ على ما سيأتي بيانه في الطريقة الخامسة.

حادي عشر

فصّل السيّد محمّد باقر الصدر (قدس سره) (ت 1400ﻫ) الكلام في تصحيح الأسانيد، ويظهر أنّه أوّل من عنونها بعنوان (نظريّة التعويض)(4)، وتبعه بعض أعلام تلامذته (دامت برکاته) (5).

ونلاحظ أنّ هذه الكلمات ليست مختصّة بتصحيح أسانيد الشيخ فقط، بل تشمل

ص: 293


1- سماء المقال في علم الرجال: 1/ 106 - 107.
2- ينظر: المستند في شرح العروة الوثقى (كتاب الصلاة): 11/ 74, 13/ 101, التنقيح في شرح العروة الوثقى (كتاب الصلاة): 1/202, مستند الناسك في شرح المناسك: 1/52.
3- معجم رجال الحديث: 1/75 وما بعد.
4- ينظر: مباحث الأصول: ق2 ج3/ 238 وما بعد.
5- ينظر: القضاء في الفقه الإسلامي ص: 52 وما بعد.

حتّى طرق الصدوق في الفقيه لوجود نفس الإشكال؛ ولذا نجد أنّ كثيراً من الموارد التي طرحت كتطبيقٍ أو مثالٍ لنظريّة التعويض كانت لتصحيح أسانيد الشيخ الصدوق - كما سيأتي -، بل توسّعت حتّى أنّه في (أصول علم الرجال) عمّم التصحيح لأكثر الروايات الواردة في الكتب الأربعة(1).

بيان الطّرائق المقترحة لهذه النّظريّة إجمالاً

لأجل اختلاف كيفيّة التصرّف والاستعانة وتأثيرها على مؤونة التصحيح وعلى القيود التي نحتاجها في التصحيح كان من الأنسب دراسة النظريّة بحسب كلّ طريقة وما تستلزمه(2)، وذلك يختلف باختلاف ما ذُكر.

وبتعبير آخر: اختلاف مؤونة التصحيح بحسب المورد وحيثيّاته تناسب دراستها بحسب ذلك كطرائق لتسهيل دراستها وبيان المؤونة المستخدمة لكلّ طريقة منها، وهي تسع طرائق:

الطّريقة الأولى: تعويض المقطع الأوّل إلى من يبتدئ به السند بطريق صحيح إليه مستخرجاً من الفهرست.

الطّريقة الثّانية: التعويض إلى الثقة الذي يقع في المقطع الأوّل بين الضعيف ومَن ابتدأ به الشيخ بطريق صحيح مستخرج من الفهرست.

الطّريقة الثّالثة: وهي كالطريقتين السابقتين، ولكن الطريق الصحيح البديل مأخوذ من سند الروايات.

ص: 294


1- ينظر: أصول علم الرجال: 185.
2- وهذا هو الذي جرى عليه في دروس تمهيديّة في القواعد الرجاليّة. ينظر: ص 274 وما بعد.

الطّريقة الرّابعة: وهي كالطريقتين الأوّليتين إلَّا أنّ الطريق الصحيح البديل مأخوذ من مشيخة الفقيه للشيخ الصدوق - مثلاً -.

الطّريقة الخامسة: وهي كالطريقتين الأوّليتين - أيضاً - إلَّا أنّ الطريق الصحيح البديل مأخوذ من كتاب النجاشي.

الطّريقة السّادسة: الاستعانة فيها بالفهرست وتعويض المقطع من جهة الشيخ إلى الثقة الذي يقع بين الإمام (علیه السلام) ومَن ابتدأ به الشيخ، والضعيف يقع بين من ابتدأ به الشيخ وهذا الثقة.

الطّريقة السّابعة: التعويض هنا - بخلاف الطرائق السابقة - يكون بدل المقطع الثاني الذي من جهة الإمام (علیه السلام).

الطّريقة الثّامنة: التوسّع بالاستعانة بأكثر من طريق كأن يكون الطريق البديل مأخوذاً من طريقي الشيخ والنجاشي معاً.

الطّريقة التّاسعة: التلفيق بين طريقي رواية واحدة كلّ منهما يشتمل على ضعف من ناحية خاصّة لينتج طريقاً ثالثاً معتبراً.

وهذه الطرائق المذكورة ليست لحصر طرائق التعويض، فيمكن بتتبّع الموارد العثور على طرائق أخرى، كما يمكن فرض طرائق جديدة - كما مرّ وسيأتي بحسب موقع الضعيف والثقة وصاحب الكتاب، وبحسب الرجوع للأسانيد أو الرجوع للفهارس، بل يمكن فرض وجود أكثر من ضعيف موزّعين بين ثقات - ثمّ دراسة إمكانيّة التصحيح، ولعلّه ممّا ذكر في مناقشة هذه الطرائق يظهر حال غيرها.

هذا، وقد لا تخلو الأمثلة المورديّة عن مناقشات صغرويّة لكنّها لا تمسّ أصل الكبرى - وهي التعويض بالطريق البديل - على تقدير صحّتها.

ص: 295

وكيفما كان: فقد تعرّض لمناقشة النظريّة في (سماء المقال) في سياق بيان الحاجة لكتاب الفهرست حيث جعل (قدس سره) نفع الكتاب على قسمين(1):

أحدهما: ما يكون على سبيل الاستقلال، وقد جعله على وجهين:

1. ما يكون مستقلّا ً في بيان الطرق إلى روايات نفسه، وجعله على أقسام أربعة.

2. ما يكون مستقلّا ً في بيان الطرق إلى روايات غيره، كتصحيح طرق الفقيه.

والنفع في هذين الوجهين مبنيٌّ على تماميّة التعويض بطرق الفهرست - كما هو واضح -، وسيأتي في الطريقتين الأولى والثانية إن شاء الله تعالى.

والآخر: على وجه التركيب والانضمام، بتركيب طريق الفهرست مع طريق آخر - كطريق النجاشي (رحمة الله) - فيستخرج منه الطريق الصحيح إلى الشيخ الصدوق (قدس سره) مثلاً، وسيأتي في الطريقة الثامنة إن شاء الله تعالى.

ثمّ ذكر (رحمة الله) ثلاث طرائق أخر للتصحيح - سوى الرجوع للفهرست أو المشيختين - وهي التصحيح بالرجوع لأسانيد التهذيبين وستأتي في الطريقة الثالثة، أو بالرجوع لمشيخة الفقيه، أو بالرجوع لفهرست أبي غالب الزراري، وستأتي في الطريقة الرابعة إن شاء الله تعالى.

وأمّا السيّد الصدر فقد اتّبع (رضوان الله علیه) منهجيّة خاصّة في مناقشة النظريّة، فجعل القسمة رباعية..

ففي الوجه الأوّل ناقش (قدس سره) ما يعمّ مثل الطريقة الثالثة والسادسة بحسب منهجيّتنا.

وأمّا الوجه الثاني فكان حول الطريقة السابعة كذلك.

وأمّا في الوجه الثالث فناقش التعويض بالاستعانة بطرق النجاشي.

ص: 296


1- ينظر: سماء المقال في علم الرجال: 1/ 106 وما بعد.

وأمّا في الوجه الرابع فناقش التعويض بالاستعانة بطرق الصدوق.

وتبعه تلميذه (دامت برکاته) في القضاء، لكنّه جعل القسمة ثلاثيّة حيث بحث الوجه الثاني في المباحث في ذيل الشكل الأوّل الذي ناقش فيه ما ذكر في الوجه الأوّل من المباحث.

ويمكن أن يكون نظره (قدس سره) في المباحث في الوجهين الأوّل والثاني إلى موقع الراوي - وكذا في الشكل الأوّل من القضاء -، وأمّا في الوجه الثالث والرابع - وأيضاً في الشكل الثاني والثالث من القضاء - فنظر (قدس سره) إلى الاستعانة بطرق النجاشي أو الصدوق، فالمقسم لهذه الوجوه الأربعة غير واضح، ولعلّ الأقسام غير جامعة لما تنطوي عليه نظريّة التعويض.

ويمكن أن يكون نظرهم ليس إلى ذلك، بل إلى أصل النظرية ودراسة ما يمكن به استخلاص لبّ النظريّة وأساسها.

تفصيل الطّرائق المقترحة

الطّريقة الأولى

اشارة

هي عبارة عن تعويض المقطع الأوّل من سند الرواية الواقع بين الشيخ (رضوان الله علیه) ومَن يبتدئ به السند في التهذيب بطريق صحيح مستخرج من الفهرست.

ويظهر أنّها أوّل تطبيق لنظريّة التعويض لحلّ مشكلة أسانيد التهذيبين بالرجوع إلى فهرسته.

ومرّ أنّ صاحب المدارك (قدس سره) طبّق هذه الطريقة في تصحيح سند رواية الريّان في التهذيب.

وفي تصدير السيّد البروجردي (قدس سره) لكتاب جامع الرواة بيّن أنّ الزيادة التي أضافها

ص: 297

المولى الأردبيلي على نحوين:

الأوّل: ما ذكره بقوله: (جميع مَن ذكر الشيخ في الفهرست أنّ له كتاباً أو أصلاً وذكر لنفسه إليه طريقاً). وهنا يتجلّى تطبيق الطريقة الأولى.

والآخر: ما ذكره بقوله: (كلّ من استنبط من أسانيد روايات التهذيبين أنّ للشيخ إلى كتابه طريقاً). وفيه اعتمد على الطريقة الثالثة.

وأضاف أنّه أنهى عدد طرق الشيخ (قدس سره) إلى أصحاب كتبه إلى خمسين وثمانمائة تقريباً، والمعتبر منها ما يقرب من الخمسمائة(1).

توضيح هذه الطّريقة
اشارة

إنّ الشيخ (قدس سره) في الفهرست يذكر بعد ذكر الاسم والكتب: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته فلان...)(2)، فيكون طريقه في الفهرست طريقاً ثانياً إلى مَن ابتدأ به، بناءً على أنّه يستفاد من قوله (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته) أنّ كلّ ما يرويه ببعض الطرق في التهذيبين فهو يرويه بالطريق الآخر الذي أخبر به في الفهرست.

وقد قَبِلَ هذه الطريقة السيّد الخوئي (رضوان الله علیه) ووجّه ذلك: بأنّ الشيخ (قدس سره) ذكر بعض طرقه في آخر كتابه(3)، وأحال الباقي على كتابه الفهرست، فإذا كان طريقه صحيحاً إلى الكتاب في الفهرست حكم بصحّة تلك الرواية(4).

ص: 298


1- ينظر: جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والأسناد: 1/ 5 المقدّمة.
2- ينظر: الفهرست مثلاً: ص 68، 69، 70 وغير ذلك.
3- ينظر: تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد (رضوان الله علیه): ج 10 شرح المشيخة: 88، الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 4/ 342، وسيأتي.
4- ينظر: معجم رجال الحديث: 1/ 78.
بعض موارد تطبيق هذه الطّريقة
1. ما طبّقه السّيّد الخوئي (رضوان الله علیه) عند مناقشة سند رواية هشام في المصباح

والتي جاء فيها: (ما روي من الصلوات في هذا الوقت ما رواه هشام بن سالم عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال...)(1).

حيث اعترض على المورد بأنّ التعويض بالطريق الصحيح للشيخ إلى هشام في الفهرست مدفوع بأنّ ذلك مختصّ بما يرويه عن كتابه كما في التهذيبين، باعتبار أنّه ذكر في المشيخة أنّه يروي فيهما عن أصل أو كتاب الذي يبدأ به السند، بينما في روايات المصباح لم يُحرز أنّها كذلك، ويحتمل أنّه رواها عن غير كتاب هشام، فلا يتمّ التصحيح(2).

فيظهر أنّ أصل هذه الطريقة مقبول حيث كان نقاشه (قدس سره) صغرويّاً؛ إذ لو كانت رواية هشام مرويّة في التهذيبين لقبل التعويض.

ومرجع ما ذكره (قدس سره) إلى أنّ التعويض يتمّ إذا كان الراوي الثقة صاحب كتاب، وكان طريقه في الفهرست شاملاً للطريق الضعيف، كما سيتّضح.

2. ما طبّقه السيّد الخوئي (رضوان الله علیه) أيضاً في مناقشته لسند رواية التهذيب
اشارة

وهي: ما رواه محمّد بن أحمد بن داود، عن أبيه، قال: حدّثنا محمّد بن عبد الله الحميري، قال: كتبت إلى الفقيه (علیه السلام)...(3).

حيث ناقش في سندها بأنّ الشيخ (قدس سره) رواها عن محمّد بن أحمد بن داود وطريقه إليه

ص: 299


1- مصباح المتهجّد: 106.
2- ينظر: المستند في شرح العروة الوثقى (كتاب الصلاة): 11/ 74.
3- ينظر: تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد (رضوان الله علیه): 2/ 228.

غير مبيّن في المشيخة.

وأجاب عن ذلك: بأنّ الشيخ (رضوان الله علیه) ذكر جملة من طرقه في المشيخة وأحال الباقي إلى الفهرست... وطريق الشيخ (رضوان الله علیه) إليه صحيح في الفهرست(1). وهو: جماعة، منهم: الشيخ المفيد (رحمة الله) والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون كلّهم، عنه(2).

قد يقال: إنّما يتمّ ذلك إذا كان ما يرويه ببعض الطرق في التهذيبين فهو يرويه بالطريق الآخر. وأمّا إذا لم نستفد ذلك، أو استفدنا أنّه يروي بعضها بالطريق الأوّل والبعض الآخر بطريق غيره فلا يتمّ ما ذكر(3).

ولكن هذا خلاف ظاهر عبارته: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته).

اختلاف تعابير الشّيخ (رضوان الله علیه) في الإخبار

ثمّ إنّ للشيخ (قدس سره) تعابير مختلفة في الإخبار فنجد أنّه..

1. في شأن بعض الرواة يعبّر بقوله: أخبرني (بكتبه ورواياته).

2. وفي شأن بعض يعبّر بقوله: أخبرني (برواياته).

3. وفي شأن ثالث يعبّر بقوله: أخبرني (بكتبه) دون عطف (ورواياته).

ولا إشكال في التعويض على التعبيرين الأوّلين، حيث يمكن أن يستفاد من عطفه (الروايات) على (الكتب) بمقتضى وحدة السياق: أنّ مقصود الشيخ هو واقع الكتب لا عناوينها.

ص: 300


1- ينظر: المستند في شرح العروة الوثقى (كتاب الصلاة): 13/ 101.
2- ينظر: الفهرست: 211.
3- ينظر: دروس تمهيدية في القواعد الرجالية: 275.

وأمّا في التعبير الثالث حيث لم يعطف فهنا احتمل السيّد الحائري (دامت برکاته) أنّ مقصود الشيخ (قدس سره) هو الإخبار بعناوين الكتب وأسمائها لا بواقعها فلا يتمّ التعويض؛ لأنّه لا يحرز شمول الرواية بهذا الإخبار بحيث تكون من مرويّاته.

وأجاب (دامت برکاته) بأنّ مقصود الشيخ (رضوان الله علیه) من الكتب هو واقع الكتب ويظهر ذلك ب-:

أوّلاً: التتبّع في موارد استعمال الشيخ (قدس سره) لهذه الجملة في الفهرست فهي لا تدع مجالاً للشكّ في أنّ مقصود الشيخ (قدس سره) ذلك، وأنّ هدفه هو تقديم سند للكتب لا مجرّد تثبيت الأسماء والعناوين.

ثانياً: إحالة الشيخ (رضوان الله علیه) في المشيختين إلى فهارس الأصحاب، وفي إحداهما إلى فهرسته دليل على أنّهم في الفهارس كانوا يقصدون ذكر السند دون تعداد الكتب فحسب.

وأردف قائلاً: إنّه في حال عدم عطف الروايات على الكتب لا يمكن تطبيق النظريّة إلّا حينما يكون سند الشيخ في فهرسته إلى نفس الكتاب الذي روى عنه الرواية(1)، كما إذا كان قد ابتدأ باسمه مثلاً. وعلى هذا التفصيل تتمّ هذه الطريقة في (القضاء).

وهذا الفارق بين قول الشيخ (قدس سره): (أخبرني بكتبه ورواياته) وبين قوله (أخبرنا بكتبه) مجرّداً عن العطف، هو السبب الذي جعل السيّد الخوئي (رضوان الله علیه) يطبّق التعويض بالبيان الذي ذكره في حقّ حريز - وسيأتي نقله - بينما لم يطبّقه (قدس سره) في حقّ هشام بن سالم(2) حيث كان الطريق إلى كتب هشام فقط بخلاف حريز فإلى كتبه ورواياته(3).

وهذا لا يؤثّر على تماميّة هذه الطريقة إنّما يضيّق من مساحة تطبيقها.

ص: 301


1- ينظر: القضاء في الفقه الإسلامي: 58.
2- ينظر: التنقيح في شرح العروة الوثقى (كتاب الصلاة): 1/ 104.
3- ينظر: قبسات من علم الرجال: 2/ 236 - 237.
الفرق بين العطف ب-(رواياته) و(برواياته)..

وقد أورد الكلباسي (رحمة الله) بالفرق بين أن يقال في حقّ حريز: (بجميع كتبه ورواياته) حيث تدلّ على عموم الطريق بالنسبة إلى الروايات، وأن يقال: (بجميع كتبه وبرواياته) فلا تدلّ على العموم، فلا تكون الرواية مشمولة بالطريق الصحيح، فلا يفيد التعويض.

وقد دَفَعَ هذا الإيراد: بأنّ الجمع المضاف يفيد العموم على المشهور، كما حرّر في الأصول، ويكون الفرق بين العبارتين أنّ الأولى صريحة في العموم والثانية ظاهرة فيه.

وعلّل (قدس سره) استعمال الشيخ (رضوان الله علیه) للعبارة الثانية بأنّه من باب التفنّن في العبارة(1).

وإيراد الكلباسي (قدس سره) مبنيّ على نسخته من الفهرست حيث نقل عبارة الشيخ (رضوان الله علیه) هكذا: (قال في الفهرست في ترجمة حريز: أخبرنا بجميع كتبه وبرواياته)، ولكن بالرجوع إلى الفهرست نلاحظ أنّ الشيخ (قدس سره) قال في ترجمته: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته)(2).

3. تصحيح السّيّد الخوئي (رضوان الله علیه) لطريق الشيخ (قدس سره) إلى حريز في كتابه المصباح

وذلك في الرواية التي رواها حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: (أوّل وقت الجمعة ساعة...)(3).

حيث أفاد السيّد الخوئي (قدس سره): أنّ للشيخ عدّة طرق ذكرها في الفهرست، وبما أنّ هذه الطرق غير مختصّة بكتاب دون كتاب؛ لأنّ الإخبار بجميع كتبه ورواياته، فنعوّض

ص: 302


1- ينظر: الرسائل الرجاليّة: 4/ 279.
2- الفهرست: 118.
3- مصباح المتهجد: 364.

بطريق الشيخ إلى حريز في الفهرست طريقه في المصباح(1).

4. ما ذكره سيدنا الأستاذ (دامت افاداته) في مقام مناقشة تصحيح طريق الشيخ (قدس سره) إلى الروايات التي ابتدأ بها باسم أحمد بن محمّد بن أبي نصر
اشارة

ويمكن بيان ما أفاده (دامت افاداته) - من عدم تماميّة التعويض في هذا المورد وأمثاله - بمقدّمتين:

الأولى: إنّ الرجوع إلى الفهرست يكون في خصوص ما أرجع الشيخ (قدس سره) فيه إلى الفهرست، وذلك في خصوص مَن أورد أسانيده إليهم في المشيخة، على تأمّلٍ في ذلك.

والأخرى: إنّ الشيخ (قدس سره) لم يذكر طريقاً لأحمد بن محمّد بن أبي نصر في المشيخة.

وعليه فلا سبيل لتصحيح الطريق بالرجوع إلى الفهرست في مَن لم يذكر له الشيخ سنداً في المشيخة.

والوجه في ذلك - على ما أفاده (دامت افاداته) -: هو احتمال اختلاف النسخ؛ فإنّ معظم أسانيد الفهرست مقتبسة من الإجازات، وليست إلى نسخ معيّنة من الكتب المذكورة في تراجم الرجال المذكورين في الفهرست.

وعليه فهنا لو فرضنا أنّ كتاب أحمد بن محمّد بن أبي نصر كان لدى الشيخ (قدس سره) وأنّه أخذ الرواية منه فكيف لنا أن نعلم أنّ السند المذكور في الفهرست كان إلى نفس النسخة التي أخذ منها الشيخ (قدس سره) حتّى يمكن التصحيح؟!(2)

والنتيجة: أنّه لا يتمّ التصحيح في هذا المورد وأمثاله.

وقد استفاد (دامت افاداته) المقدّمة الأولى من قول الشيخ (قدس سره) في إحالته في آخر المشيختين:

ص: 303


1- ينظر: التنقيح في شرح العروة الوثقى (كتاب الصلاة): 1/ 202.
2- في مجلس البحث الشريف (شرح مناسك الحج) ليوم السبت 3 ذي الحجّة الحرام 1438 ﻫ.

(قد أوردت جملاً من الطرق إلى هذه المصنّفات والأصول، ولتفصيل ذلك شرح يطول هو مذكور في الفهارس)(1).

بتقريب: أنّ هذه المصنّفات والأصول هي ما ذكره في طرق المشيخة حيث ذكر قسماً من الطرق إلى ما ذكره من هذه المصنّفات والأصول في المشيخة، وأحال القسم الآخر - الذي لم يذكره من طرق هذه المصنّفات والأصول - إلى الفهارس.

وعليه تتضيّق مساحة تطبيق هذه الطريقة إلى خصوص ما ذكره الشيخ (قدس سره) في المشيخة.

جريان هذه الطّريقة في أسانيد الاستبصار

وقد يورد بأنّ هذه الطريقة إذا تمّت في التهذيب فلا تتمّ في الاستبصار؛ وذلك أنّ الشيخ (قدس سره) قد ذكر في آخر الاستبصار بأنّه قد سلك في أوّل الكتاب إيراد الأحاديث بأسانيدها، وعلى ذلك اعتمد في الجزء الأوَّل والثاني، ثمّ اختصر في الجزء الثالث وعوّل على الابتداء بذكر الراوي الذي أخذ الحديث من كتابه أو أصله على أن يورد عند الفراغ من الكتاب جملة من الأسانيد يتوصّل بها إلى هذه الكتب والأصول(2). ممّا قد يُفهم منه عدم الحاجة إلى الرجوع إلى الفهرست فيما يخصّ طرق الجزئين الأوّلين.

ومن هنا استشكل المحقّق الشيخ محمّد نجل المحقّق الشيخ حسن (قدس سرهما) في طريق الشيخ (قدس سره) إلى (أيوب بن الحرّ) بعدم وجود طريق له في المشيخة، وطريقه في الفهرست

ص: 304


1- تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد (رضوان الله علیه): ج10، شرح المشيخة: 88. وأيضاً: الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 4/ 342.
2- ينظر: الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 4/ 304 - 305.

إلى كتابه غير سليم، ولا ينفع بتقدير صحّته هنا إلَّا إذا عُلم أنّ الحديث من كتابه.

ثمّ ذكر - كما تقدّم نقله عنه - أنّه قد اشتبه على بعض الأصحاب الحال في طرق الفهرست، حيث ظنّ أنّ الطريق في الفهرست كافٍ لرواية وردت في الجزء الأوّل من الاستبصار(1)، فلا يفيد الرجوع للفهرست لتصحيحه؛ لأنّه خلاف تصريح الشيخ (قدس سره) (2).

وأجيب عمّا جزم به المحقّق الشيخ محمّد (قدس سره) بأنّه وإن كان مقتضى صريح العبارة المذكورة اختصاص الطرق بالجزء الثالث، إلّا أنّه خلاف ما يُرى من وضع الكتاب، فإنّ بناءه في ذكر الأسانيد فيه على نهجٍ سواء، فإنّه يروي فيه تارة: عن الشيخ المفيد (قدس سره) ومَن في طبقته. وثانية: عن الكليني (رحمة الله) وأضرابه. وثالثة: عن الحسين بن سعيد وأمثاله. نعم، إنّه في أغلب (الأبواب) في الجزء الأوّل يروي عن الشيخ (قدس سره) ومَن في طبقته، بخلاف أواخر الجزء الأوّل والجزئين الأخيرين. ومن الظاهر أنّ هذا غير ما ذكره(3).

ويلحق بهذه الطريقة الرجوع إلى مشيخة الكتاب لتصحيح روايات الكتاب، وهذا أولى بالقبول حيث تكون الرواية مسندة صحيحة في الكتاب نفسه فهي أخفّ مؤونة.

أمّا الاستعانة بطرقه في المشيخة لسند رواية غير مذكورة في الكتابين فلا يتمّ؛ لأنّ الشيخ قال في مشيخة الكتابين: إنّ ما ذكره في هذا الكتاب عن فلان فقد أخبره به... فطرُقه في المشيخة مختصّة بالروايات التي ذكرها في الكتابين.

والحاصل: أنّ هذه الطريقة تامّة - كما تبّناها السيّد الخوئي (قدس سره) - إذا كان من ابتدأ به

ص: 305


1- الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 1/ 84 - 85 باب الرعاف، ح267. والسند: (أيوب بن الحر، عن عبيد بن زرارة).
2- ينظر: استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار: 2/ 35.
3- ينظر: سماء المقال في علم الرجال: 1/ 112 - 113.

هو صاحب كتاب وكان إخبار الشيخ بكتبه ورواياته. وأمّا على ما أفاده سيدنا الأستاذ (دامت افاداته) فيكون ذلك في خصوص مَن أورد الشيخ (قدس سره) أسانيده إليهم في المشيخة.

الطّريقة الثّانية

اشارة

وهي قريبة من الأولى من حيث إنّ الاستعانة إنّما هي بالطريق التامّ البديل إلى صاحب كتابٍ، إلّا أنّ الفرق بينهما أنّ صاحب الكتاب الثقة - في هذه الطريقة - ليس هو مَن ابتدأ به الشيخ - كما في الطريقة الأولى - بل هو واقعٌ في سلسلة السند بين من ابتدأ به وبين الشيخ الطوسي (رضوان الله علیه) - مثلاً -، فالثقة والضعيف هنا واقعان بين الشيخ ومَن ابتدأ به السند.

و من موارد تطبيق هذه الطّريقة
1. تصحيح طريق الشّيخ (قدس سره) إلى أحمد بن محمّد بن عيسى

وذلك في أحد طريقيه الذي ذكره الشيخ (قدس سره) وهو: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عن محمّد بن الحسن الصفار وسعد جميعاً، عن أحمد ابن محمّد بن عيسى(1) (2).

والخدش في هذا السند من جهة أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد - بناءً على عدم ثبوت وثاقته حيث لم يرد توثيق في حقّه - لكن بعده في سلسلة السند (محمّد بن الحسن

ص: 306


1- ينظر: الفهرست: 69.
2- مع غضّ النظر عن خصوصية اشتراك الصفار وسعد في النقل عن ابن عيسى وغير ذلك ممّا يكون نقاشاً في الصغرى.

الصفار) الثقة، وللشيخ (قدس سره) طريق تام إليه في الفهرست(1)، فنعوّض المقطع الضعيف بهذا الطريق البديل الصحيح، فيصبح الطريق الجديد هكذا: (أخبرنا بذلك أيضاً جماعة، عن ابن بابويه، عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفار، عن أحمد ابن محمّد بن عيسى).

2. تصحيح طريق الشّيخ الصّدوق (قدس سره) إلى محمّد بن مسلم بالاستعانة بالفهرست
اشارة

وطريق الصدوق (قدس سره) إلى محمّد بن مسلم ضعيف ب-(علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله، وأبيه) فإنّه ليس لهما توثيق صريح، ولكن في السند أحمد بن أبي عبد الله البرقي وهو ثقة وللشيخ (قدس سره) طريق صحيح إليه في الفهرست.

فالشيخ (رضوان الله علیه) يروي جميع كتب وروايات أحمد البرقي(2) بطريق صحيح، ومن جملة روايات أحمد البرقي الرواية التي رواها الشيخ الصدوق (قدس سره) بطريقه إلى محمّد بن مسلم، فنركّب طريق الشيخ (قدس سره) إلى أحمد البرقي مع طريق الصدوق (قدس سره) إلى محمّد بن مسلم، ويصح السند.

معنى قول الشّيخ الطّوسي (رضوان الله علیه) (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته)
اشارة

وتحقيق المطلب مرتبط بمعرفة معنى قول الشيخ (قدس سره): (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته... عن...) فإذا ثبت أنّ معنى العبارة أنّ الرواية التي نريد تصحيح سندها يشملها الإخبار عندما يكون الثقة - الذي للشيخ (قدس سره) طريق صحيح إليه - ليس هو من ابتدأ به بل هو واقع في سلسلة السند بين الشيخ ومَن ابتدأ به، تمّ التعويض.

ص: 307


1- ينظر: الفهرست: 220 - 221.
2- ينظر: المصدر نفسه: 64.

وقد ذَكَرَ السيّد الصدر (قدس سره) للعبارة أربعة احتمالات، وأضاف تلميذه (دامت برکاته) في (القضاء) احتمالاً خامساً:

الاحتمال الأوَّل

أن يكون المقصود جميع كتب وروايات محمّد بن الحسن الصفّار(1) واقعاً.

وأشكل (قدس سره) بأنّ هذا الاحتمال لا يكون عقلائيّاً؛ لأنّه لا يمكن للشيخ (قدس سره) - عادةً - أن يعلم جميع ما صدر في علم الله عن الصفّار(2).

ولكن المناقشة في عدم عقلائيّة هذا الاحتمال بناءً على شمول معنى (أخبرنا بكتبه ورواياته) للروايات الشفهيّة، وأمّا بناءً على عدم الشمول فالإحاطة بالكتب والمؤلّفات المرويّة أمر معقول أو عقلائي.

وبيّن في المباحث أنّه على فرض تماميّة هذا الاحتمال يتمّ التعويض بهذه الطريقة؛ لأنّه لا يحتمل كون الشيخ (قدس سره) قاطعاً بعدم صدور هذا الحديث من الصفّار - مثلاً -، وإلَّا لما نقله في كتابه، ولا يوجد حديث يشكّ الشيخ (قدس سره) في أنّه صادر من الصفّار أو لا؛ لأنّ المفروض أنّه يعلم واقعاً بالكتب والروايات، فلا يبقى إلَّا أنّ الشيخ (قدس سره) كان قاطعاً بصدور هذا الحديث من الصفّار، فالحديث داخل في عموم الإخبار(3).

وبيّن في (القضاء) الوجه في التعويض على فرض تماميّة هذا الاحتمال: بأنّه لو لم يكن قد وصل هذا الحديث إلى الشيخ (قدس سره) عن الطريق الذي ذكره في الفهرست بقوله: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته فلان عن فلان) لكان يعلم الشيخ (قدس سره) بكذب هذا

ص: 308


1- ونفس الكلام يأتي في البرقي.
2- ينظر: مباحث الأصول: ق2 ج3/ 241.
3- ينظر: المصدر نفسه.

الحديث؛ لأنّه بناءً على هذا الاحتمال يعلم أنّ هذا الحديث لم يصله من الطرق التي يعلم واقعاً أنّها للصفار، فكيف يروي الشيخ (قدس سره) حديثاً يعلم بكذبه؟!

ثمّ أبطل هذا الاحتمال - حتى على المعنى الذي اختاره للعبارة من عدم شمولها للروايات الشفهيّة - وذلك لسببين:

الأوّل: أنّه بالرجوع إلى فهرست الشيخ ورجال النجاشي نجد كثيراً ما يذكر أحدهما راوياً ذا كتب كثيرة، ويعدّد منها ما هو أقلّ من عدد الكتب، ممّا يوحي أنّه لم يصله بما لديه من سندٍ كلُّ الكتب، ومع ذلك يقول: (أخبرنا بكتبه - أو بجميع كتبه - فلان عن فلان).

والآخر: أنّه توجد - أحياناً - بعض القرائن الواضحة على عدم وصول كلّ الكتب إليه، كقول النجاشي في علي بن الحسن بن فضال: (وقد صنّف كتباً كثيرة منها ما وقع إلينا: كتاب الوضوء، كتاب الحيض...)، وكقول الشيخ بشأن يونس بن عبد الرحمن: (له كتب كثيرة أكثر من ثلاثين كتاباً، وقيل: إنّها مثل كتب الحسين بن سعيد وزيادة)، ثمّ يعدّد بعضها، ثمّ يقول: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته...)، فلو كان وصله كلُّ الكتب لما قال: (قيل: إنّها مثل كتب الحسين بن سعيد وزيادة)، وكقول الشيخ بشأن علي بن الحسن بن فضّال: (قيل: إنّها - يعني كتبه - ثلاثون كتاباً: منها كتاب الطب، كتاب فضل الكوفة...).

وقد فصّل (دامت برکاته) بين وقوع الثقة بين مَن ابتدأ به والشيخ، أو بين مَن ابتدأ به والإمام (علیه السلام) بناءً على المعنى الذي اختاره للعبارة من عدم شمولها للروايات الشفهيّة فقَبِلَ التصحيح عندما يكون الثقة بين مَن ابتدأ به والشيخ، ولم يقبله عند وقوعه بين مَن ابتدأ به والإمام، وعليه فلا يأتي احتمال المشافهة على هذه الطريقة عنده.

ص: 309

وأمّا بناءً على أنّ معنى العبارة يشمل الروايات الشفهيّة فلم يفرّق بين الحالين للثقة في إمكانيّة التعويض(1).

وقد ناقش سيدنا الأستاذ (دامت افاداته) في قبساته ما ذُكِر في أصل هذا الاحتمال ببيان أمور:

الأوّل: إنّ مبنى هذا الكلام أنّ الطرق المذكورة في الفهرست إنّما هي طرق إلى نسخ محدّدة من الكتب والروايات كانت عند الشيخ (قدس سره) عند تأليف الفهرست، فعليه يمكن أن يقال: إنّه لا بُدَّ أن يراد بالروايات خصوص الأحاديث الواصلة إلى الشيخ مرويّة عن حريز - مثلاً -، ولكن أنّى للشيخ (قدس سره) الاطّلاع على جميع ما رواه حريز في علم الله تعالى حتّى يرويها بالطريق المذكور في الفهرست!!

الثّاني: إنّ ما ذكر لا يتمّ؛ إذ إنّ الممارس يعلم أنّ معظم طرق الفهرست مقتبسة من إجازات الأصحاب وفهارسهم فهي طرق إلى العناوين والأسماء إلّا في موارد محدودة جدّاً أشير فيها إلى كون الطريق على سبيل القراءة أو السماع أو نحو ذلك.

الثّالث: إنّ الطريق سواء أكان إلى الكتب التي رواها حريز - مثلاً - أم إلى الأحاديث التي نقلها إنّما هو من قبيل الإجازة الشرفيّة المتداولة في الأعصار الأخيرة، وفائدتها تنحصر في أنّه إذا أحرزنا أنّ نسخة ما هي ممّا رواه حريز من الكتب أو الأحاديث فبالإمكان رواية ما فيها(2).

ولكن يمكن أن يقال: إنّه بناءً على ما تقدّم في الطريقة الأولى - من مناقشة اختلاف تعابير الشيخ (قدس سره) في الإخبار - فإنّه يمكن تقريب أنّ مقصود الشيخ - المستفاد من مراجعة الفهرست وتتبّع موارد استعمال الشيخ لهذه الجملة - ليس العناوين والكتب، وأنّ نفس

ص: 310


1- ينظر: القضاء في الفقه الإسلامي: 54 - 57.
2- ينظر: قبسات من علم الرجال: 2/ 240 - 241.

الاقتباس لا ينافي أن يكون مقصوده إسناد رواياته التي رواها في التهذيبين حتى تكون محلّ اعتماد لمن يتبعه في السير على منهج التحقيق الروائي في عمليّة الاستنباط، فليتأمّل.

ولا يخفى أنّه بناءً على تماميّة الأمور الثلاثة حتّى الطريقة الأولى لا تتم، وأمّا إذا بنينا على أنّ مقصود الشيخ هو الطرق إلى نسخ محدّدة وصلت إليه فيمكن محاولة تتميم الطرائق.

وقد أشار في (سماء المقال) إلى عدم فائدة الإجازة الشرفيّة، فإنّ الوسائط بين الشيخ والصدوق - مثلاً -، مشايخ إجازة وليسوا أصحاب كتب؛ لظهور ثبوت كتب الصدوق، فلا فائدة في إثبات توسّطهم وعدالتهم(1).

والحاصل أنّ هذا الاحتمال غير تامّ.

الاحتمال الثّاني

أن يكون المقصود جميع الكتب والروايات التي ينسبها الشيخ إلى صاحب الكتاب، ويعتقد بالوجدان والتعبّد أنّها له.

وعلى هذا الاحتمال لا تتمّ هذه الطريقة، وذلك لأمرين..

أوّلاً: إنّ كون هذا الحديث ممّا يعتبره الشيخ (قدس سره) وجداناً وتعبّداً صادراً من الصفّار

- مثلاً - حتّى يكون داخلاً في عموم الإخبار مصادرة على المطلوب.

ثانياً: إنّ هذا الاحتمال خلاف الظاهر لسببين:

1. الظاهر أنّ الشيخ (قدس سره) إنّما يقول: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته فلان عن فلان) بما هو من أهل الرواية والحديث، لا بما هو مجتهد في الأحاديث يحكم بأنّ حديثهُ حقٌّ أو لا.

2. إنّما قال الشيخ (رحمة الله) هذا الكلام لإمكان تصحيح روايات ذلك الشخص وكتبه لنا وإخراجها عن الإرسال.

ص: 311


1- ينظر: سماء المقال في علم الرجال: 1/ 127.

ثمّ لو فرضنا أنّ مقصوده خصوص الكتب والروايات التي يعتبرها الشيخ كتباً وروايات له فهذا الكلام غير مفيد في حدّ نفسه(1)، إذ إنّ مجرد نقل الشيخ (قدس سره) وروايته للحديث لا يستلزم أنّه يعتقد من جهة وجدانه أو بدليل تعبّدي بأنّ هذا الحديث للصفار، فمجرّد النقل للرواية لا يحتاج شيئاً وراء رواية الحديث(2)، وتكون رواية الحديث: إمّا من باب الأمانة العلميّة من باب أنّه وصله، أو من باب حفظ التراث، أو أنّ الشيخ يعرف أنّ الحديث قد يستفيد منه من لا يتفق معه في المبنى، أو من قد يصله من القرائن ما لم يصله.

الاحتمال الثّالث

أن يكون المقصود جميع الكتب والروايات التي تُنسب إلى الثقة.

وأورد عليه أيضاً في المباحث بأنّ هذا الاحتمال أيضاً ليس عقلائيّاً؛ لأنّ الشيخ (قدس سره) لا يمكنه أن يعلم بجميع ما ينسب إلى الصفّار - مثلاً -، ويعلم أنّه لا يُنسب إليه غير ما عَلِمَه.

وذكر (قدس سره) أنّه على فرض تماميّة هذا الاحتمال تتمّ هذه الطريقة من نظريّة التعويض؛ لأنّ المفروض أنّ هذا الحديث ينسب إلى الصفّار، فهو داخل في عموم الإخبار(3).

الاحتمال الرّابع

أن يكون المقصود جميع الكتب والروايات التي تنسب إلى الصفار، ووصلت إلى الشيخ.

وهذا الاحتمال معقول، وعلى هذا الاحتمال يتمّ التعويض بهذه الطريقة؛ لأنّ المفروض أنّ هذا الحديث وصل إلى الشيخ (قدس سره)،وعليه فهو داخل في عموم إخباره(4).

ص: 312


1- يمكن إرجاعه إلى المصادرة.
2- ينظر: مباحث الأصول: ق2 ج3/ 242.
3- ينظر: مباحث الأصول: ق2 ج3/ 241 - 242.
4- ينظر: مباحث الأصول: ق2 ج3/ 241 - 242.
الاحتمال الخامس

- وهذا الاحتمال أضافه تلميذه (دامت برکاته) في كتاب القضاء - وهو أن يكون المقصود جميع ما رواه الشيخ (قدس سره) عن الصفار - مثلاً - من كتب وروايات.

وهذا احتمال معقول، وذكر أنّه بناءً على هذا الاحتمال يتمّ التعويض أيضاً؛ لأنّ المفروض أنّ هذه الرواية ممّا رواها الشيخ (قدس سره) (1).

والفرق بين هذا الاحتمال الأخير والاحتمال الرابع: أنّه على الاحتمال الرابع لو وجدنا كتاباً في مكتبة الشيخ لهذا الثقة وعلمنا بأنّه واصل إلى الشيخ (قدس سره)،ولكن لم نعلم أنّه رواه عنه، أمكن تصحيح سند هذا الكتاب بخلافه على الاحتمال الأخير.

ولا فرق عملي بين هذين الاحتمالين؛ لأنّ هذه الثمرة غير متحقّقة في زماننا (2).

ولعلّه لهذا السبب لم يذكر هذا الاحتمال في المباحث.

ولكن قد يقال: إنّ الاحتمال الذي تمّ قبوله يصحّ فيما إذا لم يروِ الشيخ (قدس سره) الرواية في كتابه بسند آخر.

فأجاب (قدس سره): بأنّه تقييد بلا موجب، ومخالف للظاهر والمتعارف عرفاً(3).

والحاصل تماميّة الاحتمال الرابع فقط من بين الاحتمالات الخمسة وعليه يتمّ المقصود.

هذا، وأورد سيدنا الأستاذ (دامت افاداته) في قبساته على هذا المورد - وهو تصحيح طريق الشيخ الصدوق إلى محمّد بن مسلم ونظائره - من جهتين..

الجهة الأولى: إنّ التعويض إنّما يتمّ إذا كان المراد من الروايات في قول الشيخ (قدس سره) (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته) هو أحاديث أحمد البرقي في قبال الكتب التي ألّفها وذكر

ص: 313


1- ينظر: القضاء في الفقه الإسلامي: 53.
2- ينظر: المصدر نفسه.
3- ينظر: مباحث الأصول: ق2 ج3/ 243.

الشيخ (قدس سره) قسماً منها. وأمّا إذا كان المراد من الروايات في مقابل كتبه هو مؤلفات وكتب الآخرين التي رواها البرقي - مثلاً - عنهم فلا يتمّ التعويض.

والأخير هو الصحيح؛ إذ بالرجوع إلى الفهارس يظهر أنّ البرقي - مثلاً - روى العشرات من مصنّفات الأصحاب فيكون مقتضى المناسبات أن يكون المراد هو مؤلّفات الآخرين.

والشّاهد على ذلك: قول الشيخ (قدس سره) في ترجمة أبي العباس ابن عقدة (أخبرنا بجميع رواياته وكتبه أبو الحسن أحمد بن محمّد بن موسى الأهوازي، وكان معه خط أبي العباس بإجازته وشرح رواياته وكتبه، عن أبي العباس أحمد بن محمّد بن سعيد)(1)، فإنّ قول الشيخ (قدس سره): (شرح رواياته وكتبه) واضح الدلالة على أنّ المراد هو قائمة كتب ابن عقدة نفسه وقائمة الكتب التي رواها عن الآخرين، وليس المراد بالروايات هو الأحاديث(2).

وهذا الإشكال سيّال وعليه فلا يتمّ التعويض إلّا باستظهار أنّ مقصود الشيخ (قدس سره) هو عموم الإخبار لأحاديث البرقي مثلاً.

الجهة الأخرى: إنّه لو سلّمنا أنّ المراد من الروايات هو أحاديث البرقي، ولكن تماميّة التصحيح تتوقّف على أن تكون هذه الأحاديث ممّا وصل للشيخ (قدس سره) حتى يقال: إنّ حديث محمّد بن مسلم - مثلاً - هو من أحاديث البرقي التي رواها الشيخ لروايته للفقيه عن الصدوق.

ولكن الظاهر أنّ المراد بالروايات ليس هو الأحاديث التي وصلت إلى الشيخ (قدس سره) ممّا روي عن أحمد البرقي أو سعد بن عبد الله أو حريز أو أضرابهم بأي طريق كان، بل

ص: 314


1- الفهرست: 74.
2- ينظر: قبسات من علم الرجال: 2/ 237 - 238.

ما رواه هؤلاء في واقع الأمر، وعليه فإذا كان الطريق إلى حريز - مثلاً - في سند حديث ضعيفاً فلا مثبت لكون ذاك الحديث من مرويات حريز حتّى يمكن أن يستبدل به سند الشيخ إلى روايات حريز فيصبح بذلك سند الحديث معتبراً(1).

وما ذُكِر تام وينقض كليّة الكبرى.

3. تصحيح سند الصّدوق (قدس سره) إلى محمّد بن مسلم بالرجوع لمشيخة الفقيه

وصحّحه المحدّث النوري (رحمة الله) (2) بالتعويض بطريق صحيح للصدوق إلى العلاء ابن رزين(3).

وأورد عليه المحقّق الداماد (قدس سره):

أوّلاً: بأنّ الظاهر من عبارة الصدوق (قدس سره) في آخر الفقيه أنّ ما يرويه عن العلاء هو ما يرويه عن فلان وفلان عندما يكون واقعاً في آخر السند، لا الأعمّ منه ومن الواقع في وسط السند كما في المورد.

وثانياً: باحتمال المشافهة(4).

والحاصل: أنّ هذه الطريقة غير تامّة.

الطّريقة الثّالثة

اشارة

هي تصحيح سند الشيخ إلى مَن ابتدأ به - وهي من هذه الناحية مثل الطريقتين السابقتين - ولكن بالاستعانة بسند الروايات وتعويض المقطع الأوَّل الضعيف من السند

ص: 315


1- ينظر: قبسات من علم الرجال: 2/ 239 - 240.
2- ينظر: خاتمة مستدرك الوسائل: 5/ 204.
3- ينظر: من لا يحضره الفقيه: 4/ 461.
4- ينظر: كتاب الحج (تقرير بحث المحقّق الداماد للآملي): 2/ 414 - 416.

بالطريق الثاني المستفاد من سند رواياته.

وأشار لهذه الطريقة المجلسي الأوّل (قدس سره) - كما مرّ، وطبّقها المولى الأردبيلي (رحمة الله) - ولخصّ السيّد البروجردي (رضوان الله علیه) كلام المجلسي الأوّل (قدس سره) بما حاصله:

أوّلاً: إنّ الشيخ (قدس سره) ذكر طرقه إلى أرباب الكتب والأصول في المشيخة والفهرست ليُخرج رواياته التي أسقط أسانيدها من الإرسال إلى الإسناد.

وثانياً: إنّه مع ذلك نجد أنّ كثيراً من الطرق بقي معلولاً.

وثالثاً: إنّ الشيخ (قدس سره) لم يذكر طرقه إلى بعض مَن ابتدأ به لا في المشيخة ولا في الفهرست.

ورابعاً: إنّ حلّ هذا الإشكال يكون بالرجوع إلى أسانيد التهذيبين والحصول على طرق معتبرة بديلة عن تلك الضعيفة، ومن ثَمَّ صنّف رسالة ذكر فيها ما توصّل إليه(1).

بعض موارد تطبيقات هذه الطّريقة
1. تصحيح طريق الشّيخ (قدس سره) إلى علي بن الحسن الطّاطري في التّهذيب

إنّ الشيخ (قدس سره) ابتدأ باسم علي بن الحسن الطاطري في موارد من التهذيب، والطريق الذي ذكره في المشيخة هو: أحمد بن عبدون، عن علي بن محمّد بن الزبير، عن أبي الملك أحمد بن عمرو بن كيسبة، عن علي بن الحسن الطاطري(2). وفي الفهرست هو: أحمد بن عبدون، عن أبي الحسن علي بن محمّد بن الزبير القرشي، عن علي بن الحسن بن فضال وأبي الملك أحمد بن عمر بن كيسبة النهدي، جميعاً عنه(3).

ص: 316


1- ينظر: جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والأسناد: 1/ 5 - 6 (المقدّمة).
2- ينظر: تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد (رضوان الله علیه): ج10، شرح المشيخة: 76 - 77.
3- ينظر: الفهرست: 156.

فطريق الشيخ (قدس سره) فيهما ضعيف، بعلي بن محمّد بن الزبير القرشي - وهو المعروف بأبي سمينة - وأحمد بن عمر بن كيسبة النهدي.

فأراد المولى الأردبيلي (رحمة الله) (1) أن يصحّح هذا الطريق بطريق صحيح للشيخ ورد في التهذيب في عدّة مواضع إلى الطاطري منها: موسى بن القاسم، عن الطاطري، عن محمّد بن أبي حمزة ودرست، عن ابن مسكان(2).

وموسى بن القاسم يروي جميع كتب الطاطري - ومنها الرواية المبحوث عنها - فيكون هذا الطريق طريقاً صحيحاً للشيخ.

وقد بيّن السيّد البروجردي (رضوان الله علیه) سبب ذهاب المولى الأردبيلي لهذه الطريقة، وأنّه إذا رأى في أسانيد التهذيبين صاحب كتاب أو أصل استظهر أنّ الحديث المروي بذلك السند مأخوذ من كتاب هذا الرجل، وأنّ الرواة الذين توسّطوا في سنده بين الشيخ وبين صاحب الكتاب رووا هذا الحديث عنه بسبب روايتهم لجميع ما في كتابه من الروايات، لا مشافهة.

وعليه إذا رأى (رحمة الله) أنّ الشيخ (قدس سره) روى عن صاحب الكتاب روايات أُخر وبدأ بذكره في أسانيدها ولم يذكر في المشيخة والفهرست إليه طريقاً أو ذكر إليه طريقاً ضعيفاً على المشهور حكم بصحّتها لما وجده في أسانيد التهذيبين من الطريق الصحيح أو المعتبر إلى كتابه(3).

وذكر السيّد الأستاذ (دامت افاداته) أنّ مبنى هذا التعويض يرجع لأمور ثلاثة(4):

ص: 317


1- ينظر: جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والأسناد: 2/ 505.
2- ينظر: تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد (رضوان الله علیه): 5/ 139.
3- ينظر: جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والأسناد: 1/ 6 (المقدّمة).
4- ينظر: قبسات من علم الرجال: 1/ 162.

الأوّل: أنّ الشيخ كان مقيّداً بعدم الابتداء إلّا باسم من أخذ الحديث من أصله أو كتابه.

الثّاني: أنّه إذا وقع صاحب كتاب في سند رواية وكان يروي عنه صاحب كتاب آخر فإنّ الرواية تكون مأخوذة من كتابه.

الثّالث: عدم اختصاص السند بتلك الرواية بل يعمّ روايات الكتاب.

وقد منع (دامت افاداته) جميع هذه الأمور..

أمّا الأمر الأوّل فإنّ الشيخ (قدس سره) لم يتقيّد عملاً بعدم الابتداء إلّا بمن أخذ الحديث من كتابه أو أصله، وما ذكره الشيخ (قدس سره) من أنّه يبتدئ باسم من أخذ الحديث من كتابه أو أصله فهو محمول على الغالب، فهناك موارد لم يلتزم فيها (قدس سره) بذلك(1)، كما في: إبراهيم بن مهزيار، وأحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وزيد بن جهم الهلالي، وعبد الله بن سيّابة، وعلي بن سندي، ومحمّد بن إسماعيل

- الذي يروي عن الفضل بن شاذان وهو على التحقيق البُندقي النيشابوري -،ومحمّد بن زيد الطبري، ويعقوب بن عثيم وغيرهم(2).

وهذا الأمر يضيّق من مساحة تطبيق هذه الطريقة إلى الموارد التي ابتدأ الشيخ بمن أخذ الحديث من كتابه أو أصله، ولعلّه يمكن بالرجوع إلى الفهرست معرفة أصحاب الكتب ممّن ابتدأ به.

وأمّا الأمر الثاني - من أنّ كلّ من يقع في سند رواية إذا كان صاحب كتاب ويروي

ص: 318


1- وكذلك دعوى الصدوق في الفقيه أنّه لا يبتدئ إلَّا باسم من أخذ الحديث من كتابه أو أصله فإنّما هو محمول على الغالب أيضاَ. (ينظر: قبسات من علم الرجال: 2/ 228).
2- ينظر: بحوث في شرح مناسك الحج: 7/ 180.

عنه صاحب كتاب آخر فإنّ الرواية تكون مأخوذة من كتابه - فيردّه احتمال المشافهة، وأنّه سمعها منه شفاهاً فحفظها ثمّ أدرجها في مؤلَّفه؛ إذ لا دليل على أنّ كلّ مَن ألّف كتاباً وأودع فيه أحاديث مرويّة عن صاحب كتاب آخر يكون قد أخذها من نفس كتابه(1).

ولهذا الاحتمال اشترط المحدِّث النوري (رحمة الله) الإكثار من ذكر الطريق، فمع الإكثار يحصل الظنّ بل الاطمئنان أنّ الأحاديث مأخوذة من كتاب المروي عنه(2).

ولكن الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً، وهو ليس من الظنون المعتبرة، وإذا دخل في الاطمئنان الشخصي فهو حجّة لصاحبه فقط، ومطلق الظنّ لا يفيد في حال انفتاح باب العلم والعلمي كما ذكر في محلّه.

وأمّا أن يدخل في الاطمئنان النوعي المستفاد من الإكثار فيكون حجّة فهذا ما يحتاج إلى مزيد تأمّل.

ويرد عليه ما ذكره السيّد الأستاذ (دامت افاداته) في قبساته من أنّ صاحب الكتاب - موسى بن القاسم مثلاً - ليس بالضرورة قد أخذ الرواية من كتاب شيخه - الطاطري - بل يحتمل أنّه أخذها من كتب الأسبق منه - محمّد بن أبي حمزة أو درست... -، وهذا الاحتمال لا دافع له.

وما أفاده (دامت افاداته) تامّ.

فالأمر الثاني أيضاً غيرُ تامٍّ.

وأمّا الأمر الثالث - من أنّ ذلك السند لا يكون سنداً إلى خصوص تلك الرواية بل إلى جميع ما في الكتاب - فلا يتمّ أيضاً؛ لاحتمال أن يكون لصاحب الكتاب كتب متعدّدة،

ص: 319


1- ينظر: قبسات من علم الرجال: 1/ 163.
2- ينظر: خاتمة مستدرك الوسائل: 6/ 15.

وتكون طرق هذه الكتب مختلفة فيما بينها، فيكون الطريق إلى مَن ابتدأ الشيخ (قدس سره) باسمه في أبواب كتبه كالحيض والنفاس والنكاح مختلفاً عن الطريق إليه في كتابٍ آخر كالحج، ففي مثالنا: إنّ أقصى ما يمكن البناء عليه هو أنّ الطاطري أجاز لموسى بن القاسم تمام كتاب الحج، وأمّا أنّه أجاز له جميع كتبه فهذا ممّا لا دليل عليه.

ثمّ ذكر (دامت افاداته) احتمالاً آخر وهو احتمال تعدّد النسخ فيبقى احتمال أنّ النسخة التي اعتمدها الشيخ (قدس سره) من كتاب الطاطري هي برواية محمّد بن الزبير، ومعه لا يجدي وجود طريقٍ آخر للطاطري بطريق موسى بن القاسم؛ لاحتمال أن يكون إلى نسخة أخرى فلا يتمّ التعويض(1).

ومع احتمال اختصاص السند بتلك الرواية فلا يتمّ التعويض.

وأشكل في (سماء المقال) - كما تقدّم في الطريقة الثانية - على المورد بعدم فائدة الإجازة الشرفيّة فإنّ الوسائط ليسوا أصحاب كتب بل مشايخ إجازة، فلا فائدة في إثبات توسّطهم وعدالتهم(2).

ومن خلال بيان ما تقدّم ظهر ما في كلام السيّد البروجردي (قدس سره) في مناقشته لكلام الأردبيلي فيما كتبه في مقدّمته لكتاب جامع الرواة(3).

2. ما ذكره المحدِّث النوري (قدس سره) في تصحيح طريق الشّيخ الصّدوق إلى محمّد بن مسلم

وهو: علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن جدّه أحمد ابن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه محمّد بن خالد البرقي، عن العلاء بن رزين، عنه.

ص: 320


1- ينظر: قبسات من علم الرجال: 1/ 163 - 165.
2- ينظر: سماء المقال في علم الرجال: 1/ 127.
3- ينظر: جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والأسناد: 1/ 6 - 8 (المقدّمة).

والسند ضعيف - على المشهور - بعلي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله، وأبيه.

وطبّق المحدِّث النوري (قدس سره) نظرية التعويض في تصحيح هذا الطريق بثلاثة وجوه:

الأوّل: بالتعويض بطريق صحيح إلى أحمد البرقي:

إمّا مستخرج من الفهرست، وقد تقدّم الكلام حول ذلك في الطريقة الثانية.

أو مستخرج من مطاوي أسانيده، وعلّل اختلاف نقل الشيخ الصدوق (قدس سره) بطريق غير معتبر مع وجود المعتبر بأنّه (رحمة الله) يتفنّن بذكر مشايخه وإلّا فطرقه معتبرة.

الثّاني: بالتعويض بطريق صحيح إلى العلاء، وقد تقدّم أيضاً في الطريقة الثانية.

الثّالث: بالتعويض بطريق صحيح إلى محمّد بن مسلم مستخرج من أسانيد التهذيبين(1).

وقد يناقش في طريقة التّعويض هذه ب-:

أوّلاً: أنّ ما ذكر من أمر التفنّن لم يقبله بعضُ الأعلام (رحمة الله)؛ لبعد النقل بطريق غير معتبر مع وجود المعتبر منه، وعليه فلا يتمّ التعويض(2).

ولكن يرد عليه: أنّ الوثوق عند القدماء ليس على حدِّ الوثوق عندنا، ولعلّ الشيخ الصدوق (رحمة الله) يرى كلا الطريقين معتبراً وإلّا لم يذكرهما.

وثانياً: أنّ إرجاعه إلى الطرق التي ذكرت في التهذيبين اعترض عليه في (سماء المقال) بأنّه غير نافع؛ لأنّه إذا صحّت لنا رواية عن ثقة بوسائط موثّقين فلا وجه لتصحيح رواية أخرى وصلت إلينا بطريق غير صحيح عن هذا الثقة لمجرّد ثبوت

ص: 321


1- ينظر: خاتمة مستدرك الوسائل: 5/ 204.
2- ينظر: كتاب الحج (تقرير بحث المحقّق الداماد): 2/ 414 - 416.

طريق صحيح في رواية أو روايات خاصة؛ إذّ الوسائط الثقاة وسائط لخصوص رواياتهم(1).

وذكر سيّدنا الأستاذ (دامت افاداته) بأنّه لا يظنّ بالمحدِّث النوري (قدس سره) اعتماد هذه الطريقة الفاسدة من التصحيح، وإنّ ما ذكره مبنيّ على نكتة فنّيّة ومقدّمات مطويّة مرّ ذكرها في بيان كلام المولى،ثم بيّن (دامت افاداته) أنّ كلام المحدّث النوري (رحمة الله) لا يتمّ لعدم تماميّة كلام المولى الأردبيلي (رحمة الله) الذي اعتمد عليه المحدِّث النوري (قدس سره) (2).

ولكن ما يورد على المحدِّث النوري - كما أفاده (دامت افاداته) - أنّه لا شاهد على أنّ طريق الصدوق إلى كتب بعض المذكورين كالعلاء بن رزين ويعقوب بن يزيد كان إلى نسخة معيّنة بالقراءة أو المناولة أو السماع ونحوها، بل لعلّه كان على نحو الإجازة المحضة - الشرفيّة - التي لا تنفع في توثيق النسخة المنقول عنها الحديث(3).

والحاصل: أنّ هذه الطريقة أيضاً غير تامّة.

الطّريقة الرّابعة

اشارة

الطّريقة الرّابعة(4):

هي تعويض الطريق الضعيف للشيخ الطوسي (قدس سره) بطريق صحيح للشيخ الصدوق في مشيخة الفقيه - أو بالرجوع مثلاً إلى رسالة أبي غالب الزراري - إلى صاحب ذلك الكتاب.

ص: 322


1- ينظر: سماء المقال في علم الرجال: 1/ 126.
2- ينظر: قبسات من علم الرجال: 2/ 234.
3- ينظر: قبسات من علم الرجال: 2/ 239.
4- وقد وُصفت هذه الطريقة بأنّها أوسع من غيرها. يلاحظ: المباحث (ق2 ج3/ 249)، القضاء (ص: 63).

وقد اعتمدها المجلسي الثاني (قدس سره)،ويمكن بيانها بمقدّمات..

الأولى: أنّ للشيخ الطوسي (رضوان الله علیه) طريقاً صحيحاً إلى جميع روايات الشيخ الصدوق بواسطة الشيخ المفيد.

الأخرى: إذا صحّ طريق الشيخ الصدوق (قدس سره) إلى روايات صاحب الكتاب الذي ينقل عنه الشيخ الطوسي (قدس سره) فيثبت بذلك طريق صحيح للشيخ الطوسي (قدس سره) بواسطة الشيخ الصدوق (قدس سره) إلى صاحب الكتاب، ومن ثَمَّ يحكم بصحّة الحديث.

مثال ذلك: إذا كان طريق الشيخ (قدس سره) إلى أحمد بن محمّد بن عيسى - مثلاً - ضعيفاً، وكان طريق الصدوق (رحمة الله) إليه صحيحاً في المشيخة، فيتلفّق طريق صحيح يتكوّن من طريق الشيخ (قدس سره) إلى الصدوق (رحمة الله) ومن طريق الصدوق (قدس سره) إلى أحمد بن محمّد بن عيسى.

ولكن يناقش في هذه الطّريقة

أوّلاً: بأنّ طرق الشيخ الصدوق (رحمة الله) في مشيخة الفقيه مختصّة بما يرويه في هذا الكتاب كما هو صريح قوله في المشيخة: (كلّ ما كان في هذا الكتاب عن... فقد رويته عن...)(1)،

والرواية الموجودة في التهذيب غير موجودة في هذا الكتاب فلا تكون طرق كتابه طرقاً لروايات الشيخ في التهذيب، فلا يتمّ التعويض، وإلّا فلو كانت موجودة في الفقيه لتمسّكنا بها ابتداءً مع صحّة طريقه في مشيخته، ولا حاجة لما نقله الشيخ (قدس سره) في التهذيب.

وثانياً: لو سلّمنا أنّ الطرق عامّة، وأنّ الصدوق قد صرّح بأنّها طرق إلى جميع كتب وروايات مَن يروي عنه، ولكي تكون رواية الشيخ مشمولة لطريق الشيخ الصدوق

ص: 323


1- من لا يحضره الفقيه: 4/ 422.

ويصحّ التعويض يجب أن تكون هذه الرواية واصلة إليه، فكيف يمكن إحراز ذلك؟!(1).

وهذا إشكال سيّال يتكرّر في الطرائق.

وقد أجاب عن المناقشة الأولى في المباحث: بناءً على استظهار كبرى الإحالة من قول الشيخ في آخر مشيخة التهذيب: (قد أوردت جملاً من الطرق إلى هذه المصنّفات والأصول ولتفصيل ذلك شرح يطول هو مذكور في الفهارس المصنّفة في هذا الباب للشيوخ (رحمهم الله) مَن أراده أخذه من هناك إن شاء الله، وقد ذكرنا نحن مستوفى في كتاب فهرست الشيعة)(2)، ومن ما ذكره في مشيخة الاستبصار: (قد أوردت جملاً من الطرق إلى هذه المصنّفات والأصول ولتفصيل ذلك شرح يطول هو مذكور في الفهارست للشيوخ فمن أراده وقف عليه من هناك...)(3).

وأضاف (قدس سره): فمن هذا يظهر أنّ تماميّة الرجوع في مقام التصحيح مبنيّة على دعوى أنّ المقصود من كلام الشيخ في آخر كتابيه ليس هو الإحالة على خصوص فهارس الشيوخ التي يذكر فيها طرقهم إلى أصحاب الكتب والأصول بلحاظ كلّ ما وصل إليهم من كتبهم ورواياتهم، بل المستظهر هو الإحالة على القضيّة الخارجيّة من الفهارس الموجودة للشيوخ، ومن أجلى مصاديقها مشيخة الصدوق، وإن كانت بحسب مدلولها اللَّفظي مشيخة لخصوص الروايات المذكورة في الفقيه(4).

ص: 324


1- ينظر: مباحث الأصول: ق2 ج3/ 250.
2- تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد (رضوان الله علیه): ج10، شرح المشيخة: 88.
3- الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 4/ 342.
4- ينظر: مباحث الأصول: ق2 ج3/ 251.

ثمَّ أورد (قدس سره) ب-: أنّ هذا الاستظهار معارض بقول الشيخ (قدس سره) نفسه: (وقد ذكرنا نحن مستوفى في كتاب فهرست الشيعة) فيظهر منه أنّه استوفى جميع طرقه في فهرسته، فالطريق الذي لم يذكره الشيخ (قدس سره) ليس له، وعليه فلا يتمّ هذا الاستظهار.

وأجاب (قدس سره) عن إيراده:

أوّلاً ب-: أنّ ظهور قوله (مستوفى) في المعنى المذكور غير معلوم، بل لا يبعد أن يكون مقصود الشيخ منه: أنّه تعرّضنا لذلك تفصيلاً لا على نحو الاستيعاب.

وثانياً: أنّه مع فرض التعارض والإجمال بين كلاميه في التهذيب والمشيخة نرجع إلى كلامه في الاستبصار السليم عن المعارض.

وثالثاً: أنّ ذكر الشيخ (قدس سره) طريقه إلى الصدوق هو ذكر إجمالي لطرق الصدوق الموجودة في مشيخته، وأمّا دلالة ما ذكره الصدوق (قدس سره) من أنّ طرقه في المشيخة خاصة به فهو من باب الضيق في التعبير بقرينة إطلاق الشيخ في الحوالة على فهارس الشيوخ(1).

وقرّب السيّد الحائري (دامت برکاته) أنّ كون مشيخة الصدوق من أجلى مصاديق الفهارس: بأنّه لم تكن لدى الأصحاب فهارس موسّعة كي يكون كلام الشيخ إشارة إليها، ويشهد لذلك أنّ الشيخ (قدس سره) أشار في أوّل كتاب الفهرست في مقام بيان ما دعاه إلى وضع فهرسته إلى عدم سعة فهارس الأصحاب عدا فهرستين لابن الغضائري الحسين بن عبيد الله: أحدهما فهرست للمصنّفات، والآخر فهرست للأصول، ولكنّهما تعرّضا للتلف(2). وأمّا رجال النجاشي - الذي هو فهرست من فهارس الأصحاب - فهو متأخّر في التأليف عن التهذيب والاستبصار بدليل أنّه ذكرهما في كتابه عند ترجمة الشيخ.

ص: 325


1- ينظر: مباحث الأصول: ق2 ج3/ 251 - 252.
2- ينظر: الفهرست: 32.

وعليه ففي ظرف كهذا تعتبر مشيخة الصدوق - المفصّلة نسبيّاً - من أجلى مصاديق ما يمكن أن تشير إليه إحالة الشيخ (قدس سره) في المشيختين إلى فهارس الأصحاب رغم أنّ مشيخة الصدوق ليست فهرستاً بالمعنى المصطلح.

ومع كلّ ذلك لم يرتضِ أن تكون مشيخة الصدوق من مصاديق الفهارس، فلا تكون من صغريات الإرجاع إلى الفهارس(1).

ويظهر أنّ تقريبه غير تام؛ وذلك لوجود فهارس كثيرة اعتمد عليها الشيخ الطوسي (قدس سره) وكانت من مصادره كفهرست ابن الوليد وابن بطة وابن النديم وغيرهم.

وأيضاً يمكن أن يقال: إنّه إذا اعتبرنا مشيخة الصدوق فهرستاً فلا مانع من إحالة الشيخ (قدس سره) إليها وكونها من أجلى مصاديق الفهارس مع اطّلاع الشيخ (قدس سره) على طرق الصدوق (رحمة الله) فيها وكونها تصلح أن تكون طريقاً إليه، ولا يضرّ أنّ الصدوق (قدس سره) ذكر اختصاص طرقه بكتابه ولا كثرة الفهارس مع ذلك.

وأيضاً أورَد على هذه الطريقة باحتمال تعدّد النسخ - وهذه مناقشة سيّالة كما تقدم -، ويؤيّده ما ذكره الشيخ في ترجمة: (العلاء بن رزين القلا، ثقة، جليل القدر. له كتاب، وهو أربع نسخ: منها...)(2).

والحاصل: عدم تماميّة هذه الطريقة من التعويض أيضاً.

الطّريقة الخامسة

هي تعويض طريق الشيخ (قدس سره) الضعيف إلى صاحب الكتاب بالطريق الصحيح للنجاشي (رحمة الله) (ت 450 ﻫ) مع وحدة شيخهما.

ص: 326


1- ينظر: القضاء في الفقه الإسلامي: 64.
2- الفهرست: 182.

وقد ارتضى هذه الطريقة السيّد بحر العلوم (قدس سره) على أساس أنّ النجاشي (رحمة الله) كان معاصراً للشيخ (قدس سره) ومشاركاً له في أكثر الشيوخ، فإذا علمنا بأنّ النجاشي (رحمة الله) روى الأصل أو الكتاب بتوسّط أحدهم يكون ذلك طريقاً للشيخ أيضاً(1).

وكذا ارتضى هذه الطريقة السيّد الخوئي (رضوان الله علیه) في معجمه بشرط وحدة شيخهما معلّلاً هذا الاشتراط بأنّه لا يحتمل مغايرة ما أخبره شيخ واحد - كالحسين بن عبيد الله ابن الغضائري مثلاً - للنجاشي (رحمة الله) مع ما أخبر به نفسه للشيخ (قدس سره).

وعليه فإذا كان طريق النجاشي (رحمة الله) إليه صحيحاً فيحكم بصحّة ما رواه الشيخ عن ذلك الكتاب، ويستكشف من تغاير الطريق أنّ كتاب الحسين بن عبيد الله روي بطريقين، أحدهما ذكره الشيخ (قدس سره) والآخر ذكره النجاشي (رحمة الله) (2).

وذكر السيّد الصدر (قدس سره) أنّ هذه الطريقة يمكن أن يُعتمد عليها بثلاثة شروط:

الأوّل: أن يكون الشيخ المشترك بينهما المباشر ثقة. وهو المفروض وإلّا فلا يمكن التصحيح.

الثّاني: أن يكون للنجاشي (رحمة الله) طريقان إلى صاحب الكتاب، أحدهما نفس طريق الشيخ المشتمل على الضعف، والآخر طريق صحيح.

الثّالث: إنّ النجاشي والشيخ (رحمهما الله) فصّلا الكتب وكانت متطابقة، فعندئذ نبدّل سند الشيخ (قدس سره) الَّذي فيه ضعف بسند النجاشي (رحمة الله) الصحيح(3).

ويمكن توضيحها بهذا المثال - مع غضّ النظر عن المناقشة الصغرويّة -:

ص: 327


1- ينظر: الفوائد الرجالية: 4/ 75.
2- ينظر: معجم رجال الحديث: 1/ 78.
3- ينظر: مباحث الأصول: ق2 ج3/ 245.

إنّ طريق الشيخ (قدس سره) إلى ابن فضال ضعيف بابن الزبير؛ إذ طريقه هو: أحمد بن عبدون، عن علي بن محمّد بن الزبير، عنه(1).

وأمّا طريقا النجاشي (رحمة الله) فالأوّل: أحمد بن الحسين، عن أحمد بن عبد الواحد، عن ابن الزبير، عن علي بن الحسن.

والآخر: محمّد بن جعفر في آخرين عن أحمد بن محمّد بن سعيد، عن علي بن الحسن بكتبه(2).

والأوّل ضعيف وهو نفس طريق الشيخ (قدس سره)،والثاني صحيح.

ونلاحظ أنّ السيّد الخوئي (قدس سره) اكتفى بوحدة شيخهما، بينما السيّد الصدر (قدس سره) في (المباحث) قيّد الطريقة بثلاثة شروط، وتبعه السيد الحائري (دامت برکاته) في (القضاء).

والوجه في أخذ (المباحث) لهذه الشروط في تصحيح هذه الطريقة:

أمّا بالنسبة إلى الشرط الثالث - من أنّ النجاشي (رحمة الله) والشيخ (قدس سره) فصّلا الكتب وكانت متطابقة - فحتى نحرز أو نطمئن أنّ الحديث الذي نريد تصحيح سنده قد أخذه الشيخ من كتاب مشمول لسند النجاشي (رحمة الله) وإلّا فلا يتمّ التعويض.

وأمّا بالنسبة للشرط الثاني - من أن يكون للنجاشي (رحمة الله) طريقان - فلأنّ ظاهر كلام النجاشي (رحمة الله) أنّ تلك الكتب نقلت له بنسخة واحدة لكلا الطريقين.

وأمّا بالنسبة لشرطه الأوّل - وهو أن يكون الشيخ المشترك المباشر لهما ثقة - فلأنّ من غير المحتمل عقلائيّاً أنّ النسخة التي وصلت إلى النجاشي (رحمة الله) بالطريق الضعيف تختلف عن التي وصلت للشيخ (قدس سره) بنفس الطريق، وذلك لأسباب ثلاثة:

ص: 328


1- ينظر: الفهرست: 157.
2- ينظر: رجال النجاشي: 258 - 259.

الأوّل: إنّ المفروض أنّ الشيخ المباشر لهما واحد، وهو ثقة على الفرض، فمن غير المحتمل أنّه أعطى للنجاشي نسخة غير التي أعطاها للشيخ.

الثّاني: إنّه من غير المحتمل أن يكون لهذا الشيخ نسختان مختلفتان، ولم ينبّه الشيخين على ذلك.

الثّالث: إنّ نفس شيخهما لم يتنبّه إلى اختلاف النسختين عنده، رغم ما كان متعارفاً في ذلك الوقت من التدقيق في متون الأخبار قراءة وسماعاً ومقابلة(1).

وأُشكِلَ صغرويّاً على هذه الطريقة ولكنّها مناقشة في المثال بينما الكلام في مقام الثبوت، فإذا تمّت كبرويّاً فهذا يكفي في قبولها(2).

والحاصل: أنّ هذه الطريقة من التعويض على مبنى السيّد الصدر (رحمة الله) (3) صحيحة بالشروط المذكورة، فوثاقة الشيخ، وتعدّد طرق النجاشي (رحمة الله) بحيث يشترك مع الشيخ (قدس سره) في الطريق الضعيف، وتفصيل الكتب يفيد شمول الطريق البديل للنجاشي لطريق الشيخ وتدفع احتمال اختلاف الكتب وتعدد النسخ.

ولكن يبقى أنّ إجازات الشيوخ شرفيّة، فلا يتمّ التعويض.

والنتيجة أنّ هذه الطريقة غير تامّة أيضاً.

الطّريقة السّادسة

اشارة

وهي كالطريقة الثالثة إلَّا أنّها تختلف عنها بنقطتين:

ص: 329


1- ينظر: مباحث الأصول: ق2 ج3/ 245 - 246.
2- ينظر: دروس تمهيديّة في القواعد الرجاليّة: 290.
3- ينظر: مباحث الأصول: ق2 ج3/ 249.

الأولى: إنّ الاستعانة هناك كانت بأسانيد الروايات، وأمّا هنا فالاستعانة بطريق الفهرست.

والأخرى: إنّ الضعيف والثقة هناك واقعان بين الشيخ (قدس سره) وصاحب الكتاب الذي ابتدأ به، وأمّا هنا فبين مَن ابتدأ به والإمام (علیه السلام).

ومن الفرق بين الطريقتين يظهر أنّ التعويض هنا يكون بين الشيخ والثقة الواقع بين مَن ابتدأ به والإمام (علیه السلام)،أمّا هناك فبين الشيخ ومَن ابتدأ به.

ويمكن القول: إنّ الروايات التي يمكن تصحيحها بالطريقتين الثانية والثالثة يمكن تصحيحها بالطريقة السادسة على فرض تماميّة ذلك، وليس العكس.

من موارد تطبيق هذه الطّريقة
1. تصحيح سند الصّدوق (رحمة الله) في الخصال بالاستعانة بفهرست الشّيخ

وهو سند حديث رفع التسعة الذي ورد في الخصال هكذا: (حدَّثنا أحمد بن محمّد ابن يحيى العطّار (رضوان الله علیه)،قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله)(1).

وهذا الطريق ضعيف بشيخ الصدوق أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار بناءً على عدم كفاية شيخوخة الإجازة والترضّي.

وللشيخ الطوسي (قدس سره) في الفهرست طريق صحيح إلى جميع كتب وروايات سعد بن عبد الله الثقة، وهو: عدّة من أصحابنا، عن محمّد بن علي بن الحسين ابن بابويه، عن أبيه ومحمّد بن الحسن ]ابن الوليد[، عن سعد بن عبد الله، عن رجاله. ثمّ قال الشيخ: (قال

ص: 330


1- الخصال: 417.

محمّد بن علي بن الحسين: إلّا كتاب المنتخبات فإنّي لم أروها عن محمّد بن الحسن إلّا أجزاءً قرأتها عليه...)(1).

فنعوّض طريق الصدوق الضعيف بطريق الشيخ الطوسي (قدس سره) إلى (سعد) ونكمل طريق الخصال بعد (سعد) فينتج طريق ثالث صحيح للرواية.

ووصفه في المباحث بأنّه وجه (خالٍ عن التعقيد وفي غاية اللَّطافة).

وبيّن (قدس سره) بأنّه يتمّ بناءً على أنّ معنى عبارة الشيخ الصدوق (قدس سره) (إلّا كتاب المنتخبات...) هو: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته فلان عن فلان إلَّا كتاب المنتخبات)، ومعنى جميع كتبه ورواياته - كما عرفت - جميع ما وصله من كتب سعد ورواياته، وهذا الحديث قد وصل الصدوق (قدس سره) فقد ذكره في توحيده وخصاله، فهو مشمول بهذا الإخبار(2).

ولكن السيّد الصدر (قدس سره) في (البحوث) اعترض على هذا التعويض بأنّ تطبيق نظريّة التعويض بهذا العرض العريض غير مقبول؛ لأنّ القدر المتيقّن من معنى أخبرنا بكلّ رواياته وكتبه هو كلّ ما يراه رواية له بأن يسنده وينسبه في كتبه إليه، كما لو بدأ السند به فإنّه حينئذٍ يمكن تطبيق نظريّة التعويض على كلام، وليس المعنى كلّ ما يُنسب إليه أو يقع الشخص في سنده من الروايات، ولا أقلّ من الإجمال(3).

وتقدّم هذا المعنى مع مزيد توضيح في مناقشة الأمور الثلاثة التي تتمّ الطريقة الثالثة بناءً عليها.

ص: 331


1- ينظر: الفهرست: 135 - 136.
2- ينظر: مباحث الأصول: ق2 ج3/ 259 - 260.
3- ينظر: بحوث في علم الأصول: 5/ 60.

وأشكل أيضاً في (سماء المقال) بإشكال الدور، وحاصله: أنّ الوسائط بين الشيخ والصدوق (رحمهما الله) وسائط إلى كتبه وإلى رواياته المذكورة في كتبه، والمفروض أنّ الرواية المذكورة غير مذكورة في كتب الشيخ، فثبوت صحّة السند إليه متوقّف على كون السند من مرويّات الصدوق، وكونه من مرويّاته متوقّف على ثبوت صحة السند إليه، وهذا دور ظاهر(1).

ودفع إشكال الدور في (أصول علم الرجال) بأنّ المراد بالروايات هو روايات الشخص خارجاً سواء كانت بطريق معتبر أو لا.

ويؤيّد ذلك أمران:

الأوّل: إبدال لفظ (روايات) بلفظ (مرويّات) كما في الإجازات.

والآخر: ما ذكره الشيخ (قدس سره) في المشيخة: وبهذه الأسانيد وبغيرها ممّا هو مذكور في الفهارس خصوصاً في فهرسته إلى كتب رواة هذه الروايات(2). وعليه فلا توقّف في البين.

2. تصحيح سند حديث رفع التّسعة ولكن بالاستعانة بمشيخة الفقيه

وهو ما أفاده السيّد الصدر (قدس سره) في (المباحث) مبنيّاً على مقدّمات:

الأولى: إنّ طريقة الشيخ الصدوق بحسب التتبّع في كتابيه (التوحيد) و(الخصال) أنّه يكرر قوله: (حدَّثنا) ما دامت الرواية مأخوذة شفاهاً.

الثّانية: إنّه إذا وصل إلى الكتاب يبدّل كلمة (حدّثنا) بكلمة (عن).

وعليه يظهر أنّ هذا الحديث مأخوذ من كتاب يعقوب بن يزيد؛ لأنّه ورد: عن يعقوب بن يزيد.

ص: 332


1- ينظر: سماء المقال في علم الرجال: 1/ 127 - 128.
2- ينظر: أصول علم الرجال: 177.

الثّالثة: استبدال سند الفقيه الصحيح بسند الخصال الضعيف.

وما أفاده مبني على أنّ الظاهر من إطلاق قوله: (ما رويته في الكتاب عن فلان فقد رويته بالسند الفلاني) شموله للحديث الَّذي أرسله ولم ينسبه في الكتاب إلى فلان بل نقله عن الإمام ابتداءً، لكن بحسب السند المستتر للحديث كانت روايته عنه.

وأورَد عليه:

أوّلاً: بعدم تسليم هذا الظهور.

وثانياً: باحتمال المشافهة.

ودفع هذا الإشكال: بأنّه إن كان قد أخذه من كتاب آخر غير كتب هؤلاء فذلك ينبّه - عادةً - على وجود هذا الحديث أيضاً في كتاب من كتب هؤلاء الذين قرنهم بكلمة (عن)، فهو ناظر حتماً إلى كتاب من كتبهم ومستند إليه في نقله، فيدخل في الأسانيد التي ذكرها لنفسه إليهم(1).

ولكن يرد عليه:

أوّلاً: ما تقدّم من أنّ احتمال المشافهة احتمال قائم، فلا دليل على أنّ كلّ مَن ألّف كتاباً وأودع فيه أحاديث مرويّة عن صاحب كتاب آخر يكون قد أخذها من نفس كتاب ذاك، ولا يمكن عدم الاعتداد بهذا الاحتمال، وإذا حصل اطمئنان شخصيّ فهو حجّة على صاحبه.

وهذا يدفع ما ذكره السيّد الحائري (دامت برکاته) في (القضاء) من التفصيل بين حالي وقوع الثقة - من جهة الشيخ أو الإمام (علیه السلام) بالنسبة إلى مَن ابتدأ به - الذي ذُكِر في الاحتمال

ص: 333


1- ينظر: مباحث في علم الأصول: ق2 ج3/ 255 - 257.

الأوّل من معنى قول الشيخ (أخبرني بكتبه ورواياته) عند مناقشة الطريقة الثانية، بناءً على أنّ معنى العبارة لا يشمل الروايات الشفهيّة.

وثانياً: إنّه إذا كان قد أخذ الرواية من كتاب الأسبق ففي بعض الموارد يكون خروجاً عن هذه الطريقة.

3. رواية الشّيخ (قدس سره) إلى علي بن جعفر

وردت رواية للشيخ بهذا السند: الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن محمّد بن يحيى، عن أبيه، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن العمركي، عن علي بن جعفر(1).

وفيه (أحمد بن محمّد بن يحيى) الذي لم تثبت وثاقته إلّا بناءً على كفاية شيخوخة الإجازة.

ونختار الثقة وهو (محمّد بن أحمد بن يحيى) - مثلاً - بحيث يكون للشيخ طريق صحيح إليه.

وبمراجعة الفهرست نجد أنّ للشيخ ثلاث طرق إليه:

الأوَّل: عدّة من أصحابنا، عن أبي المفضل، عن ابن بطّة القميّ، عن محمّد بن أحمد ابن يحيى.

والثّاني: الحسين بن عبيد الله وابن أبي جيد جميعاً، عن أحمد بن محمّد بن يحيى، عن أبيه، عن محمّد بن أحمد بن يحيى. وهو نفس الطريق الضعيف.

والثّالث: جماعة، عن أبي جعفر ابن بابويه، عن أبيه ومحمّد بن الحسن ]ابن الوليد[، عن أحمد بن إدريس ومحمّد بن يحيى، عنه(2). وهو طريقٌ صحيحٌ.

ص: 334


1- ينظر: الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 1/ 23.
2- ينظر: الفهرست: 221.

فنعوّض الطريق الثالث الصحيح - وهو محمّد بن علي بن الحسين، عن أبيه ومحمّد ابن الحسن، عن أحمد بن إدريس ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد بن يحيى - بدلاً من القسم المعلول من الطريق الذي نريد تصحيحه.

وبذلك نحصل على طريق صحيح، وهو: جماعة، عن محمّد بن علي بن الحسين، عن أبيه ومحمّد بن الحسن، عن أحمد بن إدريس ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن العمركي، عن علي بن جعفر.

4. رواية الشّيخ (قدس سره) إلى حفص

وطريقه في الاستبصار هو: الحسين بن عبيد الله - وهو ابن الغضائري -، عن أحمد ابن محمّد بن يحيى، عن أبيه، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أبي جعفر - وهو أحمد بن محمّد بن عيسى -، عن أبيه، عن حفص بن غياث(1).

وطريقه في التهذيب هو: المفيد، عن أحمد بن محمّد بن يحيى، عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أبي جعفر- وهو أحمد بن محمّد بن عيسى -، عن أبيه، عن حفص بن غياث(2).

وقد وقع في كلا الطريقين (أحمد بن محمّد بن يحيى) الذي لم تثبت وثاقته، ولكن فيهما الثقة (محمّد بن أحمد بن يحيى).

توجيه المورد:

إنّ الشيخ (قدس سره) ذكر في ترجمة الرجل: (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته... عن...) - كما

ص: 335


1- ينظر: الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: 1/ 26 ح67.
2- ينظر: تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد (رضوان الله علیه): 1/ 231 ح669.

مرّ -، و(محمّد بن أحمد بن يحيى) الذي اخترناه واقع في وسط السند من جهة الإمام (علیه السلام) فتكون الرواية المبحوث عنها من مرويّاته فيشملها إخبار الشيخ، فيمكن تصحيح الرواية بطريق الفهرست الصحيح المذكور في ترجمته.

وبعبارة أخرى: إنّ ظاهر إخبار الشيخ (قدس سره) بكتبه ورواياته: أنّ كلّ ما وصل إليه بأحد الطريقين فقد وصل إليه بالطريق الثاني، فما وصل الشيخ (قدس سره) بالطريق الصحيح نقله (محمّد بن أحمد بن يحيى) بالطريق الضعيف(1).

ولكن السيّد الصدر (قدس سره) في بحثه الفقهي اشترط - لإحراز شمول الطريق البديل للطريق الضعيف - زيادةً على أن يكون للشيخ (قدس سره) طريق صحيح إلى ثقةٍ واقع قبل الضعيف من جهة الإمام (علیه السلام): أن يكون الطريق الضعيف الذي يراد التخلّص منه مذكوراً كأحد الطرق إلى (محمّد بن أحمد بن يحيى)، حيث استظهر من عبارة الفهرست وحدة المنقول بالطرق الثلاثة للشيخ إلى (محمّد بن أحمد بن يحيى)، وبما أنّ الطريق المذكور في الاستبصار هو أحد الطرق الثلاثة المذكورة في الفهرست فيثبت أنّ رواية (محمّد بن أحمد بن يحيى) لخبر حفص واصلة إلى الشيخ بالطرق الثلاثة جميعاً(2).

وقد وافق السيّد الصدر (قدس سره) على هذه الطريقة من التعويض في الوجه الأوّل من الوجوه التي ذكرها لنظريّة التعويض في (مباحثه)(3).

ولكن أورده السيّد الحائري (دامت برکاته) في (القضاء) بعدم صحة التمسك بإطلاق الإخبار في هذه الطريقة؛ فإنّ هناك احتمالين في معنى (أخبرنا...)..

ص: 336


1- ينظر: دروس تمهيدية في القواعد الرجالية: 293.
2- ينظر: بحوث في شرح العروة الوثقى: 3/ 125 - 126.
3- ينظر: مباحث الأصول: ق2 ج3/ 239.

الأوّل: شمول معنى الإخبار للروايات الشفهيّة فيتمّ عدم الفرق.

ولكن هذا الاحتمال بعيد؛ لأنّ الشيخ تكرّرت منه هذه العبارة وبشأن كثيرين ممّن يكون الفاصل بينه وبين الشيخ متعدّداً، ورواياته الشفهيّة كثيرة ومتناثرة ووصولها إلى الشيخ ضمن كتب المتأخّرين عنه، والشيخ لا يمكنه الإحاطة بجميع رواياته كذلك حتى يشهد بوصول الرواية بالسند المذكور.

والآخر: أن لا يشمل معنى العبارة الروايات الشفهيّة، وإنَّما المقصود رواياته لكتب وكتابات الآخرين، أو لكتبه هو والآخرين.

واستظهر هذا الاحتمال؛ إذ كان من المتعارف وقتئذ إخبار شيخ الإجازة لمن يروي عنه بجميع ما يرويه من كتب مؤلّفة لنفسه أو لغيره قراءة عليه أو سماعاً منه أو إجازة(1).

وبناءً على هذا فصّل في (القضاء) بما تقدّم من أنّه يمكن أن يتمّ التصحيح عند وقوع الثقة بين الشيخ ومن ابتدأ به - أي صاحب الكتاب -، وأمّا هذه الطريقة حيث وقع الثقة فيها بين من ابتدأ به والإمام (علیه السلام) فلا تتم النظريّة؛ لاحتمال أن تكون الرواية التي رواها شفاهيّة عند وقوع الراوي بين من ابتدأ به والإمام (علیه السلام)،فلا يطمأن أو يحرز أنّها في الكتب التي يرويها الثقة حتّى يصحّ التعويض، ولا أقل من الإجمال(2).

وتقدّم أنّ هذا التفصيل الذي ذكره غير تام؛ لأنّ احتمال المشافهة قائمٌ في كلا طرفي التفصيل - كما اتّضح عند دراسة الطريقة الثانية -. وحصول الاطمئنان الشخصيّ غير مفيد، فهو حجّة على صاحبه.

بل حتّى مع فرض شمول الطريق، ودفع احتمال اختلاف النسخ بشرط السيّد

ص: 337


1- ينظر: القضاء في الفقه الإسلامي: 55 - 56.
2- ينظر: القضاء في الفقه الإسلامي: 57.

الصدر (قدس سره) يبقى احتمال المشافهة قائماً وأنّ أبا أحمد بن محمّد بن يحيى أخذ الرواية عن العمركي - مثلاً - فلا يتمّ التعويض بهذه الطريقة.

الطّريقة السّابعة

ذكر السيّد الصدر (قدس سره) في (المباحث) أنّ الفرق بين هذه الطريقة وسابقتها أنَّ في هذه الطريقة نستبدل المقطع الثاني الذي فيه ضعفٌ بخلاف الطريقة السابقة حيث كان الاستبدال يتمّ في المقطع الأوّل.

وتوضيح هذه الطريقة من خلال مقدّمات:

الأولى: أن يقع راوٍ ثقة قبل الراوي الضعيف كما في سند روايةٍ للشيخ عن (أحمد بن محمّد بن عيسى).

الثّانية: أن لا يوجد ضعيف بين الشيخ وذاك الراوي الثقة، وهو: أحمد بن محمّد بن عيسى.

الثّالثة: وجود طريق آخر معتبر لذلك الراوي الثقة - وهو ابن عيسى -: إمّا إلى جميع ما وصله من كتب وروايات ثقة آخر وقع بعد ذلك الراوي الضعيف، أو إلى الإمام مباشرة.

الرّابعة: إنّ هذا الحديث داخل في عموم إخبار الشيخ بجميع كتب وروايات أحمد ابن محمد بن عيسى؛ لأنّ هذا الحديث حصل عليه ابن عيسى قبل إخبار الشيخ (أخبرنا بجميع كتبه ورواياته فلان عن فلان).

فنعوّض المقطع الثاني من السند الذي وقع فيه الضعيف من سند الحديث بالطريق

التامّ الجديد الذي حصلنا عليه لهذا الثقة (أحمد بن محمّد بن عيسى) إلى الثقة الآخر أو

ص: 338

الإمام (علیه السلام) (1).

وقد وافق على هذه الطريقة السيّد الحائري (دامت برکاته) في (القضاء)، ولكنّه ذكر أنّه لم يعثر على مورد لها (2)، مع أنّه لم يقبل الطريقة السادسة لوقوع الثقة بعد مَن ابتدأ به من جهة الإمام حيث كان التعويض بالقسم الأوّل من السند!

ولكن ما ذكر هناك من احتمال المشافهة يأتي هنا بلا فرق، ويأتي هنا أيضاً احتمال اختلاف النسخ فلا تتمّ هذه الطريقة أيضاً.

الطّريقة الثّامنة

اشارة

ذكر هذه الطريقة الميرزا محمّد بن علي الأسترابادي (قدس سره) (ت 1028ﻫ) في منهجه(3)، وصحّح بها بعض طرق الصدوق بالاستعانة بطرق الشيخ والنجاشي معاً.

وتَقرُب هذه الطريقة من الطريقة الرابعة لكن التوسّع هنا بالاستعانة؛ إذ عادة كنّا نستعين بطريق لتصحيح آخر أمّا هنا فنستعين بطريقين لتصحيح طريق آخر.

بعض موارد تطبيق هذه الطّريقة
1. ذكر الصدوق (قدس سره) في مشيخة الفقيه طريقه إلى عبيد بن زرارة

وهو: أبوه، عن سعد بن عبد الله الأشعري القميّ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن الحكم بن

ص: 339


1- ينظر: مباحث الأصول: ق2 ج3/ 244 - 245.
2- ينظر: القضاء في الفقه الإسلامي: 58.
3- منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال، مخطوط برقم 105ر، المحفوظ في مكتبة السيّد الحكيم العامة، الورقة 278، ص556.

مسكين الثقفي، عن عبيد بن زرارة بن أعين(1).

والطريقُ ضعيف بالحكم بن مسكين، ولكن يمكن استخراج طريق صحيح للصدوق (رحمة الله) إلى عبيد بن زرارة وهو مبني على مقدّمتين:

الأولى: الاستعانة بطريق صحيح للنجاشي (رحمة الله) إلى عبيد بن زرارة، وهو: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن يحيى، قال: حدَّثنا عبد الله بن جعفر، قال: حدَّثنا ابن أبي الخطّاب ومحمّد بن عبد الجبار وأحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن حمّاد بن عثمان، عن عبيد بكتابه(2).

الأخرى: الاستعانة بطريق الشيخ (قدس سره) في الفهرست إلى عبد الله بن جعفر الحميري الثقة، وهو: الشيخ المفيد (رحمة الله)،عن أبي جعفر ابن بابويه، عن أبيه ومحمّد بن الحسن، عنه(3).

فنلاحظ أنّ الشيخ الصدوق (قدس سره) يروي روايات عبد الله بن جعفر بطريق صحيح لوقوعه في الطريق الصحيح للشيخ (قدس سره) إلى الحميري.

النّتيجة: بعد تحصيل طريق صحيح للصدوق (رحمة الله) إلى روايات الحميري بالاستعانة بطريق الشيخ (قدس سره)،والحميري يروي روايات عبيد بالاستعانة بطريق النجاشي (رحمة الله) ينتج أنّ الصدوق (قدس سره) يروي جميع روايات عبيد بطريق صحيح، وهو: الصدوق، عن أبيه ومحمّد بن الحسن، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن ابن أبي الخطاب ومحمّد بن عبد الجبار وأحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن حمّاد بن عثمان،

ص: 340


1- ينظر: من لا يحضره الفقيه: 4/ 441.
2- ينظر: رجال النجاشي: 233 - 234.
3- ينظر: الفهرست: 168.

عن عبيد.

ويناقش في هذه الطريقة: بأنّ من المحتمل أنّ الحكم بن مسكين - باعتبار عدم ثبوت وثاقته - اختلق الرواية أو زاد فيها فلا يمكن إثبات أنّ الرواية التي نقلها الصدوق (رحمة الله) في كتابه الفقيه - والتي وقع في طريقها الضعيف - موجودة في كتاب عبيد ومن جملة رواياته.

نعم، يتمّ ذلك لو أنّ الشيخ الصدوق (رحمة الله) قد أخذ الرواية من كتاب الحميري لا من كتاب عبيد، ولكن يُحتمل أنّ الشيخ الصدوق (قدس سره) قد أخذها من كتاب عبيد الذي وصله بواسطة الحكم بن مسكين(1).

2. ما طبّقه السّيّد الخوئي (قدس سره) في تصحيح طريق الصّدوق إلى جميل بن صالح

حيث ذكر (رضوان الله علیه) أنّ طريق الصدوق (قدس سره) إلى جميل بن صالح مجهول، ولكن يمكن تصحيح طريقه إليه بالاستعانة بطريق الشيخ (قدس سره) إليه وإلى محمّد بن الحسن بن الوليد(2).

وطريق الشيخ إلى جميل بن صالح هو ابن أبي جيد، عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن الصفّار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن غير واحد، عن جميل بن صالح(3).

وطرق الشيخ إلى محمّد بن الحسن بن الوليد هي:

1. ابن أبي جيد، عنه.

ص: 341


1- ينظر: دروس تمهيدية في القواعد الرجالية: 285 - 286.
2- ينظر: مستند الناسك في شرح المناسك: 1/ 52 (كتاب الحج: ج3).
3- ينظر: الفهرست: 94.

2. جماعة، عن أحمد بن محمّد بن الحسن، عن أبيه.

3. جماعة، عن أبي جعفر ابن بابويه، عن محمّد بن الحسن(1).

فيظهر من طريق الشيخ إلى محمّد بن الحسن بن الوليد أنّ الصدوق يروي كتب وروايات ابن الوليد، ومن الطريق السابق يظهر أنّ ابن الوليد يروي كتب وروايات جميل ابن صالح، فيتركّب طريق للصدوق إلى جميل بن صالح، ويحكم على روايات الفقيه التي ابتدأ بها بجميل هذا بالصحة(2).

وهنا استعنّا بطريقين: طريق الشيخ إلى جميل، وطريق الشيخ إلى ابن الوليد.

وبيّن سيدنا الأستاذ (دامت افاداته) في قبساته بأنّ هذا يعتمد على تمام أمرين، وهما:

الأوّل: إحراز أنّ الصدوق أخذ الرواية من كتاب مَن ابتدأ به، وهو جميل بن صالح في المثال.

والآخر: إحراز أنّ الطريق المذكور إلى كتابه كان إلى نسخة معيّنة منه، وصلت إلى يد الصدوق بالمناولة أو القراءة أو السماع ونحوها ولم يكن من قبيل الإجازة الشرفيّة.

أمّا الأوّل فغير تامّ، فإنّه لا مؤشّر على أنّ كتاب جميل بن صالح هو من مصادر الصدوق في تأليفه للفقيه.

إن قيل: إنّه يوجد مؤشّر على ذلك وأنّ الصدوق أخذ الرواية من كتاب جميل بن صالح، وذلك أنّه ابتدأ به.

فيقال: إنّ الروايات الواردة في الفقيه لم يثبت كونها مأخوذة من كتب مَن ابتدأ بأسمائهم فيه - إلّا في قليل من الموارد لبعض القرائن - بل إنّ المقطوع به خلاف ذلك في

ص: 342


1- ينظر: الفهرست: 237.
2- ينظر: قبسات من علم الرجال: 2/ 238 هامش (1).

كثير منها(1).

وهذا يضيّق من دائرة هذه الطريقة ولو إلى هذه الموارد القليلة أو غيرها ممّا يحرز بالقرائن.

وأمّا الآخر فإنّه لا قرينة على وصول كتاب جميل بن صالح إلى الصدوق بطريق ابن الوليد(2).

ولعلّ ذلك لما ذكره (دامت افاداته) سابقاً من أنّ الإجازات شرفيّة، إلّا في موارد قليلة.

والحاصل: أنّ هذه الطريقة غير تامّة.

هذا، وقد طبّق السّيّد الخوئي (رضوان الله علیه) ما ذكر في المقدّمة الثّانية كطريقة مستقلّة، وذلك في تصحيح طريق الصّدوق (قدس سره) إلى جميل بن درّاج.

توضيح ذلك: أنّ للشيخ الطوسي (قدس سره) طريقاً صحيحاً إلى كتاب جميل بن درّاج، وهو: الحسين بن عبيد الله، عن محمّد بن علي بن الحسين، عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير وصفوان، عن جميل بن درّاج(3).

وهذا الطريق يشتمل على الصدوق نفسه يروي فيه عن جميل.

ولما كان الصدوق (قدس سره) هو الذي روى الكتاب إلى الشيخ فإنّه يستفاد من صحّة طريق الشيخ إلى جميل بن دراج - الذي فيه الصدوق نفسه - صحّة طريق الصدوق إلى جميل.

ص: 343


1- ينظر: قبسات من علم الرجال: 2/ 220 - 221، وراجع بيان لذلك أيضاً المصدر نفسه: 2/ 228 - 229.
2- ينظر: قبسات من علم الرجال: 2/ 238.
3- ينظر: الفهرست: 94.

وقد ارتضى السيّد الخوئي (قدس سره) التصحيح في هذا المورد بهذه الطريقة، والتي يمكن اعتبارها طريقة مستقلّة(1).

الطّريقة التّاسعة

وحاصلها التلفيق بين طريقي رواية واحدة كلٌّ منهما يشتمل على ضعف من ناحية خاصّة فنحصل على طريق ثالث صحيح. ولم يُذكر مورد لهذه الطريقة فهي طريقة فرضيّة.

وعلى أيّة حال، لتوضيحها نفرض مثالاً، وهو:

لو وردت روايةٌ بطريقين:

الأوّل: طريق للشيخ (قدس سره) عن المفيد، عن أحمد بن محمّد بن الحسن، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن أخيه الحسن ابن سعيد، عن زرعة، عن سماعة، عن أبي عبد الله (علیه السلام).

وطريقه ضعيف من ناحية أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد - شيخ المفيد (رضوان الله علیه) - بناءً على عدم كفاية شيخوخة الإجازة كما تكرّر مراراً.

والآخر: طريق للكليني (رحمة الله) عن محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن علي بن إسماعيل، عن عثمان بن عيسى، عن زرعة، عن سماعة، عن الصادق (علیه السلام).

ونفرض أنّ الضعيف في طريق الكليني علي بن إسماعيل.

فينتج طريق ثالث صحيح للرواية بطريق الكليني، وهو هكذا: محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن أخيه الحسن بن سعيد، عن زرعة، عن سماعة، عن أبي عبد الله (علیه السلام).

ص: 344


1- ينظر: مستند الناسك في شرح المناسك: 1/ 52.

ويرد على هذه الطريقة:

أوّلاً: احتمال اختلاق الضعيف للسند(1).

ووحدة المروي لا ترفع هذا الاحتمال.

وثانياً: إشكال الدور حيث إنّ تصحيح الضعف في الطريق الأوّل يتوقّف على وصول الرواية إلى أحمد بن محمّد بن عيسى في الطريق الآخر المعلول فرضاً بعلي بن إسماعيل، وتصحيح الضعف في الطريق الآخر يتوقّف على عدم اختلاق الضعيف للسند في الطريق الأوّل، فتصحيح الضعف في السند الأوّل يتوقّف على تماميّة السند الآخر وبالعكس.

إن قيل: إنّه قد يحصل اطمئنان بصدور الرواية من تعدّد السند.

فيقال: هذه مسألة أخرى لا علاقة لها بتصحيح الأسانيد، فكلامنا في تحصيل سند تامّ بالاعتماد على هذه الطريقة بحيث يمكن أن نستعين به مثلاً في تصحيح سند رواية ما بأحد الطرائق السابقة بناءً على تماميّتها.

وهنا لا يفيد إخبار الشيخ بروايات أحمد بن محمّد بن عيسى؛ لأنّه مع إخباره لا نحتاج إلى سند الرواية الآخر ونكون خرجنا عن هذه الطريقة.

إن قيل: قد يُستفاد من تعدّد السند الاطمئنان بعدم اختلاق الضعيف للسند، وليس الاطمئنان بصحة صدور الرواية حتى يُقال بأنّه يخرج الإشكال عن محلّ الكلام.

فيقال: إنّ هذا الاطمئنان اطمئنانٌ شخصيٌّ، وهو حجّة لصاحبه، وبالتالي لا نحصل على سند يمكن الاستعانة به في تصحيح طريق آخر.

ص: 345


1- ينظر: دروس تمهيدية في القواعد الرجالية: 282 - 283.

وكون الاطمئنان شخصيّاً وليس نوعيّاً في ما نحن فيه، لأنّ الفرض أنّ الرواية أتت بطريقين والاستعانة بهما فقط، لا بطرق أكثر. ومن البعيد حصول هكذا اطمئنان من سندين مشكلين، فتأمّل.

وهذا بخلاف إشكال الاطمئنان الذي يأتي مع الإكثار في الطريقة الثالثة فيمكن هناك حصول اطمئنان نوعي.

والحاصل: أنّ هذه الطريقة غير تامّة.

ص: 346

ثمرة البحث

تظهر الثمرة في تلك الروايات التي يمكن تصحيحها باستخدام نظرية التعويض ويكون لها تأثير دلالي على المورد:

إمّا من ناحية النتيجة حيث تغيّر الحكم الشرعي وعندها تكون ثمرة عمليّة.

وإمّا من ناحية نفس عمليّة استنباط الحكم الشرعي حيث لا يتغيّر الحكم الشرعي لوجود روايات حاكمة مثلاً أو غير ذلك، وعندها تكون ثمرة نظريّة.

ومن الموارد التي تظهر فيها الثمرة:

أوّلاً: صحّح السيّد الخوئي (قدس سره) في مستند الناسك طريق الشيخ الصدوق (رحمة الله) إلى جميل بن صالح - كما سلف في الطريقة الثامنة -، وإلى جميل بن درّاج - كما سلف في ذيل الطريقة الثامنة - في مناقشة رواية رواها (جميل عن محمّد بن مسلم وزرارة عن أبي عبد الله (علیه السلام) في محرم قتل نعامة قال: عليه بدنة فإنْ لم يجد فإطعام ستّين مسكيناً، فإن كانت قيمة البدنة أكثر من طعام ستّين مسكيناً لم يزد على طعام ستّين مسكيناً، وإن كانت قيمة البدنة أقل من طعام ستّين مسكيناً لم يكن عليه إلّا قيمة البدنة)(1) ثمّ ذكر: وعليه لو فرض مورد تحقّق فيه أنّ قيمة البدنة أقل من إطعام ستّين مسكيناً فلا بدّ من رفع اليد عن إطلاق روايات الإطعام على ستين مسكيناً بهذه الرواية(2).

وهذا المورد من موارد الثمرة العمليّة.

ثانياً: صحّح السيّد محمّد العاملي (رحمة الله) في بحث الخمس رواية الريّان بن الصلت

ص: 347


1- من لا يحضره الفقيه: 2/ 365.
2- ينظر: مستند الناسك في شرح المناسك: 1/ 52 (كتاب الحج: ج3).

وهي قوله: (كتبت إلى أبي محمّد (علیه السلام) ما الذي يجب علي يا مولاي في غلّة رحى في أرض قطيعة لي، وفي ثمن سمك وبردي وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب: يجب عليك فيه الخمس إن شاء الله تعالى)(1) كما تقدّم نقله بالاستعانة بطرق الشيخ في الفهرست.

ولكنّه في مقام البحث الدلالي للرواية ذكر بأنّها قاصرة لاختصاصها بالأرض القطيعة(2).

وهذا المورد من موارد الثمرة النظريّة.

ص: 348


1- تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد (رضوان الله علیه): 4/ 139.
2- ينظر: مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام: 5/ 382.

نتائج البحث

أوّلاً: أنّ تصحيح الأسانيد بالتعويض صحيح في الجملة، وله جذور في كلام الأعلام السابقين ولكن لم تكن بهذا العرض العريض الذي يظهر من خلال تطبيقاتها عند مَنْ جاء بعدهم، وهناك مجال للتعمُّق في آليّة التعويض وتاريخها.

ثانياً: أنّ المؤونة في تصحيح الأسانيد بالتعويض ودفع ما يرد تختلف بحسب موارد الطرائق، ففي:

الطّريقة الأولى: كانت المؤونة أخفّ؛ لأنّ التعويض إلى مَن ابتدأ به الشيخ في السند، والمفروض أنّه صاحب كتاب، والتعويض بطريق تامّ إلى نفس صاحب الكتاب. فالطريقة تامّة بشرط أن يكون مَن ابتدأ به صاحب كتاب مع إخبار الشيخ (قدس سره) بكتبه ورواياته، ويكون ذلك في خصوص مَن أورد الشيخ (قدس سره) أسانيده إليهم في المشيخة.

والطّريقة الثّانية: زادت فيها المؤونة..

1. إذ التعويض ليس إلى صاحب الكتاب الذي ابتدأ به الشيخ (قدس سره) السند بل إلى ثقة وقع قبله.

2. وحتّى يصحّ التعويض بهذه الطريقة يجب أن يكون هذا الثقة صاحب كتاب، وقد أخذ الرواية مِن كتاب مَنْ قبله، فمؤونة شمول الطريق البديل للمبدل منه هنا أكبر.

فالطريقة غير تامّة، فشمول الطريق غير محرز، وإجازات الشيوخ شرفيّة إلّا في موارد قليلة.

والطّريقة الثّالثة: بالرجوع إلى أسانيد الروايات..

1. احتجنا إلى مؤونة أكثر من ذلك فكان علينا بالإضافة إلى ذلك دفع احتمال أنّه

ص: 349

أخذ الرواية من الأسبق مثلاً.

2. ومن المؤونة في الطريقة الثالثة أيضاً أنّ مَنْ يقع في سلسلة سند الرواية يكن مشمولاً بالإخبار كأصحاب الكتب الذين يُذكر لهم الطريق في الفهرست مثلاً.

وعليه فالطريقة غير تامّة؛ لأنّ شمول الطريق غير محرز فاحتمال اختصاصه قائم، والإجازات غالبها شرفيّة محضة، فضلاً عن وجود احتمال تعدّد النسخ، والمشافهة، والأخذ من الأسبق، واختلاف الكتب.

والطّريقة الرّابعة: بالاستعانة بطرق الصدوق..

1. احتجنا إلى إثبات أنّ طرق الصدوق غير مختصّة بكتابه.

2. وأنّ إرجاع الشيخ إلى الفهارس يشمل مشيخة الصدوق.

فالطريقة غير تامّة؛ لاحتمال الاختصاص، وعدم شمول طريق الصدوق له، وتعدّد النسخ.

والطّريقة الخامسة: بالاستعانة بطرق النجاشي احتجنا إلى رفع احتمال تعدّد النسخ واختلاف الكتب وبقي أنّ الإجازات غالبها شرفية.

ومع إحراز الشمول ودفع اختلاف الكتب وتعدّد النسخ بالشرائط المذكورة - من تعدد الطرق مع كون الضعيف أحدها، وتفصيل الكتب - لم تتم الطريقة لشرفيّة الإجازات.

والطّريقة السّادسة: تعويض القسم الأوّل من السند إلى الثقة الواقع بين مَنْ ابتدأ به والإمام (علیه السلام)..

1. احتجنا مؤونة إثبات شمول الإخبار لوقوع الثقة بين مَن ابتدأ به والإمام (علیه السلام).

2. واحتجنا لمؤونة أكثر في دفع احتمال المشافهة عن الطرائق السابقة.

ص: 350

فالطريقة غير تامّة؛ لأنّه وإن أمكن إحراز شمول الطريق بالشرط المذكور لكن احتمال المشافهة قائم، وكذا الأخذ ممّن سبقه.

والطّريقة السّابعة: تعويض القسم الثاني من السند.. احتجنا فيها أيضاً لمؤونة دفع احتمال المشافهة وتعدّد النسخ.

فالطريقة لا تتمّ لاحتمال المشافهة واختلاف النسخ.

والطّريقة الثّامنة: الاستعانة بأكثر من طريق، وهي لم تتم أيضاً؛ إذ لم يحرز شمول الطريق، والإجازات غالبها شرفيّة محضة، واحتمالا اختلاق السند، والأخذ من الأسبق قائمان.

والطّريقة التّاسعة: التلفيق بين سندي رواية واحدة فيأتي احتمال اختلاق السند والدور.

فهي أيضاً غير تامّة.

ثالثاً: الضابطة المقترحة لتصحيح الأسانيد:

أن يكون الثقة المشترك بين الطريقين البديل والمبدل منه صاحب كتاب.

وأن يكون الطريق التامّ البديل يعمّ الطريق الضعيف.

وأن لا تكون الإجازة شرفيّة، وأن نرفع مثل: احتمال المشافهة، وتعدّد النسخ، واختلاف الكتب، واختلاق السند من الضعيف، وأخذ الثقة من الأسبق.

وذلك - مثلاً - بالرجوع إلى ما ذكره في الفهرست من ذكر الكتب ومؤلّفيها، فنعلم أنّ مَن ابتدأ به صاحب كتاب أو لا، أو بأن يكون الإخبار بجميع كتبه ورواياته ممّا يفيد عموم الطريق على ما تقدّم في شرح العبارة، أو بأنّ الإخبار كان بالقراءة أو السماع أو نحو ذلك ممّا يدفع احتمال المشافهة والإجازة الشرفيّة، أو بتعدّد الطرق مع كون الطريق

ص: 351

الضعيف أحدها ممّا يدفع احتمال تعدّد النسخ على ما تقدّم بيانه في الطريقة الخامسة، أو بتفصيل الكتب وذكرها ممّا يدفع احتمال اختلاف الكتب، إلى غير ذلك من القرائن التي يمكن بها دفع ما يرد على المورد.

رابعاً: يظهر ممّا تقدّم أنّه في بعض الطرائق السابقة يمكن تصحيح بعض مواردها مع وجود قرائن تدفع ما يرد على المورد، ومن أمثلة ذلك:

الأوّل: في الطريقة الأولى عند عدم عطف الشيخ ب-(رواياته) فهنا يمكن تتميم التعويض عندما يكون سند الشيخ في فهرسته إلى نفس الكتاب الذي روى عنه الرواية، ويستفاد ذلك من خلال القرائن كتعدّد الطرق مع كون الضعيف أحدها وتفصيل الكتب.

الآخر: في الطريقة الخامسة حيث يمكن تماميّة الطريقة - بالشرائط التي ذكرت هناك - في الموارد التي يكون الإخبار فيها بالقراءة أو السماع أو نحوهما؛ فإنّ ذلك ممّا ينفي الإجازة الشرفيّة.

خامساً: يظهر من تماميّة نظريّة التعويض بهذه الحدود أنّه استوجب تضييق دائرة النظريّة بإخراج أغلب موارد الطرائق.

سادساً: يمكن للمتتبّع أن يحصل على موارد أخرى في تطبيقاتهم تصلح لأن تكون طرائق مستقلّة، فحيثيّات التعويض متعدّدة ممّا يجعل الطرائق تتعدّد بحسبها، ويمكن إلحاق بعض الطرائق ببعض باعتبار اشتراكها في جملة المناقشات التي ترد عليها، كما ألحقنا في الطريقة السادسة المورد الثاني - وهو تصحيح سند حديث رفع التسعة لكن بالاستعانة بمشيخة الفقيه لا بالفهرست - للاشتراك في جملة المناقشات الواردة، ولذلك أيضاً لم نفرد الطريقة المستقلّة للسيد الخوئي (قدس سره) التي شكّلت المقدّمة الثانية للطريقة

ص: 352

الثامنة.

وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على خير خلقه محمّد وآله الطّيّبين الطّاهرين.

* * *

ص: 353

المراجع والمصادر

1. الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: الشيخ الطوسي (ت 460ﻫ)، تحقيق وتعليق: السيّد حسن الموسوي الخرسان، ط: 4، 1363ﻫ، دار الكتب الإسلامية - طهران.

2. استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار: محمّد بن الحسن ابن الشهيد الثاني، (ت 1030ﻫ)، تحقيق: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، ط: 1، 1420ﻫ، مطبعة ستاره قم، الناشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث.

3. أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق: تقرير بحث الشيخ مسلم الداوري، تأليف: الشيخ محمّد علي صالح المعلم، ط:1، منشورات الرافد، 1434ﻫ.

4. بحوث في شرح العروة الوثقى: السيّد محمّد باقر الصدر (رضوان الله علیه) (ت 1400ﻫ)، ط:1، 1391ﻫ- 1971م، مطبعة الآداب - النجف الأشرف.

5. بحوث في شرح مناسك الحج: أبحاث السيّد محمّد رضا السيستاني (دامت افاداته)،بقلم: الشيخ أمجد رياض والشيخ نزار يوسف، الناشر: دار المؤرخ العربي - بيروت - لبنان، 1437 ﻫ، ط: 2.

6. بحوث في علم الأصول: تقرير بحث السيّد محمّد باقر الصدر (ت1400ﻫ)، بقلم السيّد محمود الشاهرودي،،ط: 3، 1426ﻫ- 2005م، مطبعة: محمّد، الناشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت (علیه السلام).

7. تاج العروس من جواهر القاموس: السيّد محمّد مرتضى الحسيني الواسطي الزبيدي الحنفي، (ت 1205ﻫ)، تحقيق: علي شيري، سنة الطبع 1414ﻫ- 1994م،

ص: 354

طبع ونشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت.

8. التنقيح في شرح العروة الوثقى: تقريراً لبحث السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي (قدس سره) (ت1413ﻫ)، المؤلف: الميرزا علي الغروي (ت 1419ﻫ)، ط: 3، 1410ﻫ، مطبعة صدر - قم، دار الهادي للمطبوعات - قم.

9. تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد (رضوان الله علیه): الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (رضوان الله علیه) (ت 460ﻫ)، تحقيق وتعليق: السيّد حسن الموسوي الخرسان، ط: 3، 1364ﻫ، دار الكتب الإسلامية - طهران.

10. جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والإسناد: الشيخ محمّد بن علي الأردبيلي الغروي الحائري (قدس سره) (ت 1101ﻫ)، ط:1، 1403ﻫ، الجزء الأوَّل الناشر له: مكتبة المحمّدي، والجزء الثاني الناشر له: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، قم - إيران.

11. خاتمة مستدرك الوسائل: الشيخ حسين النوري الطبرسي (قدس سره)،(ت 1320ﻫ)، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، ط: 1، 1416ﻫ، مطبعة: ستارة قم، الناشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم - إيران.

12. الخصال: الشيخ الأقدم الصدوق أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين ابن بابويه القمي (قدس سره) (ت 381ﻫ)، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، 1403ﻫ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة.

13. دروس تمهيدية في القواعد الرجالية: الشيخ باقر الإيرواني، ط: 1، 1432ﻫ، مؤسسة التاريخ العربي - لبنان.

14. رجال السيّد بحر العلوم المعروف بالفوائد الرجالية: السيّد محمّد المهدي

ص: 355

بحر العلوم الطباطبائي (قدس سره) (ت 1212ﻫ)، تحقيق وتعليق: السيّد محمّد صادق بحر العلوم والسيّد حسين بحر العلوم، ط: 1، 1363 ه-. ش، مكتبة الصادق - طهران.

15. الرسائل الرجاليّة: الشيخ أبو المعالي محمّد بن محمّد إبراهيم الكلباسي (ت 1315ﻫ)، تحقيق: الشيخ محمّد حسين الدرايتي، ط:1، 1422ه-،المطبعة: سرور، الناشر: دار الحديث.

16. روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه: الشيخ محمّد تقي المجلسي (الأوّل) (ت 1070ﻫ)، تحقيق وإشراف: السيّد حسين الموسوي الكرماني والشيخ علي بناه الإشتهاردي، الناشر: بنياد فرهنك إسلامي حاج محمّد حسين كوشانبور.

17. سماء المقال في علم الرجال: الشيخ أبو الهدى الكلباسي (ت 1356ﻫ)، تحقيق: السيّد محمّد الحسيني القزويني، ط:1، 1419ﻫ، مطبعة: أمير - قم، الناشر: مؤسسة ولي العصر (علیه السلام) للدراسات الإسلامية - قمّ المشرفة.

18. الصحاح (تاج اللّغة وصحاح العربية): إسماعيل بن حماد الجوهري (ت 393ﻫ)، تحقيق: أحمد عبد الغفور العطّار، ط: 4، 1407 ﻫ- 1987م، الناشر: دار العلم للملايين - بيروت - لبنان.

19. العين: الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175ﻫ)، تحقيق: الدكتور مهدي المخزومي والدكتور إبراهيم السامرائي، ط: 2، 1409ﻫ، الناشر: مؤسسة دار الهجرة - إيران - قم.

20. فهرست أسماء مصنّفي الشيعة (رجال النجاشي): الشيخ الجليل أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس النجاشي الأسدي الكوفي (ت 450ﻫ)، ط:5، 1416ﻫ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

ص: 356

21. الفهرست: الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460ﻫ)، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، ط:1 - 1417ﻫ، مطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة.

22. قبسات من علم الرجال: أبحاث السيّد محمّد رضا السيستاني (دامت افاداته) معاصر، بقلم السيد محمّد البكّاء، الطبعة الأولى 1437 ﻫ2016م الناشر: دار المؤرخ العربي - بيروت - لبنان.

23. القضاء في الفقه الإسلامي: السيّد كاظم الحسيني الحائري، معاصر، ط: 1، 1415ﻫ، مطبعة باقري - قم، الناشر: مجمع الفكر الإسلامي.

24. كتاب الأربعين: الشيخ محمّد باقر المجلسي (قدس سره) (ت 1111ﻫ)، المطبعة العلمية قم 1399ﻫ، دار الكتب العلمية، إسماعيليان نجفي.

25. كتاب الحج: السيّد محمّد المحقّق (الداماد) (قدس سره) (ت 1388ﻫ)، تأليف: عبد الله الجوادي الطبري الآملي، مطبعة مهر.

26. كلّيّات في علم الرجال: الشيخ جعفر السبحاني، ط: 3، 1414ﻫ، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

27. مباحث الأصول: تقريراً لبحث السيّد محمّد باقر الصدر (ت1400ﻫ)، تأليف: السيّد كاظم الحسيني الحائري، ط: 1، 1407ﻫ، مطبعة: مركز النشر مكتب الإعلام الإسلامي - قم.

28. مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام: السيّد محمّد بن علي الموسوي العاملي (ت 1009ﻫ)، تحقيق: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، ط:1، 1410 ﻫ، المطبعة: مهر قم، الناشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم المشرفة.

ص: 357

29. مستند الناسك في شرح المناسك: تقريراً لأبحاث السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي (قدس سره) (ت 1413ﻫ)، بقلم الشيخ مرتضى البروجردي (قدس سره) (ت 1418ﻫ)، الناشر: دار المؤرّخ العربي، ط: 1، 1435ﻫ.

30. المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الزكاة (موسوعة الإمام الخوئي): تقريراً لأبحاث السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي (قدس سره) (ت 1413ﻫ)، تأليف: الشيخ مرتضى البروجردي (ت 1418ﻫ)، ط:2، 1426ﻫ- 2005 م، مؤسسة إحياء آثار الأمام الخوئي (قدس سره).

31. المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الصوم (موسوعة الإمام الخوئي): تقريراً لأبحاث السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي (قدس سره) (ت 1413ﻫ)، تأليف: الشيخ مرتضى البروجردي (ت 1418ﻫ) ط: 2، 1426ﻫ- 2005م، مؤسسة إحياء آثار الأمام الخوئي (قدس سره).

32. مصباح المتهجد: الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (رضوان الله علیه) (ت 460ﻫ)، ط: 1، 1411 ﻫ- 1991 م، الناشر: مؤسسة فقه الشيعة - بيروت - لبنان.

33. معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة: السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي (قدس سره) (ت 1413ﻫ)، ط:5، 1413ﻫ- 1992م.

34. معجم مقاييس اللغة: أحمد بن فارس بن زكريا ( ابن فارس ) (395 ﻫ)، تحقيق: عبد السلام محمّد هارون، سنة الطبع 1404ﻫ، طبع ونشر: مكتبة الإعلام الإسلامي.

35. من لا يحضره الفقيه: الشيخ الصدوق أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين ابن بابويه القمي (ت381ﻫ)، ط: 2، 1404ﻫ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة

ص: 358

المدرسين بقم المشرفة.

36. منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال: الميرزا محمّد الأسترابادي (قدس سره) (ت 1028ﻫ)، مخطوط برقم 105ر، المجموعة الأولى، المحفوظ في مكتبة الإمام الحكيم العامّة.

ص: 359

ص: 360

تحقيق حال جابر الجعفي (الحلقة الخامسة) - الشَّيخ محمَّد الجعفري (دام عزه)

اشارة

إنَّ معرفة طبقة الرَّاوي تحدّد الفترة التي عاش فيها وتتيح التعرّف على عصره العلميّ والسّياسيّ والاجتماعيّ وما كان مطروحاً في ذلك العصر من الرُّؤى والأفكار والاتّجاهات الدّينيّة، وهو يساعد على تحديد منهجه الفكريّ العامّ وخلفيّاته الثّقافيّة وطريقة تفكيره وعرضه للرؤى والأفكار، كما أنَّها تنفع في معرفة مشايخ الرَّاوي وتلامذته.

ص: 361

ص: 362

بسم الله الرحمن الرحیم

هذه هي الحلقة الأخيرة من بحث تحقيق حال التابعي المعروف جابر بن يزيد الجعفي، وتناول البحث في الحلقتين الأولتين جهات تتعلّق بشخصيّة هذا الرجل، وتناولت الحلقة الثالثة علوم جابر وكتبه، وفي الحلقة الرابعة - وهو المقام الثالث - كان الكلام في وثاقة الرجل عند الفريقين، ووصل الكلام إلى..

المقام الرَّابع: معجم بأسماء أساتذة جابر الجعفي وتلاميذه

اشارة

وقد ذكرنا في مستهلّ المقام الأوَّل المصادر التي تضمّنت الرواية عن جابر بحسب التسلسل الزمني وعدد ما ورد فيها، وذكرنا في الجهة الرابعة من ذاك المقام بعض الوجوه البارزة من مشايخه في العلم من الصحابة والتابعين، كما ذكرنا في الجهة الخامسة والسادسة مَن تصح روايته عنه من الصحابة والتابعين، وهذا المقام معقود لتفصيل مشايخه وتلاميذه في أسانيد الفريقين، وهو يشتمل على مطلبين:

الأوَّل: في ذكر الراوي والمروي عنه في أسانيد الجمهور مع ترجمة موجزة لكل واحد منهم.

والآخر: في ذكر الراوي والمروي عنه في كتبنا.

ويعرف مثل هذا البحث في العرف الرجالي بطبقة الرجل؛ لأنّه يمثّل موقعه التاريخي ومحلّه بين رواة العلم والحديث، ومن ثمَّ لا بأس بذكر مقدّمة في الطبقات:

ص: 363

الطَّبقات لغةًً واصطلاحاً

أمّا لغة فقد قال الخليل (رحمة الله): (الطبق: جماعة من الناس يعدلون طبقاً مثل جماعة)(1). وقال ابن سيده: (صاحب العين: طبق كلّ شيء: ما ساواه)(2).

وأمّا اصطلاحاً فالظاهر أنّ الطبقات (جمع: طبقة) مستعملة بنفس معناها اللغوي؛ لأنّ الطبقة في علم الحديث عبارة عن جماعة أو جيل من المحدِّثين عاشت في زمن واحد تقريباً يمكنها أن تروي عمّن سبقها مباشرة.

الغاية من معرفة الطّبقة

إنّ معرفة طبقة الراوي تحدّد الفترة التي عاش فيها هذا الراوي، وتتيح التعرّف على عصره العلميّ والسياسيّ والاجتماعيّ، وما كان مطروحاً في ذلك العصر من الرؤى والأفكار والاتجاهات الدينية، وهو يساعد على تحديد منهجه الفكريّ العامّ وخلفيّاته الثقافيّة وطريقة تفكيره وعرضه للرؤى والأفكار، كما أنّها تنفع في معرفة مشايخ الراوي وتلامذته، ومن خلال معرفة عدد مشايخ الراوي وتوطّنهم تتّضح صورة عن حياة الراوي العلميّة، وكيفية طلبه للحديث وما بذله من جهد في تحصيل الحديث من خلال تنقّله بين البلدان، كما أنّ اختلاف مدارس هؤلاء الشيوخ - حيث يتّفق - يرسم لنا صورة عن معرفيّة الراوي ومدى تأثّره بمدرسةٍ ما حسب مدّة التلمّذ.

وقد اعتنى علماء المسلمين من الفريقين اعتناء كبيراً بتدوين الطبقات على اختلافٍ في مناهجهم.

ص: 364


1- العين: 5/ 108.
2- المخصص: 3/ ق3 السفر الثاني عشر: 161.

كتب الطّبقات عند العامّة ومناهجهم فيها..

اشارة

إنّ أقدم ما وصل من كتب الجمهور هو طبقات الواقدي (ت 207ﻫ)، ثمَّ الطبقات الكبرى لتلميذه محمَّد بن سعد (168 - 230ﻫ) وقد استفاد من كتابي أستاذه في الطبقات والمغازي.

وقد اختلفت مناهج القوم في ترتيب الطبقات..

المنهج الأوَّل

منهج ابن سعد(1)، وقد راعى في التراجم عنصرين: عنصر الزمان، وعنصر المكان، - ولكنّه قبل ذكر التراجم ترجم لرسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) من جهة آبائه وأمهاته، وكلُّ ما يتعلّق بحياته الشريفة -..

أمّا عنصر الزمان فقد راعاه في بناء الطبقات من أوّلها إلى آخرها، وكانت السابقة إلى الإسلام هي المحور الأكبر فيه، سواء اتّصلت بالهجرة إلى الحبشة ثمَّ بمعركة بدر أم بما قبل الفتح، أو غير ذلك من المفاصل الزمنيّة التي وجّهت التقسيم، فالبدريّون مفضّلون على مَن عداهم، ومن ثمَّ بدأ بالمهاجرين البدريين، ثمَّ بالأنصار البدريين، ثمَّ بمن أسلم قديماً ولم يشهد بدراً وإنّما هاجر إلى الحبشة أو شهد أُحداً، ثمَّ من أسلم قبل فتح مكة وهكذا.

وأمّا العنصر المكاني فأخذ يترجم للصحابة ومَن بعدهم على حسب الأمصار التي نزلوها فسمّى من كان بالمدينة ومكّة والطائف واليمن واليمامة، ثُمَّ مَن نزل الكوفة، ثُمَّ مَن نزل البصرة، ومَن كان موطنه الشام ومصر وغيرهما، وترجم للنساء الصحابيّات في

ص: 365


1- لاحظ: الطبقات الكبرى: 1/ 12 وما بعد من مقدّمة التحقيق بقلم إحسان عباس، طبقات خليفة: 13 مقدّمة التحقيق بقلم: سهيل زكار.

الجزء الأخير من كتابه.

وتفصيله: أنّ ابن سعد خصّص المجلّد الأوَّل والثاني في السيرة والشمائل. وجعل الثالث لتراجم أهل بدر ونقباء الأنصار. والرابع للحديث عن الطبقة الثانية من الصحابة، ثمَّ الصحابة الذين أسلموا قبل فتح مكة. والخامس لتابعي المدينة، ثمَّ للصحابة والتابعين في مكّة والطائف واليمن واليمامة والبحرين. والسادس للصحابة والتابعين من أهل الكوفة. والسابع للصحابة والتابعين في البصرة والشام ومصر وخراسان وبقيّة الأمصار الإسلامية. والثامن للنساء الصحابيّات.

وفي تقسيمه لطبقات التابعين جعل الطبقة تساوي عشرين سنة، فمثلاً تتراوح نهاية الطبقة الثالثة بين (108 - 113ﻫ) وتتراوح نهاية الطبقة الرابعة بين (126 - 132ﻫ).

المنهج الثَّاني

منهج خليفة بن خيّاط العصفري (شباب) (ت 240ﻫ) في طبقاته(1)، وهو يغاير منهج معاصره ابن سعد، إذ رتّبه على نسب الصحابة وقرابتهم من رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)،فبدأ كتابه بترجمة الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله و سلم) ثمَّ عمّه العباس، ثمَّ بقيّة بني هاشم، ثمَّ ترجم للأمويين. ثمَّ تناول سائر بطون قريش بطناً بطناً. ثمَّ ألمَّ بسائر القبائل المضريّة فالعدنانيّة. وبعد ذلك بدأ بالصحابة من القبائل اليمانيّة. وبعد أن أنهى تراجم الصحابة جميعاً ترجم التابعين وفق أنسابهم أيضاً.

وبين ابن سعد وخليفة اختلاف في تعداد الطبقات، فطبقات أهل البصرة عند ابن سعد ثماني طبقات، وعند خليفة اثنتا عشرة طبقة، وطبقات أهل الكوفة عند ابن سعد تسع، وعند خليفة إحدى عشرة طبقة. وأهل الشام عند ابن سعد ثماني طبقات وعند خليفة ست.

ص: 366


1- لاحظ: طبقات خليفة: 13 وما بعد، مقدّمة التحقيق بقلم: سهيل زكار.

ومن أهم الأمور أنّنا نجد عند خليفة ذكراً كاملاً لتابعي المدينة، ولكن سقطت من ابن سعد من تابعي المدينة الطبقتان الرابعة والخامسة حيث انتقل من الطبقة الثالثة إلى الطبقة السادسة(1).

المنهج الثَّالث

تعداد طبقات مدينةٍ ما، ومثاله طبقات المحدّثين بأصبهان لعبد الله ابن محمَّد بن جعفر بن حيّان الأنصاري (ت 369ﻫ)، حيث جعلها إحدى عشرة طبقة، والطبقة تساوي عنده ثلاثين عاماً.

المنهج الرَّابع

تعداد طبقات مذهبٍ ما، ونجد لذلك ثلاثة أمثلة بحسب الترتيب الزمني: طبقات الصوفيّة، طبقات الحنابلة، طبقات الشافعيّة الكبرى.

أمّا الأوَّل فلأبي عبد الرحمن السلمي (ت412ﻫ) وجعله على خمس طبقات من أئمّتهم في كلّ طبقة عشرون شيخاً.

وأمّا الثَّاني فلأبي الحسين محمَّد بن أبي يعلى المتوفّى بعد عام (524ﻫ)، وكانت الطبقة الأولى حسب ترتيبه هي في مَن روى عن أحمد ابن حنبل وهكذا إلى الطبقة السادسة وهي طبقة والده (محمَّد بن الحسين بن خلف الفرّاء الحنبلي).

وأمّا الأخير فلعبد الوهاب بن علي السبكي (ت 771ﻫ)، ورتّبه على سبع طبقات، كلّ مائة عام طبقة.

المنهج الخامس

منهج شمس الدين الذهبي (ت748ﻫ) حيث صنّف في طبقات الحفّاظ، وجعلها إحدى وعشرين طبقة، فكانت الطبقة الأولى في الحفّاظ من الصحابة، والثانية في الحفّاظ من كبار التابعين، والثالثة في الحفّاظ من الطبقة الوسطى من التابعين، والرابعة في الحفّاظ من الطبقة الثالثة من التابعين، وهكذا إلى الطبقة الأخيرة في مشايخه.

ص: 367


1- لاحظ: الطبقات الكبرى: 5/ 312، 409.

والملاحَظ أنّه لم يترجم لجابر الجعفي في ضمن الحفّاظ من الطبقة الوسطى من التابعين مع أنّه ترجم لأساتذته وتلاميذه.

المنهج السَّادس

منهج ابن حجر (ت 852ﻫ) في تقريب التهذيب(1)، حيث جعل الطبقات اثنتي عشرة طبقة إلى آخر زمن تابعي التابعين، فكانت الطبقة الأولى في الصحابة على اختلاف مراتبهم.

والطبقات الأربع بعدها في التابعين، وقد قسّمهم إلى أربع طبقات حسب مقدار إدراك الصحابة، فالطبقة الثانية في كبار التابعين - وهم من أدرك عدداً كبيراً من الصحابة - كابن المسيّب. والثالثة في الطبقة الوسطى منهم - وهم من أدرك عدداً أقلَّ من الصحابة - كالحسن وابن سيرين. والرابعة في مَن أدرك بعض الصحابة ولكن جلّ روايتهم عن كبار التابعين، كالزهري وقتادة. وجابر الجعفي من هذه الطبقة، كما تقدّم تحقيق ذلك في الجهة السابعة من المقام الأوَّل. والخامسة في الطبقة الصغرى منهم، وهم الذين رأوا الواحد والاثنين من الصحابة، ولم يثبت لبعضهم السماع منهم، كالأعمش. والسادسة في طبقة مَن عاصر الخامسة، ولكن لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة، كابن جريج. والسابعة في أتباع التابعين، كمالك والثوري. والثامنة في الطبقة الوسطى منهم، كابن عيينة وابن عليّة. والتاسعة في الطبقة الصغرى من أتباع التابعين، كيزيد بن هارون، والشافعي وأبي داود الطيالسي، وعبد الرزاق الصنعاني. والعاشرة في كبار الآخذين عن تبع الأتباع، ممّن لم يلقَ التابعين، كأحمد ابن حنبل. والحادية عشرة في الطبقة الوسطى من ذلك، كالذهلي والبخاري. والطبقة الثانية عشرة في صغار الآخذين عن تبع الأتباع، كالترمذي.

ص: 368


1- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 25 - 26.

وأمّا في تحديد عمر الطبقة فذكر أنّ الطبقة الأولى والثانية هم من مات قبل المائة. وأمّا الطبقة الثالثة إلى آخر الثامنة فتكون وفياتهم بعد المائة. وأمّا الطبقة التاسعة إلى الأخيرة فتكون وفياتهم بعد المائتين. هذه نبذة عن مناهج الطبقات عند الجمهور.

كتب الطَّبقات عند الخاصّة

وأمّا عندنا فأقدم كتاب وصل إلينا في الطبقات هو كتاب الرجال المنسوب إلى البرقي، وقد اختلف فيه على أقوال، منها: أنّه لأبي جعفر أحمد بن محمَّد بن خالد البرقي (ت 274ﻫ)، وقد قسّمه إلى اثنتي عشرة طبقة ابتداءً من أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)،وانتهاءً بأصحاب أبي محمَّد الحسن العسكري (علیه السلام)،وبعد ذلك ذكر النساء الراويات عن المعصومين (علیهم السلام) بحسب تسلسلهم.

فالضابط عنده في الطبقة هو المصاحبة لأحد المعصومين (علیهم السلام)،ومن ثمَّ فقد يمتد عمر طبقة إلى ثلاثين سنة وأخرى قد يكون عمرها عشر سنين أو أقلّ، وأيضاً نجد راوياً قد روى عن أربعة من المعصومين - مثلاً - فهكذا راوٍ يندرج عنده في طبقات أربع(1).

وقد اتّبع هذا الأسلوب أيضاً الشيخ الطوسي (طاب ثراه) (ت460ﻫ) في رجاله، حيث جعل طبقات رجاله أيضاً اثنتي عشرة طبقة بعدد المعصومين (علیهم السلام) الذين روى الرواة عنهم، ورتّب كلّ طبقة على حسب حروف المعجم، وأضاف طبقة أخرى وهي

ص: 369


1- وقد ألّف في الطبقات بعده عدّة من العلماء ولكن لم تصلنا كتبهم، منهم: أحمد بن محمّد بن الحسين بن الحسن بن دؤل القمّي (ت 350 ﻫ)، ومحمّد بن عمر بن محمّد بن سالم بن البراء التميمي، المعروف بالقاضي الجُعابي (ت 355 ﻫ). لاحظ: فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: 89، رقم 223، ص394، رقم: 1055.

ذكر أسماء مَن لم يروِ عن أحد من الأئمّة (علیهم السلام). وجابر الجعفي يكون وفق هذا المنهج من الطبقتين السادسة والسابعة. ويأتي نفس الكلام الذي ذكرناه في رجال البرقي.

فمنهج البرقي والشيخ واحد، وهذا المنهج لم يفرز بين الطبقات فرزاً واضحاً - بل غالب الطبقات متداخلة - كما كان عند العامّة، ومن ثمَّ كثر تعداد الطبقات إلى عصر الغيبة الصغرى.

ولم يؤلَّف بعد ذلك كتاب في الطبقات عندنا إلى عصر متأخّري المتأخّرين، بل انصبّ التأليف في الجرح والتعديل في الرجال المبني - في الغالب - على حروف الهجاء من دون ملاحظة الطبقة وإن كان يذكر ضمناً أنّ هذا الرجل - مثلاً - من أصحاب الباقر أو الصادق (علیهما السلام)،أو من الطبقات المتأخّرة عن زمن المعصومين (علیهم السلام)،كما في رجال الكشي وابن الغضائري وفهرستي النجاشي(1) والشيخ والكتب الرجالية المتأخّرة عنهم.

إلى أن جاء التقي المجلسي (رضوان الله علیه) (ت 1070ﻫ) حيث رتب طبقات محدّثي الشيعة في شرحه لمشيخة الفقيه على اثنتي عشرة طبقة، وجعل الطبقة الأولى طبقة الشيخ الطوسي والنجاشي وأضرابهما، وهكذا صعوداً إلى الطبقة الأخيرة طبقة أصحاب الحسنين وأمير المؤمنين (علیهم السلام) (2). وعلى ترتيبه (قدس سره) يكون جابر الجعفي من الطبقتين التاسعة والعاشرة وهما طبقتا أصحاب أبي عبد الله الصادق وأبي جعفر الباقر (علیهما السلام).

ص: 370


1- نعم ذكر النجاشي في فهرسته الطبقة الأولى وهم أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وأمير المؤمنين (علیه السلام) مخالفاً لمنهجه في الكتاب وهو الترتيب الألفبائي لنكتة، وهي: أنّ المخالفين - كما ذكر في المقدّمة - قد طعنوا على الشيعة بأنّ لا سلف لهم ولا مصنَّف، فذكر هؤلاء الذين هم من الرعيل الأوَّل ليبيّن علو كعب شيعة أهل البيت (علیهم السلام) في التأليف والتصنيف منذ الصدر الأوَّل وأنّهم قد سبقوا الجمهور في كل الفنون. ينظر رجال النجاشي: 3 - 9.
2- لاحظ: روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه: 20/ 453.

وتعدّد نظام الطبقات المقترح بعد ذلك.

ومن تلك النظم ما جرى عليه السيّد البروجردي (طاب ثراه) (ت 1380ﻫ) في مقدّمة كتاب ترتيب أسانيد الكافي، حيث رتّب طبقات محدثي الشيعة - وهو ما سطّره في المقدّمة الثانية من المقدّمات الأربع التي عقدها في مقدّمة الكتاب(1) - وجعلها حتى الشيخ الطوسي أيضاً - كجدّه المجلسي الأوَّل - اثنتي عشرة طبقة، ولكن عكس الترتيب فجعل الطبقة الأولى في الصحابة الذين رووا الحديث عن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)،وهكذا إلى الطبقة الثانية عشرة، وهي طبقة الشيخ أبي جعفر الطوسي (رضوان الله علیه) (ت 460ﻫ) وأضرابه على حسب العمر المتعارف للرجال. والطبقة عنده تساوي جيلاً كاملاً وهي بحدود 35 - 40 سنة، بشرطين: وهو أن يكون المحدِّث قد عمّر عمراً متعارفاً، وتحمّل الحديث في سنٍّ متعارف. وعلى ترتيبه هذا يكون جابر الجعفي من الطبقة الرابعة، وهو المعتمد كما تقدّم في محلّه.

وهذا الترتيب يقرب من ترتيب طبقات المحدّثين بأصبهان ومنهج الذهبي وابن حجر.

فائدة معرفة الرَّاوي والمروي عنه

اشارة

وأمّا ما يترتّب على معرفة الرَّاوي والمروي عنه فأمور..

1. تمييز المراد بالعنوان المشترك بينه وبين غيره من خلال الذين روى عنهم أو رووا عنه.

2. مقدار طلب الراوي للحديث وعنايته به، وهو من أبعاد شخصيّته كمحدِّث.

3. مقدار تتلمذ الرواة عنده ومكانتهم، وهو يمثّل مكانة الرجل كمحدِّث في

ص: 371


1- لاحظ: ترتيب أسانيد كتاب الكافي: 1/ 111 - 114.

الأوساط الحديثيّة.

4. عمر الرجل وطبقته في الحديث، فإنّ ملاحظة عمر الرواة عنه والذين روى عنهم يلقي ضوءاً على ذلك.

5. معرفة الخلل المحتمل في أحاديثه من جهته أو من جهة الرواة عنه أو النسّاخ للكتب: إمّا لتدليس، أو لسقط ونحوه كما يكثر ذلك في الأسانيد.

وممّا يتّصل بذلك معرفة نوع الإسناد من حيث كونه اعتياديّاً أو عالياً أو طويلاً، فالسند الاعتيادي إلى الشيخ الطوسي - مثلاً - يتكوّن من اثني عشر راوياً حسب عدد الطبقات. ويكون الإسناد عالياً إذا عمّر الراوي عمراً طويلاً فروى عن طبقتين أو أكثر، وكذلك إذا تحمّل الحديث مبكراً، أو بالأمرين معاً، وبالطبع إذا تعدّد أمثال هؤلاء الرواة في السند يكون السند أعلى، ويكون السند طويلاً فيما إذا روى المعاصر عن معاصره.

6. فوائد متفرقة من قبيل تحقيق مقولة النجاشي في شأن جابر من أنّ جلّ الرواة عنه ضعفاء.

ولمّا كان للرجل روايات في كتب الفريقين فلا بُدَّ من ذكر الرواة عنه والذين روى عنهم لدى كلٍّ منهما، وقد قدّمنا ذكر ما وقع في كتب الجمهور لسببين:

الأوَّل: احتمال كونه عاميّاً في أوَّل حياته. وقد حقّقنا القول في ذلك في الجهة الثامنة من المقام الأوَّل.

والآخر: أنّ جملة من الأسانيد التي وقع فيها في كتب الإماميّة أسانيد عامّيّة فيحسن الاطّلاع المسبق على أسانيدهم.

وتفصيل هذا المقام - كما قلنا - في مطلبين:

ص: 372

المطلب الأوَّل: في ذكر الرَّاوي والمروي عنه في أسانيد العامة..
اشارة

وسوف نذكر تعريفاً موجزاً لكلّ واحد نقلاً عن ابن حجر في تقريب التهذيب أو بعض آخر من مصادرهم، ويتضمّن ذكرهم لطبقة هؤلاء وفق اصطلاحهم المتقدّم.

وفي هذا المطلب قسمان:

القسم الأوَّل: مشايخ جابر في أسانيد العامّة

القسم الأوَّل: مشايخ جابر في أسانيد العامّة(1):

وردت روايات جابر في أسانيد العامّة عن الإمام أبي جعفر الباقر (علیه السلام)،وقد تقدّم الكلام في ذلك في الجهة الرابعة من المقام الأوَّل (مشايخه في العلم) وفي المقام الثاني علوم جابر وكتبه (التفسير)، وأمّا مشايخه من العامة فهم:

1. إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي أبو عمران الكوفي الفقيه، ثقة، من الخامسة(2) (ت 96 ﻫ) وهو ابن خمسين أو نحوها(3).

2. جويرة - أوَّله جيم مضمومة - بنت سلمة الخير بن قشير، أم ثور وبشر وخزيمة وعمرو، وهبيرة بني الوحيد، وهو عامر بن كعب بن عامر بن كلاب(4).

3. الحارث بن مسلم بن الحارث التميمي، تابعي(5).

ص: 373


1- وقد رتبنا أسماء جميع الرواة على ما عثرنا عليه في كتبهم حسب الترتيب ألفبائي.
2- هكذا في المصدر، ولكن جعله من الخامسة مع تصريحه في مقدّمة كتابه - تقريب التهذيب (1/ 26) - بأنّ من مات قبل المائة فهو من الطبقة الأولى أو الثانية، فيه نظر.
3- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 69.
4- لاحظ: إكمال الكمال: 2/ 572.
5- لاحظ: الجرح والتعديل: 3/ 87.

4. الحكم بن عتيبة - بالمثنّاة ثمَّ الموحّدة مصغّراً - أبو محمَّد الكندي الكوفي، ثقة، ثبت، فقيه، إلّا أنّه ربّما دلّس، من الخامسة (ت 113 ﻫ) أو بعدها، وله نيّف وستون(1).

5. خالته أم عثمان، ولم تُترجم لا في كتب العامّة ولا في كتب الخاصّة. وقد روى جابر رواية واحدة عنها في مسند أحمد(2).

6. خيثمة بن أبي خيثمة أبو نصر البصري، ويقال اسم أبيه عبد الرحمن، ليّن الحديث، من الرابعة(3).

7. ذو قرابة لجويرية - بنت الحارث - زوج النبي (صلی الله علیه و آله و سلم)،ورد هذا العنوان في مورد واحد، وهو ما نقله عبد الرزاق الصنعاني في المصنف(4): (عن قرابةٍ لجويرية زوج النبي (صلى الله عليه ]وآله[ وسلم) أنّه قالت: لا تتوضّأ بفضل وضوئي).

ويحتمل أن يكون المقصود بذي قرابة هو ابن أخيها الطفيل، ولكن على هذا الاحتمال تكون الرواية مرسلة؛ لأنّه تقدّم آنفاً - هامش رقم (2) - أنّه روى عنه بواسطة خالته أم عثمان.

ص: 374


1- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 232.
2- واختلفت الأسانيد فيمَن روت عنه أم عثمان، فقد أورد أحمد الرواية في موضعين في الأوَّل (6/ 324) عن جويرية قالت: (قال: رسول الله (صلى الله عليه ]وآله[ وسلم) من لبس ثوب حرير ألبسه الله ثوباً من النار يوم القيامة). والثاني - مسند أحمد: 6/ 430، مسند أبي الجعد: 343، مسند ابن راهويه (ت238ﻫ) 4/ 250، المعجم الكبير للطبراني: 24/ 65 - (عن الطفيل ابن أخي جويرية عن جويرية...). والظاهر أنّه في الإسناد الأوّل سقط اسم الطفيل.
3- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 277.
4- المصنف: 1/106 ح377.

8. زياد بن عبد الله النميري البصري، ضعيف، من الخامسة(1).

9. زياد بن عياض الأشعري، وقد وردت رواية جابر في مصنّف عبد الرزاق عن زياد بن عياض، قال: (صلّى بنا عمر بن الخطاب العشاء بالجابية فلم أسمعه قرأ فيها)(2). ولكن نقل ابن سعد نفس الرواية وفيها: (عن جابر، عن عامر - وهو الشعبي - عن زياد بن عياض)(3)، وذكر ابن حجر في الإصابة: (زياد بن عياض الأشعري ختن أبي موسى له إدراك... وذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من التابعين). ويؤيّده ما قاله الرازي: (زياد بن عياض الأشعري قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه ]وآله[ وسلّم)(4).

وعلى هذا لا يكون (زياد) من مشايخ جابر الجعفي المباشرين، وإنَّما رواها جابر عن عامر لكن سقط اسم (عامر) من المصنّف.

10. زيد بن الحواري أبو الحواري العمي البصري قاضي هراة يقال اسم أبيه مُرّة، وهو مولى زياد ابن أبيه، ضعيف، من الخامسة(5).

11. سالم بن أبي الجعد رافع الأشجعي مولاهم الكوفي (ت 100ﻫ)، ثقة(6).

12. سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي أبو عمر، أو أبو عبد

ص: 375


1- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/322.
2- لاحظ: المصنف: 2/124 ح2753.
3- لاحظ: الطبقات الكبرى: 6/151.
4- لاحظ: الإصابة في تمييز الصحابة: 2/529، الجرح والتعديل: 3/540.
5- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 328. وتهذيب التهذيب: 3/ 351.
6- لاحظ: تهذيب التهذيب: 3/ 373.

الله المدني، أحد الفقهاء السبعة من كبار الثالثة (توفّى في آخر سنة 106ﻫ) على الصحيح(1).

13. سعد بن عبيدة السلمي أبو حمزة الكوفي، ثقة من الثالثة، مات في ولاية عمر ابن هبيرة(2) على العراق(3).

14. سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى الخزاعي مولاهم الكوفي، ثقة، من الثالثة(4).

15. سلمة بن كهيل الحضرمي أبو يحيى الكوفي، ثقة من الرابعة، مات يوم عاشوراء سنة (121ﻫ)(5).

16. طاووس بن كيسان اليماني أبو عبد الرحمن الحميري الجندي، ثقة، فقيه، فاضل، من الثالثة (ت 106ﻫ) وقيل بعد ذلك(6).

17. عامر الشعبي - هو عامر بن شراحيل الشعبي - بفتح المعجمة - أبو عمرو، ثقة، مشهور، فقيه، فاضل، من الثالثة، المولود لست سنين خلت من خلافة عمر بن الخطاب، على المشهور (ت 103 ﻫ)(7).

18. أبو الطفيل عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو بن جحش الليثي ولد عام

ص: 376


1- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 335.
2- وكانت ولايته من سنة (102 - 105ﻫ). لاحظ: تاريخ اليعقوبي: 2/ 311 - 316.
3- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 345.
4- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 358.
5- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 378، تهذيب التهذيب: 4/ 138.
6- لاحظ: تهذيب التهذيب: 5/ 8، تقريب التهذيب: 1/ 449.
7- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 461، تهذيب الكمال: 14/ 28 - 40.

أُحد (ت 110ﻫ) على الصحيح - على ما قاله ابن حجر - ورأى النبي (صلی الله علیه و آله و سلم)، وهو آخر من مات من الصحابة(1).

19. أبو حريز عبد الله بن الحسين الأزدي البصري، قاضي سجستان.

أقول: هنا أمران:

الأوَّل: لا يبعد أن يكون أبو حريز شيعيّاً إماميّاً؛ وذلك أنّهم طعنوا عليه بأنّه يؤمن بالرجعة - الذي يعدّ عندهم من خصائص الرفض -، فقد نقل الآجري عن أبي داود، عن الحسن بن علي، عن أبي سلمة، عن هشام السجستاني، قال: (قال لي أبو حريز: تؤمن بالرجعة! قلت: لا، قال: هي في اثنتين وسبعين آية من كتاب الله تعالى). وقد وثّقه أبو زرعة وأبو حاتم وابن حبّان، واختلف النقل عن ابن معين فقد نقل عنه التوثيق والتضعيف(2).

والآخر: يحتمل أن يكون هذا الرجل والد حريز بن عبد الله تلميذ زرارة المعروف، بل وقفت على جزم ابن حجر بهذا الاحتمال، فأفاد: (حريز بن أبي حريز عبد الله بن الحسين الأزدي الكوفي ابن قاضي سجستان، عن زرارة بن أعين)(3).

ووجه الاحتمال أمور:

الأوَّل: تَناسب الطبقة.

الثَّاني: تَناسب الاسم، فإنّ الأب يكنّى بأبي حريز واسمه عبد الله ووالد حريز أيضاً اسمه عبد الله. وأيضاً تَناسب الانتساب فإنّ كليهما ينسب إلى الأزد.

ص: 377


1- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 464 رقم: 3122.
2- لاحظ: تهذيب التهذيب: 5/ 164 رقم: 323.
3- لاحظ: لسان الميزان: 2/ 186 رقم: 844.

الثَّالث: تواجدهما بسجستان، فأبو حريز كان قاضياً بها، وحريز كان يتّجر بها(1).

الرَّابع: أنّ كلا الرجلين من رواة الشيعة الإماميّة.

نعم، قد يذكر مبعّدان لذلك، أحدهما: أنّ أبا حريز كان قاضياً بسجستان، وحريز ذُكر أنّ تجارته كانت بها ممّا يقتضي أنّه لم تكن محلّ سكنه، بل كان أهله بالكوفة.

ولكن هذا ليس بذلك المبعِّد، إذ من الممكن أنّه بعد وفاة والده أو قبلها رجع إلى الكوفة واستقرّ بها فترة من الزمن ولكن بقيت تجارته إلى سجستان، ثمّ انتقل إليها وقُتل بها، كما ذكر البرقي والكشّي(2).

والآخر: هو أنّهم قالوا إنّ أبا حريز بصري، وحريز كوفي.

ولكن قد يجاب: بأنّ من الجائز هجرة أبي حريز لطلب العلم من البصرة إلى الكوفة وتوطّنه بها كما هو شأن كثير من الرواة.

وقد يؤيد ذلك: أنّ جلّ أساتذته وتلاميذه من أهل الكوفة، فمن شيوخه الكوفيين: إبراهيم النخعي، وأيفع، وحبيب بن أبي ثابت، والحكم بن عتيبة، وسعيد بن جبير، وشهر ابن حوشب، وعامر الشعبي، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو بردة بن أبي موسى الأشعري.

ومن شيوخه البصريين: الحسن البصري (ت 110ﻫ)، وهو رأس الطبقة الثالثة(3).

ومن تلامذته الكوفيين: سعيد بن أبي عروبة، وأبو ليلى عبد الله بن ميسرة الكوفي،

ص: 378


1- لاحظ: فهرست أسماء مصنفي الشيعة (رجال النجاشي): 144 رقم: 375.
2- رجال البرقي: 241، اختيار معرفة الرجال: 2/ 681 رقم: 719. هذا ولم يُشر الشيخ والنجاشي إلى أنّه قُتل بسجستان، وإنّما ذكر الأوّل أنّه سكنها، وذكر الآخر أنّ تجارته كانت إليها. لاحظ: الفهرست: 118، رقم 249، رجال النجاشي: 144، رقم: 375.
3- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 202.

وقتادة - وهو من أقرانه(1) - وجابر بن يزيد الجعفي.

ومن تلامذته البصريين: عثمان بن مطر الشيباني(2)، والفضيل بن ميسرة الأزدي البصري(3)، ومحمَّد بن زياد البرجمي(4).

20. عبد الله بن نجي - بنون وجيم مصغر - ابن سلمة الحضرمي الكوفي، أبو لقمان، صدوق، من الثالثة(5).

21. عبد الله بن يسار الجهني الكوفي، ثقة، من كبار الثالثة(6).

22. عبد الله بن كيسان التيمي أبو عمر المدني مولى أسماء بنت أبي بكر، ثقة، من الثالثة(7).

23. عبد الجبار بن وائل بن حُجْر - بضم المهملة وسكون الجيم - الحضرمي، الكوفي، ثقة، لكنّه أرسل عن أبيه، من الثالثة (ت 112ﻫ)(8).

24. عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب العباسي المدني، ثقة، قليل

ص: 379


1- لاحظ: تهذيب الكمال: 14/ 421.
2- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 665.
3- لاحظ: تاريخ الإسلام: 9/ 252.
4- لاحظ: الثقات: 7/ 399.
5- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 541. وفي تهذيب الكمال: 16/ 220: (ابن حشم - بكسر الحاء المهملة وبالشين المعجمة الساكنة - بن أسد بن خليبة الكوفي الحضرمي).
6- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 548.
7- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 525.
8- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 552، تهذيب الكمال: 16/ 393.

الحديث، من الثالثة(1).

25. عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي(ت 99ﻫ)، ثقة، من الثالثة(2).

26. عبد الرحمن بن سابط، ويقال ابن عبد الله بن سابط وهو الصحيح، ويقال ابن عبد الله بن عبد الرحمن الجمحي المكي، ثقة، كثير الإرسال، من الثالثة (ت 118ﻫ)(3).

27. عدي بن ثابت الأنصاري الكوفي (ت 106ﻫ)، ثقة، رمي بالتشيّع، من الرابعة(4).

28. عطاء بن أبي رباح - بفتح الراء والموحدة - واسم أبي رباح أسلم القرشي مولاهم المكي، ثقة، فقيه، فاضل، من الثالثة (ت 114ﻫ)(5).

29. عطيّة بن سعد بن جُنادة - بضم الجيم بعدها نون خفيفة - العوفي الجَدلي - بفتح الجيم والمهملة - الكوفي أبو الحسن، صدوق، يخطئ كثيراً، وكان شيعيّاً مدلّساً من الثالثة (ت 111ﻫ)(6). ولعلّ الطعن عليه من جهة إكثاره نقل فضائل أهل البيت (علیهم السلام).

30. عكرمة أبو عبد الله مولى ابن عباس أصله بربري (ت 107ﻫ)، من الثالثة(7).

ص: 380


1- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 537.
2- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 561.
3- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 570.
4- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 668.
5- لاحظ: تقريب التهذيب: 1 /675.
6- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 678.
7- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 685.

31. عمّار بن معاوية الدُهني - بضم أوَّله وسكون الهاء بعدها نون - أبو معاوية البجلي الكوفي، صدوق، يتشيّع، من الخامسة (ت 133ﻫ)(1).

32. عمرو بن حبشي - بضم المهملة وسكون الموحدة ثمَّ معجمة - الزبيدي - بضم الزاي - الكوفي، مقبول، من الثالثة(2).

33. القاسم بن محمَّد بن أبي بكر التيمي، ثقة، أحد الفقهاء بالمدينة، من كبار الثالثة (ت 106ﻫ)(3).

34. القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، أبو عبد الرحمن الكوفي، ثقة، عابد، من الرابعة (ت 120ﻫ)(4).

35. مجاهد بن جَبْر - بفتح الجيم وسكون الموحدة - أبو الحجّاج المخزومي مولاهم المكي، ثقة، من الثالثة (ت بحدود 101ﻫ) وله ثلاث وثمانون(5).

36. محمَّد بن قرظة - بفتح القاف والراء والمعجمة - ابن كعب الأنصاري، مجهول، من الرابعة(6).

37. محمَّد بن مسلم بن تَدرس - بفتح المثناة وسكون الدال المهملة وضم الراء -

ص: 381


1- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 708. ولمعرفة حال الرجل تفصيلاً راجع قبسات من علم الرجال: 1/ 393 - 398.
2- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 731.
3- لاحظ: تقريب التهذيب: 2/ 23.
4- لاحظ: تقريب التهذيب: 2/ 20.
5- لاحظ: تقريب التهذيب: 2/ 159.
6- لاحظ: تقريب التهذيب: 2/ 126.

الأسدي مولاهم أبو الزبير المكي (ت 126ﻫ)، صدوق إلّا أنّه يدلّس، من الرابعة(1).

38. مسلم بن صبيح - بالتصغير - الهمداني أبو الضحى الكوفي العطار، مشهور بكنيته، ثقة، فاضل، من الرابعة (ت 100ﻫ)(2).

39. أبو عازب الكوفي اسمه مسلم بن عمرو، أو ابن أراك، مستور(3)، من الرابعة(4).

40. المغيرة بن شبل - بكسر المعجمة وسكون الموحدة - ويقال بالتصغير، البجلي الأحمسي أبو الطفيل الكوفي، ثقة، من الرابعة(5).

41. نافع أبو عبد الله المدني مولى ابن عمر، ثقة، ثبت، فقيه، مشهور، من الثالثة (ت 117ﻫ) أو بعد ذلك(6).

42. يزيد بن مرّة الجعفي، روى عن عمر بن الخطاب مرسلاً، وعن سلمة بن يزيد الجعفي(7).

القسم الثَّاني: تلاميذ جابر عند العامّة

1. إبراهيم بن طهمان بن شعبة الخراساني أبو سعيد، سكن نيسابور ثمَّ مكّة، ثقة،

ص: 382


1- لاحظ: تقريب التهذيب: 2/ 132.
2- لاحظ: تقريب التهذيب: 2/ 179.
3- والمقصود به عند ابن حجر: (من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثّق). لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 25 في ذكر المرتبة السابعة من مراتب الرواة.
4- لاحظ: تقريب التهذيب: 2/ 425.
5- لاحظ: تقريب التهذيب: 2/ 206.
6- لاحظ: تقريب التهذيب: 2/ 239.
7- لاحظ: الجرح والتعديل: 9/ 287، تعجيل المنفعة لابن حجر: 451.

من السابعة (ت 168ﻫ)(1).

2. إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني أبو يوسف الكوفي، ثقة، تُكلّم فيه بلا حجّة، من السابعة (ت بحدود 160ﻫ)(2).

3. الحسن بن صالح بن صالح بن حي وهو حيان بن شفي - بضم بالمعجمة والفاء مصغر - الهمداني - بسكون الميم - الثوري (100 - 169ﻫ)، ثقة، فقيه، عابد، رمي بالتشيّع، من السابعة(3).

4. زهير بن معاوية بن حديج أبو خيثمة الجعفي الكوفي نزيل الجزيرة (100- 172ﻫ)، ثقة، ثبت، من السابعة(4).

5. زيد بن أبي أنيسة الجزري أبو أسامة أصله من الكوفة ثمَّ سكن الرها، ثقة، من السادسة (ت 119 وقيل 124ﻫ) وله ستّ وثلاثون سنة(5).

6. سلام بن أبي مطيع أبو سعيد الخزاعي مولاهم البصري، ثقة، من السابعة (ت 164ﻫ)(6).

7. سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي، ثقة، حافظ، فقيه، عابد، إمام، حجّة، من رؤوس الطبقة السابعة (ت 161ﻫ)(7).

ص: 383


1- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 58، تهذيب الكمال: 2/ 108.
2- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 88.
3- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 205.
4- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 317.
5- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 326.
6- لاحظ: تقريب التهذيب: 1 /406.
7- لاحظ: تقريب التهذيب: 1 /371.

8. سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي أبو محمَّد الكوفي، ثمَّ المكّي، ثقة، حافظ، فقيه، إمام، حجّة، من رؤوس الطبقة الثامنة، وكان أثبت الناس في عمرو بن دينار، توفى في رجب 198ﻫ، وله إحدى وتسعون سنة(1).

9. شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي بواسط ثمَّ الكوفة أبو عبد الله، صدوق، يخطئ كثيراً، تغيّر حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة(2)، وكان عادلاً، فاضلاً، عابداً، وشديداً على أهل البدع(3). من الثامنة (ت 177ﻫ)(4).

10. شعبة بن الحجّاج بن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام الواسطي، ثمَّ البصري، ثقة، حافظ، متقن، من السابعة (ت 160ﻫ)(5).

11. شيبان بن عبد الرحمن التميمي مولاهم النحوي أبو معاوية البصري نزيل الكوفة، ثقة، من السابعة (ت 164ﻫ)(6).

12. عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الكوفي المسعودي، صدوق، من السابعة (ت 160 أو 165ﻫ)(7).

ص: 384


1- لاحظ: تقريب التهذيب: 1 /371.
2- وأكثر الطعن فيه هو في حفظه وخطئه، قالوا: (سيّئ الحفظ جداً، سيّئ الحفظ مضطرب الحديث مائل، كان كثير الخطأ صاحب حديث وهو يغلط أحياناً). لاحظ: تهذيب التهذيب: 4/ 295.
3- مقصوده شيعة أهل البيت (علیهم السلام) حيث كان لا يقبل شهادتهم، كما ورد ذلك في رواية في اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): 1/ 384.
4- لاحظ: تقريب التهذيب: 1 /417.
5- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 418.
6- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 424.
7- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 578.

13. عيسى بن فرقد المروزي، قالوا عنه شيخ، ولم يوثّق صريحاً(1).

ولعلّه لروايته فضائل أهل البيت (علیهم السلام).

14. عيسى بن المسيب البجلي الكوفي قاضي الكوفة، عمّر، توفّي في خلافة المنصور، ضعّفه أكثر علماء العامّة، ولعلّ السبب في ذلك جلوس جابر بن يزيد الجعفي معه إذا جلس للقضاء، كما ذكروا في ترجمته(2).

15. فضيل بن مرزوق الأغر - بالمعجمة والراء - الرقاشي الكوفي أبو عبد الرحمن، صدوق، يهم - أي له أوهام(3) - ورمي بالتشيّع، من السابعة (ت في حدود 160ﻫ)(4).

16. قيس بن الربيع الأسدي أبو محمَّد الكوفي، صدوق، تغيّر لمّا كبر، من السابعة، تُوفّي سنة بضع وستّين ومائة(5).

17. محمَّد بن ميمون المروزي أبو حمزة السكري (ت 167ﻫ)، ثقة، فاضل، من السابعة(6).

18. مسعود بن سعد الجعفي أبو سعد الكوفي، ثقة، عابد، من التاسعة(7).

19. معمّر بن راشد الأزدي، مولاهم أبو عروة البصري، نزيل اليمن، ثقة، ثبت،

ص: 385


1- لاحظ: الجرح والتعديل: 6/ 284.
2- لاحظ: لسان الميزان: 4/ 405، الطبقات الكبرى: 6/ 346.
3- وهذه هي المرتبة الخامسة من مراتب الرواة التي رتبها ابن حجر على اثنتي عشرة مرتبة.
4- لاحظ: تقريب التهذيب: 2/ 15.
5- لاحظ: تقريب التهذيب: 2/ 33.
6- لاحظ: تقريب التهذيب: 2/ 139.
7- لاحظ: تقريب التهذيب: 2/ 176.

فاضل، من كبار السابعة (ت 154ﻫ) وهو ابن ثمان وخمسين سنة(1).20. موسى بن عثمان الحضرمي المؤدّب الكوفي(2).

21. النعمان بن ثابت بن زوطي (أبو حنيفة) الفقيه المعروف صاحب المذهب (ت150ﻫ).

22. هشيم - بالتصغير - ابن بشير - بوزن عظيم - ابن القاسم بن دينار السلمي أبو معاوية ابن أبي خازم - بمعجمتين - الواسطي، ثقة، ثبت، كثير التدليس والإرسال الخفي، من السابعة (ت 183ﻫ)، وقد قارب الثمانين(3).

23. وضّاح - بتشديد المعجمة ثمَّ مهملة - ابن عبد الله اليشكري - بالمعجمة - الواسطي البزّاز، أبو عوانة (ت 175ﻫ)، مشهور بكنيته، ثقة، ثبت، من السابعة(4).

24. يحيى بن أبي أنيسة - بنون ومهملة مصغراً - واسمه زيد، ويقال: أسامة الغنوي، مولاهم أبو زيد الجزري، ضعيف، من السادسة (ت 146ﻫ)(5).

والحاصل من هذا العرض: أنّ الذين تحمّلوا عن جابر الحديث في كتب العامّة جلّهم وصف بالثقة والصدق صريحاً، فكانوا تسعة عشر رجلاً من أصل أربعة وعشرين، والباقون: رجل وثّق صريحاً لكن القدح كان في حفظه، ورجل لم يذكر بشيء

ص: 386


1- لاحظ: تقريب التهذيب: 2/ 202.
2- قال عنه ابن أبي حاتم الرازي: (متروك الحديث). لاحظ: الجرح والتعديل: 8/ 153. والكامل في ضعفاء الرجال: 6/ 349، وضعّفه الذهبي على أساس أنّه شيعي غالٍ. لاحظ: ميزان الاعتدال: 4/ 214.
3- لاحظ: تقريب التهذيب: 2/ 269.
4- لاحظ: تقريب التهذيب: 2/ 282 - 283.
5- لاحظ: تقريب التهذيب: 2/297. ونقل في تهذيب الكمال: 31 /225- 229 تضعيفهم له.

من المدح أو الذم، والثلاثة الباقون ضعّفوا على أساس تهمة التشيّع.

المطلب الآخر: في ذكر الرَّاوي والمروي عنه في كتب الخاصّة
اشارة

وهذا أيضاً فيه قسمان:

القسم الأوَّل: ما ورد في الروايات والأسانيد العاميّة التي ذكرها بعض علماء الخاصّة.

القسم الآخر: ما ورد في الروايات والأسانيد الإماميّة.

القسم الأوَّل: ما ورد في الروايات والأسانيد العاميّة التي ذكرها بعض علماء الخاصّة
اشارة

أمّا القسم الأوَّل فينقسم إلى المروي عنهم في الأسانيد العاميّة، والرواة عنه فيها.

أوَّلاً: المروي عنهم

1. إبراهيم القرشي(1)،

وردت رواية جابر عنه في مورد واحد في العلل(2).

2. إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن نوفل ]ابن الحارث بن عبد المطلب[ الهاشمي، ثقة، من الثالثة أيضاً(3). وردت رواية جابر عنه في مورد واحد في أمالي الطوسي(4).

3. سعيد بن المسيّب القرشي المخزومي أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار، من كبار الثانية، اتّفقوا على أنّ مرسلاته أصحّ المراسيل، مات بعد التسعين وقد ناهز الثمانين(5). وردت رواية جابر عنه في ثلاثة مواضع في الأمالي وكمال الدين للصدوق ودلائل الإمامة(6). وقد نقّحنا القول في رواية جابر الجعفي عن سعيد بن المسيب في

ص: 387


1- هذا الرجل مشترك لا يعلم من هو في هذه الطبقة.
2- علل الشرائع: 1/ 142 باب: 120 ح6.
3- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/82.
4- لاحظ: أمالي الطوسي: 290 ح562.
5- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/364.
6- لاحظ: أمالي الصدوق: 78، كمال الدين وتمام النعمة: 256، دلائل الإمامة: 62.

الجهة الخامسة من المقام الأوَّل، وقلنا إنّه لا وثوق بالرواية عنه مباشرة.

4. سويد بن غفلة - بفتح المعجمة والفاء - أبو أمية الجعفي، مخضرم من كبار التابعين، قدم المدينة يوم دفن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) وكان مسلماً في حياته ثمَّ نزل الكوفة، (ت 80ﻫأو يزيد قليلاً) وله مائة وثلاثون سنة(1)، عدّه البرقي في رجاله(2) من أولياء أمير المؤمنين (علیه السلام)،وقد وثّقه العامّة(3).

وقد وردت رواية جابر عنه في التهذيب(4) في ميراث ابنة وزوجة وموالي حيث لم يعطِ أمير المؤمنين (علیه السلام) للموالي شيئاً وردّ الباقي على الابنة.

ولكن من البعيد رواية جابر بن يزيد الجعفي عنه مباشرة؛ لأنّ سويداً عند ولادة جابر الجعفي يكون قد تجاوز المائة ونيف، وقد وردت رواية جابر عنه بواسطة (عبد الأعلى) كما في الكافي(5). والظاهر أنّه قد سقط اسم (إبراهيم) هنا بدلالة ما في أمالي الطوسي(6) حيث روى عن إبراهيم بن عبد الأعلى ]الجعفي مولاهم الكوفي[ حديثين بإسناد بعضه عامّي(7).

ص: 388


1- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 404.
2- لاحظ: رجال البرقي: 4.
3- لاحظ: تهذيب الكمال: 12/ 267 - 268.
4- لاحظ: تهذيب الأحكام: 9/ 332 ح1193.
5- لاحظ: الكافي: 3/ 231 ح1.
6- لاحظ: أمالي الطوسي: 347 ح718، 719.
7- والسند هو: الشيخ عن أحمد بن محمَّد بن هارون بن الصلت الأهوازي، عن ابن عقدة، عن عبّاد ابن أحمد القزويني - وبين ابن عبّاد وابن عقدة واسطة ساقطة بدلالة باقي الأسانيد -. ولكن الموجود في إسناد آخر نقله في تفسير البرهان: 3/ 675 عن أمالي الطوسي عبّاد بن أحمد العرزمي، والظاهر هو الصحيح، عن عمّه - وهو عبد الرحمن بن محمَّد بن عبيد الله - عن أبيه، عن جابر. مع أنّ الموجود في نسختنا من الأمالي (القزويني): 346 في باب أهل يأجوج ومأجوج.

وعليه فيكون من روى عنه جابر هو إبراهيم بن عبد الأعلى وليس سويد بن غفلة بدلالة ما ورد في ترجمة سويد بن غفلة في كتب العامّة من أنّه روى عنه إبراهيم بن عبد الأعلى(1).

وهذا الرجل ذكره الشيخ في أصحاب الصادق (علیه السلام) بعنوان: (إبراهيم بن أبي المثنى، عبد الأعلى، كوفي). ووثّقه ابن حنبل في العلل، والعجلي، وقال ابن حجر: (ثقة، من السادسة)(2).

5. شرحبيل بن سعد الأنباري - كما في ثواب الأعمال - والصحيح الأنصاري - كما في الوسائل بطبعتيها(3) - أبو سعد المدني مولى الأنصار، صدوق، اختلط في آخر عمره، من الثالثة (ت 123ﻫ) وقد قارب المائة(4). وقد وردت رواية جابر عنه في موضع واحد(5).

6. عبد الرحمن بن سابط، وقد وردت رواية جابر عنه في مورد واحد في الخصال(6).

ص: 389


1- لاحظ: تهذيب الكمال: 12/ 266.
2- لاحظ: رجال الشيخ: 157، العلل ومعرفة الرجال: 3/ 283، معرفة الثقات: 1/ 202، تهذيب الكمال: 2/ 131، تقريب التهذيب: 1/ 60.
3- لاحظ: ثواب الأعمال: 148، وسائل الشيعة إلى تفصيل مسائل الشريعة (ط. آل البيت): 16/ 373، (ط. الإسلامية): 11/ 588.
4- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 414.
5- لاحظ: ثواب الأعمال: 148.
6- لاحظ: الخصال: 76.

7. عبد الله بن نجي، وقد وردت رواية جابر عنه في موضعين في أمالي الطوسي(1).

8. عامر الشعبي، وقد وردت رواية جابر عنه في موضعين في كتاب الغارات لإبراهيم بن محمَّد الثقفي الكوفي (ت 238ﻫ)(2).

9. عكرمة، وقد وردت رواية جابر عنه في موضعين في أمالي الطوسي وتفسير البرهان(3).

10. مجاهد بن جبر، وقد وردت رواية جابر عنه في مورد واحد في أمالي الطوسي(4).

11. الهيثم بن عبد العزيز(5)، وقد وردت رواية جابر عنه في موضع واحد في التهذيب(6).

وإذا قارنا بين مشايخ جابر في الأسانيد العاميّة التي وردت في بعض كتب الإماميّة وما ورد في كتب العامّة نجد أنّ خمسة من الشيوخ قد تكررّت أسماؤهم في أسانيدنا، وهم: عبد الرحمن بن سابط، وعبد الله بن نجي، وعامر الشعبي، وعكرمة، ومجاهد بن جبر. وبقي ستّة رجال ممّن وردوا في أسانيدنا، وهم: سعيد بن المسيب، وقلنا إنّه تستبعد رواية جابر عنه، ورجل مشترك وهو إبراهيم القرشي، وآخر مهمل وهو الهيثم بن عبد العزيز، وبقي ثلاثة رجال وثّقوا صريحاً وهم: إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن نوفل،

ص: 390


1- لاحظ: أمالي الطوسي: 261، 335.
2- لاحظ: الغارات: 2/ 718، 942.
3- لاحظ: أمالي الطوسي: 274، البرهان في تفسير القرآن نقلاً عن تفسير ابن ماهيار: 4/140.
4- لاحظ: أمالي الطوسي: 355.
5- هذا الرجل لم يذكر في كتب الرجال، فهو مهمل.
6- لاحظ: تهذيب الأحكام: 7 /75.

وسويد بن غفلة، وشرحبيل بن سعد الأنباري.

ثانياً: الرَّواة عن جابر في كتبنا بأسانيد عاميّة

1. أبو إسحاق البنّاء، وردت روايته عن جابر في مورد واحد في غيبة الطوسي، وعنه في البحار، وهو أيضاً مهمل لم يذكر في كتب الرجال(1).

2. أبو الأشعث الخزاعي، وقد وردت له رواية واحدة عن جابر الجعفي في طب الأئمّة، وهذا الرجل كذلك مهمل لم يذكر في كتب الرجال(2).

3. إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني(3). وردت روايته عن جابر في ثلاثة موارد(4).

4. زيد بن جبير بن حَرْمل - بفتح المهملة وسكون الراء - الطائي، ثقة، من الرابعة(5)، وقع في إسناد رواية واحدة للصدوق(6).

5. سفيان بن سعيد الثوري. وقد وردت روايته عن جابر في ثلاثة موارد(7).

ص: 391


1- لاحظ: الغيبة: 476 ح502، بحار الأنوار: 35/410 ح5.
2- لاحظ: طب الأئمة (علیهم السلام): 80.
3- تقدمت ترجمته في ذكر تلامذة جابر من العامّة.
4- لاحظ: المحاسن: 1/ 34، أمالي الطوسي: 274، عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار لابن البطريق (ت 600ﻫ): 62.
5- لاحظ: تقريب التهذيب: 1/ 326، تاريخ ابن معين برواية الدارمي: 112، وكذا برواية الدوري: 1/ 202.
6- لاحظ: التوحيد: 66 ح20.
7- لاحظ: كمال الدين وتمام النعمة: 279، تهذيب الأحكام: 9/ 332، أمالي الطوسي: 512.

6. سليمان بن مهران، أبو محمَّد الأسدي، مولاهم الأعمش الكوفي، وذكر ابن معين: أنّه ثقة، ونقل البخاري عنه أنّه قال: (ولدت قبل مقتل الحسين بسنتين)، وذكر ابن حجر: أنّه ثقة حافظ عارف بالقراءات ورع، لكنّه يدلّس، من الخامسة (ت سنة 147 أو 148ﻫ)(1).

هذا، وقد وردت روايته عن جابر في أمالي الطوسي(2).

7. شريك بن عبد الله النخعي. وقد وردت روايته عن جابر في ستّة موارد(3).

8. شعيب بن راشد التميمي الأنماطي الكوفي، ذكره الشيخ في أصحاب الصادق (علیه السلام).

وردت روايته عن جابر في موردين(4). ترجمه العامّة فذكر ابن أبي حاتم أنّه مجهول، وذكره ابن حبان في الثقات، ووثقه الدارقطني(5).

9. شيبان بن عبد الرحمن التميمي مولاهم النحوي أبو معاوية البصري المؤدّب. وردت روايته عن جابر في موضع واحد في العلل(6).

ص: 392


1- لاحظ: الأبواب: 215، الجرح والتعديل: 4/ 146، التاريخ الكبير: 4/ 37، تقريب التهذيب: 1/ 392.
2- لاحظ: أمالي الطوسي: 355 ح737 ما كتب على باب الجنة.
3- لاحظ: بصائر الدرجات الكبرى: 433، الكافي: 2/ 93، علل الشرائع: 2/ 393، تهذيب الأحكام: 6/ 387، الغارات لإبراهيم بن محمَّد الثقفي الكوفي (ت 283 ﻫ): 2/ 718، تفسير القمي: 2/ 165.
4- لاحظ: أمالي الصدوق: 490 ح10، مناقب أمير المؤمنين (علیه السلام): 1/ 522.
5- لاحظ: الأبواب: 224، الجرح والتعديل: 4/ 346، الثقات: 6/ 439، علل الدارقطني: 5/ 327.
6- لاحظ: علل الشرائع: 2/ 599.

10. عامر بن سعيد الجهني، وقع في إسناد رواية في تفسير العياشي(1) عن جابر الجعفي، وأيضاً وقع في سند روايةٍ حصل فيه ترديد، كما جاء في كتاب القراءات للسياري حيث نقل روايتين فيها عامر بن سعيد الجهني عن جابر بن يزيد الجعفي(2)، وفي نسخة بدل عن أبيه عن جابر. والرجل وأبوه لم يذكرا في كتب رجال الفريقين، فهما مهملان.

11. عمرو بن بكر بن تميم السكسكي الشامي، متروك، من التاسعة(3). وقد أورد الصدوق له رواية واحدة عن جابر(4).

وأيّاً كان فهذا الرجل من البعيد روايته عن جابر الجعفي مباشرة؛ لأنّه يروي عن سفيان الثوري الذي يروي عن جابر.

12. محمَّد بن ميمون المروزي أبو حمزة السكري، وقد تقدّمت ترجمته. وردت روايته عن جابر في موضعين(5).

13. نوح بن أبي مريم ]واسمه مابنة، ويقال: مافنة، وقيل: يزيد بن جعونة[ أبو عصمة المروزي القرشي مولاهم ]قاضي مرو[، مشهور بكنيته ويعرف ب-(الجامع)

ص: 393


1- لاحظ: تفسير العياشي: 1/ 254.
2- لاحظ: كتاب القراءات: 41 ح147، 148.
3- لاحظ: تهذيب الكمال: 21/ 549، ميزان الاعتدال: 3 / 247، تقريب التهذيب: 1/730، تهذيب التهذيب: 8/ 7.
4- لاحظ: ثواب الأعمال: 118 ثواب قراءة سورة التغابن.
5- أحدهما: في علل الشرائع: 1/ 133 باب: 114 ح1، ولكن في الخصال: 76 في نفس الرواية وصفه بالسكوني، والظاهر أنّه تصحيف. والآخر: في مناقب علي بن أبي طالب (علیه السلام) لابن المغازلي (ت483 ﻫ): 162.

لجمعه العلوم، لكن كذّبوه في الحديث. وقال ابن المبارك: كان يضع، من السابعة (ت 173ﻫ)(1). قد وردت روايته عن جابر في الكافي(2).

14. يعقوب بن بشير، وهو مهمل لم يُذكر في كتب الرجال. وقع في إسناد رواية للصدوق(3).

وإذا قارنا بين الرواة عن جابر في الأسانيد العامّيّة التي وردت في بعض كتب الإماميّة وما ورد في كتب العامّة نفسها نجد أنّ الرواة عن جابر في كتبهم أربعة وعشرين راوياً: تسعة عشر رجلاً منهم وُصِف بالثقة والصدق صريحاً، ورجل وُثّق صريحاً لكن قُدِح في حفظه، ورجل لم يذكر بشيء من المدح أو الذم، والثلاثة الباقون ضعّفوا على أساس تهمة التشيّع.

وأمّا رواة العامّة الذين رووا عن جابر الجعفي في كتبنا فهم أربعة عشر راوياً، سبعة منهم قد وثّقهم العامّة، وواحد يمكن توثيقه على مباني القوم، وأربعة منهم مهملون، واثنان منهم ضُعّفوا صريحاً. فتكون نسبة الثقات في كتبهم أكثر من أربعة أخماس، بينما نسبة الثقات في كتبنا هي النصف.

ص: 394


1- لاحظ: تقريب التهذيب: 2/ 254، تهذيب الكمال: 30/ 56. قال في مقدّمة ابن الصلاح في علوم الحديث: (روينا عن أبي عصمة - وهو نوح بن أبي مريم - أنّه قيل له: من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة؟ فقال: إنّي رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمَّد بن إسحاق فوضعت هذه الأحاديث حسبة).
2- لاحظ: الكافي: 5/ 55 ح1 باب: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
3- لاحظ: الخصال: 49 ح56.
القسم الثَّاني: ما ورد في الرَّوايات والأسانيد الإماميّة
اشارة

تقدّم تنقيح القول في رواية جابر الجعفي عن الإمامين الهمامين الباقر والصادق (علیهما السلام) في الجهة الرابعة من المقام الأوَّل (مشايخه في العلم) وفي المقام الثاني (علوم جابر وكتبه)، والكلام معقود هنا في غير الإمامين (صلوات الله عليهما)، وسوف يكون الكلام في المروي عنهم من الشيعة، والرواة عنه كذلك.

أوَّلاً: المروي عنهم من الشيعة

1. تميم، وردت رواية جابر الجعفي عن (تميم) المطلق عن (ابن عباس) في أمالي الشيخ الطوسي(1)، ووردت رواية جابر الجعفي عن (تميم بن جذيم) عن أمير المؤمنين (علیه السلام) في علل الشرائع(2)، وفي البحار(3) روى أبو مخنف عن جابر عن (تميم بن حذيم) عن الإمام الحسن (علیه السلام).

وقد ورد في كتاب وقعة صفّين لنصر بن مزاحم المنقري (ت 212ﻫ) رواية جابر

ص: 395


1- لاحظ: أمالي الشيخ: 247 ح435. وهذه الرواية طريق جابر فيها عامّيّ إذ رواها جابر (عن تميم، وعن أبي الطفيل، عن بشر بن غالب، وعن سالم بن عبد الله،كلّهم ذكروا عن ابن عباس). وأوردنا اسمه هنا باعتبار أنّ أكثر روايات جابر عن تميم تنتهي إلى المعصومين (علیهم السلام)،أو وصف لما جرى في معركة صفّين.
2- لاحظ: علل الشرائع: 2/ 555 ح5. والطريق: (حدّثنا أحمد بن محمَّد، عن أبيه، عن محمَّد بن أحمد، عن يحيى بن محمَّد بن أيوب، عن علي بن مهزيار، عن ]عبد الله[ ابن سنان، عن يحيى الحلبي، عن عمر بن أبان، عن جابر: حدّثني تميم بن جذيم، قال: كنّا مع علي (علیه السلام)).
3- لاحظ: بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار: 32/ 88.

الجعفي عن (تميم) المطلق في ستّة مواضع(1)، وعن (تميم بن حذيم) في موضع واحد(2)، وعن (تميم بن حذيم الناجي) في موضعين(3)، وعن (تميم الناجي) في موضع واحد(4).

والظاهر أنّ (جذيم) مصحّف (حذيم أو حذلم) لشهادة ما في كتب الرجال(5).

ص: 396


1- لاحظ: وقعة صفين: 230، 244، 272، 273، 293، 371.
2- لاحظ: المصدر السابق: 478.
3- لاحظ: المصدر السابق: 554، 556.
4- لاحظ: المصدر السابق: 169.
5- قال البرقي في رجاله: (ومن خواص أصحاب أمير المؤمنين (علیه السلام) من مضر: تميم بن حذيم الناجي، وقد شهد مع علي (علیه السلام) صفّين). وذكره الشيخ في رجاله في أصحاب أمير المؤمنين (علیه السلام) قائلاً: (تميم بن حذيم الناجي، شهد معه (علیه السلام)). وقال العلّامة في خلاصة الأقوال: (تميم بن حذلم - بالحاء غير المعجمة، والذال المعجمة - الناجي، شهد مع علي (علیه السلام). وقال ابن داود في رجاله: (تميم بن حذيم - بكسر الحاء المهملة وسكون الذال المعجمة وفتح الياء المثناة تحت - الناجي، شهد معه وكان من خواصّه. كذا أثبته الشيخ بخطه، ورأيت بعض أصحابنا قد أثبته "حذلم" وهو أقرب. قال الجوهري: "تميم بن حذلم من التابعين" ورأيت هذا المصنف قد أثبت هذا الاسم بعينه في خواص أمير المؤمنين (علیه السلام): "تميم بن خزيم - بالخاء المعجمة والزاي -" وهو وهم). ويشهد لاختيار العلّامة وابن داود ما قاله ابن سعد في الطبقات الكبرى: (تميم بن حذلم الضبي روى عن عبد الله - أي ابن مسعود - قال أخبرنا مؤمل بن إسماعيل عن سفيان قال حدّثنا أبو حيان قال: قال تميم بن حذلم وكان من أصحاب عبد الله...). وعنونه البخاري في تاريخه الكبير تارة ب-(ابن حذلم أبو سلمة الضبي) برقم: (2020) وأخرى: (تميم ابن حذيم كوفي) برقم: (2021). ولكن ذكر ابن أبي حاتم عنواناً واحداً وهو: (تميم بن حذلم أبو سلمة الضبّي روى عن عبد الله بن مسعود). وكذلك ابن حبان قائلاً: (تميم بن حذلم الضبّي كنيته أبو سلمة من أهل الكوفة يروي عن أبي بكر... وقد قيل كنيته أبو حذلم). وقال ابن حجر: (تميم بن حذلم - بمهملة - الضبي أبو سلمة الكوفي، ثقة، من الثانية مات سنة مائة). وترجمه في تهذيب التهذيب بقوله: (تميم بن حذلم الضبي أبو سلمة الكوفي. من أصحاب ابن مسعود وأدرك أبا بكر وعمر... قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث...). لاحظ: رجال البرقي: 4، الأبواب للشيخ الطوسي: 58، خلاصة الأقوال: 84، رجال ابن داود: 59، الطبقات الكبرى: 6/ 206، التاريخ الكبير: 2/ 152، الجرح والتعديل: 2/442، كتاب الثقات: 4/ 85، تقريب التهذيب: 1/143، تهذيب التهذيب: 1/ 499 - 450.

وأيّاً كان: فالظاهر أنّ الرجل واحد وهو من المعمّرين وقد أدركه جابر الجعفي وروى عنه، إذ كانت وفاته - كما ذُكر - سنة مائة للهجرة. والرجل ثقة بلا إشكال.

2. ثابت بن أبي صفيّة أبو حمزة الثمالي، واسم أبي صفيّة دينار، مولى، كوفي، ثقة... قال محمَّد بن عمر الجعابي: لقيَ علي بن الحسين وأبا جعفر وأبا عبد الله وأبا الحسن (علیهم السلام) وروى عنهم، وكان من خيار أصحابنا وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث، (ت 150ﻫ)(1).

هذا، وقد وردت رواية جابر عنه في موضعين(2).

ولكن قد يقال: إنّ رواية جابر عن أبي حمزة لا تخلو من غرابة بعض الشيء؛ لأنّهما متعاصران بل جابر أسبق بعض الشيء منه، بل سيأتي روايته هو عن جابر. مضافاً إلى أنّ في كلا الطريقين إلى جابر ضعفاً، ففي الأوَّل عمرو بن شمر، وفي الثاني المفضل بن عمر.

3. أبو الطفيل عامر بن واثلة بن الأسقع الكناني، قال الكشي: (وكان عامر بن واثلة كيسانيّاً ممّن يقول بحياة محمَّد بن الحنفية، وله في ذلك شعر، وخرج تحت راية المختار بن

ص: 397


1- لاحظ: فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 155.
2- لاحظ: أمالي الصدوق: 396 ح510، فضائل الأشهر الثلاثة: 90 ح69 عنه بحار الأنوار: 93/ 365 ح37.

أبي عبيدة)(1). وردت رواية جابر عنه في مواضع خمسة(2).

4. عبد الله بن يحيى الحضرمي، وردت رواية جابر عنه في موضعين(3).

والرجل من أصحاب أمير المؤمنين (علیه السلام)،قال البرقي في رجاله: (ومن الأولياء... أبو الرضا عبد الله بن يحيى الحضرمي). وقال الكشي: (وروي عن أمير المؤمنين (علیه السلام) أنّه قال لعبد الله بن يحيى الحضرمي يوم الجمل: ((أبشر يا ابن يحيى فإنّك وأبوك من شرطة الخميس حقّاً، لقد أخبرني رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) باسمك واسم أبيك في شرطة الخميس، والله سمّاكم شرطة الخميس على لسان نبيه (علیه السلام))). وقد نقل الشيخ الصدوق (قدس سره) عن (القاسم ابن محيمة) قوله: (وإنّي قرأت كتاب الحسن (علیه السلام) إلى معاوية يعدّ عليه ذنوبه إليه وإلى شيعة علي (علیه السلام) فبدأ بذكر عبد الله بن يحيى الحضرمي ومن قتلهم معه)(4).

وعليه فهذا الرجل استُشهد في حياة الإمام الحسن (علیه السلام) فلا يمكن رواية جابر الجعفي عنه مباشرة، ولا أقل من سقوط واسطة بينهما.

ثانياً: الرَّواة عن جابر من الشَّيعة
اشارة

ونحن نشير هنا إلى أنّ ذكر اسم الراوي عن جابر هو بحسب ما موجود في المصادر بغض النظر عن ثبوت الطريق إذا كان في الطريق ضعيف أو أكثر.

ص: 398


1- اختيار معرفة الرجال: 1/ 309. لاحظ: رجال البرقي: 4، رجال الطوسي: 44، 70، 95، 118.
2- لاحظ: التوحيد: 21 ح12، وأوردها في ثواب الأعمال: 3، غيبة النعماني: 276 ح38، أمالي الطوسي: 247 ح435، 578 ح1195، تفسير فرات الكوفي: 365 ح497.
3- لاحظ: الفصول المختارة للمفيد: 261، أمالي الطوسي: 512 ح1120.
4- لاحظ: رجال البرقي: 4، اختيار معرفة الرجال: 1/ 24 ح10، علل الشرائع: 1/ 212.
أ. الثَّقات الذّين رووا عن جابر مباشرة

1. إبراهيم بن نعيم العبدي أبو الصباح الكناني، قال النجاشي: (نزل فيهم فنسب إليهم، مولى آل سام، كان أبو عبد الله (علیه السلام) يسمّيه الميزان لثقته، رأى أبا جعفر وروى عن أبي إبراهيم (علیهما السلام))(1).

وقد وردت روايته عن جابر في موضعين من الكافي(2). والطريق معتبر في المورد الأوَّل إلى جابر.

2. ثابت بن أبي صفيّة أبو حمزة الثمالي (ت 150ﻫ)، قال النجاشي: (واسم أبي صفيّة دينار، مولى، كوفي، ثقة، لقي علي بن الحسين وأبا جعفر وأبا عبد الله وأبا الحسن (علیهم السلام) وروى عنهم، وكان من خيار أصحابنا وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث)(3).

هذا، وقد وردت روايته عن جابر في موضعين في بصائر الدرجات(4). والطريق معتبر إلى جابر في المورد الأوَّل.

3. الحسن بن السري الكاتب الكرخي، روى عن أبي عبد الله (علیه السلام) ونقل العلّامة

ص: 399


1- لاحظ: فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 20. ووثقه علي بن الحسن بن فضال كما في اختيار معرفة الرجال: 2/ 640.
2- لاحظ: الكافي: 2/ 162 ح14، 5/ 307 ح13 وفيها الرباطي وهو (الحسن بن رباط البجلي الكوفي)، ولم يوثّق صريحاً.
3- لاحظ: فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 155.
4- ينظر بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمَّد (علیهم السلام): 320 ح6 باب في الأئمة أنّ عندهم أصول العلم ما ورثوه عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) لا يقولون برأيهم، 417 ح2 باب ما أعطى الأئمة من القدرة أن يسيروا في الأرض.

توثيقه عن النجاشي، وكذا ابن داود وزاد أنّه وثّقه الشيخ في الفهرست والرجال، ولم نعثر عليه في النسخ الواصلة إلينا منها(1).

وقد وردت روايته عن جابر في المحاسن(2)، وأوردها في الكافي(3)، والصدوق في توحيده(4). وكلّ الطرق معتبرة إلى جابر.

4. زياد بن أبي الحلال، كوفي، مولى، ثقة، روى عن أبي عبد الله (علیه السلام) (5). وقد نقل أنّه سمع من جابر أحاديث وسأل الإمام الصادق (علیه السلام) عنها، وتقدّم تحقيق الكلام في ذلك في الطريق الأوَّل من المقام الثَّالث في توثيق جابر.

5. عبد الرحمن بن محمَّد الملقب بالعرزمي، كما ورد تلقيبه بذلك في المحاسن والكافي، وبقيّة الأسانيد، وهو موافق لما ذكره الشيخ ونقله ابن داود عن خطه (رضوان الله علیه) (6)، ولكن ذكره النجاشي بعنوان (الرزمي)، والأوَّل هو الصحيح، وقد وثّقه النجاشي صريحاً(7). ونقل العلّامة القهبائي (ت ق11) عن نسخته من كتاب النجاشي توصيفه ب-(العرزمي)(8).

ص: 400


1- لاحظ: فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 47، خلاصة الأقوال: 105، رجال ابن داود: 73.
2- لاحظ: المحاسن: 1/ 241 ح226.
3- لاحظ: الكافي: 1/ 123 ح2.
4- التوحيد: 93 ح9.
5- لاحظ: فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 171.
6- لاحظ: الفهرست: 176، الأبواب: 237، رجال ابن داود: 129.
7- لاحظ: فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 237، إيضاح الاشتباه: 240، خلاصة الأقوال: 205، تاريخ بغداد: 3 /425.
8- لاحظ: مجمع الرجال الحاوي لذكر المترجمين في الأصول الرجالية الخمسة: 4/ 85.

وممّا يرجّح قول الشيخ قول أهل اللغة: (العرزم: الشديد المجتمع... ومنه جبانة عرزم بالكوفة نزلها عبد الملك بن ميسرة العرزمي)(1). ومنه يعلم سقوط حرف العين من النسخ الواصلة إلينا من كتاب النجاشي.

هذا، وقد وردت روايته عن جابر في موضع واحد(2). والطريق غير معتبر إلى جابر.

ص: 401


1- القاموس المحيط: 4/ 149، لاحظ: الصحاح: 5/ 1984. و(عبد الملك ت 145ﻫ) هذا هو عمّ (محمَّد بن عبيد الله العرزمي ت 155ﻫ) والد عبد الرحمن، كما في الجرح والتعديل: 5/ 366.
2- لاحظ: المحاسن: 1/ 263 ح331، ونقلها في الكافي: 2/ 126 ح11 باب الحبّ والبغض في الله، وعلل الشرائع: 1/ 117 ح16. والطريق إلى جابر غير معتبر بابن العرزمي وهو (محمَّد بن عبد الرحمن) الذي ليس له توثيق في كتب الرجال. ومضافاً إلى ذلك فإنّ هذا الإسناد فيه شائبة سقط وهو أنّ أحمد بن محمَّد البرقي لا يروي مباشرة عن محمَّد بن عبد الرحمن العرزمي، بل وردت نفس هذه الرواية في علل الشرائع: 1/ 117 ح16 (أحمد بن محمَّد ]البرقي[، عن أبيه، عن ابن العرزمي، عن أبيه، عن جابر الجعفي)، وأيضاً وردت رواية (أحمد بن محمَّد بن خالد، عن أبيه، عمّن حدّثه، عن عبد الرحمن العرزمي). لاحظ: الكافي: 4/ 47 ح7، تهذيب الأحكام: 9/ 93 ح405. ويلاحظ أنّ رواية عبد الرحمن العرزمي عن جابر في هذا المورد مبني على أنّ المراد بالعرزمي الأب (عبد الرحمن)، وبابنه (محمَّد بن عبد الرحمن)، ولكنْ هناك احتمال آخر: وهو أن يكون المقصود ب-(العرزمي) هو (عبد الرحمن) وبأبيه هو (محمَّد بن عبيد الله)؛ لأنّ كلا الرجلين من أصحاب أبي عبد الله الصادق (علیه السلام) كما ذكر الشيخ في رجاله: 278، والطبقة تساعد؛ إذ كانت وفاة الأب (155ﻫ) كما ذكر البخاري في التاريخ الكبير: 1/ 171، ووفاة الابن (180ﻫ) كما ذكر البخاري في التاريخ الصغير: 2/ 203. وقد ضعّف محمَّد بن عبيد الله العامّة. لاحظ: تاريخ ابن معين: 1/ 209 برواية الدوري، الضعفاء والمتروكين: 231، تقريب التهذيب: 2/ 109. وقد يدفع هذا الاحتمال تكرّر روايات (محمَّد) عن أبيه (عبد الرحمن) ويعبّر عنه ب-(ابن العرزمي) عن أبيه كما في الكافي: 2/ 18 ح2، وأيضاً قد يعبّر ب-(محمَّد بن عبد الرحمن العرزمي) عن أبيه (عبد الرحمن) كما في الكافي: 7/ 199ح5، وكذلك في التوحيد: 368 ح7، والخصال: 62 ح88، وأمّا في حال رواية (عبد الرحمن العرزمي) عن أبيه فيعبّر عن اسمه الصريح ولا يقال (ابن العرزمي، عن أبيه) كما في الكافي: 2/ 59 ح10. مضافاً إلى أنّ ابن أبي حاتم الرازي ذكر في الجرح والتعديل: 5/ 282 في ترجمة (عبد الرحمن بن محمَّد ابن عبيد الله الفزاري العرزمي) أنّه روى عن (جابر الجعفي) وروى عنه ابنه (محمَّد بن عبد الرحمن)، ولم يذكر ذلك في شأن محمَّد بن عبيد الله العرزمي.

6. عبد الغفار بن القاسم بن قيس بن قيس بن قهد أبو مريم الأنصاري, قال النجاشي: (روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله (علیهما السلام) ثقة)(1).

وقد وردت روايته عن جابر في موضع من الكافي(2). والطريق إلى جابر غير معتبر.

7. عبد الله بن غالب الأسدي، الشاعر، الفقيه، أبو علي روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسن (علیهم السلام)،قال النجاشي: (ثقة ثقة)(3).

وقد وردت روايته عن جابر في ثلاثة موارد(4). وجميع الطرق معتبرة إلى جابر.

8. عبد المؤمن بن القاسم بن قيس بن قيس بن قهد الأنصاري، أبو عبد الله، كوفي، (ت 147ﻫ) وهو ابن إحدى وثمانين سنة، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله (علیهما السلام)،ثقة(5).

وقد وردت روايته عن جابر في موضعين في الكافي(6). وكلا الطريقين معتبران إلى

ص: 402


1- لاحظ: فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 246.
2- لاحظ: الكافي: 2/ 632 ح18.
3- لاحظ: فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 222.
4- لاحظ: المحاسن: 1/ 155 ح84، الكافي: 5/ 514 ح3، 8/ 336 ح529.
5- لاحظ: فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 249. وفي رجال الشيخ: 241 (فهد).
6- لاحظ: الكافي: 2/ 132 ح16، 5/ 227 ح8.

جابر.

9. عمر بن أبان الكلبي أبو حفص مولى، كوفي، ثقة(1). وقد وردت روايته عن جابر في موضع واحد في علل الشرائع(2). والطريق غير معتبر ب-(محمَّد بن سنان ويحيى بن محمَّد بن أيوب).

10. عنبسة بن بجاد العابد مولى بني أسد، كان قاضياً، ثقة، روى عن أبي عبد الله (علیه السلام) (3).

وقد وردت روايته عن جابر في أربعة موارد(4). والطريق إلى جابر في المورد الثالث معتبر بخلاف البواقي.

11. عيسى بن أبي منصور. وردت روايته عن جابر في مورد واحد في توحيد الصدوق(5). والطريق معتبر إلى جابر.

وذكر الصدوق (رضوان الله علیه) في مشيخة الفقيه - في ذِكر طريقه إليه - أنّ (كنيته أبو صالح وهو كوفي مولى). ونقل رواية بطريق صحيح في مدحه وهي ما ذكره بقوله: (حدّثنا محمَّد بن الحسن (رضی الله عنه)، عن محمَّد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن عبد الله بن سنان، عن ابن أبي يعفور قال: كنت عند

ص: 403


1- لاحظ: فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 285.
2- ينظر علل الشرائع: 2/ 555 ح5.
3- لاحظ: فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 302.
4- لاحظ: المحاسن: 1/ 171 ح140، الكافي: 8/ 159 ح157، 394 ح593، تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة نقلاً عن تفسير ابن الماهيار: 2/ 651 ح12.
5- التوحيد: 138 ح13.

أبي عبد الله (علیه السلام) إذ أقبل عيسى بن أبي منصور فقال لي: إذا أردت أن تنظر خياراً في الدنيا خياراً في الآخرة فانظر إليه)(1). ونقل الكشي هذا الحديث أيضاً بسند صحيح بعد عنوان: (عيسى بن أبي منصور شلقان).

ثمّ قال الكشي: (سألت حمدويه بن نصير عن عيسى؟ فقال: خيّر فاضل هو المعروف بشلقان، وهو ابن أبي منصور، واسم أبي منصور صبيح)(2).

فالرجل بعد صدور هذا المدح والثناء عليه من الإمام (علیه السلام) لا أقلّ يكون ممدوحاً، وسيأتي مزيد تفصيل فيه في محلّ آخر إن شاء الله تعالى.

12. ميسر بن عبد العزيز النخعي بيّاع الزطي، كوفي، ثقة، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله (علیهما السلام)،مات في حياة أبي عبد الله (علیه السلام) (3). وردت روايته عن جابر في مورد واحد(4).

13. نجيّة بن الحارث العطار، روى عن أبي جعفر (علیه السلام) (5)، والرجل ثقة - مضافاً إلى

ص: 404


1- من لا يحضره الفقيه: 4/ 487.
2- لاحظ: اختيار معرفة الرجال: 2/ 621 -622 ح600.
3- لاحظ: اختيار معرفة الرجال: 2 /513 رقم: 446، فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 368، الأبواب: 309.
4- لاحظ: التهذيب: 7/ 75 ح322. والطريق إلى جابر هو: محمَّد بن علي بن محبوب، عن علي بن محمَّد بن يحيى الخزاز، عن الحسن بن علي بن فضال، عن أبي إسحاق ]ثعلبة بن ميمون[ عن ميسر. وهو غير معتبر لوجود (علي بن محمَّد بن يحيى الخزاز) حيث لا يوجد له توثيق في كتب الرجال. نعم، يمكن توثيقه بناءً على كونه شيخ إجازة.
5- لاحظ: الكافي: 2/ 82 ح3، والراوي عنه في هذا المورد معاوية بن عمار. وروى عن أبي عبد الله (علیه السلام) في التهذيب: 4/ 301 ح910، وروى عن الإمام الكاظم (علیه السلام) كذلك: 9/ 17 ح68، والراوي عنه صفوان، فالرجل يمكن أن يعد من شباب الطبقة الرابعة وشيوخ الخامسة حيث روت عنه الطبقتان الخامسة والسادسة.

رواية صفوان بن يحيى عنه - حيث نقل الكشي عن محمَّد بن عيسى: أنّ نجيّة بن الحارث شيخ صادق، كوفي، صديق علي بن يقطين(1).

هذا، وقد وقعت روايته عن جابر في مورد واحد(2). والطريق غير معتبر إلى جابر.

14. يحيى بن العلاء البجلي الرازي أبو جعفر، ثقة، أصله كوفي، وقد وثّقه النجاشي مرّة أخرى في ترجمة ابنه جعفر، وقال: روى أبوه عن أبي عبد الله (علیه السلام)،وكان أبوه يحيى ابن العلاء قاضياً بالري. وذكره الشيخ في أصحاب أبي عبد الله (علیه السلام) بعنوان: يحيى بن العلاء بن خالد البجلي، كوفي، يقال له: الرازي، ولكن في الفهرست ذكره بعنوان: يحيى ابن أبي العلاء الرازي(3).

وقد وردت روايته عن جابر في مورد واحد(4). والطريق معتبر إلى جابر.

هذا، والموجود في جلّ الأسانيد يحيى بن أبي العلاء.

والحاصل من هذا القسم: أنّ أربعة عشر رجلاً من الرواة المباشرين عن جابر متّفق

ص: 405


1- لاحظ: اختيار معرفة الرجال: 2/ 748 رقم: 852.
2- لاحظ: دلائل الإمامة: 92 ح26، في قوله تعالى: [وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ].
3- لاحظ: فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 444، 126، الأبواب: 321، الفهرست: 262 رقم: 800.
4- وهو ما ذكره الصدوق في أماليه: 770 ح1044، والخصال: 584 ح9، وثواب الأعمال ص:154، ومعاني الأخبار ص:226 في معنى الخريف. والطريق هو: أبوه، عن محمَّد بن يحيى العطار، عن محمَّد ابن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، عن الحسن بن علي الكوفي ]ابن عبد الله بن المغيرة البجلي[، عن العباس بن عامر ]القصباني[، عن أحمد بن رزق الغمشاني ]البجلي[، عن يحيى بن أبي العلاء).

على وثاقتهم. والطرق المعتبرة إلى جابر هي ثمانية، وغير المعتبرة خمسة، وطريق زياد بن أبي الحلال غير معلوم لنا.

ولكن رواية هؤلاء عن جابر قليلة جداً، فإنّ جلّ رواياته مرويّة عن الضعفاء. وبه يظهر أنّ أكثر التراث الروائي عن جابر ليس ثابتاً عنه حقيقة على مسلك خبر الثقة، اللهم إلَّا أن يحصل اطمئنان بالصدور على مسلك حجّيّة الخبر الموثوق به، إن كانت هناك روايات أُخر بنفس المضمون سواء كانت بطرق معتبرة أو لا.

ب. مَن تعارض فيه التَّوثيق والتَّضعيف ممّن روى عن جابر

1. إبراهيم بن عمر اليماني الصنعاني، قال النجاشي: (شيخ من أصحابنا، ثقة، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله (علیهما السلام)،ذكر ذلك أبو العباس وغيره). لكن ضعّفه ابن الغضائري جداً(1).

هذا، وقد وردت روايته عن جابر في موضعين من الكافي(2)، وأيضاً في موضع من أمالي الطوسي(3). وكلّ الطرق معتبرة إلى إبراهيم بن عمر الصنعاني.

2. زكريا بن الحرّ الجعفي، قال النجاشي: (أخو أُدَيْم وأيوب، روى عن أبي عبد الله (علیه السلام))، وقد وثّق النجاشي أخويه، وذكر ابن داود أنّه كان وجهاً(4). وقد يوثّق بناءً على كفاية ذلك في توثيقه.

ص: 406


1- لاحظ: فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 20، رجال ابن الغضائري: 36.
2- لاحظ: الكافي: 1/ 271، 2/ 176.
3- ينظر أمالي الطوسي: 735 ح1535 مجلس يوم التروية سنة 458ﻫ.
4- لاحظ: فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 174، 106، 103، رجال ابن داود: 98.

ولكن الموجود في ترجمته - كما مرّ آنفاً - تعريفه بأخويه فيظهر أنّهما أعرف منه، وأعرف الثلاثة أُدَيْم؛ لأنّ النجاشي قال في ترجمة أيوب: (يعرف بأخي أُدَيْم)(1).

وقد وردت روايته عن جابر في الكافي(2). والطريق معتبر إلى زكريا بن الحرّ.

3. صباح بن يحيى، قال النجاشي: (أبو محمَّد المزني كوفي، ثقة، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله (علیهما السلام)). لكن ذكر ابن الغضائري أنّه (زَيْديٌّ، حديثُهُ في حديث أصحابِنا ضَعِيْفٌ، يَجُوْزُ أنْ يُخَرَّجَ شاهِداً)(3).

وهذا الرجل ممّن تعارض فيه التوثيق والتضعيف، ولكن ظاهر كلام ابن الغضائري أنّ ضعفه ليس بتلك الدرجة فيمكن أن يعتمد على حديثه مع بعض القرائن.

وقد وردت روايته عن جابر في ثلاثة مواضع(4). وجميع الطرق غير معتبرة إلى جابر.

4. يعقوب السراج، كوفي، ثقة، وزاد الشيخ في الرجال: يعقوب بن العليم السراج، ولكن ضعّفه ابن الغضائري(5).

وقد وردت روايته عن جابر في ثلاثة مواضع(6). والطريق إلى يعقوب السراج معتبر

ص: 407


1- فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 103.
2- لاحظ: الكافي: 2/ 253 ح9.
3- لاحظ: فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 201، رجال ابن الغضائري: 70.
4- لاحظ: الكافي: 8/ 344 ح542، أمالي الطوسي: 335 ح675 فضائل أمير المؤمنين (علیه السلام)،اليقين والتحصين: 195.
5- لاحظ: فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 451، الفهرست: 508، الأبواب: 324، رجال ابن الغضائري: 102، وذكره بعنوان: (يعقوب بن السراج)، والموجود في الأسانيد موافق لما ذكره النجاشي والشيخ.
6- لاحظ: الكافي: 2/ 49، 50، غيبة النعماني: 288.

في الكافي، وأمّا في الغيبة فتوجد شائبة إرسال بين الرجال الأربعة والحسن بن محبوب.

ج. الضَّعفاء والمهملون الذين رووا عن جابر

1. أبو خالد الزيدي، وردت روايته عن جابر في موضعين من الكافي(1)، وهو مهمل لم يذكر في كتب الرجال.

2. أبو الربيع القزّاز، وردت روايته عن جابر في موضع واحد من الكافي(2). والرجل مهمل لم يذكر في كتب الرجال، ولكن يمكن توثيقه على مسلك مَن يقول بوثاقة مشايخ ابن أبي عمير، إذ إنّه الراوي عنه في هذا المورد. والطريق معتبر إلى أبي الربيع.

3. أبو أيوب العطّار، وقد وردت روايته عن جابر في موضع واحد من الكافي(3). والرجل مهمل لم يذكر في كتب الرجال، ولم يقع في الأسانيد في غير هذا الموضع، والإسناد إليه ضعيف بمحمَّد بن سنان والمفضّل بن عمر.

4. أسد بن إسماعيل، وردت روايته عن جابر في موضع من المحاسن(4)، والسند معتبر إلى أسد. وله رواية أخرى مرسلة في مختصر البصائر(5). وعدّه البرقي والشيخ في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) (6)، ولم يذكر بشيء فهو مهمل.

ص: 408


1- لاحظ: الكافي: 6/ 476 باب الفرش ح1، 481 باب الخضاب ح4.
2- لاحظ: الكافي: 1/ 412 ح4 في حديث لِمَ سمي أمير المؤمنين (علیه السلام).
3- لاحظ: الكافي: 2/ 235 ح20، باب المؤمن وعلاماته وصفاته.
4- لاحظ: المحاسن: 1/ 185 ح193.
5- لاحظ: مختصر بصائر الدرجات: 49.
6- لاحظ: رجال البرقي: 40، الأبواب: 168.

5. أيوب البزّاز، وردت روايته عن جابر في تفسير ابن الماهيار(1)، وهذا الطريق ضعيف - مضافاً إلى أيوب البزّاز الذي هو مهمل - بالسياري وأبي أسلم.

6. ثابت بن هرمز أبو المقدام الحداد. روى نسخة عن علي بن الحسين (علیهما السلام)،رواها عنه ابنه عمرو بن ثابت، وعدّ في رواية عن الإمام الصادق (علیه السلام) في رجال الكشي من البترية(2). وردت روايته عن جابر في تفسير القمي، ولكن بعنوان (ثابت الحذّاء)(3)، والظاهر أنّه تصحيف (الحدّاد)؛ إذ لم نعثر على هذا العنوان إلّا في هذه الرواية.

7. حُمَيْد بن شعيب السبيعي الهمداني، كوفي، روى عن أبي عبد الله (علیه السلام)،وروى عن جابر، وقال ابن الغضائري: (يُعْرَفُ حديثُهُ تارةً، ويُنْكَرُ أُخْرى، وأكْثَرُهُ تَخْلِيْطٌ ]خ.ل وأكثر تخليطه[ ممّا يَرْوِيْهِ عن جابِر. وأمْرُهُ مُظْلِمٌ)(4).

وقد وردت روايته عن جابر في موضعين(5).

ص: 409


1- لاحظ: تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: 2/ 557 ح13، بحار الأنوار: 36/ 153 ح133، وفيه (أبو أيوب البزاز). والسند: (قال محمَّد بن العباس (رحمة الله): حدّثنا أحمد بن القاسم، عن أحمد بن محمَّد السياري، عن محمَّد بن خالد البرقي،عن أبي أسلم،عن أيوب البزّاز، عن جابر).
2- لاحظ: فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 116، الأبواب: 110 حيث عدّه في أصحاب السجاد (علیه السلام) ووصفه بالفارسي العجلي الحداد، و129 ذكره في أصحاب الباقر (علیه السلام) ووصفه بالعجلي الكوفي الحداد، و173عدّه في أصحاب الصادق (علیه السلام) ووصفه بالعجلي الكوفي. اختيار معرفة الرجال: 2/ 499 ح422، مَن لا يحضره الفقيه: 4/544.
3- لاحظ: تفسير القمي: 1/ 36.
4- لاحظ: فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 133، رجال ابن الغضائري: 49 - 50.
5- أحدهما في بصائر الدرجات: 95 ح6 باب ولاية أمير المؤمنين (علیه السلام)،والمورد الآخر: أمالي الطوسي: 595 ح6 باب وصية علي (علیه السلام) لولده.

8. داود بن عبد الجبار أبو سليمان الكوفي، ذكره الشيخ في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام)،وذكره الخطيب البغداديّ بعنوان: (داود بن عبد الجبار، أبو سليمان الكوفي المؤذن)، وقد ضعّفه ابن معين والبخاري والنسائي(1). وردت روايته عن جابر في موضعين(2).

9. الربيع بن محمَّد بن عمر بن حسّان الأصم المُسلي الكوفي، من أصحاب الصادق (علیه السلام)،له كتاب(3)، والرجل مذكور في الفهارس وكتب الرجال ولكن لم نجد له مدحاً أو ذمّاً فيها، فهو مهمل.

وقد وردت روايته عن جابر في موضع واحد في بصائر الدرجات(4).

هذا، ونجد في كتب الحديث اختلافاً في اللقب فتارة: عُبّر عنه ب-(المسلمي)، وأخرى: ب-(المسلي) نسبة إلى مُسلية - وهو الصحيح -، وثالثة: ب-(السلمي)(5).

10. زياد بن المنذر، قال النجاشي: (أبو الجارود، الهمداني الخارفي الأعمى، كوفي، كان من أصحاب أبي جعفر، وروى عن أبي عبد الله (علیهما السلام)،وتغيّر لمّا خرج زيد (رضی الله عنه).

ص: 410


1- لاحظ: الأبواب: 202، تاريخ بغداد: 8/351 - 353.
2- أحدهما: أمالي الصدوق: 409 ح529، ونقله أيضاً في عيون أخبار الرضا (علیه السلام): 1/ 226، مقاتل الطالبيين: 88. والآخر: عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار: 351 ح676.
3- لاحظ: فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 164، الأبواب: 203، الفهرست: 127.
4- لاحظ: بصائر الدرجات: 25 باب ثواب العالم والمتعلم، ونقلها في ثواب الأعمال ص:131 باب ثواب طالب العلم.
5- لاحظ: بصائر الدرجات الكبرى: 25 باب: 2 ح14، الكافي: 1/ 387، 2/ 223، 6/ 336، 8/ 241، ثواب الأعمال: 131 باب ثواب طالب العلم.

وقال أبو العباس بن نوح: هو ثقفي)(1). قال ابن الغضائري في حقّه: (حديثُهُ في حديث أصحابِنا أكْثَرُ منهُ في الزيْديّة. وأصحابُنا يكرهُون ما رواهُ مُحَمَّدُ [بنُ] سِنان عنهُ، ويَعْتَمِدُون ما رواهُ مُحَمَّدُ بنُ بَكْر الأرجنيّ)(2). وقد وردت روايته عن جابر في مورد واحد(3). والشاهد المبحوث عنه وقع في طريقه محمَّد بن سنان.

11. سعد بن طريف الحنظلّي الإسكاف، مولى بني تميم الكوفيّ، ويقال: سعد الخفاف، روى عن الأصبغ بن نباتة، وهو صحيح الحديث(4). وذكر النجاشي: أنّه (يعرف وينكر. روى عن الأصبغ بن نباتة، وروى عن أبي جعفر وأبي عبد الله (علیهما السلام)،وكان قاضياً). وذكر ابن الغضائري أنّه ضعيف. وقال حمدويه: (وكان ناووسياً وَفَدَ على أبي عبد الله (علیه السلام))(5).

وهذا الرجل وقعت روايته عن الإمام الباقر (علیه السلام) في موارد كثيرة(6).

وقد وردت روايته عن جابر الجعفي في مورد واحد في تفسير قوله تعالى: [قُلْ هَلْ

ص: 411


1- لاحظ: فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 170.
2- رجال ابن الغضائري: 61.
3- لاحظ: الخصال: 219 ح44 باب أربعة كتموا الشهادة لأمير المؤمنين (علیه السلام).
4- لاحظ: الأبواب: 115 في أصحاب علي بن الحسين (علیهما السلام).
5- لاحظ: فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 178، رجال ابن الغضائري: 64، اختيار معرفة الرجال: 2/ 476 ذيل ح384.
6- منها: ما في المحاسن: 1/ 4 ح4، 60 ح100، 2/ 393 ح40، 616 ح43، الكافي: 1/ 208 ح3، 2/ 330 ح1 إلى غير ذلك. وروى عن الأصبغ بن نباتة كما في المحاسن: 1/ 191 ح2، 316/ 37، 345 ح4، 2/ 352، ح40 إلى غير ذلك من الموارد.

يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ] (1). والطريق معتبر إلى سعد.

12. سلام بن سالم، روى له الحاكم ووثّقه(2)، والطبراني(3) وابن عبد البر(4)، وترجمه ابن حجر بقوله: (سلّام - بتشديد اللام - بن سليم أو سلم أو سليمان، أبو سليمان، ويقال له الطويل المدائني، متروك من السابعة (ت 177ﻫ)(5). وعن علي ابن المديني (ت 234ﻫ): (كانت له أحاديث منكرة)(6)، وقال العقيلي (ت 322ﻫ): (سلام ابن سليمان المدائني في حديثه عن الثقات مناكير).

وأضاف: (حدّثنا محمَّد بن زيدان الكوفي، قال: حدّثنا سلام بن سليمان المدائني، قال: حدّثنا شعبة عن زيد العمي، عن أبي الصدّيق الناجي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه ]وآله[ وسلم: معك يا علي يوم القيامة عصا من عصا الجنة تذود بها الناس عن حوضي).

قال: (ليس له أصل من حديث شعبة ولا من حديث ثقة)(7).

ويحتمل - والله العالم - أنّ تضعيف الرجل منشؤه نقله روايات فضائل أمير المؤمنين

ص: 412


1- وهو ما ورد في بصائر الدرجات: 75 ح9، وأورده في الكافي: 1/ 212 ح1 باب: أنّ من وصفه الله تعالى في كتابه بالعلم هم الأئمة (علیهم السلام).
2- لاحظ: المستدرك على الصحيحين: 3/ 60.
3- لاحظ: المعجم الأوسط: 9/ 145، المعجم الصغير: 2/ 89 وفي الحديث الذي ذكره العقيلي: (تذود بها المنافقين عن حوضي). قال: (لم يروه عن شعبة إلّا سلام).
4- لاحظ: التمهيد: 2/ 296، 7/ 214.
5- تقريب التهذيب: 1/ 405، تهذيب التهذيب: 4/ 247، تهذيب الكمال: 12/ 279.
6- سؤالات محمَّد بن عثمان بن أبي شيبة: 167 رقم: 241.
7- ضعفاء العقيلي: 2/ 161.

(صلوات الله وسلامه عليه). والرجل لم يُذكر في مصادرنا الرجاليّة.

هذا، وقد وردت روايته عن جابر في خمسة مواضع(1). والأسانيد غير معتبرة إلى سلام.

13. صالح بن أبي الأسود الحنّاط الليثي، مولاهم كوفي، ذكر في بعض الفهارس والرجال بأنّه من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام)،أُسند عنه، له كتاب، وقد ذكره العامّة وضعّفوه(2).

ووردت روايته عن جابر في موضع واحد في دلائل الإمامة(3) في ذكر معاجز الإمام السجاد (علیه السلام). والسند غير معتبر إلى صالح.

14. ضريس ]شريس[ الوابشي الكوفي، ذكر الشيخ أنّه روى عنهما (علیهما السلام) (4). وردت روايته عن جابر في موارد كثيرة(5).

وفي كلّ هذه الموارد الطريق معتبر إلى محمَّد بن الفضيل الراوي عن ضريس.

والرجل لم نجد له مدحاً أو ذمّاً في كتب الرجال، فهو مهمل.

ص: 413


1- أربعة أحاديث في المحاسن: 1/ 48 - 49 باب: 51 باب ثواب الأذان ح68 وقد وردت بقية الأحاديث وقال...، وقال...، وواحد في بشارة المصطفى (صلی الله علیه و آله و سلم) لشيعة المرتضى (علیه السلام): 260 ح67.
2- لاحظ: الأبواب: 225، رجال البرقي: 27، الفهرست: 147، الكامل في ضعفاء الرجال: 4/ 66، المغني في الضعفاء: 1/ 478، لسان الميزان: 3/ 166.
3- لاحظ: دلائل الإمامة: 212 ح135.
4- لاحظ: الأبواب: 224، 227.
5- لاحظ: المحاسن: 2/ 300 ح5، وفيها (شريس)، بصائر الدرجات: 228 ح1 وفيها (ضريس) - ونقله في الكافي: 1/ 230 ح1 وفيه (شريس) -، 229 ح6 إلى غير ذلك.

15. عبد القهّار، وقد وردت روايته عن جابر في مورد واحد في الكافي(1). وهذا الرجل ليست له إلّا هذه الرواية اليتيمة في كتب الفريقين، ومن ثمَّ لم يذكر في كتب الرجال.

نعم، يحتمل أن يكون هناك تصحيف في هذا الاسم وأن يكون الأصل (عبد الغفار) والمقصود به (عبد الغفار بن حبيب الطائي الجازي) من أصحاب أبي عبد الله (علیه السلام)،وقد وثّقه النجاشي(2). ولكن هذا الاحتمال بعيد(3).

16. عبد الله بن الحكم الأرمني. ضعّفه ابن الغضائري والنجاشي(4). وقد وردت روايته عن جابر في موضع من الكافي(5).

17. عبد الله بن الحارث الهمداني، وردت روايته عن جابر في موضعين(6). والرجل مهمل لم يذكر في كتب الرجال.

ص: 414


1- لاحظ: الكافي: 1/ 209 ح6 باب: ما فرض الله عزّ وجلّ ورسوله (صلی الله علیه و آله و سلم) من الكون مع الأئمة (علیهم السلام).
2- لاحظ: فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 247.
3- وجه البعد: أنّ الراوي عن (عبد القهار) هو (عبد الله بن القاسم) وهو مشترك بين الحارثي والحضرمي وكلاهما ضعيف، غال، وأمّا الراوي عن (عبد الغفار الجازي) في جلّ الأسانيد وراوي كتابه فهو (النضر بن شعيب) والرجل مهمل. ولكن قد يقال: إنّ من الجائز أن يكون (عبد الله بن القاسم) قد روى عن (عبد الغفّار عن جابر) اصطناعاً وليس (عبد القهار) وإن لم تعهد روايته عن عبد الغفّار في أسانيد غيره، إذ إنّ الوضّاع والضعفاء لم تكن طريقتهم في وضعهم للأسانيد - بالضرورة - على الأسانيد المعهودة.
4- لاحظ: رجال ابن الغضائري: 76، فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 225.
5- لاحظ: الكافي: 2/ 616 ح1 باب: فيمن يظهر الغشية عند [قراءة] القرآن.
6- لاحظ: الكافي: 8/ 170 ح193، 352 ح550. وفي الموضع الأوَّل زيادة كلمة (أبي) - أي ابن أبي الحارث - ولكن في الوافي: 26/ 79، والموضع الثاني من الكافي لا توجد هذه الزيادة. وذكر في هامش (1) طبعة دار الحديث: 15/ 407 أنّ الموجود في نسخة (فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني)، وفي حاشية (المولى حيدر علي بن محمَّد بن حسن الشيرواني) - سبط العلّامة المجلسي -: (عبد الله بن الحارث الهمداني).

وقد يحتمل أن يكون الرجل هو (عبد الله بن الحارث) الذي ورد فيه الذمّ الشديد وهو من رؤوس الغلاة الذين نسبوا إلى جابر الأفكار الغالية(1).

ولكن قد يستبعد هذا الاحتمال من جهة أنّ المضامين التي رواها الهمداني بعيدة عن متبنّيات الغلاة.

لكن قد يَدفع هذا الاستبعاد أنّ من الجائز خلو بعض روايات الغالي عن الغلو، كما هو واضح.

وقد نفى السيّد الخوئي (طاب ثراه) البعد عن أن يكون المعدود من جملة السبعة المذكورين في الرواية هو (ابن الحارث الشامي)(2).

18. عبد الملك بن أبي الحارث، وقد وردت روايته عن جابر في مورد واحد(3). وهذا الرجل مهمل لم يذكر في كتب الرجال.

وهناك شائبة إرسال بين إسماعيل بن مهران وعبد الملك بن أبي الحارث؛ وذلك لأنّ إسماعيل من الطبقة السابعة والمفروض أنّ عبد الملك من كبار الخامسة، وقد روى إسماعيل بن مهران، عن أيمن بن محرز، عن عمرو بن شمر، عن جابر(4).

ص: 415


1- لاحظ: اختيار معرفة الرجال: 2/ 577 ح511، فرق الشيعة للنوبختي: 31.
2- لاحظ: معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة: 10/ 158 (ط. النجف).
3- لاحظ: الكافي: 5/ 371 ح3.
4- لاحظ: الكافي: 5/ 370 ح2.

19. عثمان بن زيد، ذكره الشيخ في الرجال في أصحاب الصادق (علیه السلام)،فقال: (عثمان بن زيد بن عدي، أبو عدي الجهني، أُسند عنه، كوفي)(1)، والرجل لم نجد له مدحاً أو ذمّاً في كتب الرجال، فهو مهمل.

هذا، وقد وردت روايته عن جابر في مواضع عشرة(2).

20. عروة بن موسى الجعفي، وقد روى عن جابر حديثاً واحداً أورده في البصائر مرّتين، في الثانية منهما الطريق معتبر إلى عروة(3). وهذا الرجل مهمل لم يذكر في كتب الرجال، وهو ممّن يروي الخوارق(4).

21. عمرو بن أبي المقدام، واسم أبي المقدام (ثابت)، وهو: (ثابت بن هرمز الحدّاد مولى بني عجل، روى عن علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد الله (علیهم السلام)،له كتاب لطيف)، وذكر ابن الغضائري أنّه ضَعِيْفٌ جِدّاً(5).

ص: 416


1- لاحظ: الأبواب: 259.
2- لاحظ: بصائر الدرجات: 396، 424، الكافي: 2/ 72، 181، 5/ 559، الخصال: 516، غيبة النعماني: 206، دلائل الإمامة: 213، أمالي الطوسي: 296، التفسير المنسوب لعلي بن إبراهيم القمي: 2/ 111.
3- لاحظ: بصائر الدرجات: 435ج8 باب: 18 ح2 باب في أمير المؤمنين (علیه السلام) أنّه قسيم الجنة والنار، وذكر نفس الحديث مرة أخرى برقم ( 8).
4- كما في بصائر الدرجات: 417 ج8 باب: 11 ح5 حيث نقل عن الإمام الصادق (علیه السلام) إخبارهم بموت هشام، وأيضاً ما ورد في اختيار معرفة الرجال: 2/ 449 ح348 عن جابر الجعفي، وقد ذكرناها في المقام الأوَّل في الجهة العشرين.
5- لاحظ: فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 290. ورجال ابن الغضائري: 73.

هذا، وروى عن جابر بعنوان عمرو بن ثابت في ثلاثة موارد(1).

وروى بعنوان عمرو بن أبي المقدام في موارد عديدة(2).

22. عمرو بن شمر، قال النجاشي: (أبو عبد الله الجعفي عربي، روى عن أبي عبد الله (علیه السلام)،ضعيف جداً، زِيْدَ أحاديث في كتب جابر الجعفي ينسب بعضها إليه، والأمر ملبس)، وأيضاً ضعّفه ابن الغضائري(3).

وهو الراوي المكثر جدّاً عن جابر وراوي كتبه.

23. ]عنبسة بن[ مصعب، والعنوان الوارد في الرواية عن (جابر) هو (مصعب)، ولا ذكر له إلّا في رواية واحدة في كامل الزيارات(4). والطريق معتبر إلى إبراهيم بن موسى الأنصاري الراوي عن عنبسة.

ولكن ورد في الهداية الكبرى: (روي عن ابن مصعب عن جابر بن يزيد الجعفي قال: سُئِلَ أبو جعفر (علیه السلام)... - إلى أن قال -: قال عنبسة فلمّا قبض أبو جعفر دخلت على أبي عبد الله (علیه السلام) فأخبرته بذلك فقال: صدق جابر)(5).

ص: 417


1- لاحظ: الكافي: 1/ 374 ح11، والطريق معتبر إلى عمرو بن ثابت، أمالي الصدوق: 60، غيبة النعماني: 354 ح3 ما روي في مدّة ملك القائم (عجّل الله فرجه الشريف)، والطريق معتبر إلى عمرو.
2- لاحظ: المحاسن: 1/ 227 ح154، 2/ 411 ح142، وأورده في الكافي: 2/ 151 ح5، بصائر الدرجات: 24 ج1 باب: 2 ح8، 213 ج4 باب: 6 ح2، وأورد الأخير في الكافي: 1/ 228 ح1، الكافي: 1/ 181 ح4، 5/ 151 ح3. وجميع الطرق في هذه الشواهد إلى عمرو بن أبي المقدام معتبرة. إلى غير ذلك من الموارد.
3- لاحظ: فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 287، رجال ابن الغضائري: 74.
4- لاحظ: كامل الزيارات: 148 باب: 22 ح7.
5- لاحظ: الهداية الكبرى: 243 الباب السابع باب الإمام الباقر (علیه السلام).

وعلى هذا تكون كلمة (ابن) ساقطة، ونقل الكشي عن حمدويه بأنّ: عنبسة بن مصعب ناووسي، وقف على أبي عبد الله (علیه السلام).

وقد ذكر الشيخ المفيد (رضوان الله علیه) في الفصول المختارة في بيان افتراق الشيعة بعد وفاة أبي عبد الله (علیه السلام) أنّ الناووسية تعلّقت بحديث رواه عنبسة بن مصعب عن أبي عبد الله (علیه السلام) (1).

هذا، وذكره الشيخ تارة في أصحاب الإمام الباقر، وأخرى في أصحاب الإمام الصادق (علیهما السلام) مضيفاً في الأخير (العجلي الكوفي). ووصفه البرقي بالشيباني، ونسب إلى القيل بأنّه: عجلي كوفي(2). والرجل خال أبي المغرا حميد بن المثنى العجلي(3).

ص: 418


1- لاحظ: الفصول المختارة: 305.
2- لاحظ: اختيار معرفة الرجال: 2/ 659 ح676، الأبواب: 141، 261، الرجال: 40. هذا، ويمكن توثيقه على مسلك وثاقة مشايخ صفوان وابن أبي عمير حيث وردت رواية صفوان عنه في الكافي: 6/ 143 ح9، واختيار معرفة الرجال: 2/ 579 ح515، ووردت رواية محمَّد بن أبي عمير عنه في الفقيه: 3/ 420 ح4463. ولكن لا وثوق بهذا؛ لعدم مساعدة طبقتهما على ذلك؛ من جهة أنّ مصعب بن عنبسة من الطبقة الرابعة - بناءً على ما ذكره الشيخ من أنّه من أصحاب الباقر (علیه السلام) -، وقد وردت رواية صفوان عن عنبسة ابن مصعب بواسطة منصور بن حازم كما في التهذيب: 1/ 222 ح634، وبواسطة عبد الله بن مسكان أيضاً فيه: 5/ 190 ح631، وإسحاق بن عمار كذلك فيه: 8/ 313 ح1163. مضافاً إلى وجود احتمال تقديم وتأخير في سند الكافي بأن يكون (صفوان بن يحيى عن سماعة عن مصعب بن عنبسة). ووردت رواية ابن أبي عمير عنه بواسطة جميل كما في التهذيب: 6/ 294 ح816، وبواسطة أبي المغرا في ثواب الأعمال: 276 (عقاب من سأل الناس وعنده قوت ثلاثة أيام).
3- كما ورد في المحاسن: 2/ 413 ح161.

24. الفضل أبو مُحَمَّد بن أبي قرة التميمي السهندي(1) ]في الفقيه والأمالي: (السمندي)[. انتقل إلى أرمينية، أصْلُهُ كُوْفيٌّ، قال النجاشي: (روى عن أبي عبد الله (علیه السلام) لم يكن بذاك). وقال ابن الغضائري: ضَعِيْفٌ(2).

وقد وردت روايته عن جابر في موضع واحد(3). وله روايات متعدّدة عن الإمام الصادق (علیه السلام) في كتب الحديث(4). والرجل هاجر إلى تفليس(5) وحدّث بها، والراوي الوحيد عنه هو (شريف بن سابق التفليسي).

25. محمَّد بن إسماعيل بن أبي زينب، وقد وردت روايته عن جابر في خمسة مواضع(6). وهذا العنوان مهمل لم يذكر في كتب الرجال.

هذا، وقد وردت لهذا الرجل في طب الأئمّة سبع روايات، في ست منها وقع في

ص: 419


1- نسبة لإحدى مدن أذربيجان الشرقية في إيران.
2- لاحظ: فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 308، رجال ابن الغضائري: 84، رجال البرقي: 34، الأبواب: 269 ووصف في الأخير بالتفليسي.
3- لاحظ: أمالي الطوسي: 578 ح9 مجلس في فضائل علي (علیه السلام).
4- لاحظ - مثلاً -: المحاسن: 1/ 107 ح94، بصائر الدرجات: 246 ح 3 (في قول يوسف (علیه السلام) اجعلني على خزائن الأرض)، علل الشرائع: 1/ 125 ح4، الكافي: 1/ 39 ح3، 2/ 373 ح3، إلى غير ذلك من الموارد.
5- وهي تسمّى الآن (تبليس) عاصمة جورجيا.
6- جميعها في طب الأئمة (علیهم السلام) وهي: 52، 65 ولكن فيه عن (الجعفي عن جابر)، ولعلّ فيه قلباً، والأصل عن (جابر الجعفي)، 94 وفيه (محمَّد بن إسماعيل بن أبي رئاب)، وفي البحار: 100/ 291 نقلاً عنه (ابن أبي طالب)، ولعلّه تصحيف في الجميع، والأصل (ابن أبي زينب) بقرينة الراوي والمروي عنه في بقية الأسانيد، 96، 135.

إسنادها محمَّد بن سنان، ثلاث رواها عن المفضل بن عمر مباشرة، وثلاث بتوسط يونس بن ظبيان، وعليه فيحتمل أن يكون هذا الرجل هو أبا الخطاب الملعون على لسان الأئمّة (علیهم السلام)،ويكون (ابن) - في ابن إسماعيل - تحريف (أبو). فقد ذكر الكشي: (ما روي في محمَّد بن أبي زينب اسمه مقلاص بن الخطاب البراد الأجدع الأسدي، ويكنّى أبا إسماعيل، ويكنّى أيضاً أبا الخطاب، وأبا الظبيات(1))(2).

وممّا يزيد في قوّة هذا الاحتمال أنّه قد وردت رواية أبي الظبيان عن جابر بن يزيد الجعفي أيضاً في طب الأئمّة، والراوي عنه المفضل بن عمر الجعفي(3)، وتقدّم - في هامش رقم (1) - أنّ أبا الظبيان كنية لأبي الخطاب.

ص: 420


1- في بعض نسخ اختيار معرفة الرجال (أبو الظبيان). لاحظ: اختيار معرفة الرجال: 290 الهامش: 2 (ط. دانشكاه مشهد).
2- لاحظ: اختيار معرفة الرجال: 2/ 575 ح509 وما بعده، رجال ابن الغضائري: 88، الأبواب (رجال الشيخ): 296، فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 92. لكن قد يقال: إنّه بعد لعنه من قبل الإمام (علیه السلام) كيف تروى رواياته وتسطّر في كتب الحديث؟ وأجاب الشيخ (قدس سره): بأنّ من كان له حالان: حال استقامة، وحال انحراف، يؤخذ بما رواه الراوي في حال استقامته، ومن ثَمَّ عملت الطائفة بما رواه أبو الخطاب ]محمَّد بن أبي زينب[ في حال استقامته وتركوا ما رواه في حال تخليطه، وكذلك القول في أحمد بن هلال العبرتائي، وطاهر بن حاتم وغيرهم. لاحظ: العدة في أصول الفقه: 1/ 151 (ط.ج). ومن ثَمَّ نرى أنّ الأصحاب قد يقيّدون بحال الاستقامة عند ذكر الراوي المنحرف. لاحظ: الكافي: 1/ 86 ح2، كمال الدين وتمام النعمة: 204. ولكن ابن الغضائري لم يرتضِ ذلك.
3- لاحظ: طب الأئمة (علیهم السلام): 138 (في تقليم الظفر).

ويضاف إلى ذلك أنّه قد وردت أيضاً في الكتاب المشار إليه روايتان لمحمَّد بن أبي زينب إحداهما رواها عنه المفضّل بن عمر، والأخرى يونس بن ظبيان. ومحمَّد بن أبي زينب هو أبو الخطاب(1)، ففي كلّ هذه الموارد - إذا تمّ الطريق، وهو لا يتمّ - يحصل الاطمئنان بأنّ الرجل واحد وهو ما احتملناه.

وبسبر الكتاب المشار إليه - بغض النظر عن المؤلِّفَين حيث لا توثيق لهما - يصعب العثور على سند تامّ فيه؛ فإنّ أسانيده مشحونة بالضعفاء والمهملين والمتّهمين بالغلو، فضلاً عن الإرسال بين الرواة نتيجة السقط أو التدليس، يضاف إلى ذلك التصحيف والقلب.

26. محمَّد بن سنان العبدي، هذا الرجل مهمل لم يذكر في كتب الرجال.

وقد وردت روايته عن جابر في مورد واحد(2).

27. محمَّد بن فرات خال أبي عمّار الصيرفي، وقد وردت روايته عن جابر في مورد واحد(3)، وهو - كما ترجمه العامّة -: (محمَّد بن الفرات التميمي، ويقال: الجرمي، أبو علي الكوفي. قدم بغداد وحدّث بها. روى عن... وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وأبيه الفرات التميمي ]والحكم بن عتيبة[(4)... وأبي إسحاق السبيعي... روى عنه... محمَّد بن عبد الرحمن العرزمي... ومحمَّد بن عمر بن الوليد بن لاحق التميمي) ونقل

ص: 421


1- لاحظ: طب الأئمة (علیهم السلام): 79 (في تلقين الميّت)، 137 (في الهندباء).
2- لاحظ: بصائر الدرجات: 35 ج1 باب: 9 ح6 (باب خلق أبدان الأئمة وقلوبهم وأبدان الشيعة وقلوبهم).
3- لاحظ: الكافي: 7/ 435 باب اليمين الكاذبة ح3. ووردت نفس الرواية في ثواب الأعمال: 226 عقاب من يحلف بالله كاذباً، ولكن فيها (خال حمّاد الصيرفي) وأحدهما تصحيف للآخر.
4- كما في الجرح والتعديل: 8/ 59.

المزي تضعيفاتهم له. وذكر ابن حجر أنّهم كذّبوه، وهو من الثامنة(1).

هذا، وقد وردت روايات عن الإمام الرضا (علیه السلام) بلعن محمَّد بن الفرات رواها الكشي(2)، وقد بنى جماعة من الأعاظم على تعدّد الرجل كالسيّد الخوئي (طاب ثراه) في المعجم(3) والمحقّق التستري (قدس سره) في قاموس الرجال(4)، وقالوا: إنّ من البعيد أنّ من أدرك الأصبغ(5) يبقى إلى زمان الرضا (علیه السلام).

ولكن قد يخطر في البال اتّحاده فإنّه عمّر مائة وعشرين سنة(6)، وهذا العمر الطويل يمكنه عادة من إدراك الأصبغ والرواية عنه، ورؤية عباية(7) وهو صبي والبقاء إلى زمان الرضا (علیه السلام).

إن قيل: إنّ المضامين التي رواها محمَّد بن الفرات عن هؤلاء مضامين تكاد تكون

ص: 422


1- لاحظ: التاريخ الكبير: 1/ 208، كتاب المجروحين من المحدّثين والضعفاء المتروكين: 2/ 281، تهذيب الكمال: 26/ 269 - 272، وتقريب التهذيب: 2/ 123.
2- لاحظ: اختيار معرفة الرجال: 2/ 829 ح1047، 1048.
3- لاحظ: معجم رجال الحديث: 18/ 133.
4- لاحظ: قاموس الرجال: 9/ 508.
5- إذ قد روى عن الأصبغ بن نباتة في الكافي (7/ 323 ح7) قال: (سئل أمير المؤمنين (علیه السلام))، ورواها الشيخ في التهذيب (10/ 268 ح1053) ولكن سقط ابن أبي عمير من السند، وأيضاً روى في التهذيب (10/ 50 ح188) عن الأصبغ بن نباتة أنّه (أتي عمر بخمسة نفر أخذوا...)، ولكن في السند سقط رجلان هما ابن أبي عمير ومحمَّد بن الوليد بقرينة إسناد الكافي والتهذيب في المورد المتقدّم آنفاً.
6- كما ذكر ذلك ابن أبي حاتم في ترجمته. لاحظ: الجرح والتعديل: 8/ 59.
7- إذ قد ورد أنّه رأى عباية بن ربعي يحدّث عن أمير المؤمنين (علیه السلام) أنّه قسيم النار، وكان غلاماً يلعب بالكرة مع الصبيان، كما في رجال الكشي (2/ 488 ح396).

متواترة عند الشيعة(1)، فمن يروي هكذا كيف يقول في حقّه الإمام الرضا (علیه السلام): (يا يونس أما ترى إلى محمَّد بن الفرات وما يكذب عليّ؟ فقلت: أبعده الله وأسحقه وأشقاه، فقال: قد فعل الله ذلك به، أذاقه الله حرّ الحديد كما أذاق مَن كان قبله ممّن كذب علينا، يا يونس، إنّما قلت ذلك لتحذّر عنه أصحابي وتأمرهم بلعنه والبراءة منه؛ فإنّ الله برئ منه).

وأيضاً قال (علیه السلام): (آذاني محمَّد بن الفرات آذاه الله وأذاقه حرّ الحديد، آذاني لعنه الله ما آذى أبو الخطّاب - لعنه الله - جعفر بن محمَّد (علیه السلام) بمثله، وما كذب علينا خطّابيّ مثل ما كذب محمَّد بن الفرات)(2)؟!

قلنا في الجواب: لا استبعاد في ذلك فقد تكون الروايات التي رواها آنفاً إنّما كانت في حال استقامته، ولكنّه في آخر عمره تغيّر كما حدث لبعض الرواة.

ويساعد على ذلك.. أوَّلاً: أنّ ابن حجر عدّه من الثامنة وهذه الطبقة عادة تبقى إلى حدود المائتين، وزمان تولّي ابن شكلة(3) للخلافة كان في الخامس من محرم سنة (202 ﻫ)، ومدّة خلافته أربعة عشر يوماً فقط(4)، فهو في هذه الفترة أخذ محمَّد بن الفرات وقتله شرّ قتلة كما نقل ذلك الكشي(5).

ص: 423


1- لاحظ: أمالي الصدوق: 271، كمال الدين وتمام النعمة: 287، أمالي المفيد: 318، أمالي الطوسي:132، رجال الكشي: 2/ 488 ح397.
2- لاحظ: اختيار معرفة الرجال: 2/ 829 ح1047، 1048.
3- هو إبراهيم بن المهدي بن المنصور العباسي (ت223ﻫ) أخو الرشيد وعمّ المأمون.
4- لاحظ: تاريخ بغداد: 6/ 141.
5- كان قد ورد بغداد وحدّث بها كما ذكر ذلك الخطيب البغدادي في تاريخه: (3/ 382)، وذكر نصر بن صباح في رجال الكشي (2/ 829 ذيل ح1046) أنّه كان بغدادياً.

وثانياً: ذكر المزي في تهذيب الكمال أنّه روى عن أبيه فرات التميمي، وذكر ابن الغضائري محمَّد بن الفرات وأنّه يروي عن أبيه وضعّفهما جميعاً(1).

إن قيل: إنّ المزي ذكر أنّه التميمي، ويقال: الجرمي، والنجاشي ذكر أنّه جعفي، مع اتفاق الجميع على أنّه كوفي(2). قيل في الجواب: إنّ الأمر بالانتساب سهل، إذ قد يتغيّر بالولاء، أو السكن أو يكون هناك تصحيف.

والمتحصّل: أنّه قد بنى بعضٌ على تعدّد الرجل - كما تقدّم - وبنى بعض آخر - كالشهيد الثاني (ت 965 ﻫ)(3) - على أنّه واحد ولكن روايته عن الأصبغ مرسلة.

وما قد خطر في البال ربّما يظهر من الفاضل المقداد (ت 826 ﻫ)(4)، والله العالم بحقيقة الحال.

28. مرّة بن قبيصة بن عبد الحميد، هذا الرجل مهمل لم يذكر في كتب الرجال. وقد ورد في إسناد روايةٍ إسنادها مظلم، واضحة الوضع(5).

29. مسعود بن سعد، أبو سعد الجعفي، الكوفي، وثّقه العامة(6)، وأمّا عندنا فقد

ص: 424


1- لاحظ: رجال ابن الغضائري: 84، 91.
2- لاحظ: فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 363، تهذيب الكمال: 26/ 269.
3- لاحظ: مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام: 15/ 418.
4- لاحظ: التنقيح الرائع لمختصر الشرائع: 4/ 499 - 500.
5- لاحظ: دلائل الإمامة: 220 ح5. وأوردها أيضاً في نوادر المعجزات: 135 ح4.
6- حيث وثّقه ابن معين والبخاري والعجلي ومن جاء بعدهم. لاحظ: تاريخ ابن معين برواية الدوري: 1/ 196، التاريخ الكبير: 7/ 423، معرفة الثقات: 2/ 276، تهذيب الكمال: 27/ 473 - 475، تقريب التهذيب: 2/ 176.

ذكره الشيخ في أصحاب أبي عبد الله (علیه السلام) (1).

وروى أيضاً في أماليه بإسناده، قال: (سمعت أبا غسان يقول: ما رأيت في جعفي أفضل من مسعود بن سعد)(2). وذكر الصدوق في الخصال(3) بإسناده إلى أبي غسان أنّه قال: (حدّثنا مسعود بن سعد الجعفي، وكان من خيار من أدركنا)(4).

ويمكن البناء على وثاقته بناءً على اتّفاق كلمة العامّة على توثيقه وما ورد من مدحه في هاتين الروايتين. وقد وردت روايته عن جابر في موضعين(5).

30. مصعب. وقد وردت روايته عن جابر في مورد واحد(6). ويحتمل أن يكون هو (مصعب بن سلام التميمي الكوفي)، وقد ذكر الشيخ أنّ له كتاباً، وذكره في الرجال في أصحاب أبي عبد الله (علیه السلام) (7). وهذا الرجل وثّقه العامّة بالرغم من وصفهم له بأنّه شيعي، وأيضاً ذكروا أنّه روى عن الصادق (علیه السلام) (8)، وعليه فيمكن البناء على وثاقته، وإلّا فهو مهمل لم يذكر في كتب الرجال.

ص: 425


1- لاحظ: الأبواب: 309.
2- لاحظ: أمالي الطوسي: 273 ح517.
3- لاحظ: الخصال: 163 ح214.
4- هذا، والموجود في الأسانيد أنّ أبا غسان هو حميد بن مسعود كما في الاستبصار: 4/ 258. ولكن السيّد الخوئي (قدس سره) في المعجم: 7/ 311 قال: (الظاهر وقوع التحريف في الكلّ وأبو غسان كنية لحميد ابن راشد).
5- لاحظ: أمالي الطوسي: 272 ح511، 273 ح516.
6- لاحظ: كامل الزيارات: 148 باب: 22 ح7.
7- لاحظ: الفهرست: 253، الأبواب: 309.
8- لاحظ: تهذيب الكمال: 28/ 28، تقريب التهذيب: 2/ 186.

31. معمر بن راشد الأزدي، مولاهم أبو عروة البصري (ت 154ﻫأو قبلها) وثّقه العامّة، وأثنوا عليه كثيراً(1). ومن ثمَّ يمكن البناء على وثاقته، وذكره الشيخ في أصحاب أبي عبد الله (علیه السلام) (2).

وقد وردت روايته عن جابر في موضعين(3).

32. المفضّل بن سالم، وقد وردت روايته عن جابر في موضع واحد(4).

والظاهر أنّه هو من عنونه الخطيب بقوله: (المفضّل بن سلم: في عداد المجهولين. روى عن سليمان الأعمش حديث منكر ]وهو: ليس في القيامة راكب غيرنا ونحن أربعة[ تفرّد بروايته أهل بخارى... قلت: لم أكتبه إلّا بهذا الإسناد، ورجاله فيهم غير واحد مجهول. وآخرون معروفون بغير الثقة)(5)، بدلالة ما في تاريخ مدينة دمشق واليقين(6).

والرجل مهمل عندنا.

ص: 426


1- لاحظ: تهذيب الكمال: 28/ 303 - 311، تقريب التهذيب: 2/ 202.
2- لاحظ: الأبواب: 307.
3- لاحظ: الهداية الكبرى: 128، وفيها (علي بن معمر عن جابر)، ولكن في المورد الآخر وهو دلائل الإمامة: 173 ح94 (علي بن معمر عن أبيه عن جابر) وهو الصحيح.
4- لاحظ: بصائر الدرجات: 23 ج1 باب: 2 ح2.
5- لاحظ: تاريخ بغداد: 13/123. ولا يخفى أنّ للحديث عدّة طرق في كتبنا، وبعضها عن الإمام الرضا (علیه السلام) عن آبائه. ونفس الخطيب رواها بطريقين، وتضعيف الخطيب لأكثر رواته من جهة مضمون الحديث.
6- لاحظ: تاريخ مدينة دمشق: 42/ 327، اليقين باختصاص مولانا علي (علیه السلام) بإمرة المؤمنين: 149 ]وفيها الفضل[، حيث نقلا نفس الرواية - عن تاريخ بغداد -، وبحار الأنوار: 7/ 233 ح5 عن اليقين وفيها ]المفضّل بن سالم[.

33. المفضّل بن صالح أبو جميلة، قال ابن الغضائري: (الأسَديُّ، مولاهُم النَّخَّاسُ. ضَعِيْفٌ، كذّابٌ، يَضَعُ الحديثَ)(1).

وقد روى روايات كثيرة عن جابر(2).

34. المفضّل بن عمر، قال النجاشي: (أبو عبد الله، وقيل أبو محمَّد، الجعفي، كوفي)، وهذا الرجل اختلفت أقوال العلماء فيه بين مضعّف وموثقّ، فقد ضعّفه كلٌّ من النجاشي بقوله: (فاسد المذهب، مضطرب الرواية، لا يعبأ به. وقيل إنّه كان خطّابيّاً)، وابن الغضائري بقوله: (ضَعِيْفٌ، مُتَهافِتٌ، مُرْتَفِع القول، خَطّابِيّ، وقد زِيْدَ عليهِ شَيءٌ كَثِيرٌ، وحَمَلَ الغُلاةُ في حديثِهِ حَمْلاً عَظيْماً ولا يَجُوزُ أنْ يُكْتَبَ حديثُهُ)، والكشي بعد إيراد الروايات المادحة(3).

وروى الكشي رواية عن الإمام الصادق (علیه السلام) بلعنه والبراءة منه(4).

ص: 427


1- لاحظ: رجال ابن الغضائري: 88.
2- ينظر على سبيل المثال: المحاسن: 1، 106، 108، 151، 249، 251، 252، بصائر الدرجات: 90، 96.
3- لاحظ: فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 416، رجال ابن الغضائري: 87، اختيار معرفة الرجال: 2 /614 رقم: 585.
4- لاحظ: اختيار معرفة الرجال: 2 /614 ح587. والإسناد: الكشي عن الحسين بن الحسن بن بندار القمي، قال: حدّثني سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمي، قال: حدّثني محمَّد بن الحسين بن أبي الخطاب والحسن بن موسى، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الله بن مسكان، قال: دخل حجر بن زائدة، وعامر بن جذاعة الأزدي على أبي عبد الله (علیه السلام) فقالا له: جعلنا فداك، إنّ المفضّل بن عمر يقول إنّكم تقدرون أرزاق العباد. فقال: (والله ما يقدّر أرزاقنا إلّا الله، ولقد احتجت إلى طعام لعيالي فضاق صدري وأبلغت إلى الفكرة في ذلك حتّى أحرزت قوتهم فعندها طابت نفسي، لعنه الله وبرئ منه)، قالا: لتلعنه وتتبرأ منه؟ قال: (نعم فالعناه وابرءا منه، برئ الله ورسوله منه).

هذا، وقد ترضّى عليه الشيخ المفيد في المقنعة(1). والترضّي عند القدماء آية الجلالة، وصرّح في الإرشاد بوثاقته حيث قال: (فممّن روى صريح النصّ بالإمامة من أبي عبد الله الصادق (علیه السلام) على ابنه أبي الحسن موسى (علیه السلام) من شيوخ أصحاب أبي عبد الله وخاصّته، وبطانته، وثقاته الفقهاء الصالحين (رضوان الله تعالی علیه) المفضّل بن عمر الجعفي...)(2).

وأيضاً وثّقه الشيخ الطوسي في غيبته(3) في ذكر الممدوحين من وكلاء الأئمّة (علیهم السلام)،مضافاً إلى ورود بعض الروايات في مدحه.

والمختار عدم وثاقته.

هذا، وقد وردت روايته عن جابر مباشرةً في موارد عديدة تبلغ اثني عشر مورداً(4).

35. المنخل بن جميل بيّاع الجواري، قال علي بن الحسن بن فضّال: (هو لا شيء، متّهم بالغلوّ). وقال ابن الغضائري: (كُوْفيٌّ، ضَعِيْفٌ، في مذهبِهِ غُلُوّ)(5).

وقد وردت روايته عن جابر في خمسة عشر مورداً(6).

36. نصير بن زياد الطائي الكوفي، قال الدارقطني أنّه (نضير). ضُعِّفَ عند

ص: 428


1- لاحظ: المقنعة: 170.
2- لاحظ: الإرشاد في معرفة حجّج الله على العباد: 2/ 216.
3- لاحظ: غيبة الطوسي: 346 - 347 ح297، 298، 299.
4- لاحظ: كامل الزيارات: 288، 375، أمالي الصدوق: 78، 480، 675، الخصال: 217، فضائل الأشهر الثلاثة: 90، كمال الدين وتمام النعمة: 256، أمالي المفيد: 217، دلائل الإمامة: 62، 242، نوادر المعجزات: 30.
5- لاحظ: اختيار معرفة الرجال: 2 /664. ورجال ابن الغضائري: 89.
6- لاحظ: بصائر الدرجات: 40، 124، 164، 207، 213، 288، 314، 419، 467، 520، معاني الأخبار: 167، تهذيب الأحكام: 2/ 109، طب الأئمة: 23، 69، وغيبة الطوسي: 187.

العامّة(1)، وعندنا مهمل. وردت روايته عن جابر في موضع واحد(2).

37. النعمان بن يعلي، وقد وردت له روايتان عن جابر الجعفي(3). وهذا الرجل مهمل أيضاً، لم يذكر في كتب الرجال.

38. يوسف ]بن[ أبي يعقوب بيّاع الأرز، وقد وردت رواية هذا العنوان عن جابر في مورد واحد(4).

وهذا العنوان لم يذكر في كتب الرجال، والوارد (يوسف بن السخت البصري أبو يعقوب)، ذكره الشيخ تارة: في أصحاب الإمام العسكري (علیه السلام)،وأخرى: في مَن لم يروِ عن واحد من الأئمّة(5). وضعّفه ابن الغضائري صريحاً(6). وذكر النجاشي والشيخ(7) أنّ القميين استثنوه من روايات محمَّد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمّي مع جماعة. وهذا

ص: 429


1- ذكره الشيخ في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام)،وقال: (نضير بن زياد الضبي، ويقال: نصير - بالصاد المهملة - كوفي). لاحظ: الأبواب: 315، والعامّة منهم مَن ضبطه بالمهملة كالبخاري في التاريخ الكبير: 8/ 116، ومنهم مَن قال بالمعجمة - وهم الأكثر -، لاحظ: إكمال الكمال: 1/ 327، تاريخ الإسلام: 12/ 423، ميزان الاعتدال: 4/ 264، المغني في الضعفاء: 2/ 461، توضيح المشتبه: 9/ 87.
2- لاحظ: أمالي الطوسي: 333 ح668.
3- لاحظ: طب الأئمة (علیهم السلام): 82، 133.
4- لاحظ: الكافي: 2/ 435 ح10. وفي طبعة دار الحديث: 4/ 232 (يوسف أبي يعقوب)، وهو المطابق مع جميع المصادر الناقلة عن الكافي، وأكثر كتب الرجال.
5- لاحظ: الأبواب: 403، 450.
6- لاحظ: رجال ابن الغضائري: 103.
7- لاحظ: فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 348، والفهرست: 222.

الرجل من الطبقة السادسة، وعليه فإذا كان المقصود به هو يوسف بن السخت فتكون روايته عن جابر فيها إرسال لا أقل بواسطتين.

وقد يكون هنا تصحيف في الاسم، والأصل (يوسف بن يعقوب). وهذا الرجل هو الراوي عن جابر بن يزيد الجعفي في هذه الطبقة. وقد ترجمه كلّ من النجاشي وابن الغضائري، قال الأوَّل: (يوسف بن يعقوب الجعفي كوفي، ضعيف، روى عن أبي عبد الله (علیه السلام) وجابر). وقال الثاني: (يُوْسُفُ بنُ يَعْقُوْب، الجُعْفيّ. رَوى عن أبي عَبْد الله (علیه السلام) وجابِر. ضَعِيْفٌ، مُرْتَفِعُ القَوْلِ)(1).

وعلى جميع التقادير الرجل ضعيف.

والحاصل من هذا القسم: أنّ خمسة رجال ربّما يمكن توثيقهم على بعض المباني، وهم: أبو الربيع القزّاز، ومصعب بن سلام، ومسعود بن سعد الجعفي، ومعمّر بن راشد الأزدي والمفضّل بن عمر. والطريق إلى اثنين منهم معتبر، وهما: أبو الربيع القزّاز، والمفضّل بن عمر. والطريق إلى مصعب بن سلام معتبر إلى الراوي عنه.

وأمّا الرَّواة المتفق على ضعفهم فهناك طرق معتبرة إلى ستّة منهم، وهم: أسد بن إسماعيل، وسعد الأسكاف، وعروة بن موسى، وعمرو بن أبي المقدام، وعمرو بن شمر، والمفضّل بن صالح. وهناك طريقان معتبران إلى ما قبل الراوي المباشر عن جابر، وهما: ضريس الوابشي، وعنبسة بن مصعب.

هذا آخر ما أردنا بيانه في تحقيق حال التابعي المشهور جابر بن يزيد الجعفي (رضوان الله علیه). وهناك مَن وردت روايته عن جابر مباشرة بحسب الأسانيد الواصلة إلينا ولكن الطبقة لا تساعد على ذلك، يأتي تفصيلها في محل آخر إن شاء الله تعالى.

ص: 430


1- لاحظ: فهرست أسماء مصنفي الشيعة: 451. ورجال ابن الغضائري: 102.

والحمد لله ربِّ العالمين، وصلّى الله على خير خلقه، وأشرف بريته محمَّد وآله الطيّبين الطاهرين.

وقد تمّ الفراغ منه ليلة الاثنين السابع من شوال المكرم 1435ﻫبجوار مولى المتقين (صلوات الله وسلامه عليه ما طلعت شمس وما غربت)(1).

* * *

ص: 431


1- وقد أعدت النّظر فيه وكان الفراغ منه غرة شهر ذي الحجّة الحرام 1438ﻫ.

ص: 432

أربع رسائل لأوّل مرّة تُنشر - الشّيخ قاسم خضير الطائي(دام عزه)

اشارة

أربع رسائل:

الأولى:

مسائل في حَجّ الوَدعيّ

للشیخ محمدبن مکی العاملی المعروف

بالشهيد الأوَّل (ت 786ﻫ).

الثانية والثالثة:

ضابطة حلّيّة المأخوذ من الأرض المشكوك فتحها عنوة

المقدار اللّازم من المعرفة

للشیخ علی بن الحسین ابن عبدالعالی العاملی الکرکی المعروف بالمحقق الثانی(ت 940 ﻫ).

الرابعة:

رسالة في أحكام الصداق

للشيخ محيي الدين بن أحمد بن تاج الدین العاملی الميسيّ (كان حيّاً 974 ﻫ).

تحقيق:

الشّيخ قاسم خضير الطائي(دام عزه)

ص: 433

ص: 434

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على أشرف أنبيائه المرسلين محمّد بن عبد الله وعلى آل بيته الطّيّبين الطّاهرين.

أمّا بعد فإنَّه لا يخفى ما لحفظ التراث ونشره من الأهمّيّة؛ حيث إنَّه حلقة الوصل بين ماضي الأمم وحاضرها ومستقبلها - بما يبرزه من حوادث ونشاطات وفعّاليّات تشكّل المعالم البارزة في هويّة الأجيال - فهو ركيزة من ركائز هويتها الثقافيّة، وعنوان اعتزازها، والنبع الذي ترتوي منه أجيالها، وهو الخبرات المتراكمة لأفرادها، المعبِّر عن التعاطي بين الإنسان ومحيطه في تجاربها، وهو الذاكرة الحيَّة للفرد والمجتمع المتعرَّف عليه من خلالها.

كما أنَّه يعدّ المصدر الأساس للثقافة؛ إذ الوجدان حاكم بطرديّة العلاقة بين الإبداع والرقي في مجتمع وبين ما تختزنه ذاكرة التراث الثقافي لذلك المجتمع؛ حيث إنَّ لكلّ مجتمع موروثاته الخاصّة به، وبمقدار استحضار تلك الموروثات، ومعايشتها منهاجاً يومياً في الحياة، واستخلاص العبر، واستلهام النتائج منها، يتكوّن تفاعل حيوي بين تلك الموروثات وبين المجتمع، يثمر بمرور الزمن ما يكون بمثابة المحرّك الذي يضمن استمراره في الوجود بأرقى صوره.

ومن هذا المنطلق، ولضخامة الموروث الثقافي الذي تميّز به علماء مذهب أهل البيت (علیهم السلام)،تولّدت إرادة جدّيّة - مشكورة - عند المهتمّين في تتبّع وإحياء آثارهم وما

ص: 435

سطّره يراعهم وجادت به قرائحهم من مؤلّفات - لا زال الكثير منها مخطوطاً - تشكّل الركن الأساس في ذلك الموروث الثقافي العظيم، فخرج - بحمد الله - بعضٌ منها إلى النور بعد أن نفضوا عنها غبار الزمن، نشراً للعلم وكجزء من ردّ الجميل لجهود تلك الثلّة الطيّبة من العلماء الذين لم يعرف المللُ والكلل طريقاً إليهم، رغم الصعوبات التي أدّت بالبعض منهم إلى هجران الوطن والأحباب.

وفي هذا الإطار وُفّقنا لتحقيق أربع رسائل: الأولى للشهيد الأوّل، والثانية والثالثة للمحقّق الشيخ عليّ ابن عبد العالي الكركيّ المعروف ب- (المحقّق الثاني)، والأخيرة للشيخ محيي الدين بن أحمد بن تاج الدين الميسيّ.

وقد كانت الرسالة الأولى عبارة عن تعليق من الشهيد على فقرة من كلام العلّامة (قدس سره) في كتاب تحرير الأحكام حول شخص مات وله وديعة عند شخص آخر، وكان قد وجب عليه الحج. وقد فرّع عليه بعض الفروع التي لم يُشر إليها فقهاؤنا (رضوان الله تعالی علیه).

والرسالة الثانية عبارة عن سؤال وجّه للمحقّق الكركيّ عن بعض القرى في بلاد استرآباد، وهل هي من الأراضي الخراجيّة أو لا؟ وقد أجاب عنها بإبداء طريق تكون صحته واقعة على كلّ واحد من التقديرين؛ إذ على تقدير كون هذه الأرض خراجيّة - وهي التي فتحت عنوةً وكانت عامرةً حين الفتح - فهي ملكٌ لجميع المسلمين، ولها أحكام خاصّة ذكرها الفقهاء في مظانّها.

وأمّا الرسالة الثالثة فهي عبارة عن جواب لسؤال ورده عن معنى كلامٍ للعلّامة في الباب الحادي عشر من كتاب (منهاج الصلاح في اختصار المصباح).

وتجدر الإشارة إلى أنَّه وبالرغم من الجهود الطيبة والمشكورة التي أخرجت الكثير من مؤلفات المحقّق الكركيّ (قدس سره) إلى الوجود وبصورة بهيّة وأنيقة إلّا أنَّها لسبب أو لآخر

ص: 436

لم تتوفّر على جميع تراثه وهو المعروف بكثرة التحقيق والتصنيف(1).

والعمل جارٍ إن شاء الله تعالى في تحقيق وإخراج ما بقي من مؤلّفاته، ومنها حاشيته المهمّة على كتاب تحرير الأحكام للعلّامة الحلّيّ.

وأمّا الرسالة الأخيرة فكانت للشيخ محيي الدين بن أحمد بن تاج الدين العامليّ الميسيّ، وهي في أحكام الصداق.

وقبل عرض الرسائل للقارئ الكريم نذكر مقدّمة تتضمّن تسليط الضوء على مؤلِّفي هذه الرسائل الأربع، والتعريف بنسخها المعتمدة في التحقيق، وبيان منهج العمل.

مؤلّف و الرسائل

1. الشهيد الأوَّل (رحمة الله)

هو شمس الدين أبو عبد اللَّه محمّد بن مكيّ بن محمّد بن حامد بن أحمد المطَّلبي العامليّ الجِزّيني النبطيّ الأصل، المعروف بالشهيد الاوَّل (ت 786ﻫ). وهو بمقامه وشهرته وما كتب عنه من تراجم ودراسات وبحوث في غنى عن التعريف.

إلا أنَّ من المهم التنبيه على أنَّ له (قدس سره) رسائل صغيرة وحواشٍ وفوائد دوّنها تلاميذه أو المعاصرون له، ونُقلت عنه في النسخ الخطيّة، وخير دليل على ذلك نسختنا هذه التي ضمّت رسالتين: الأولى حاشيّة له على عبارة من كتاب تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة للعلّامة الحلّيّ (قدس سره)،والأخرى رسالة النّعمة، وهذا الأمر يدعو إلى تفحّصٍ تامٍّ يغني الطالب لآثار الشهيد الأوَّل (قدس سره)،فهناك جملة من تراثه المفقود لم يطبع بعدُ، كما وضمّت مجاميع الشيخ محمّد بن عليّ الجباعيّ (رحمة الله) جملة من فوائده ومختصراته.

ص: 437


1- يلاحظ: أمل الآمل في علماء جبل عامل: 1/121.

2. المحقّق الكركيّ (رحمة الله)

اشارة

هو الشيخ عليّ بن الحسين ابن عبد العالي الكركيّ (قدس سره)،وهو في الاشتهار كالنار على المنار وكالشمس في رابعة النهار؛ ولذا ترجم له كلّ من كتب في الرجال ممّن تأخّروا عنه، فهو من هذه الجهة ليس بحاجة إلى التعريف به، إلّا أنَّا سنركّز باختصار على بعض الجوانب من حياته التي لم يُسلّط عليها الضوء كما ينبغي، وخصوصاً فترة وجوده في النجف الأشرف؛ لأنَّها الفترة التي تمثّل - بحسب التتبّع - ذروة عطائه العلمي (قدس سره)،ولعلّ الله تعالى يوفّق - لاحقاً - لكتابة شيء مفصّل عن حياته في النجف الأشرف رغم قلّة المصادر التي تعرّضت لذلك.

نسبه

هو المولى الشيخ زين الدين(1) أو نور الدين(2) علي أعلى الله مجده، ابن الشيخ عزّ الدين حسين، ابن الشيخ زين الدين علي بن عبد العالي(3). ويُعرف اختصاراً بعليّ ابن عبد العالي، كما كان يوقّع به في ما منحه من إجازاتٍ، وكَتبَه من مؤلّفاتٍ، وأجاب عنه من استفتاءاتٍ(4).

وقد ذكر في بعض المصادر أنَّ نسبه التامّ، هو: عليّ بن الحسين بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن عبد العالي؛ استناداً إلى ما وجد بخط يده مؤرّخاً لولادة ابنه الشيخ عبد العالي،

ص: 438


1- يلاحظ: بحار الأنوار: 105/20، 31.
2- يلاحظ: أمل الآمل في علماء جبل عامل: 1/110، 121.
3- يلاحظ: بحار الأنوار: 105/31.
4- يلاحظ على سبيل المثال: بحار الأنوار: 105/ 40، 49، 54، 58، 60، 64، 69، 81، 84.

وهو: (الحمد لله على هبته، ولد المولود المبارك - إن شاء الله تعالى - على نفسه وأهله، تاج الدّين أبو محمّد عبد العالي بن عليّ بن حسين بن عليّ بن محمّد بن عبد العالي، تاسع عشر شهر ذي القعدة ليلة الجمعة سنة ستّ وعشرين وتسعمائة أنشأه الله سبحانه، إنشاءً مباركاً، وجعله خلفاً صالحاً، بحقّ محمّد وآله صلوات الله عليه وعليهم أجمعين)(1).

ولادته

ولد (قدس سره) ما بين عامي 868ﻫو870ﻫ، فإنَّ أغلب المصادر التي تعرّضت لترجمته لم تذكر على وجه التحديد سنة تولّده إلّا أنَّه يمكن استفادة ذلك ممّا ذكر في أمل الآمل من أنَّ عمره الشريف قد زاد على السبعين سنة(2) بناءً على أنّ تاريخ وفاته (940ﻫ) كما هو المشهور.

ومحلُّ ولادته كرك نوح التي هي قرية كبيرة قرب بعلبك بها قبر طويل يزعم أهل تلك النواحي أنه قبر نوح(3)، وهي من بلدان الشيعة التي خرّجت عدداً وافراً من العلماء وكانت إليها الرحلة لطلب العلم(4).

ص: 439


1- يلاحظ: روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات: 4/202، أعيان الشيعة: 8/17، الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 13/78، طبقات أعلام الشيعة(الضياء اللامع في القرن التاسع): 6/76، طبقات أعلام الشيعة(إحياء الداثر من القرن العاشر): 7/122.
2- يلاحظ: أمل الآمل في علماء جبل عامل: 1/122، رياض العلماء وحياض الفضلاء: 3/447، الأعلام للزركلي: 281.
3- يلاحظ: معجم البلدان: 4/453.
4- يلاحظ: أعيان الشيعة: 1/207.
نشأته

نشأ في أسرة عدّت من الأسر العلميّة، فوالده الشيخ عزّ الدين الحسين ابن عبد العالي هو الذي وصفه الشيخ محمّد بن خاتون في إجازته للمحقّق الكركيّ بأنَّه: (الشيخ، الورع، التقي، النقي، الزاهد، العابد)(1)، ووصفه الشيخ نعمة الله عليّ بن أحمد ابن محمّد بن عليّ بن خاتون العامليّ في إجازته للسيّد الحسن بن عليّ بن شدقم الحسينيّ - الواردة في كتاب الجواهر النظامشاهيّة من حديث خير البريّة للسيد المذكور - بأنَّه: (الشيخ الزاهد العابد)(2). ووصفه السيّد ابن شدقم - المذكور - عند ذكر طرقه في الرواية بأنَّه: (الشيخ الفاضل حسين ابن عبد العالي الكركي)(3). وقد استفاد الشيخ آغا بزرك الطهراني (قدس سره) من هذا الوصف أنَّه من العلماء(4).

هذا، والملاحظ أنَّ الميرزا الأفندي في رياض العلماء ترجم لوالد المحقّق الكركيّ بقوله: (الشيخ عزّ الدين حسين ابن عبد العالي الكركيّ، والد الشيخ عليّ ابن عبد العالي الكركيّ العامليّ، كان من أكابر العلماء، ويروي عنه عليّ بن هلال الجزائريّ أستاذ سبطه(5) الشيخ عليّ المذكور، وهو يروي عن أحد ولدي الشهيد عن والده الشهيد)(6).

ص: 440


1- يلاحظ: بحار الأنوار: 105/20.
2- يلاحظ: رياض العلماء وحياض الفضلاء: 1/252، أعيان الشيعة: 5/177.
3- يلاحظ: رياض العلماء وحياض الفضلاء: 1/240، أعيان الشيعة: 5/178.
4- طبقات أعلام الشيعة (إحياء الداثر من القرن العاشر): 7/71.
5- في أعيان الشيعة: 6/66 نقلاً عن الرياض: أستاذ ولده.
6- رياض العلماء وحياض الفضلاء: 2/121 استناداً إلى إجازة الشيخ نعمة الله بن خاتون للسيد ابن شدقم المدني.

ولكن في موضعين آخرين من نفس الكتاب(1) نقلاً عن نفس إجازة الشيخ نعمة الله بن خاتون العامليّ للسيّد ابن شدقم الحسينيّ أنَّ الذي يروي عنه الشيخ عليّ بن هلال الجزائري - أستاذ المحقّق الكركيّ - هو جدّ المحقّق الكركيّ لا والده، وهو الذي يروي عن أحد وَلَدَي الشهيد الأوّل عن والده الشهيد (قدس سره).

وهذا هو الذي اختاره السيّد الخوانساري في ترجمة الشيخ عبد العالي ولد المحقّق الكركيّ، حيث قال: (وكان جدّ والده الذي سمّي هذا باسمه المطهّر أيضاً من أجلّة الفقهاء، بل من جملة مشايخ شيخ والده المحقّق عليّ بن هلال - المتقدّم الإيماء إليه - كما في الرياض) (2).

أقول: كون والد المحقّق الكركيّ من كبار العلماء ليس بذلك الوضوح؛ نظراً إلى أنَّ معظم ما وصف به - لاسيما وصف الشيخ محمّد بن خاتون المعاصر له - لا يدلّ على أكثر من جلالة قدره من جهة الورع والتقوى والعبادة.

وأمّا جدّه الشيخ عبد العالي الكركيّ فقد وصف بأنَّه كان من العلماء الفقهاء(3).

إلا أنَّه قد يتأمّل فيه أيضاً؛ إذ إنَّ الشيخ الحرّ العاملي ترجم في أمل الآمل للشيخ عبد العالي الشهير بابن مفلح والد الشيخ عليّ الميسيّ بقوله: (الشّيخ عبد العالي العامليّ الميسيّ، والد شيخنا الشّيخ عليّ الآتي، كان عالماً فاضلاً، وقد أثنى عليه الشّيخ عليّ بن عبد العالي الكركيّ، في إجازته لولده، فقال عند ذكره: المرحوم المبرور المقدّس المتوّج المحبور، الشيخ الأجلّ العالم الكامل، تاج الملّة والحقّ والدّين، عبد العالي العامليّ

ص: 441


1- رياض العلماء وحياض الفضلاء: 3/129و4/281.
2- روضات الجنّات في أحوال العلماء والسادات: 4/201.
3- يلاحظ: أعيان الشيعة: 8/17، تكملة أمل الآمل: 1/227.

الميسيّ)(1) فإنَّه لو كان الشيخ عبد العالي جدّ المحقّق الكركيّ عالماً لكان من المناسب جدّاً الإشارة إليه، لأنَّ الكتاب معدّ لاستقصاء علماء هذا البلد، لكنّه رغم ذلك لم يذكره مع أنَّ المعهود من طريقته هو التنبيه في حال اشتراك الأسماء.

كما ويمكن التأمّل أيضاً في رواية الشيخ عليّ بن هلال الجزائريّ عن الشيخ عبد العالي الكركيّ جدّ المحقّق الثاني الذي يروي - بدوره - عن أحد وَلَدَي الشهيد عن الشهيد؛ إذ لو كان الأمر كما ذكر لكان من المناسب جدّاً للشيخ عليّ بن هلال الجزائريّ أن يذكر في إجازته للمحقّق الكركيّ في ضمن الطرق التي ذكرها له في الرواية عن الشهيد طريقه الذي يمرّ بجدّه الشيخ عبد العالي الكركيّ كما ذكر غيره من الطرق - لا سيما وأنَّ الإجازة لحفيده - إلّا أنَّه اكتفى بذكر طرقه في الرواية عن الشهيد من دون الإشارة إلى ذلك، وظاهره - بحسب لفظ الإجازة - أنَّه في مقام بسط تلك الطرق إلى مؤلّفات الشهيد ورواياته(2).

مشايخه من العامة

مشايخه من العامة(3):

1: زين الدين الحافظ أبو يحيى زكريا بن محمّد بن أحمد بن زكريا الأنصاريّ السُّنَيْكي ثم القاهريّ الأزهريّ الشافعيّ (ت 926ﻫ).

2: عبد الرحمن بن الإبانة الأنصاريّ.

ص: 442


1- أمل الآمل في علماء جبل عامل: 1/110.
2- يلاحظ: بحار الأنوار: 105/41.
3- يلاحظ: بحار الأنوار: 105/80، رياض العلماء وحياض الفضلاء: 3/449، طبقات أعلام الشيعة (إحياء الداثر من القرن العاشر): 7/161.

3: علاء الدين عليّ بن يوسف بن أحمد الدمشقيّ البصرويّ الشافعيّ (ت 950ﻫ).

4: كمال الدين أبو المعالي محمّد بن محمّد بن أبي بكر بن عليّ بن مسعود بن رضوان (ت 906ﻫ).

مشايخه من الخاصّة

1- المحقّق الشيخ عليّ بن هلال الجزائريّ(1). وقد أجازه يوم الثلاثاء منتصف شهر رمضان من شهور سنة 909ﻫ(2).

2- الشّيخ شمس الدّين محمّد بن داود الشهير بابن المؤذّن الجزينيّ(3).

3- الشّيخ شمس الدين محمّد بن أحمد الصهيونيّ(4).

ص: 443


1- وصفه المحقّق الكركيّ في إجازته للقاضي صفيّ الدين عيسى الواردة في بحار الأنوار: 105/70 بقوله: (وممّن قرأت عليه، وأخذت عنه، واتّصلت روايتي به، ولازمته دهراً طويلاً وأزمنةً كثيرةً، وهو أجلّ أشياخي، وأشهرهم، وهو شيخ الشيعة الإماميّة في زماننا غير منازع، شيخنا الشيخ الإمام السعيد، علّامة العلماء في المعقول والمنقول، المعمّر الأوحد الفاضل، ملحق الأحفاد بالأجداد،قدوة أهل العصر قاطبة، زين الملّة والحق والدين، أبو الحسن، عليّ بن هلال قدّس الله نفسه الزكيّة، وأفاض على مرقده المراحم الربّانيّة).
2- يلاحظ: بحار الأنوار: 105/34، وأمل الآمل: 2/210.
3- قال في أمل الآمل: 1/179: (الشيخ محمّد بن محمّد بن محمّد بن داود المؤذّن العاملي الجزّينيّ، كان عالماً فاضلاً جليلاً نبيلاً شاعراً. يروي عن الشيخ ضياء الدين علي ابن الشهيد محمّد بن مكّي العامليّ عن أبيه، وكان ابن عم الشهيد كما ذكره الشهيد الثاني في بعض إجازاته). ويظهر أخذ المحقّق الكركيّ عنه وعن الشيخ شمس الدين محمّد الصهيوني من إجازته للمولى حسين ابن شمس الدين محمّد الاسترآبادي الواردة في بحار الأنوار: 105/49.
4- قال في أمل الآمل: 1/137: (الشيخ محمّد بن أحمد الصهيونيّ العامليّ كان فاضلاً عالماً محقّقاً، رأيت إجازة منه للشيخ عليّ بن عبد العالي العامليّ الميسيّ سنة 879 ﻫ). وفي معجم البلدان: 3/436: (صهيوني نسبة إلى صهيون - بكسر أوّله ثمّ السكون، وياء مثناة من تحت مفتوحة، وواو ساكنة، وآخره نون - وهو حصن حصين من أعمال سواحل بحر الشام من أعمال حمص).

4- الشّيخ شمس الدين محمّد بن محمّد بن خاتون(1).

5- الشّيخ إبراهيم بن الحسن الورّاق (الدراق)(2).

ص: 444


1- قد وصفه حفيده الشيخ نعمة الله بن خاتون العامليّ في إجازته للمولى عبد الله التستري في بحار الأنوار: 106/95 بأنَّه الجدّ الأسعد الأكمل الأفضل المحقّق المدقّق شمس الدين محمّد بن خاتون روّض الله مرقده. ووصفه الشيخ أحمد بن نعمة الله بن خاتون في إجازته لنفس الشخص - الواردة في بحار الأنوار: 106/90 - بأنَّه الإمام البحر القمقام علّامة أبناء عصره في البيان والمعاني، فهّامة رؤساء دهره في الألفاظ والمعاني، شمس الدين محمّد. وللمحقّق الكركيّ إجازة منه نقلها في بحار الأنوار: 105/20. وقد ذكر السّيد الأمين في أعيان الشيعة: 3/137 أنَّ المحقّق الكركيّ شريك الشيخ أحمد بن محمد بن خاتون في الإجازة عن والده محمّد بن خاتون.
2- يلاحظ: روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات: 1/29 حيث قال عند ترجمة الشيخ إبراهيم بن الحسن الورّاق: (قلت: وهو الذى تنتهي إليه سلسلة جلّة من أصحابنا الأجلّاء، منهم: المحقّق الشيخ عليّ - رحمه الله - وقد رأيت صورة إجازته له في شهر رمضان المبارك من شهور تسع وتسعمائة. وهو يروى عن الشيخ الجليل المفضال الشيخ نور الدين عليّ بن هلال الجزائريّ مولداً والعراقيّ أصلاً ومحتداً صاحب كتاب الدّر الفريد في التوحيد عن شيخه عزّ الدين الحسن بن يوسف المعروف بابن العشرة عن شيخهما جميعاً أبي العبّاس أحمد بن فهد الحليّ رحمه الله)، وقد ذكر هذه الإجازة في الذريعة: 1/133 معلّقاً عليها بقوله: (والشيخ إبراهيم الدرّاق [الوراق] يروي عن أجلّ مشايخ المحقّق الكركيّ وهو الشيخ عليّ بن هلال الجزائريّ فالمحقّق الكركيّ يروي عن عليّ بن هلال بلا واسطة - أيضاً - كما يروي بهذه الإجازة عن الشيخ إبراهيم الدرّاق عنه).

هذا، وقد عُدّ من جملة مشايخ المحقّق الكركيّ كلّ من الشيخ أحمد ابن الحاج عليّ العامليّ، والشيخ زين الدين جعفر ابن الحسام العامليّ(1).

ولكن لا شاهد عليه بحسب ما تتبّعت من المصادر، بل قد يكون الشاهد على خلافه؛ إذ إنَّ الشيخ محمّد بن المؤذن - الذي هو شيخ المحقّق الكركيّ - يروي عن الشيخ أحمد ابن الحاج عليّ وهو يروي عن الشيخ جعفر ابن الحسام العامليّ، فكيف يروي المحقّق الكركيّ عن كلٍّ منهما مباشرةً (2)؟!

وأيضاً يمكن استفادة شبه ذلك من إجازة شمس الدين محمّد بن خاتون للمحقّق الكركيّ، حيث ذكر فيها أنَّه يروي عن الشيخ أحمد ابن الحاج عليّ عن شيخه جعفر ابن الحسام، وكذلك في إجازة المحقّق الكركيّ للشيخ حسين ابن شمس الدين محمّد الاسترآباديّ التي ذكر فيها أنَّه أجازه الرواية عنه عن الشيخ شمس الدين محمّد الصهيونيّ عن الشيخ جمال الدين ابن الحاج عليّ عن الشيخ زين الدين جعفر ابن الحسام.

وعليه تكون رواية المحقّق الكركيّ عن الشيخ أحمد ابن الحاج عليّ بواسطة واحدة، وعن الشيخ جعفر ابن الحسام بواسطتين، ومعه يكون احتمال روايته عن كلّ منهما مباشرةً مرجوحاً لا سيما عن الشيخ جعفر ابن الحسام.

وممّا يقرب هذا أنَّه لم أعثر - بحسب ما تتبّعت في ضمن الموجود من الإجازات التي وقع اسم المحقّق الكركيّ فيها - على أنَّه روى عن كلٍّ من الشيخين المذكورين مباشرةً.

ص: 445


1- يلاحظ: مقدّمة التحقيق في جامع المقاصد: 1/41 طبعة مؤسسة آل البيت (علیهم السلام).
2- يلاحظ: رواية الشّيخ محمّد ابن المؤذن عن الشّيخ أحمد ابن الحاج علي في إجازة ابن المؤذن للشّيخ علي بن عبد العالي الميسيّ الواردة في بحار الأنوار: 105/37.
هجرته إلى العراق
اشارة

هاجر إلى العراق في سنة (909 ﻫ)(1)، فاستقرّ بجوار مرقد سيّد الأوصياء، وإمام الأتقياء، والنبأ العظيم المولى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (علیه السلام) في النجف الأشرف مستفيداً من بركات هذا المرقد الشريف، الذي أصبح مهوىً لقلوب العلماء وعشّاق العلم، والمحقّق الكركيّ بما عرف عنه من الجِدّ والمثابرة في طلب العلم واحدٌ من الأعلام الذين أمّوا النجف للاستفادة من عطائها. والملاحظ أنَّ مدّة تواجده في النجف الأشرف كانت عبارة عن فترتين رئيسيتين:

الأولى: من سنة 909ﻫإلى أواخر سنة 916ﻫحيث هاجر إلى إيران(2).

الثانية: من سنة 920ﻫإلى سنة 936ﻫحيث عاد إلى إيران ثانية.

وممّا يقرب تواجده في النجف الأشرف في سنة 920ﻫشاهدين:

1- المتتبّع لكلماته (قدس سره) في رسالة صلاة الجمعة التي ألّفها في 6 محرم 921ﻫيجد بأنَّه ألَّفها في جوٍّ من الاختلاف الفقهيّ المستمر لزمن طويل، بحيث انعكس على الناس فأصبحوا كالحيارى لا يدرون ما يصنعون. والمحتمل قوياً أن تكون بيئة هذا الاختلاف هي النجف الأشرف - لا سيّما أنَّ الشيخ إبراهيم القطيفي (قدس سره) الذي يعيش في النجف الأشرف ألّف رسالة في حرمة صلاة الجمعة ردّاً على المحقّق الكركيّ(3).

ص: 446


1- يلاحظ: بحار الأنوار: 105/80 إجازة المحقّق الكركيّ للقاضي صفيّ الدين عيسى.
2- يلاحظ: رياض العلماء وحياض الفضلاء: 3/45، خاتمة مستدرك وسائل الشيعة: 2/278، أعيان الشيعة: 8/209، الموسوعة الحرة ويكيبيديا: حياة الشاه إسماعيل الصفوي.
3- يلاحظ: الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 15/75 - 76، 62.

وهذا الاحتمال يقوى بعد استبعاد أن يكون مثل هذا الاختلاف قد حدث أثناء تواجد المحقّق الكركيّ في إيران؛ لأنَّ زعامته العلميّة فيها كانت بلا منازع؛ إذ هو شيخ الإسلام، مضافاً إلى أنَّ الإفتاء بالوجوب التخييري وإقامة صلاة الجمعة لم يكن معاكساً لرغبة السلطان فلماذا يحصل الاختلاف إذاً؟

2- ما ذكر من أنَّ آخر تاريخ عثر عليه لتواجد المحقّق الكركيّ في إيران إبّان رحلته الأولى هو 918 أو 919ﻫ، وهذا يؤشّر على عدم تواجده بعد هذا التاريخ فيها؛ إذ هو شخص معروف، ومؤثّر مهم في أحداث تلك الفترة، فمن البعيد عدم رصد التاريخ - لوكان متواجداً في إيران - لحركته في تلك الفترة(1).

ومن ثَمَّ لا يصحّ ما في بعض الكتب من أنَّه عاد إلى النجف الأشرف بعد رحلته الأولى إلى إيران في سنة 929ﻫ، وسيأتي عند ذكر إجازاته في هذه الفترة ما نُصّ على أنَّه كتبها في المرقد المقدّس الغروي(2).

وأمّا من سنة 939ﻫإلى حين وفاته (قدس سره) سنة 940ﻫعلى المشهور فهو (قدس سره) وإن كان موجوداً في النجف الأشرف إلّا أنَّها فترة قصيرة نسبيّاً لم تحدّثنا المصادر - المتاحة بأيدينا - عن أحواله (قدس سره) فيها.

1. الفترة الأولى (909 - 916ﻫ)
اشارة

ما عثرت عليه - بحسب التتبع القاصر - من منجزاته في هذه الفترة أضعه في نقاط حسب التسلسل الزمني:

ص: 447


1- يلاحظ: حياة المحقّق الكركيّ وآثاره: 1/418 نقلاّ عن كتاب عالم آراى صفوي.
2- الهجرة العامليّة إلى إيران في العصر الصفوي: 124.
أ - مستوى الحركة العلميّة

· في 11 ربيع الآخر 916ﻫفرغ من تأليف الرسالة الرضاعيّة وذهب فيها إلى أنَّ عموم المنزلة لا يفيد نشر الحرمة، في ثلاث عشرة مسألة، ثمّ ذكر المسائل الثلاث الخلافيّة(1).

· في 21 أو 11 من ربيع الآخر 916 ﻫ- أيضاً - فرغ من تأليف قاطعة اللجاج في تحقيق حلّ الخراج، وقد رتّبها على مقدّمة في أقسام الأرضين وخمس مقالات(2).

· ومن المحتمل أن يكون خلال هذه الفترة قد شرع في تدريس بعض المتون الفقهيّة وربّما يكون قد ألّف بعض الكتب غير ما ذكر؛ فهو لم يترك الوطن والأهل ويهاجر إلى النجف إلّا وقد جعل الهدف الأسمى له وصوله إلى مراتب العلم العليا في هذه المدينة التي تزخر بالكثير من العلماء، ومثل هكذا أمر يوجب عليه السعي الحثيث في البحث العلمي، والاشتغال بالدرس والتدريس خصوصاً وأنَّه لم تكن لديه في تلك الفترة شواغل عن طلب العلم.

ب - مستوى الخدمات الاجتماعية

لم تذكر مصادر ترجمته على وجه الخصوص الأعمال التي قام بها (قدس سره) في النجف الأشرف خلال هذه الفترة إلّا أنَّه جاء في كتاب (ماضي النجف وحاضرها)(3) أنَّ الشاه إسماعيل الأوّل الصفوي قد زار المراقد المقدّسة في العراق في عام 914ﻫومنها مرقد

ص: 448


1- يلاحظ: الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 11/192رقم: 1179.
2- يلاحظ: الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 17/7 رقم: 39.
3- يلاحظ: ماضي النجف وحاضرها: 1/192 نقلا عن المآثر والآثار، وتاريخ عالم آراى.

أمير المؤمنين (علیه السلام)، وحينها أمر بحفر نهر من الفرات إلى النجف سمّي فيما بعد ب-(المكرية)، ولارتفاع مستوى أرض النجف عن باقي الأراضي أوصل الماء إليها عن طريق قناة. ومن المحتمل جداً أنْ يكون للمحقّق الكركيّ دور في ذلك؛ حيث إنَّه عاش في النجف الأشرف وأحسّ بمعاناة أهلها من شربهم مياه الآبار المالحة أو المرّة، وشق نهرٍ لمسافة تزيد على السبعين كيلو متراً من الحلة إلى الكوفة بما يتطلّبه من إمكانات في تلك الأزمنة ليس بمقدور أحد توفيرها إلّا الملوك والسلاطين، ولا تدخل - بحسب العادة - هذه المشاريع في صلب اهتمامهم إلا إذا شكّلت مصلحةً لهم أو طلبها مَن له مكانة عندهم، وليس هناك غير المحقّق الكركيّ المعروفة مكانته عند السلطان.

وممّا يدعم هذا الاحتمال ما ذُكر في نفس الكتاب من أنَّ الشاه المذكور أوقف الأراضي المحياة على ضفّتي هذا النهر على المحقّق الكركيّ وعلى أولاده من بعده(1).

ولعلّ التصرّف في هذه الأراضي المعدودة من الأراضي الخراجية هو السبب الذي أدى بالبعض إلى الاعتراض وبشكل مستمر على المحقّق الكركيّ في تناوله لحاصل هذه الأراضي، ما حداه إلى تأليف رسالة قاطعة اللجاج في حِلّ الخراج سنة 916ﻫ. وعباراته (قدس سره) في مقدمتها تشير إلى ذلك(2).

ص: 449


1- أقول: قد ذكر في نفس كتاب (ماضي النجف وحاضرها): 3/ 241 نقلاً عن رياض العلماء وحياض الفضلاء: 3/ 456 أنَّ الشاه طهماسب الأوّل ابن الشاه إسماعيل المذكور أوقف أيضاً أراض ذات أسماء خاصة على المحققّ الكركيّ وعلى أولاده من بعده في 16 ذي الحجة 939ﻫ.
2- يلاحظ: رسالة قاطعة اللجاج في حِلّ الخراج المطبوعة في ضمن رسائل المحقق الكركي: 1/237.
2. الفترة الثانية (920 - 936 ﻫ)
اشارة

وهي فترة طويلة نسبيّاً ونجد فيها للمحقّق الكركيّ (قدس سره) نشاطاً غير عادي تمثّل في النقاط التالية حسب التسلسل الزمني:

أ - مستوى الممارسات الدينية
إقامته لصلاة الجمعة والجماعة

فقد ذكر الشيخ آغا بزرك الطهراني نقلاً عن الشيخ محمّد السماوي (قدس سرهما) أنَّ المحقّق الكركيّ كان يقيم صلاة الجمعة في مسجده الواقع على الجبل المسمّى بجبل النور نسبةً إليه - حيث يلقّب (قدس سره) بنور الدين - وهذا المسجد هو المعروف اليوم بمسجد الطريحي(1).

ويحتمل أن يكون شروعه (قدس سره) في إقامة صلاة الجمعة في سنة 920ﻫ؛ حيث إنَّه فرغ من تأليفه لرسالته في صلاة الجمعة 6 محرم سنة 921ﻫ.

ب. مستوى الكتابة والتأليف

· في 6(2) محرم سنة 921 ﻫفرغ من تأليف رسالة في صلاة الجمعة وانتهى فيها إلى أنَّها أفضل أفراد الواجب التخييري، ويتعيّن وجوبها مع الفقيه الجامع للشرائط بوصفه نائباً عن الإمام

(علیه السلام) (3).

· في سنة 933ﻫفرغ من تأليف رسالة السجود على التربة المشويّة التي ردّ فيها

ص: 450


1- يلاحظ: طبقات أعلام الشيعة ( نقباء البشر في القرن الرابع عشر): 13/176.
2- يلاحظ: رسائل المحقّق الكركيّ: 1/171.
3- يلاحظ: الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 15/75 - 76 رقم: 500.

على معاصره الشيخ إبراهيم القطيفي (قدس سره) المانع من صحة السجود عليها(1).

· في جمادى الأولى سنة 935ﻫوصل في شرحه على قواعد الأحكام للعلّامة الحليّ الموسوم ب-(جامع المقاصد) إلى مبحث تفويض البضع من كتاب النكاح، ولم يتيسّر له إكماله. وقد كان شروعه فيه في النجف الأشرف أيضاً(2).

هذا ما عثر عليه منصوص التاريخ من مؤلفاته (قدس سره) في النجف الأشرف.

وأمّا الباقي فالمنصوص على أنَّه قد ألّفه في إيران كتابان:

1- الجعفريّة في الصلاة ومقدّماتها من الطهارات وسائر الواجبات والمندوبات.

وقد فرغ من تأليفها بمشهد خراسان في وسط نهار الخميس العاشر من جمادى الثانية سنة 917ﻫ، كما في آخر نسخة خط المؤلّف الموجودة في الخزانة الرضوية(3).

2- نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت.

وقد فرغ من تأليفه إمّا في ليلة 917ﻫأو يوم الجمعة 16 ذي الحجة سنة 916ﻫفي مشهد خراسان(4).

وأمّا الباقي من مؤلّفاته فالاحتمال الراجح أنَّه ألّفها في النجف الأشرف أيضاً، وذلك:

أوّلاً: لاستبعاد وجود مؤلّف له قبل مجيئه إلى النجف الأشرف؛ إذ ليس على ذلك

ص: 451


1- يلاحظ: الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 12/148 رقم: 997.
2- يلاحظ: جامع المقاصد في شرح القواعد: 1/67.
3- يلاحظ: الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 5/110 رقم: 457.
4- يلاحظ: الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 24/250 رقم: 1297وقد أشار إلى وجود نسختين للكتاب.

شاهد في كلمات من تعرّض لترجمته.

ثانياً: لأنَّ فترة تواجده (قدس سره) في إيران كانت بما يقرب من خمس سنوات لفترتين منفصلتين أي ما يقرب من سنتين ونصف في كلّ فترة، وهي فترة قصيرة نسبياًً إذا ما لوحظ معها انشغاله في كلٍّ من الفترتين بالترويج لمذهب آل البيت (علیهم السلام) في تلك البلاد.

ثالثاً: لأنَّ الفترة الأطول من تفرّغه للعلم كان قد قضاها في النجف. ومع ملاحظة ما وصف به (قدس سره) من كثرة التحقيق والتأليف(1) يكون الاحتمال الأقرب أنَّ جلّ مؤلفاته إن لم نقل كلّها قد ألّفها في أثناء تواجده في مدينة النجف الأشرف عدا ما عُلِمَ تأليفه له في إيران.

ج. مستوى رعايته لتلاميذه بعقد مجالس الدرس والمذاكرة

ويتجلّى ذلك من خلال عدد الإجازات الممنوحة من قبله. كما أنَّ عبارات جملة منها تؤشر إلى طبيعة ومقدار الجهد العلمي المبذول منه (قدس سره) في تلك الفترة، وهي:

· المظنون أنَّه في سنة 922ﻫأجاز الشيخ تاج الدين حسن ابن غياث الدين عبد الحميد الاسترآباديّ الجرجانيّ نزيل كاشان، وقد كتبها له في المشهد المقدّس الغرويّ بعد أن قرأ عليه كتاب الشرائع بكلا جزئيه، كما ذكر ذلك في طبقات أعلام الشيعة(2).

· في سنة 924ﻫأجاز الشيخ برهان الدين أبا إسحاق إبراهيم بن الشيخ زين الدين أبي الحسن عليّ ابن جمال الدين أبي يعقوب الحاج يوسف بن عليّ الخوانساريّ

ص: 452


1- يلاحظ مثلاً: أمل الآمل في علماء جبل عامل: 1/121.
2- يلاحظ: طبقات أعلام الشيعة (إحياء الداثر من القرن العاشر): 7/48، الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 16/295.

الأصفهانيّ، وقد كتبها في المشهد المقدّس الغروي، وقد قرأ على المحقّق الكركيّ جملة من الكتب الفقهيّة إلّا أنَّ الإجازة المذكورة كانت بعدما شرع في كتاب كشف الغمّة للأربلي في الثاني عشر من ذي الحجة سنة 922ﻫ(1).

· في 17 ربيع الأوّل سنة 925ﻫأجاز الشيخ محمّد بن أبي طالب الاسترآبادي في النجف الأشرف(2).

· في 11 صفر الخير سنة 928ﻫأجاز الشيخ زين الدين بابا شيخ عليّ ابن العالم الشيخ مير حبيب الله ابن السلطان محمد الجزردانيّ، وقد كتبها له في النجف الأشرف، وقد قال فيها: (وبعد، فإنَّ الشيخ الفاضل العالم العامل الكامل... زين الملّة والدين بابا شيخ علي... رحل إلى المشهد المقدّس الغرويّ، على مشرّفه الصّلاة والسّلام لتحصيل العلوم الدينيّة.. فاختلط بهذا الكاتب الضعيف مدّة من الزمان وبرهة من الأيّام... وسمع عليّ كتاب إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان من أوّله إلى آخره... سماعاً معتبراً مهذّباً، في جمع من العلماء، ومحفل غاصّ بالفضلاء، تبيّن... مزيد فضله وجودة فهمه وثقوب ذهنه)(3).

· في جمادى الآخرة سنة 928ﻫأجاز الشيخ شهاب الدين أحمد ابن الشيخ الصالح محمّد بن أبي جامع العامليّ، كتبها له في المشهد المطهّر الغرويّ، وقد قال فيها: (أمّا بعد فإنَّ الولد الصالح الفاضل الكامل... ورد إلينا إلى المشهد المقدّس... وانتظم في سلك

ص: 453


1- رياض العلماء وحياض الفضلاء: 1/26، طبقات أعلام الشيعة (إحياء الداثر من القرن العاشر): 7/2، الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 1/212.
2- يلاحظ: طبقات أعلام الشيعة (إحياء الداثر من القرن العاشر): 7/206.
3- بحار الأنوار: 105/58، الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 1/213.

المجاورين بتلك البقعة المقدّسة برهة من الزمان... وفي خلال ذلك قرأ على هذا الضعيف الكاتب لهذه الأحرف الرسالة المشهورة بالألفيّة في فقه الصلاة الواجبة... من أوّلها إلى آخرها مع نبذة من الحواشي التي جرى بها قلم هذا الضعيف في خلال مذاكرة بعض الطلبة، قراءةً شهدت بفضله وآذنت بنبله، وجودة استعداده)(1).· في 8 من جمادى الآخرة سنة 929 ﻫأجاز الشيخ ضياء الدين عبد العليّ ابن نور الدين عليّ الاستراباديّ، الذي قرأ عليه كتاب إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان للعلّامة، وحواشي المحقّق الكركيّ عليه، والجزء الأوَّل من كتاب الشرائع (2).

· في 26(3) من شهر رمضان سنة 929 ﻫأجاز الشيخ عبد العليّ ابن نور الدين أحمد ابن سعد الدين محمّد الاسترآباديّ. كتبها له بالمشهد المقدّس الغرويّ، قال فيها: (وكان في خلال ذلك كلّه مشتغلاً بالخوض في علم الشريعة المطهّرة، فقرأ من بعض الكتب الفقهيّة شيئاً يسيراً، وسمع بقراءة غيره جملةً كثيرةً، فممّا سمعه كتاب إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان... من أوّله إلى آخره. وكان الخوض في حلّ أوائل الكتاب على وجه الكشف والتنقيح. وكذا سمع ما كتبته على الكتاب المذكور من الحواشي المشتملة على النكت والفوائد سمعاً معتبراً منقّحاً مهذّباً، وسمع أيضاً بقراءة غيره الجزء الأوَّل من كتاب شرائع الأحكام في مسائل الحلال والحرام... وسمع أيضاً غير ذلك)(4).

ص: 454


1- بحار الأنوار: 105/60، الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 1/212 - 213، وطبقات أعلام الشيعة (إحياء الداثر من القرن العاشر): 7/10.
2- طبقات أعلام الشيعة (إحياء الداثر من القرن العاشر): 7/124.
3- في بحار الأنوار: 105/64: (16) بدل (26).
4- بحار الأنوار: 105/64، الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 1/214 - 215، طبقات أعلام الشيعة (إحياء الداثر من القرن العاشر): 7/124.

· في سنة 931ﻫ أجاز الشيخ محمّد بن عبد الرحيم بن داود الاسترآباديّ في النجف الأشرف بعد أن أمضى المجاز في مجاورته للمرقد المقدّس الغرويّ فترة طويلة. وكان في أكثر هذه الأوقات حاضراً مجالس المذاكرة عند المحقّق الكركيّ. وقد سمع خلال ذلك أيضاً كتاب إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان للعلّامة الحلّيّ من أوله إلى إنهاء كتاب الأيمان، وكذلك كتاب شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام للمحقّق الحلّيّ من كتاب النكاح إلى آخر الكتاب إلّا كتاب النذر سماعاً معتبراً محقّقاً يعدل القراءة(1).

· في 15 جمادى الأولى سنة 931ﻫأجاز الشيخ أبا العباس أحمد ابن شمس الدين محمّد بن عليّ بن خاتون العامليّ وولديه نعمة الله عليّ وزين الدين جعفر، وقد كتبها لهم في المشهد المقدّس الغرويّ(2).

· في 9 جمادى الآخرة سنة 932ﻫأجاز الشيخ شرف الدين قاسم بن عذافة، وقد كتبها له على ظهر الجزء الأوَّل من الشرائع، بعد أن قرأ الشيخ شرف الدين قاسم نسخة من هذا الكتاب على المحقّق الكركيّ، فكتب بخطه الإجازة له، ويبدو أنَّها كانت في المشهد المقدس الغرويّ أيضاً(3).

ص: 455


1- الإجازة موجودة بخط المحقّق الكركيّ في نسخة من الجزء الأول لكتاب شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام للمحقّق الحلّيّ في مكتبة الإمام الحكيم العامة، الرقم: (2578). وقد رأيت هذه الإجازة بتاريخ 9 ربيع الأول سنة 1439ﻫ.
2- يلاحظ: أعيان الشيعة: 3/137، الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 1/213، طبقات أعلام الشيعة (إحياء الداثر من القرن العاشر): 7/12.
3- الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 1/215.

· في 932 ﻫ- أيضاً - أجاز الشيخ شرف الدين يحيى ابن عزّ الدين حسين بن عثيرة بن ناصر البحراني نزيل يزد(1).

· وفي 21 من جمادى الآخرة سنة 934 ﻫأجاز الشيخ عليّ بن عبد العالي الميسي وولده الشيخ إبراهيم، في بغداد دار السلام(2).

· في 18 شعبان سنة 934 ﻫأجاز الشيخ عليّ بن أحمد بن محمّد بن هلال الكركيّ المعروف بابن المنشار، في المشهد الغرويّ المقدّس. ويبدو من لفظ هذه الإجازة - المنقولة قطعة منها في إجازة المجاز للمولى ملك شمس الدين محمد الأصفهاني - أنَّ المحقّق الكركيّ منحه هذه الإجازة بعد ما شرح وبيّن المقروء من مؤلفات الشهيد الأول (قدس سره) (3).

· في 5 رجب سنة 935 ﻫأجاز الشيخ نور الدين أبا القاسم عليّ بن عبد الصمد ابن الشيخ شمس الدين محمّد الجبعيّ العامليّ عمّ الشيخ البهائيّ. كتبها له بالغريّ على ظهر الرسالة الجعفريّة في فقه الصلاة - التي هي من تأليفه (قدس سره) - بعد أن قرأ عليه جملة منها، وسمع معظمها(4).

وفاته ومدفنه

بعد عمر تجاوز السبعين عاماً قضاها في خدمة الدين التحق المحقّق الكركيّ (قدس سره)

ص: 456


1- أعيان الشيعة: 10/289.
2- يلاحظ: بحار الأنوار: 105/40.
3- يلاحظ: بحار الأنوار: 106/80، الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 1/215.
4- يلاحظ: رياض العلماء وحياض الفضلاء: 4/115، الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 1/215.

بالرفيق الأعلى في سنة (940ﻫ) على الرأي المشهور. وقد كان موته ومدفنه في النجف الأشرف(1).

والملاحظ أنَّ مدفنه (قدس سره) غير معلوم بالتحديد - وفق المصادر المتاحة بين أيدينا - إلّا أنَّ المتداول بين معمّري النجف الأشرف أنَّ مدفنه في المزار المعروف اليوم بمزار بنات الحسن (علیه السلام)،ويعضد ذلك بعضُ الدراسات التي صدرت مؤخّراً(2).

3. الشيخ محيي الدين بن أحمد بن تاج الدين الميسي (رحمة الله)

اشارة

صرّح مؤلّف هذه الرسالة في خاتمتها أنَّه محيي الدين بن أحمد بن تاج الدين، وذكر أيضاً أنّه انتهى من كتابتها في شهر ذي الحجّة لسنة (954ﻫ). وعند سبر مَن كان من علماء القرن العاشر لم نجد من يتسمّى بهذا الاسم غير الشيخ محيي الدين بن أحمد بن تاج الدين الميسيّ العامليّ.

وقد ترجم له في أمل الآمل ورياض العلماء بأنّه: كان عالماً فاضلاً عابداً، من تلامذة الشهيد الثاني(3).

ص: 457


1- يلاحظ على سبيل المثال: تكملة أمل الآمل: 1/258، طبقات أعلام الشيعة (إحياء الداثر في القرن العاشر): 7/160.
2- جاء في تحقيق لمديريّة الوقف الشيعي في النجف الأشرف قسم البحوث والدراسات حول مرقد السيّد الداماد سبط المحقّق الكركيّ المكتوب بتاريخ 15 ذي القعدة 1438ﻫالمصادف 8/8/2017 أنَّ السيّد الداماد (قدس سره) دفن في سرداب قبر جده لأمه المحقّق الكركيّ، وقبر المحقّق الكركيّ هو المزار المعروف اليوم بمزار بنات الحسن (علیه السلام) استئناساً بمجموعة من الشواهد.
3- يلاحظ: أمل الآمل في علماء جبل عامل: 1/184، رياض العلماء وحياض الفضلاء: 5/206.

وقد وقع بهذا العنوان في جملة من الإجازات، كما في إجازته للمولى محمود بن محمّد ابن عليّ بن حمزة اللاهجاني (الجيلاني)(1) تلميذ الشهيد الثاني. وكذلك في إجازة المولى محمود - المذكور - للسيّد الأمير صدر جهان(2)، وفي إجازة المولى محمود للسيّد عماد الدين عليّ بن السيّد هاشم (قدس سرهما) (3).

وقد وصفه في الأولى ب-: (الشيخ الفاضل التقي النقي الشيخ محيي الدين بن أحمد ابن تاج الدين الميسيّ العاملّي)، ووصفه في الثانية ب-: (عمدة العلماء والصالحين وزبدة الفقهاء والمتّقين الشيخ العالم العامل محيي الدين بن أحمد بن تاج الدين العامليّ الميسيّ).

وفي إجازة الشيخ نجيب الدين عليّ بن محمّد بن مكيّ بن عيسى بن حسن بن عيسى العامليّ الجبيليّ للسيّد عزّ الدين حسين بن حيدر الحسيني الكركيّ الواردة في البحار: (وعنّي عن أبي عن جدّي لأمّي الشيخ الأوحد محيي الدين الميسيّ عن الشيخ عليّ بن عبد العالي الميسيّ بطرقه)(4).

ومحيي الدين الميسيّ وإن أمكن صدقه - بملاحظة ما ذكر في أمل الآمل(5) ورياض العلماء(6) وغيرهما - على عنوانين: أحدهما لمحيي الدين أحمد بن تاج الدين الميسيّ

ص: 458


1- بحار الأنوار: 105/173، الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 1/250 ت 1317وقد ذكر فيها أنَّ المجيز هو جدّ الشيخ نجيب الدين عليّ بن محمّد بن مكيّ لأمه.
2- يلاحظ: بحار الأنوار: 105/175.
3- بحار الأنوار: 105/182.
4- بحار الأنوار: 106/164.
5- أمل الآمل في علماء جبل عامل: 1/184، و1/31.
6- رياض العلماء وحياض الفضلاء: 1/31، 5/206.

العامليّ، والآخر لمحيي الدين بن أحمد بن تاج الدين الميسيّ العامليّ إلّا أنَّ المراد منه هنا هو الأخير؛ فإنَّه لو كان المراد منه الأوَّل لم يكتف بذكر محيي الدين الميسيّ مع فرض التعدُّد، بل كان عليه إضافة أحمد فيقول: محيي الدين أحمد الميسيّ لأجل التمييز بينه وبين الآخر الذي يكون محيي الدين اسمه لا لقبه.

ويمكن أن يعدّ مثل هذا قرينة على وحدة المعنون بهذين العنوانين؛ لأنَّه قد تقدّم النقل عن كتاب أمل الآمل أنَّ محيي الدين بن أحمد بن تاج الدين من تلامذة الشهيد الثاني، وفيه أيضاً أنَّ محيي الدين أحمد بن تاج الدين العامليّ الميسيّ استجاز منه مولانا محمود بن محمّد الكيلاني (اللاهجاني) فأجازه سنة 954ﻫ(1)، وهذا يعني أنَّ كلا العنوانين من طبقة واحدة. ويستبعد أن يوجد شخصان من طبقة واحدة، وكلاهما من تلامذة الشهيد الثاني(2) يطلق عليهما محيي الدين الميسيّ من دون ذكر ما يميّز أحدهما عن الآخر.

ص: 459


1- أمل الآمل في علماء جبل عامل: 1/31.
2- يلاحظ: تكملة أمل الآمل: 1/46 حيث قال: (الشيخ محيي الدين أحمد بن تاج الدين، الميسي العاملي كان من أجلّة علماء عصره، ومشايخ الإجازة في وقته، من تلامذة الشهيد الثاني، وقد كتب له إجازة. فهو يروي عنه، وعن الشيخ الجليل الشيخ زين الدين الفقعاني، وعن الشيخ الفاضل شهاب الدين أحمد بن خاتون العاملي العيناثي. ويروي عنه غير واحد من العلماء، منهم: المولى محمود بن محمد ابن علي اللاهجاني، تلميذ الشهيد الثاني. كتب صاحب الترجمة للشيخ محمود المذكور إجازة، أخرجها العلامة المجلسي (قدس سره)،في كتاب الإجازات من البحار، تاريخها أواخر ربيع الثاني من سنة أربع و خمسين وتسعمائة، بالحائر)، وقد مرّ عليك ما نقلناه عن البحار من إجازة محي الدين بن أحمد بن تاج الدين للمولى محمود بن محمد اللاهجاني.

وممّا يؤيّد الوحدة أنَّ الإجازة الممنوحة للمولى محمود بن محمّد اللاهجاني في سنة (954ﻫ) في الحائر على مشرّفه آلاف التحية والسّلام نقلها في البحار وكان المجيز فيها (محيي الدين بن أحمد بن تاج الدين الميسيّ العامليّ)(1). بينما نقلها في رياض العلماء وكان المجيز فيها (محيي الدين أحمد بن تاج الدين الميسيّ العامليّ)(2).

والسيّد حسن الصدر (قدس سره) في تكملة أمل الآمل وإن ترجم للاثنين إلّا أنَّ الأوصاف التي وصف بها كلا العنوانين تكاد تكون متّحدة(3). وقد يكون لهذا السبب أو لغيره استظهر الشيخ أغا بزرك الطهراني (قدس سره) الوحدة بينهما وإن ترجم لكلٍّ من العنوانين في طبقات أعلام الشيعة(4). وأمّا السيّد الأمين (قدس سره) في أعيان الشيعة فقد ترجم لمحيي الدين ابن أحمد بن تاج الدين الميسيّ العامليّ فقط(5)، وهذا يعني أنَّه يرى الوحدة بينهما وأنَّ العنوان الصحيح هو الذي يكون فيه محيي الدين اسماً لا لقباً.

وعلى كلّ حال يظهر من لفظ إجازة صاحب الترجمة للمولى محمود بن محمّد اللاهجاني المذكور أنَّه يروي عن جمعٍ:

ص: 460


1- بحار الأنوار: 105/173.
2- يلاحظ: رياض العلماء وحياض الفضلاء: 1/31 حيث قال: (الشيخ محيي الدين أحمد بن تاج الدين العاملي الميسي كان عالماً فاضلاً زاهداً عابداً استجاز منه فضلاء عصره ومنهم مولانا محمود بن محمد الكيلاني فأجازه سنة 954ﻫ).
3- يلاحظ: تكملة أمل الآمل: 1/46، 366.
4- يلاحظ: طبقات أعلام الشيعة (إحياء الداثر من القرن العاشر): 7/18، 245، 212، الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 1/193 ت: 999.
5- يلاحظ: أعيان الشيعة: 2/489، 10/ 113.

منهم: الشهيد الثاني(1).

ومنهم: الشيخ الجليل زين الدين الفقعاني المجاز من المحقّق الكركيّ(2).

ومنهم: الشيخ شهاب الدين أحمد بن خاتون العيناثي(3).

وقد عدّه في رياض العلماء ممّن يروي عن الشيخ عليّ بن عبد العالي الميسيّ(4).

وممّا مرّ آنفاً يظهر أنَّ ممّن يروي عن صاحب الترجمة هو المولى محمود بن محمّد اللاهجاني، وأيضاً الشيخ محمّد بن مكيّ بن عيسى العامليّ زوج ابنته وأبو سبطه الشيخ نجيب الدين.

وفاته

كان حياً حتى 22 شوال سنة 974ﻫ؛ إذ قد أجاز المولى محمود بن محمّد اللاهجانيّ الأمير السيّد صدر جهان بنفس هذا التاريخ، وقد دعا للمترجم له فيها بقوله: (عامله الله بلطفه الجلي والخفي)، وهذا التعبير ممّا يستعمل - بحسب العادة - في الدعاء للأحياء(5). وربما يؤيّده ما ورد في البحار(6) من إجازة الشيخ إبراهيم بن علي بن عبد

ص: 461


1- يلاحظ: الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 1/193 ت: 999 حيث ذكر إجازة الشهيد الثاني للشيخ محيي الدين بن أحمد بن تاج الدين.
2- يلاحظ: رياض العلماء وحياض الفضلاء: 7/117 ترجمة الشيخ زين الدين الفقعاني العاملي.
3- يلاحظ: موسوعة طبقات الفقهاء: 10/53.
4- رياض العلماء وحياض الفضلاء: 4/117، وكذا طبقات أعلام الشيعة (إحياء الداثر من القرن العاشر): 7/245.
5- بحار الأنوار: 105/176.
6- بحار الأنوار: 105/181.

العالي الميسي لولده الشيخ عبد الكريم المؤرّخة في أوائل رمضان سنة 975ﻫ، وهما من طبقة واحدة؛ لأنَّ كلّاً منهما يروي عن الشيخ عليّ بن عبد العالي الميسيّ والشهيد الثاني.

مواصفات النسخ المعتمدة

الرسالة الأولى

حاشيةٌ على عبارة من كتاب (تحرير الأحكام) للعلّامة الحلّيّ (ت726ﻫ)، وهي: إذا حصل عند إنسان لميّت مال وديعة، ويعلم استقرار الحجّ في ذمّته...

الرسالة الثانية

جواب مسألة عن حكم القرية الواقعة ببلاد استرآباد هل إنَّها مفتوحة عنوة أو لا؟

الرسالتان كُتبتا ضمن فوائد نفيسة في أوائل نسخة الجزء الأوّل من كتاب (شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام) للمحقّق الحلّيّ، جعفر بن الحسن (ت 676ﻫ)، الأوراق (2ظ – 10 و). والفوائد بعضها بخطِّ الناسخ وبعضها بخطّ المحقّق الكركيّ نفسه. والنسخة موجودة في مكتبة الإمام الحكيم العامّة، الرقم: (2578). كتبَ النسخة والفوائد تلميذ المحقّق الكركيّ والمجاز منه: الشيخ محمّد بن عبد الرحيم بن داود بن محمّد الاسترآباديّ، بتاريخ عصر يوم الأحد 25 جمادى الآخرة سنة 929ﻫفي مشهد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (النجف الأشرف)، كتبها على نسخة مصحّحة عليها إجازات المجتهدين وأمارات الصحة. وتقع الرسالة الأولى في ظهر الورقة الثالثة من النسخة، نقلها الناسخ من خطّ المصنِّف (قدس سره). والسائل له هو السيّد تاج الدين حسن ابن المرحوم عماد الدين الحسينيّ الاسترآباديّ، كتبها بتاريخ ليلة الأربعاء أواخر جمادى الآخرة سنة 933 ﻫ، وقابلها مرّتين مع الأصل. والرسالة هذه لم تُذكر في الذريعة.

ص: 462

وتقع الرسالة الثانية في ظهر الورقة الثانية من النسخة المذكورة، وقياس النسخة:

(104 ق، 19 س، 22× 3، 33 سم).

الرسالة الثالثة

جواب المحقّق الكركيّ حول قول العلّامة الحلّيّ: «أجمع العلماء كافّة على وجوب معرفة الله تعالى وصفاته الثبوتيّة..».

كتبت في حاشية الورقة الثالثة من نسخة كتاب (النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر) للفاضل المقداد، مقداد بن عبد الله السيوريّ الحلّيّ (ت 826ﻫ)، كتبها ناصر الدين محمّد بن محمّد الشاميّ بتاريخ يوم الثلاثاء 13 محرّم الحرام سنة 968ﻫفي مدينة السلام بغداد، والنسخة موجودة في مكتبة مخطوطات مدرسة الإمام الخوئيّ (قدس سره) في النجف الأشرف، الرقم (534)، وقياس النسخة: (39 ق، 17 س، 5، 14× 5، 20 سم).

الرسالة الرابعة

رسالة في أحكام الصداق، بقلم الشيخ محيي الدين بن أحمد بن تاج الدين العامليّ الميسيّ كتبها في المشهد المقدّس الرضوي سنة 954 ﻫ.

والظاهر أنّه مؤلّفها وإن لم يصرّح بذلك؛ لأنَّ احتمال أن يكون محيي الدين بن أحمد ابن تاج الدين ناسخاً لها لا مؤلّفاً ضعيف؛ فإنَّه توجد قرائن في باقي رسائل المجموعة الواردة فيها هذه الرسالة تدلّ على أنَّه ناسخ لا مؤلّف. وأما رسالتنا فلا توجد مثل هذه القرائن فيها ما يعني أنَّه مؤلف لها.

وتقع ضمن مجموعة محفوظة في مكتبة ملّي في طهران تحمل الرقم ( 2616/ع) والرقم السابق لها 267-2152، ع/316.

ذُكرت تفاصيل المجموعة في الجزء الثالث عشر من فهرس مخطوطات مكتبة ملّي.

وتحتوي على أربعة كتب، وهي:

ص: 463

1/2616 - رسالة في أحكام الصداق (3-5).

2/2616 - المقاصد العليّة في شرح الرسالة الألفيّة للشهيد الثاني (7- 124ظ).

3/2616 - نتائج الأفكار في حكم المقيمين في الأسفار للشهيد الثاني أيضاً (125- 138ظ).

4/2616 - رسالة في تيقّن الطهارة والحدث والشك في السابق للشهيد الثاني أيضاً (138ظ-144).

و خط المجموعة كلّها هو النسخ والتعليق، وتاريخ كتابتها 953 و954 ﻫ، كما أنّها جميعها بقلم الشيخ محيي الدين بن أحمد بن تاج الدين العامليّ الميسي إلّا صفحات قلیلة ضاعت واستکتبت من مخطوط آخر و ألحقت بها.

وعدد أوراقها 145 ورقة، فيها 20 و21 سطر وأبعاد الورقة 10×16سم. وعلى الأوراق 2 و7 و125 ختم بيضوي باسم (محمّد باقر بن محمّد تقي الموسوي) [صاحب الروضات].

وعلى ظهر الورقة 7 ختم بيضوي باسم (أبو علي).

وعلى النسخة حواش عدّة بعضها بخط كاتب النسخة.

وعلى الورقة 2ظ ذكر مطلب في مسألة البداء لمحمد شفيع المشهدي.

وعلى الورقة 7 نقل رواية عن خطّ الشهيد حول علّة التكبيرات الثلاث مع روايتين أخريين.

ص: 464

عملنا في التحقيق

أ- صف حروف النّصّ، وضبطه، ومطابقته مع الأصل، وتقطيعه، ووضع علامات الترقيم، وإضافة عناوين للفروع والمسائل بين معقوفين.

ب- تخريج الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة بإرجاعها إلى مصادرها.

ت- تخريج الأقوال الفقهيّة والأصوليّة وغيرها من مصادرها.

ث- ما أتممناه من موارد الخرم إمّا استفدناه من مراجعة المصادر الأخرى مع الإشارة إليها في الهامش، أو إضافة منّا بحسب السياق، وجعلنا كلّ ذلك بين معقوفين.

ج- إعداد فهارس لمصادر التحقيق.

شكر وثناء

وفي الختام بعد شكر الله تعالى على عظيم مننه ونعمائه أتقدّم بوافر الشكر وعظيم الامتنان إلى إدارة كلٍّ من: مكتبة الإمام الحكيم (قدس سره) العامّة، ومكتبة مخطوطات مدرسة الإمام الخوئي (قدس سره)،ومكتبة ملّي في طهران لتفضّلهم بتوفير النسخ الخطّية.

والشكر موصول لكلّ مَن بذل جهوداً طيّبة في هذا العمل لا سيّما الأخوين الكريمين أحمد علي مجيد الحلّيّ ومحمّد كاظم رحمتي اللذين هيّآ وسهّلا لنا مقدّمات العمل.

سائلاً الله عزّ وجلّ أن يجعله ذخراً لنا ولهم جميعاً يوم الوفود عليه بحقّ محمّد سيد المرسلين وآله سادات الخلق أجمعين.

ص: 465

صورة

صورة المخطوطة الأولى

ص: 466

صورة

صورة المخطوطة الثانية

ص: 467

صورة

صورة المخطوطة الثالثة

ص: 468

صورة

الصفحة الأولى من المخطوطة الرابعة

ص: 469

صورة

الصفحة الأخيرة من المخطوطة الرابعة

ص: 470

مسائل في حَجّ الوَدعيّ - للشیخ محمدبن مکی العاملی المعروف بالشهيد الأوَّل (ت 786ﻫ)

للشیخ محمدبن مکی العاملی المعروف بالشهيد الأوَّل (ت 786ﻫ).

تحقيق:

الشّيخ قاسم خضير الطائي(دام عزه)

ص: 471

ص: 472

[بسم الله الرحمن الرحيم]

قوله [أي العلامة] رحمه الله في التّحرير: (إذا حصل عند إنسان لميّت مالٌ وديعةً ويعلم استقرار الحجّ في ذمّته [وعدم أداء الوارث، جاز أن يقطع أُجرة الحجّ، ويدفع إلى الورثة ما بقي])(1).

أقول: هنا مسائل:

أ - صورة النَّصّ في الوديعة(2)، والأَولى تعدّي الحكم، وقد صرّح به المحقِّق في النافع(3).

ب - ظاهرهم أنَّ المال عين(4)، فلو كان في الذِّمّة فالأولى تعدّي الحكم؛ لقيامه في التعيين مقام الوليّ.

ص: 473


1- تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة: 2/103 - 104لم يذكر المؤلّف عبارة التحرير كاملة، ووضعنا تتميمها بين معقوفين للفائدة، فلاحظ.
2- هي رواية بريد العجلي عن أبي عبد الله (علیه السلام): (قال: سألته عن رجل استودعني مالاً فهلك وليس لولده شيء ولم يحجّ حجّة الإسلام، قال: حجّ عنه وما فضل فأعطهم)، الواردة في الكافي: 4/306، ح: 6، من لا يحضره الفقيه: 2/445، ح: 2930، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة: 5/416، ح: 1448.
3- المختصر النافع في فقه الإماميّة: 78 حيث قال: (لو حصل بيد إنسان مال لميّت وعليه حجّةٌ مستقرّةٌ وعلم أنَّ الورثة لا يؤدّون جاز أن يقتطع قدر أجرة الحجّ).
4- يلاحظ على سبيل المثال: عبارة المختصر النافع في فقه الإمامية: 78 الواردة في الهامش (3)، كشف الرموز في شرح المختصر النافع: 1/334، تذكرة الفقهاء: 7/105، الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة: 1/327.

ج - المراد بالعلم بوجود حجّة الإسلام، والعلم بعدم أداء الوارث غلبة الظَّنّ(1)؛ لتعذّر العلم بمعناه الخاصّ في مثل هذه المقامات غالباً.

د - المراد بالوارث هنا جميع الوارث، فلو علم بذل البعض ففيه أوجه:

أحدها: تعدّي الحكم؛ بناءً على أنَّ ولاية الإخراج للمجموع، وهو غير حاصل.

ثانيها: وجوب الدَّفع إليهم؛ للخروج من صورة النَّصّ.

ثالثها: اشتراكه مع الآذن في الإخراج؛ لعدم الأولويّة على الآذن، واختصاصه بالأولويّة على مَن لم يأذن.

رابعها: - وهو الأصحّ - تسليمها إلى الباذل؛ لوجود خلافة الميّت فيه، وبامتناع غيره جرى مجرى المعدوم.

المسألة الخامسة(2): هل يجب الاستئجار؟ يحتمله؛ لأنَّه من باب الحِسْبة، وعدمه؛ لأنَّه تكليف على الوَدعيّ لأجل غيره، فحينئذٍ يتخيّر بين الحجّ وبين تسليمه إلى الحاكم لا إلى الوارث.

وهل يجب استئذان الحاكم؟ أومَأ إليه في التَّذكرة(3)؛ لأنَّه الوليّ العامّ، فإنْ تعذّر استقلّ. ويحتمل عدم وجوب الاستئذان؛ لإطلاق الرواية أولاً(4)، ولكونه من باب

ص: 474


1- يلاحظ على سبيل المثال: المبسوط في فقه الإمامية: 1/326، النهاية في مجرد الفقه والفتاوى: 279، المهذب: 1/269، السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي: 1/630، إصباح الشيعة بمصباح الشريعة: 180.
2- كذا، والمفروض أن يقول: (ﻫ).
3- يلاحظ: تذكرة الفقهاء: 7/106.
4- رواية بريد العجلي عن أبي عبد الله (علیه السلام) التي نقلناها في الهامش رقم (2) من الصفحة السابقة.

الأمر بالمعروف ثانياً، ولعموم [قوله تعالى]: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾(1). وهو الأقرب.

و - إذا قلنا باستئذان الحاكم فالحاكم يطلب البيِّنة على أنَّ الميّت مستقرٌّ في ذمّته الحجّ، وعلى أنَّ الورّاث لا يؤدُّون؛ إذ الأصل عدم قبول إقرار الإنسان على غيره، إلَّا أنْ يقال يكفي إذنه المعلّق على أنْ يقول: (إنْ كان الأمر كذا فقد أذنت في الإخراج). ويحتمل أن ينصب الوَدعيّ رجلاً بين يدي الحاكم، ويدّعي أنَّه وليّ الميت، وأنَّ عليه حجّاً، وأنَّه لا يخرج، فيصدّقه على ذلك؛ لاستخراج إذن الحاكم.

ز - لا فرقَ بين حجّة الإسلام وغيرها، بل سائر الدُيون كذلك سواء كان له أو لغيره؛ للاشتراك في العلّة.

ح - الظاهر تخيّره بين الحجّ بنفسه(2) وبالنيابة؛ لاستوائهما في الطريق إلى براءة الذِّمّة. فإنْ حجَّ بنفسه ففي احتياجه إلى إيقاع عقدٍ احتمال: من حيث إنَّه أجير، فيجب حصول عقد الإجارة. ومن حصول الغرض بالفعل المستند إلى الفرض(3).

ط - القدر المقتطع مبنيّ على المُخرَج من أصل المال بلديّاً أو ميقاتيّاً.

ي - لو ردّ المال إلى الوارث فحجّ به الوارث فلا بحث. وإن امتنع أمكن الضَّمان؛ لمخالفته، واستناد تفويت الحجّ إليه. وعدمه؛ إمَّا لأنَّه لا يجب عليه الاستئجار، وإمَّا لوصول المال إلى خليفة الميّت واشتغال ذمّته به.

يا - لو تعدّد الوَدعيّ وُزّع المخرج، فإنْ لم يعلم بعضهم ببعضٍ فأخرجوا فمع

ص: 475


1- سورة التوبة، آية: 71.
2- هنا إشارة إلى كلمة في الهامش الأيمن من الأصل يرجح قراءتها: (أو بغيره).
3- كذا، إلّا أنَّ رسم الخط يقرّب قرأتها: ب-(العرض) لكنه احتمال بعيد بحسب السياق.

الاجتهاد والاقتران لا ضمان، ومع الاقتران وعدم الاجتهاد يضمن الجميع بالحساب ما زاد على أُجرة أقلّ حجّة مجزئة، ومع السَّبق يضمن اللاحق مع عدم الاجتهاد، ومعه تردّد.

والسَّبق بنيّة الإحرام، فلو اتَّفق إحرامهم دفعةً سقط من وديعة كلٍّ منهم ما يخصّه من الأجرة الموزّعة.

ولو علموا بعد الإحرام أُقرع بينهم، وتحلّلَ مَن لم تخرجه القرعة.

ولو علم سبق واحد في الجملة أُقرع.

ويحتمل(1) بعقد الإجارة.

يب - لو لم يكن معه مالٌ، وعلم أنَّ الوارث لا يؤدُّون فهل يجوز من حيث الحِسْبة؟

يحتمل ذلك؛ تحصيلاً للمعروف، فإنْ جوّزناه فالأقرب اشتراط إذن الحاكم؛ لإمكانه هنا.

يج - لو ترافع مع الورثة إلى الحاكم فادّعى الوارث أنَّه سيخرج، وأنكر الوَدعيّ قُدِّم قول الوارث؛ لأنَّ له ولاية الإخراج. والظَّاهر عدم خيانته.

فإنْ ارتاب به الحاكم فالولاية له لا للوَدعيّ قطعاً.

وإنْ ترافعا بعد الحجّ على هذه الدعاوى أمكن عدم الضَّمان؛ لحصول الحجّ عن الميّت، وأمكن صدق الوَدعيّ، ووجوب الضَّمان؛ لأصالة عدم ولاية الأجنبي.

أمَّا لو أنكر وجوب الحجّ على مورّثه، أو أنكر الاستئجار، أو أنكر فعل النائب فعلى الوَدعيّ الإثبات في ذلك كلِّه بطريقه الشَّرعيّ.

ص: 476


1- أي: ويحتمل أن يكون السبق لا بنيّة الإحرام، بل بعقد الإجارة.

فروع:

[أ] - المراد بالميت مَن يُقضى عنه الحجّ، فلو كان كافراً لم يكن داخلاً في الحكم.

ب - لو كان الورثة صِغاراً و عَلِم أنَّ الوصيّ لا يؤدِّي فالأقرب جواز الاقتطاع؛ لوجود العلّة.

ج - المراد بقوله: (لا يؤدِّي) الأداء المطلق، فلو علم أنَّهم لا يؤدُّونه في هذا العام، ويؤدُّون في غيره، أو لا يعلم حالهم في غيره احتمل جواز الاقتطاع؛ لوجوبه على الغير، وعدمه؛ لبراءة الذِّمّة بإخراج الوارث فيما بعد.

د - ظاهر كلام الأصحاب الاستئجار بالعين(1)، فلو لم يرغ-[-ب] النَّائب فيها احتمل جواز البيع؛ لأنَّه من باب ما لا يتمّ الواجب إلَّا به. وعدمه؛ لأنَّه تصرّف في مال الغير فيُناط [بإذنه].

ﻫ- ليس الاقتطاع مُؤذِناً بكون الوديعة زائدةً عن قدر الحجّ، بل لو ساوى المال أُجرة المثل اقتطع. أمَّا لو نقصت عنها ففي الاقتطاع وجهان: لا؛ لعدم الفائدة. ونعم؛ لقربه إلى تحصيل الواجب. والأولى دفعها إلى الحاكم.

وبالجملة الفروع كثيرةٌ.

نقلتُه من خطٍّ فيه أنَّه نقل عن الشَّهيد رحمه الله.

ص: 477


1- يلاحظ على سبيل المثال: شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام: 1/172، تذكرة الفقهاء: 7/106، الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة: 1/327.

ص: 478

ضابطة حلّيّة المأخوذ من الأرض المشكوك فتحها عنوة - للشیخ علی بن الحسین ابن عبدالعالی العاملی الکرکی المعروف بالمحقق الثانی(ت 940 ﻫ)

للشیخ علی بن الحسین ابن عبدالعالی العاملی الکرکی المعروف بالمحقق الثانی(ت 940 ﻫ).

تحقيق:

الشّيخ قاسم خضير الطائي(دام عزه)

ص: 479

ص: 480

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله كما هو أهله والصّلاة على حبيبه محمّد وآله.

أمَّا بعد [ف-]-في تحقيق أمر القرية الواقعة ببلاد استرآباد(1) باعتبار ما يؤخذ من الرّعايا ممّا جرى معهم عليه القرار بح-[سب الاتفاق]، وأضعُ لك دستوراً إذا اقتفيتَه كنتَ - إن شاء الله تعالى - سالكاً جادّة الشّريعة المطهّرة.

فأقول وبالله التَّو[فيق]: لم يتّضح لي وضوح التَّحقيق أنَّ استرآباد وبلادها

فُتحت عَنوَةً(2) - أعني بالسَّيف - أم غير ذلك، [وما قيل في] ذلك - أيّ كونها فتحت

ص: 481


1- ضبطت بفتح الألف أو بكسرها من بعدها سين ساكنة بعدها تاء مفتوحة بناءً على فتح الألف ومكسورة بناءً على كسر الألف، بعدها راء وألف وباء وذال معجمة (يلاحظ معجم البلدان: 1/174، واللباب في تهذيب الأنساب: 1/51)، وهناك مَن يجعل بدل الذال دال كما في المتن. وهي بلدة كبيرة ومشهورة من أعمال طبرستان تقع بين سارية وجرجان. وطبرستان: بفتح أوله وثانيه وكسر الراء اسم لإقليم يضم بلدان كثيرة وواسعة. منها دهستان وجرجان واستراباذ وآمل وسارية وشالوس. وصفه ياقوت الحموي في معجم البلدان: 4/13بقوله: (هي كثيرة المياه متهدّلة الأشجار كثيرة الفواكه).
2- تتميّز بلدان إقليم طبرستان بطبيعتها الجغرافيّة الوعرة نتيجة لكثرة الجبال والأودية التي يغطّي سطحها الشجر الكثيف، وقد جعلتها هذه الطبيعة في حصن منيع من وصول الجيوش الغازية إليها، ولذا كان ملكها يصالح المسلمين على قليل من المال بعد فتح المسلمون الأراضي القريبة منه. وفي سنة 30ﻫ غزاها سعيد بن العاص عامل عثمان بن عفان على الكوفة فلم يقدر إلّا على فتح طميس التي هي آخر مدن طبرستان من جهة خراسان، وهي في السهول عند تخوم طبرستان الشرقية وبعيدة عن سلسلة الجبال الوعرة الممتدة إلى البحر، وتفصل سلسلة الجبال هذه بين طميس وجرجان بحيث يكون العبور منها إلى جرجان صعباً جداً. يلاحظ: (الموسوعة الحرة (وكيبيديا) الموضوع طبرستان). ولهذا صالح سعيد بن العاص ملك جرجان على مائتي ألف درهم. وفي زمن معاوية بن أبي سفيان بعث هبيرة بن مصقلة عل رأس عشرين ألف رجل لغزوها فكمنوا له في الجبال حتى إذا مرّ على المضايق دهدهوا عليه الحجر فهلك ومعه كثير من جيشه. وبقي الأمر على ما هو عليه حتى بعث سليمان بن عبد الملك يزيد بن المهلب والياً عل خراسان فجهّز جيشاً أناخ به على طبرستان فوقع القتال بينه وبين أهل تلك النواحي إلّا أنَّه لم يستطع إلّا على فتح الرويان ودنباوند، وأمّا باقي بلدان طبرستان فقد صالحته، ولم يزالوا على هذا الصلح إلى أن نقضوه في أواخر أيام مروان بن محمّد الأموي فمنعوا ما كانوا يعطونه. وبعد مجيء السفاح إلى الحكم صالحوه ثم نقضوا في أيّام المنصور فبعث إليهم جيشاً جرت بينه وبينهم مناوشات لم تفض إلى فتح هذه البلاد. وبقي الحال عليه إلى زمن حكم المأمون حيث استطاع موسى بن حفص بن عمرو ومازيار بن قارن من عبور جبال شروين من طبرستان التي هي أمنع الجبال وأصعبها، فولّى المأمون عليها المازيار وبقي كذلك لمدّة ست سنوات من حكم المعتصم إلّا أنَّه نقض بعد ذلك فوجّه إليه المعتصم جيشاً بقيادة الحسن بن الحسين فأخذوا المازيار من دون قتال إلى سرّ من رأى وقتلوه فيها. وولّى عليها المعتصم عامله على خراسان عبد الله بن طاهر ثم وليها ابنه طاهر بن عبد الله وبعده أخوه سليمان بن عبد الله حتى خرج عليه الحسن بن زيد بن محمّد العلويّ الحسنيّ الملقّب بالداعي الكبير سنة 249ﻫ. ويبدو أنَّ اسم مازندران بدأ يطغى على تلك البلدان بدلاً من طبرستان في حدود القرن السادس أو السابع الهجري (يلاحظ: معجم البلدان: 4/13)، وأما بلاد استرآباد فقد جرى تحويل اسمها إلى گرگان (جرجان) في عهد الشاه رضا بهلوي.

ص: 482

عنوة(1) - من الأفواه، وقد أتوهّمه من عبارة للشيخ أبي جعفر الطّوسي(2) قدّس اللهُ روحَه، إلَّا أنّي لم أسكن إلى ذك-[-رهم لتلك] البلاد على كلٍّ من التَّقديرين. وأضعُ طريقاً تكون صحّتهُ واقعةً على كلٍّ منهما:

فعلى تقدير أن تكون قد فُتحِت عَنو[ةً فإنَّها - إذا] كانت معمورةً حين الفتح - ملكٌ لجميع المسلمين ممّن هو كائنٌ ومَن سيكون إلى يوم القيامة إذا استجمعت بقية الشَّ-[-رائط المعتبرة]، فأمرها إلى إمام المسلمين يقبّلها لمَن رأى المصلحة في تقبيله إيّاها بحصةٍ من حاصلها: الرُّبع أو الثُّلث أو غي-[-ره بما يرى فيه] المصلحة من الجانبين.

وما يرتفع منها بهذا الاعتبار يرصد لمصالح المسلمين في بيت المال(3)، هذا إذا كان الإما[م حاضراً. وأمّا في] حال الغيبة إذا استولى عليها سلطان الجور فلا بُدَّ من دفع تلك الحصّة إليه(4)، ولا يجوز لأحدٍ منعها، ولا سرقتها، ولا [جحودها ولا شيءٌ](5) غير ذلك؛ فهو حقٌّ لمَن بيده الأرض إن كان هو العامر لها.

وإن كان العامر لها قد قبّله إيّاها بحصّةٍ وجب عل-[-يه] دفع ما تقرّ[ر إذا استجمعت] شروط الإجارة؛ لأنَّ ذلك إجارةٌ في الحقيقة، وإن لم تستجمع وجب أُجرة المثل.

ص: 483


1- ما بين الشارحتين جاء في الحاشية اليمنى من الأصل وكتب بعده: (من خطه مدّ ظلُّه).
2- يلاحظ: المبسوط في فقه الإمامية: 2/33 - 34.
3- يلاحظ: المبسوط في فقه الإمامية: 2/74 - 75، جامع المقاصد في شرح القواعد: 3/403، رسالة قاطعة اللجاج في حلّ الخراج: 270.
4- وهي التي ذكرها فيما سبق بقوله: (بحصةٍ من حاصلها الربع أو الثلث أو..)
5- يلاحظ: رسالة قاطعة اللجاج في حلّ الخراج: 1/285.

فإنْ قيل: قد قرّرتم أنَّ المفتوحة عَنوةً لا تملك؛ فإ[نَّها للمسلمين. قلت:](1) إنَّما لا تملك رقبتها لكن تبعاً لآثار التَّصرّف يمكن بيعها وإجارتها ووقفها؛ ولذلك يثبت الاختصاص بها والأحقيّ-[-ة له فيها، وليس لأحدٍ] أن ينتزعها من يد المتصرّف المذكور.

وعلى تقدير أن تكون قد فُتحت على وجه لم تخرج عن ملك مالكها فهي على ما كان-[-ت عليه قبل الفتح] كسائر الأملاك الحقيقيّة، ليس لأحدٍ فيها شيء.

[طريق حلّيّة المأخوذ من هذه الأرض على كلّ تقدير]

إذا عرفت ذلك فالطّريق الذي إذا عُمِل به كان الحِلُّ حاصلاً على كلِّ تقدير:

أنَّ ما [كان الاتّفاق عليه بين] الرَّعايا وبين أهل الدِّيوان فيما يدّعونه، ويطالبون به فأخذوه خلُص من حقِّ الأرض على تقدير أن يكون من أرض العَنوة، [فإذا كان صاحب الدِّيوان قد] قرّر بينه وبين الرَّعايا أن يعطوه عن كلِّ جريب(2) - مثلاً - شيئاً معيّناً فإنَّه إذا كان ذلك القرار على وجه شرعيّ صحّ.

ص: 484


1- يلاحظ: السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي: 1/478، تذكرة الفقهاء: 9/187حيث قال: (فإذا زرع فيها أحد أو بنى أو غرس صحّ له بيع ما له فيه من الآثار وحقّ الاختصاصّ بالتصرّف، لا بيع الرقبة، لأنَّها ملك المسلمين قاطبة). وقريب منه ما في تحرير الأحكام: 2/ 172، ورسالة قاطعة اللجاج في حلّ الخراج: 1/248.
2- في لسان العرب: 1/260 نقلاً عن الأزهري: (الجريب من الأرض مقدار معلوم الذراع والمساحة، وهو عشرة أقفزة كل قفيز منها عشرة أعشراء فالعشر جزء من مائة جزء من الجريب) وفي مجمع البحرين: 2/22 أنَّ الجريب من الأرض ستون ذراعاً في ستين، والذراع بسبع قبضات، والقبضة بأربع أصابع، وعشر هذا الجريب يسمى قفيزاً وعشر هذا القفيز يسمى عشيراً.

فإنْ عُيّن ورا[ء ذلك] أرضٌ معيّنةٌ لتزرع - مثلاً - إلى آخر شروط الإجارة فلا كلام في الحِلّ.

وإنْ عيّن حصّته من الحاصل كالرُّبع والنِّصف - مثلاً - فلا[بُدَّ من توفّر] شروط المزارعة، وسنذكرها بعدُ إن شاء الله تعالى.

وإن عُيّن مقدارٌ من الغَلَّة فلا بُدَّ مع وصفه بالأوصاف الرافعة ل-[-لجهالة من] كونه من حاصل الأرض - أعني ما يخرج منها -،فإنْ خالف في شيء من ذلك فسد العقد، ووجب أُجرة المثل.

ولو رَضِي الرَّعايا حال كو[ن العقد فاسداً] بدفع القدر المشترط، وجعلوا المالك في حِلٍّ فإنَّه يحلُّ له إذا علموا فساد العقد، وأنَّ المدفوع ليس واجباً عليهم، وبد[ون علمهم] بفساد المعاوضة الجارية بين المالك وبينهم فلا يصلح سبباً للملك، فيكون أكلَ مالٍ بالباطل.

واعلم أنَّه يشترط [في المعاوضة]:

· العقد المشتمل على الإيجاب والقبول.

· وكون الأرض صالحةً للزراعة بحيث يُنتفع بها في ذلك حالاً.

· وتعيين المدّة بما لا يح-[-تمل الزيادة] والنقصان.

· وكونها وافيةً لإدراك الزرع عادةً.

· ويشترط كون الحصّة المعيّنة للمالك من حاصل الأرض معلومةً [شائعةً فيه] كالرُّبع والنِّصف - مثلاً -.

فلو جُهلت أو لم تكن شائعة كأنْ يشرط الهَرْف - وهو ما يتقدم إدراكه على

ص: 485

الباقي(1)- مثلاً، أو لم تكن معلومة بالجزئية كعشرة أحمال [من الحنطة](2).

وصورتها: (زارعتُك على الأرض الفلانيّة لتزرعها مدّة سنة بثُلث حاصلها) مثلاً، فيقول: (قبلتُ).

وفي الإجارة يقول: (آجرتك الأرض الفلانيّة لتزرعها مدّة سنة بعشرين حِملاً أرُزاً - مثلاً - صَرِيباً جديداً من أرُزِ فِنْدِرِسْك(3))، فيقول: (قبلتُ).

ولا يقول في هذا الأخير: (من حاصل الأرض)؛ لأنَّ ذلك منافٍ لمقصود الإجارة.

فإذا فعل ذلك صحّ على كلِّ واحد من التقديرين؛ فإنَّه لا منافاة بين شيء من هذين الطَّريقين وبين كون الأرض مفتوحةً عنوةً أم لا.

ولو حصلت المخالفة ورَضِي الرَّعايا بالم-[-قدار المشترط وجعلوا] المالك فيه في حِلٍّ صحّ بعد الإعلام بكيفيّة الحال، وإلَّا فلا - كما مرّ -،والله أعلم بحقائق أحكامه.

وكتب هذه الأ[حرف الفقير](4) إلى عفو الله وكرمه عليُّ بن عبد العالي حامداً مصلّياً مسلّماً.

إلى هنا من خطّه مُدّ ظلُّه العالي.

ص: 486


1- ما بين الشارحتين جاء في الهامش الأيمن من الأصل وكتب بعده: (منه مُدّ ظلُّه من خطه). يلاحظ أساس البلاغة: 1057، ولسان العرب: 9/347.
2- جواب الشرط محذوف لوضوحه؛ إذ قد أشير إليه سابقاً بقوله: (فإنْ خالف في شيء من ذلك فسد العقد، ووجب أُجرة المثل).
3- يلاحظ: رياض العلماء وحياض الفضلاء: 5/502 حيث قال: (فندرسك وهي قصبة ناحية من أعمال استرآباد وبينهما اثنا عشر فرسخاً).
4- يلاحظ: أعيان الشيعة: 3/79 إجازة المحقّق الكركيّ لابن أبي جامع في سنة 928 ﻫ.

نقلتُ هذا من الخطّ الشَّر[يف لقدوة العلماء الرَّاسخين](1) وشرف المتقدّمين والمتأخّرين، ناصر الدِّين المُبين، وكاشف الحقِّ على الخلق أجمعين، وخاتم المجتهدين، لا زال كاسمه عليّاً عا[لياً بحقِّ محمّد سيّد المرسلين](2) وآله سادات الخافقين، وقابلت به مرّتين.

وسائله السَّيّد الأيّد الأجلّ الأجمل الحسيب النَّسيب التَّقيّ النَّقيّ [الزَّكيّ لا زال] تاجاً للدولة والدُّنيا والدِّين حسن ابن المرحوم المبرور المغفور عماد الدِّين الحسينيّ الاسترآباديّ(3) أيّد اللهُ ظلالَ معاليه...

وكتبه العبد المُذنب العاصي المُحتاج إلى عفو الله وغفرانه يوم يؤخذ بالنَّواصيّ محمّد بن عبد الرّحيم بن داود الاسترآباديّ(4) عفا الله... عنه ليلة الأربعاء أواخر شهر

ص: 487


1- يلاحظ: الهجرة العامليّة إلى إيران في العصر الصفوي: 187 ترجمة المرسوم الثاني.
2- يلاحظ: رياض العلماء وحياض الفضلاء: 3/455، الهجرة العاملية إلى إيران في العصر الصفوي: 108 ترجمة المرسوم الأول نقلاً عن الفوائد الرضوية: 503.
3- لم أعثر على ترجمته - بحسب المصادر المتاحة - والمظنون كونه تاج الدين حسن وكيل السلطنة بمازندران، الذي ألّف له الشيخ عزّ الدين الآمليّ - شريك الدرس مع المحقّق الكركيّ عند الشيخ عليّ ابن هلال الجزائريّ - الرسالة الحسنيّة كما في رياض العلماء وحياض الفضلاء: 3/312، والذريعة إلى تصانيف الشيعة: 7/20، وطبقات أعلام الشيعة (إحياء الداثر في القرن العاشر): 7/138 - 139. ومما يرجِّح هذا الاحتمال هو دعاء الكاتب له بقوله: (لا زال تاجاً للدولة والدُّنيا والدِّين) ما يوحي بأنَّه من رجالات الدولة، بل يناسب تلقّبه ب- (تاج الدين). ومن المحتمل أنَّ السؤال كان من السائل عندما زار المحقّق الكركيّ استرآباد في رحلته الأولى إلى إيران بحسب ما يستفاد من إجازته للشيخ عبد العليّ بن أحمد بن محمّد الاسترآبادي الواردة في البحار: 105/64.
4- الشيخ محمّد بن عبد الرحيم بن داود بن محمّد الاستراباديّ المجاز من المحقّق الكركيّ بالإجازة الموجودة في نسخة من الجزء الأول لكتاب شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام في مكتبة الإمام الحكيم العامة برقم: (2578)، وطبعت في ضمن مجلة مخطوطاتنا: (5/330- 334)، وقد ذكره في روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات: 7/36 بقوله: (الشّيخ الفقيه محمّد بن داود الاستراباديّ الّذي هو من جملة تلاميذ الشّيخ عليّ المحقّق رحمه اللّه)،وترجم له في طبقات أعلام الشيعة ( إحياء الداثر من القرن العاشر): 7/206 بقوله: (محمّد الاسترآبادي بن عبد الرحيم بن داود بن محمّد المعاصر للمحقّق الكركيّ وتلميذه).

جمادى الآخرة المنضمّة في عقد شهور سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة هجرية على صاحبها [آلاف التَّحية والسَّلام] وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطَّيبين الطَّاهرين.

ص: 488

المقدار اللّازم من المعرفة - للشیخ علی بن الحسین ابن عبدالعالی العاملی الکرکی المعروف بالمحقق الثانی(ت 940 ﻫ)

للشیخ علی بن الحسین ابن عبدالعالی العاملی الکرکی المعروف بالمحقق الثانی(ت 940 ﻫ).

تحقيق:

الشّيخ قاسم خضير الطائي(دام عزه)

ص: 489

ص: 490

بسم الله الرحمن الرحيم

[السؤال]: ما يقول الإمام، الحَبْر الهُمام، والنِّحرير التَّمام، مخدوم الأنام، قدوة أعلم علماء الإسلام، مُبيِّن دقائق الحلال والحرام - خلَّد الله ظلالَه العالي إلى يوم الدِّين - في قول العلَّامة (قدس سره): (أجمع العلماء كافّةً على وجوب معرفة الله تعالى، وصفاته الثُّبوتيّة [والسَّلبية]، وما يصحّ عليه ويمتنع، والنبوّة، والإمامة، والمعاد بالدَّليل لا بالتَّقليد). وقال قدّس سرّه: (ومَن جهل شيئًا منها خرج عن ربقة المؤمنين، واستحقّ العقاب الدائم)(1).

ولا يخفى أنَّ الجَّهل بها عَدَمُ العلم بها على الوجه المذكور، ويَشكُل هذا في أنَّ مَن اعتقد اعتقاد الإماميّة في الأصول المذكورة - أعني الخمسة - التي يتقوّم بها الإيمان، ولم يكن اعتقاده إيّاها على الوجه المذكور، أيْ عن دليلٍ معتبر عند أهل الصِّناعة، بل مستنده التَّقليد، ومن ذلك جمٌّ غفير من الإماميّة وغيرهم، في هذا الزَّمان وفي السَّابق، بل من عهد النَّبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم)،فهل يُعدُّ هذا الجمُّ الغفير من المؤمنين أم لا؟

وهل يترتّب عليه أحكام المؤمنين؟ فيدفع إلى الهاشِميّ الخُمس لو كان فقيراً، أو إلى الفقير الزَّكاة. وكذا يجوز تزويجهما لمؤمنة. ويجوز الإعتاق لو كان عبداً أم لا؟

وعلى تقدير الحكم بالإيمان ففي أيِّ مرتبة من مراتب الإيمان يكون؟

وبماذا يحمل قول العلَّامة (قدس سره) ؟ بيِّنوا لا زلتم للبيان أعلاماً(2)، وللتحقيق والتَّدقيق أعواماً(3) إلى يوم القيام.

ص: 491


1- منهاج الصلاح في اختصار المصباح: 521.
2- في الأصل: (أعلام).
3- في الأصل: (أعوام).

[الجواب]: الثِّقة بالله وحده، لا ريب أنَّ معرفة الأصول الخمسة بالدَّليل على الوجه المعتبر واجب على كلِّ مكلَّف، لا يجوز لأحدٍ الإخلال به، ومن أخلَّ به أو بشيءٍ منه فلا شكّ أنَّه آثم.

وهل يكون مؤمناً ومسلماً؟ فيه تفصيل..

حاصله: أنَّه إنْ أخلَّ باعتقاد أصلٍ من الأصول الخمسة كالتوحيد وما يجرى مجراه في كون الجهل به كفراً كالنبوّة، وجَهِلَه إمَّا جهلاً بسيطاً بحيث لم يصدِّق به أصلاً، أو جهلاً مركّباً بحيث اعتقد ضدّه فهو غير مؤمنٍ ولا مسلمٍ قطعاً. وهذا مذهب جميع علمائنا المعتبرين(1).

وإنْ كان المكلَّف قد اعتقد الأصول الخمسة على قانون الإماميّة لكن عن غير دليل وكان اعتقاده جا[زماً] فإنَّه مسلم ومؤمن إلَّا أنَّ إيمانه ضعيفٌ [و] هو آثم... قطعاً؛ لإخلاله بالواجب وهو المعرفة بالدَّليل.

وكلام أصحابنا رضوان الله عليهم في الكتب الفقهيّة جارٍ على ذلك(2)، فإنّ الصلاة على الميّت المؤمن إنَّما يُراد به من ليس بمخالفٍ، ولا مستضعفٍ، ولا مجهول الحال.

وكذا إعطاء الزَّكاة والفطرة والخُمس للمؤمن لا يريدون به إلَّا مَن ذكرناه.

وكذا الإيمان المعتبر في الزَّوج إذا كانت الزَّوجة مؤمنة.

ص: 492


1- يلاحظ على سبيل المثال: كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: 557.
2- يلاحظ على سبيل المثال: الكافي في الفقه: 241، المبسوط في فقه الإمامية: 1/185، المهذب: 1/131، غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع: 103، السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي: 1/359، المعتبر في الشرح المختصر: 2/351.

وكذا إعتاق الرَّقبة المؤمنة في الكفارة، والوصيّة بعتق المؤمن لا يراد به إلَّا ذلك، وكلامهم كالصَّريح في ذلك.

وقد كشف بعض علمائنا عن ذلك القناع، وصرّح بما قلناه(1)، ورأيت قديماً سؤالاً مضمونه هذه المسألة، وجوابه بخطِّ شيخنا أبي [ال-]-قاسم بن سعيد(2)، وابنِ عمّه الشَّيخ يحيى(3)، والشَّيخ سديد الدِّين ابن المطهِّر(4) والد الشيخ جمال الدِّين(5)، وجماعة بمضمون ما ذكرناه(6).

ص: 493


1- لعل المقصود به هو المحقّق نصير الدين الطوسيّ، حيث قال: (والإيمان التصديق بالقلب واللسان ولا يكفي الأوّل؛ لقوله تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ ونحوه، ولا الثاني؛ لقوله: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾. يلاحظ: كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: 577.
2- هو نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن الحسن بن سعيد الهُذَلي، المحقّق الحليّ (ت676ﻫ)، ويكنّى بأبي القاسم.
3- هو نجيب الدين أبو زكريا يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن بن سعيد الهُذَلي (ت690ﻫ)الشهير ب: يحيى ابن سعيد منسوباً إلى جدّه الأعلى.
4- هو الشيخ سديد الدين أبو المظفر يوسف بن عليّ بن المطهّر الأسديّ الحلَّيّ،والد العلّامة الحلّيّ.
5- هو الشيخ جمال الدين الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الحلّيّ، العلّامة الحلّيّ.
6- المسألة وجوابها ذكرها أحمد عليّ الحلّيّ في تعليقة له على ما ذكره الشيخ آغا بزرك الطهرانيّ عند ذكره هذه المسألة في الذريعة (5/192، الرقم 882) - بحسب ما أفادنا به - ونصّ ما ذكر: (أقول: ذكرها في الذريعة (16/102 الرقم 102) بعنوان: (فتاوى علماء الحلّة في الواجب من المعرفة)، وطبقات أعلام الشيعة (4/165)، رأيتها في ظهر نسخة من كتاب (شرائع الإسلام) للمحقّق الحلّيّ (ت676ﻫ) في مكتبة الإمام الحكيم في النجف الأشرف، الجزء الثاني، الرقم(2579)، كتبها الشيخ محمّد بن عبد الرحيم بن داود بن محمّد الاسترآباديّ (تلميذ المحقّق الكركيّ) بتاريخ نهار يوم الجمعة 16 شوّال سنة 929ﻫفي مشهد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (النجف الأشرف)، جاء في ظهرها فتاوى علماء الحلّة هذه - ومقدارها نصف صفحة - وهذه النسخة عليها خطّ المحقّق الكركيّ، دوّن عليها جملة من فوائده وفتاواه، ومن ذلك إجازته للنّاسخ التي نُشرت في مجلّة مخطوطاتنا: (5/330- 334)، وتوجد أيضاً نسخة من هذه الجوابات في مكتبة المشكاة بطهران بعنوان (سؤال علماء الحلّة) ضمن المجموعة ذات الرقم (6914)، ورقم النسخة فيها (28)، وقد ورد في فهرس المكتبة أنَّها كُتِبت في القرن الثالث عشر الهجريّ، غير أنّ المفهرس ذكر أنّ عليها خطّ المحقّق الكركيّ، فلاحظ: فهرست نسخه هاى خطى كتابخانه مركزى ومركز اسناد دانشكاه طهران: 16/ 398، فنخا: 18/439. ونصُّ ما وجدتُهُ: ((وُجِدَ على ظهر كتاب ما هذه صورته: سُئِل علماء الحلّة السيفيّة عن اللّازم من معرفة الحقّ تعالى والرّسول والإمام؟ فكتبَ الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد - رحمه الله -: (إذا كان المكلّف عالماً بالمعارف العقليّة بدليلٍ دليلٍ نَظَرَ فيه من الوجه الذي يدلّ فيه فأصابه فقد خرج من العهدة وكفاه وإن لم يحسن النطق به بالألفاظ؛ لأنَّ ذلك صناعة لا تلزم النّاس كافّة، بل تخصُّ رؤساءَ الإسلام ليدفعوا أعداءَ الدين و المُلقينَ للشّبهة، ولا ريبَ أنَّ الله تعالى قد نصب الأدلّة ومكّن المكلَّف من تحصيلها بقلبه، والعلم راجع إلى القلب لا إلى اللّسان الذي هو جارحة فكيف يلزم النطق به؟! ولو نطق بالأدلّة لفظاً ولم يعتقدها بالقلب لم يكن ذلك إيماناً ولا شيئاً يُنتفع به في الآخرة، ولو علم بقلبه ما وجب عليه علمه بدليل وكان أخرس لكان ذلك هو اللّازم له الواجب عليه). وكتب الشيخ سديد الدّين يوسف بن المطهَّر: (الذي يلزم المكلَّف من المعارف العقليّة العلم بالتوحيد والعدل والنبوّة والإمامة اعتقاداً بقلبه دون إيراد الألفاظ الدالّة على ذلك، فأمّا إيراد الألفاظ فمِن فروض رؤساء الدّين دون غيرهم؛ لئلّا يدخل على أهل ذلك المذهب طعن يَعجز رئيسُهم عن حلِّ شبهته أو إقامة دليل). وكتب يوسف بن علوان الفقيه (رحمه الله) هذا: (الخطّان والحكم بهما صحيح). وكتب الفقيه العلّامة نجيب الدين محمّد بن نما: (ما ذكره أعلاه كافٍ في المراد منه ولا يحتاج إلى زيادة). وكتب الشيخ نجم الدين جعفر بن سعيد: (علم الإنسان لعقائده برؤوس الأدلّة كافٍ له في السلامة يوم القيامة عن الخوض في المباحث الكلاميّة والوقوف على تفصيل الأدلّة، وليست العبادة معتبرة في ذلك، بل يكفي العلم بذلك والمعرفة به بقلبه والتصوّر له بمخيّلة الذهن، وأمّا حسن الإيراد والقدرة على النطق بالبراهين العقليّة وإفهامها المعترضَ فمِن فضيلة الإنسان وكماله، لا يلزم ذلك إلّا متصدّيًا للرئاسة حراسةً للمذهب من تسلّط الخصم، وأمّا غير ذلك فلا). وكتب الشيخ محمّد بن أبي العزّ: (هذا صحيح). ثمَّ وُجِدَ بخطّ الشيخ شمس الدين محمّد بن مكّيّ ما هذه صورته: (هذا نُقِل من خطٍّ نُقِل من خطوط هؤلاء الأئمّة الفضلاء - طاب ثراهم - وشاهده العبد محمّد بن مكّيّ بالمدينة النبويّة، والحمد لله وحدَه، وصلّى الله على محمّد وآله). تمّت صورة ما وجدته، وأنا عبد آل محمّد: محمّد بن عبد الرحيم بن داود، حامدًا لله على آلائه، ومصلّياً على خير أنبيائه محمّد وآله ومسلّما)). يلاحظ عين على الذريعة، أحمد علي مجيد الحلّيّ، غير مطبوع.

ص: 494

وأمَّا عبارة العلَّامة في الباب الحادي عشر فهي [محمولة] على أنَّ المراد بالم-[-ؤمنين](1) في العبارة أم-[-ر] مخصوص [وهو] ما ذكره. أو أنَّ المراد بالجهل [ال-]-جهل المركّب الذي

ص: 495


1- جاء في أجوبة المسائل المهنّائيّة: 53 مسألة: 63: (ما يقول سيّدنا في من يعتقد التوحيد والعدل والنبوة والإمامة اعتقاداً جازماً لا يرجع عنه، ولكنه لا يقدر على إقامة الدليل على ذلك ولا يعرف الدليل أيّ شيء هو؟ مع كونه قادراً على النظر، هل يكون مؤمناً بهذا الاعتقاد ومثاباً عليه وعلى أعماله أم لا؟ وما قولكم في من لا يقدر على النظر ولا على البحث كالنساء وأكثر العوام وهو يعتقد ما يجب اعتقاده فاعل ما يجب فعله وذلك على جهة التقليد، فهل يكون مؤمناً مثاباً معذوراً بخلاف الأول، أم كلّ واحد منهما لا يصحّ تقليده في هذا الباب؟ أوضح لنا ذلك فإنَّ هذا أمر يحتاج كلّ الناس إليه. الجواب: لا يكفي التقليد في التوحيد والعدل والنبوة والإمامة، بل يجب النظر والبحث. وأما من لا يقدر على البحث كالنساء وأكثر العامة فإنَّهم يندرجون في قوله تعالى: ﴿إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ والْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً ولا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولئِكَ عَسَى الله أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ﴾ ولا يكون مؤمناً حقيقةً، بل في حكم المؤمن، لأنَّهم في سعة من رحمة اللَّه).

[يع-]-م اعتقاد الضِّدّ، وكلٌّ من الأمرين كفرٌ، وإطلاق الأمرين جائز في هذا المقام؛ لأنَّه مقام التَّرهيب، ومثل ذلك في السُّنّة المطهَّرة كثيرٌ، قال [صلّى الله عليه وآله وسلّم]: «من وجب عليه حجّ الإسلام ولم يحجّ فليمُت إنْ شاء يهوديّاً أو نصرانيّاً»(1)، ولا يكون ذلك إلَّا إذا ترك [الحج] مستحلّاً.

كتبه عليُّ ابن عبد العالي

ص: 496


1- يلاحظ: الناصريات: 306، وتذكرة الفقهاء: 7/77، عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية: 1/87، ح: 18. باختلاف يسير في الجميع.

رسالة في أحكام الصداق - للشيخ محيي الدين بن أحمد بن تاج الدین العاملی الميسيّ (كان حيّاً 974 ﻫ)

اشارة

للشيخ محيي الدين بن أحمد بن تاج الدین العاملی الميسيّ (كان حيّاً 974 ﻫ).

تحقيق:

الشّيخ قاسم خضير الطائي(دام عزه)

ص: 497

ص: 498

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

نحمدك يا مَن امتنع عن الازدواج في دوام تفرّده بذاته، ونصلّي على حبيبك محمّدٍ وآله مهراً لتسليم المعجَّل والمؤجَّل من نحلك وشكر[اً] لأياديهم وهداياته.

أمَّا بعد، فهذه نبذة يسيرة من أحكام الصَّداق حداني على إفرادها من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) التماسُ بعض الأصدقاء الصّداق، والله أسأل أنْ يعمَّ بنفعها ذوي القصور عن إدراك الأحكام من معادن الانتزاع، ويعصمُ عن الفتور في جمعها عن ملاحظة الإخلاص؛ ليتمَّم الانتفاع.

فنقول: مسألة: اتَّفق الأصحاب (رض) على أنَّ للزوجة الامتناع من تسليم نفسها إلى الزَّوج قبل الدُّخول حتّى تقبض المهر الحال(1)، وممّن صرّح بنفي الخلاف في ذلك الشَّيخ في المبسوط فيما نقله عنه في المختلف(2)، وإنَّما اختلفوا في جواز امتناعها بعد الدُّخول، وبناه الشَّهيد في شرح الإرشاد على مقدّماتٍ سبعٍ(3)، والحاصل بها أقوال ثلاثة:

ص: 499


1- نقل الإجماع على ذلك في المهذب البارع في شرح المختصر النافع: 3/ 415، مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام: 8/194، الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة: 5/372.
2- مختلف الشيعة في أحكام الشريعة: 7/156، المبسوط في فقه الإماميّة: 4/313.
3- يلاحظ: غاية المراد في شرح نكت الإرشاد: 3/121 - 122 حيث قال: (أقول: هذه المسألة تنكشف بمقدّمات سبع: الأولى: إنَّ النكاح معاوضة محضة أو شبهها، و قد تقدّم ما يصلح أن يكون دليلاً عليها. الثانية: إنَّ في المعاوضة المحضة لكلّ من المتعاوضين الامتناع من التسليم حتّى يسلّم إليه الآخر موسراً كان أو معسراً، لتحصل فائدة التعويض، فيجبرهما الحاكم على التقابض معاً؛ لعدم الأولويّة، ولا خفاء أنَّ النكاح كذلك إذاً. الثالثة: إنَّه لا امتناع بعد قبض أحدهما بإذن صاحبه؛ لأنَّ حقّ الإمساك زال بالدفع واستقرّ الملك للقابض فلا يستعاد منه أو يمنع. الرابعة: إنَّ الوطء في النكاح هو القبض؛ إذ البضع لا يدخل تحت اليد و لو كانت أمةً، و لهذا لا يجب عليه عوض البضع بالغصب إذا لم يطأ بشروطه. ويحتمل هنا أنَّ الوطء ليس قبضاً تامّاً كقبض المبيع؛ لما ذكر من عدم دخول منافع البضع تحت اليد، بخلاف المبيع فإنَّه داخل تحت اليد قطعاً. الخامسة: إنَّ المهر يجب جميعه بالعقد، وهو أشهر الروايتين، ويستقرّ بالدخول ولو مرّةً وهو إجماع. السادسة: إنَّه ليس في مقابلة باقي الوطآت مهر في الدائم؛ للإجماع على وجوب جميعه ولو تفرّقا بعد وطأه. ويحتمل ذلك؛ لأنَّ المعقود عليه البضع لينتفع به في أيّ وقت كان، ولا يلزم من استقرار العوض بانتفاعٍ ما خروج الباقي عن المعاوضة. السابعة: هل القبض كرهاً كهو طوعاً؟ يحتمل ذلك؛ لانتقال الضمان إليه. ويحتمل عدمه لتحريمه؛ إذ للمقبوض منه السلطنة عليه، فلا يترتّب عليه أثره الصحيح، والضمان عقوبة كالغصب.

الأقوال في جواز الامتناع

أحدها: لا امتناع، وهو قول المرتضى في الانتصار(1)، والشَّيخ في الخلاف(2)، والتَّقيّ(3)، والفاضل(4)، والمحقِّق(5)؛ لأنَّ النِّكاح معاوضةٌ محضةٌ، ولكلٍّ من المتعاوضين

ص: 500


1- لاحظ: الانتصار: 287، المسألة:160.
2- لاحظ: الخلاف: 4/393، المسألة: 39.
3- لاحظ: الكافي في الفقه لأبي الصلاح الحلبي: 294.
4- لاحظ: السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي لابن إدريس الحلي: 2/591.
5- لاحظ: شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام: 2/269، المختصر النافع في فقه الإمامية: 190.

الامتناع حتّى يسلِّم إليه الآخر، ولا امتناع بعد قبض أحدهما.

والقبض في النكاح هو الوطء؛ لأنَّ البِّضع لا يدخل تحت اليد، وليس في مقابلة باقي الوطآت مهرٌ في الدائم؛ للإجماع على وجوب جميعه لو تفرقا بعد الوطء ولو مرةً.

وثانيها: لها ذلك - كما كان قبله - وهو مقتضى إطلاق كلام الشَّيخ في النِّهاية(1)، وابن البرّاج(2)، وصريحه في المبسوط(3) وفاقاً للمفيد(4)؛ لما ذكر.

غير أنَّا نمنع المقدّمة الرَّابعة، ونعارضها بما ذُكر من عدم دخول منافع البِّضع تحت اليد، والخامسة(5)؛ (لأنَّ المعقود عليه البِّضع لينتفع به في أيِّ وقتٍ كان، ولا يلزم باستقرار العوض بانتفاعٍ ما خروجُ الباقي عن المعاوضة)(6)، وللاستصحاب.

وثالثها: التفصيل بأنَّه إنْ كان الدُّخول بإكراهها فلها الامتناع بعده، وإلَّا فلا، وهو قول الإمام عماد الدِّين بن حمزة قدَّس اللهُ روحَه(7)؛ لحجّة الأوائل؛ ولأنَّ قبض أحد

ص: 501


1- لاحظ: النهاية في مجرد الفقه والفتاوى: 475.
2- لاحظ: المهذب: 2/214، جواهر الفقه: 174.
3- المبسوط في فقه الإمامية: 4/313.
4- لاحظ: المقنعة: 510، وأحكام النساء: 37.
5- كذا، والصحيح أن يقال: والسادسة؛ لأنَّ التعليل المذكور للمنع ذكره الشهيد كتعليل لاحتمال أن يكون في مقابلة باقي الوطآت مهر في عقد النكاح الدائم في المقدمة السادسة - كما تقدم - لا الخامسة.
6- فيما بين الهلالين هو نفس عبارة الشهيد الأوَّل في غاية المراد في شرح نكت الإرشاد كما تقدّم نقلها في هامش ص: 2 مع فارق أن الموجود في غاية المراد هو: (ولا يلزم من استقرار العوض) والموجود هنا هو: (ولا يلزم باستقرار العوض).
7- لاحظ: الوسيلة إلى نيل الفضيلة، للفقيه عماد الدين أبو جعفر محمد بن عليّ الطوسيّ (المعروف) بابن حمزة الطوسيّ (ت ق6ﻫ): 299.

المتعاقدين بدون إذن الآخر غيرُ مفيدٍ له؛ لتحريمه فلا يترتّب عليه أثر الصَّحيح، والضَّمان عقوبة كالغصبِ، قال الشَّهيد (رحمة الله): (ولا يخلو قوله من قوّة. واعلم: أنَّ الشَّيخ نجم الدِّين(1)، والمصنِّف(2) لم يفرّقا بين الموسر والمعسر)(3).

قلت(4): وإطلاق كلام النِّهاية(5)، وابن البرّاج(6) يقتضي عدم الفرق(7).

قال: (ويلوح من كلام ابن إدريس(8) التَّفرقة وأنَّه لا امتناع في المعسر؛ لأنَّه لا يحلُّ مطالبته ما دام معسراً. ووجه الأوّل إلحاقه بالمعاوضة، ويتفرّع على ذلك وجوب النفقة مع الامتناع، فمع اليَسار تجب النفقة إذا بذلت التمكين بشرط المهر، بخلافه مع الإعسار.

ص: 502


1- هو المحقّق الحلّيّ في شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام: 2/547.
2- هو العلّامة الحلّيّ في تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة: 3/556، قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام: 3/74، مختلف الشيعة في أحكام الشريعة: 7/156 - 157.
3- غاية المراد في شرح نكت الإرشاد: 3/123.
4- هنا تصحيح أو تعليقة في الهامش الأيسر من النسخة ذهبت إمّا لعدم تصويرها بشكل كامل أو حين تصحيفها.
5- يلاحظ: النهايّة في مجرد الفقه والفتاوى: 475.
6- يلاحظ: المهذب: 2/214، جواهر الفقه: 174.
7- صرّح الشهيد الثاني في مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام: 8/195 بأنَّ الأكثرين على عدم التفرقة بين الموسر والمعسر، وهو الذي تقتضيه القاعدة؛ لأنَّ عجز أحد المتعاوضين لا يسقط حقّ الآخر ممّا يثبت له.
8- يلاحظ: السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي: 2/591.

ولا إثم على الأوّل(1)، وعلى الثاني يأثم(2). ومع اليسار يأثم الزَّوج بالمنع من المهر إجماعاً)(3).

إمكان القول بالامتناع مع جهل الزوجة بإعسار الزوج

وأقول: لو قيل بتجويز امتناعها مع جهلها بإعساره، لا مع علمها؛ لإقدامها على ذلك أمكن؛ لقوله (علیه السلام): (لا ضرر ولا ضرار)(4). وكذا لو تجدّد إعساره بعد العقد وقبل الدُّخول. ومثله ما لو مكّنتْ جاهلةً بحقِّ الامتناع ثُمَّ علمت بعده، أو خدعها بوعده بالإقباض مقارناً للدخول، أو بعده بمدّة يسيرة فانقضت ولمّا يدفع مع دخوله، أو دخل بها نائمةً أو مجنونةً أو صغيرةً ولم يفضها.

أمَّا لو دخل بها في حيضٍ، أو نفاسٍ، أو في الدُّبر وحرّمناه فلا ريب في سقوط حقِّها من الامتناع مع الاختيار على القول به.

إذا تقرَّر ذلك فهنا فروع:

جواز الامتناع وعدمه عند قبض بعض المهر

[أ]: لو قبضت بعض المهر كان لها الامتناع ما لم يدخل؛ لقبض الباقي على قول

ص: 503


1- الموجود في هذا الموضع من غاية المراد في شرح نكت الإرشاد: 3/123: (ولا إثم عليها على الأول) بدل ( ولا إثم على الأول).
2- الموجود في غاية المراد في شرح نكت الإرشاد هنا: (تأثم) بدل (يأثم).
3- غاية المراد في شرح نكت الإرشاد: 3/123.
4- الكافي: 5/292، باب الضرار، ح:2.

المرتضى(1)، ومطلقاً على قول المفيد(2)، وكذا لو أعسر عن البعض إن أثبتنا الامتناع مع الإعسار عن الأصل؛ لعدم ثبوت فارقٍ بين أجزاء المهر، وللاستصحاب.

جواز الامتناع وعدمه لو كان المهر مؤجَّلاً

ب: لو كان المهر مؤجَّلاً لم يكن لها الامتناع(3)، ولو لم يدخل حتّى حلَّ الأجل قال في القواعد: (لم يكن لها الامتناع على رأي(4)؛ لاستقرار وجوب التَّسليم قبل الحلول)(5).

ولو كان بعضه مؤجَّلاً وبعضه حالّاً كان لها الامتناع؛ لقبض الحالّ، فلو قبضته ولم يحصل الدُّخول أو لم تقبض ولم يدخل حتّى حلَّ الباقي فكما تقدّم بالنِّسبة إلى المؤجَّل والحالّ(6).

جواز الامتناع وعدمه لو كانت مفوّضة البضع

ج: لو كانت مفوّضة(7) البِّضع لم يكن لها الامتناع؛ إذ ليس هناك ما يتوجّه إليه

ص: 504


1- يلاحظ: الانتصار: 287، مسألة: 16.
2- يلاحظ: المقنعة: 510، وأحكام النساء: 37.
3- علّله الشيخ في المبسوط في فقه الإماميّة: 4/313 بقوله: (لأنَّها رضيت بتأجيل المهر،فقد دخلت على الرضا بتسليم نفسها قبل قبضه، كما قلنا في البيع، إذا كان بثمن آجل فعلى البائع تسليم السلعة؛ لأنَّه على هذا دخل).
4- هو مختار الشيخ في المبسوط في فقه الإماميّة: 4/ 314.
5- قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام: 3/74 - 75.
6- هنا تصحيح أو تعليقة في الهامش الأيمن من النسخة ذهبت إمّا لعدم التصوير الكامل للصفحة أو حين تصحيفها.
7- يلاحظ: المبسوط في فقه الإماميّة: 4/294 حيث قال: (أمّا التفويض الشرعي فأنْ ينكح المرأة بغير مهر، فيقال مفوَّضة ومفوِّضة، فمَن قال بفتح الواو قال لأنَّ وليها هو الذي يفوّض ذلك، ومَن قال بكسرها قال لأنَّ الفعل لها؛ لأنَّها تزوج نفسها).

المطالبة، ولو كانت مفوّضة المهر كان لها حبس نفسها للفرض والتَّسليم، كما نصّ عليه في القواعد(1).

جواز الامتناع وعدمه بين العقد الدائم والمنقطع

د: لا فرق في الزَّوجة بين الدَّائم والمنقطع في إطلاق كلام الأصحاب بالنِّسبة إلى ما قبل الدُّخول(2). أمَّا بالنِّسبة إلى ما بعده فيمكن الفرق بجواز الامتناع في المنقطع وإن منعناه في الدَّائم؛ للحكم بتقسيط المهر على أجزاء المدّة، أو يسقط مع الإخلال بالتمكين بنسبة ما ضيّعت عليه منها.

ويمكن الفرق بينهما أيضاً بالنِّسبة إلى ما قبل الدُّخول، بأن يكون لها الامتناع في المنقطع لقبضِ ما يقابل يوماً فيوماً، أو أقلّ ما يسمّى مهراً، لا لقبض الجميع لمثل ما قلناه.

ص: 505


1- يلاحظ: قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام: 3/80.
2- يلاحظ: المقنعة: 510، أحكام النساء: 37، الانتصار: 287، المبسوط في فقه الإماميّة: 4/313 وما بعدها، غُنية النزوع إلى علميّ الأصول والفروع: 348، السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي: 2/519، شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام: 2/547، تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية: 3/556، قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام: 3/74، مختلف الشيعة في أحكام الشريعة: 7/156وما بعدها، إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد: 3/197، اللمعة الدمشقية: 172، التنقيح الرائع لمختصر الشرائع: 3/249، جامع المقاصد في شرح القواعد: 13/353، الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة: 5/369، مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام: 8/194.

جواز الامتناع لا لأجل قبض المهر

ﻫ: لا ريبَ أنَّ جواز الامتناع لها إنَّما هو إذا كان لأجل قبض المهر؛ لتحقُّق انتقال البِّضع إلى الزوج بنفس العقد، فلا يمكن منعه منه، فلو منعت لا لأجله عصت، وحينئذٍ فلا نفقة لها.

ولو امتنعت غير مصرِّحة بالأجليّة فإنْ طلبت مع ذلك نفقة استفسرها.

المناط في وجوب النفقة للزوجة

وهل يكفي في وجوب النَّفقة تفسيرها بالأجليّة أم لا بُدَّ من التَّصريح بأنَّها باذلةٌ للتمكين إلَّا أنَّها متوقِّفة لأجل القبض؟

وجهان مبنيان على أنَّ وجوب النفقة هل يتوقّف على حصول التمكين أم يكفي عدم النشوز؟ فالأول على (ب)(1) وبالعكس.

والأقوى التوقّف على التمكين التَّامّ، وقد تقدّم في عبارة الشَّهيد إشارة إليه(2).

ولو صبرت حتّى مضت مدّةٌ ممتنعةً ساكتةً ثُمَّ طالبت بنفقة تلك المدّة، فعلى التمكين لا يثبت شيء لها، وإلَّا استفسرها أيضاً، فإنْ فسّرت بغير الموجب فلا بحث وإلَّا ففي قبول قولها وجهان، أقواهما نعم؛ لأنَّها أخبر بقصدها. لكن له تحليفها؛ لاحتمال كذبها.

ص: 506


1- أي أنَّ وجوب النفقة يتوقّف على حصول التمكين ولكن بملاحظة ما ذكره في الفرع (ب) المتقدّم.
2- عند قوله: (ويلوح من كلام ابن إدريس).

ولو غابت بحيث لا يمكن استعلام حالها وجُنّت، أو ماتت بعد المدّة قبل المطالبة، أو بعدها قبل الحلف فالإشكال أقوى. والظَّاهر قيام الوارث مقام الميتة.

الامتناع هو الامتناع من سائر الحقوق أو خصوص الوطء

و: كما يجوز لها الامتناع من تسليم نفسها - كما تقدّم في العبارة - المقتضي لجواز امتناعها من سائر الحقوق حتّى النَّظر والسُّكنى فكذا لها أن تمتنع من الوطء خاصّة وإن مكّنت من باقي الاستمتاعات أو أطاعت في السُّكنى خاصّة.

ولها أن تعود إلى الامتناع الكلّي(1) لو لم يحصل الدُّخول، كما نصّ عليه في التَّحرير، قال: (لأنَّ القبض في النكاح هو الوطء)(2) وقد سبق.

التنازع في الدخول وعدمه

ز: لو اختلفا في الدخول فادّعاه الزَّوج ليزول امتناعها - على القول به - فأنكرته كان القول قولها مع يمينها، ولو أقام بيِّنة بإرخاء الستر(3) فأنكرت الإصابة ففي تقديم قولها عملاً بالأصل(4)، أو قوله عملاً بالظاهر(5) وجهان.

ص: 507


1- أي الامتناع من سائر الحقوق.
2- يلاحظ تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة: 3/556.
3- يلاحظ ما ذكره العلّامة في مختلف الشيعة في أحكام الشريعة: 7/139 وما بعدها.
4- يلاحظ: الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة: 5/378 حيث ذكر الشهيد الثاني أنَّ المراد به: أصالة عدم حصول المواقعة.
5- يلاحظ: الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة: 5/378 فقد ذكر أنَّ المراد به: الظاهر من حال الصحيح إذا خلا بالحليلة.

أمَّا لو ادّعاه قُبلاً وكانت بكراً اختبِرت بالقوابل، ولو أقام بيِّنة بنفس الدُّخول ثبت. والظَّاهر عدم الاحتياج إلى التَّصريح بالميل في المكحلة(1)، ولحقه ما يترتّب عليه.

نعم، لا بُدَّ من التَّصريح بالوطء أو إقرارها. ولو تعارضت بيِّنتاهما - كأنْ شهدت بيِّنته بالدُّخول في وقت معيّن، وشهدت بيِّنتها بكونها في ذلك الوقت كانت بحيث لا يمكن الوصول إليها - احتمل التَّساقط فيرجع إلى يمينها، والقرعة فيحكم للخارج بها.

حرمة مكابرة الزوج لها على نفسها قبل تسليم المهر

ح(2): هل يحرم على الزَّوج مكابرتها على نفسها قبل التَّسليم أو على شيء من الاستمتاع؟

ظاهر كلامهم يقتضي ذلك(3). أمَّا تحريم نفس الفعل المكابَر عليه فلا، فلو نال منها نظراً أو لمساً أو تقبيلاً أو وطئاً كان عاصياً بالنِّسبة إلى قهرها على ما ملكت الامتناع فيه، لا بالنِّسبة إلى نفس الفعل؛ فإنَّه مباح لملكه قهراً له بمجرّد العقد.

ص: 508


1- يلاحظ: مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام: 14/352 - 353.
2- هذا الفرع مقدّم في الأصل على الفرع السابق عليه، ولكن يوجد هامش في الجانب الأيمن من النسخة يفيد بتأخيره عن الفرع اللاحق له.
3- يلاحظ: المقنعة: 510، أحكام النساء: 37، الانتصار: 287، المبسوط في فقه الإماميّة: 4/313 وما بعدها، غنيّة النزوع إلى علميّ الأصول والفروع: 348، السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي: 2/519، شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام: 2/547، تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة: 3/556، قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام: 3/74، مختلف الشيعة في أحكام الشريعة: 7/156وما بعدها، إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد: 3/197، اللمعة الدمشقيّة: 172، التنقيح الرائع لمختصر الشرائع: 3/249، جامع المقاصد في شرح القواعد: 13/353، الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة: 5/369، مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام: 8/194.

ولو نال منها شيئاً بغير قهر - كالنَّظر - بحيث لا تشعر أو التَّقبيل أو اللَّمس فلا تحريم.

أمَّا الوطء فلا يحلّ وإن لم تحسّ به كما في النائمة؛ لأنَّ به يحصل القبض فلا يُتصوّر انفكاكه عن القبض في الحقيقة، لكنَّ تحريمه عارضيّ - كما في المرهونة بدون إذن المرتهن - فلا يترتّب عليه حدٌّ، نعم، للحاكم تأديبه لجرأته.

ولو قلنا بأنَّ مثل هذا الوطء لا يمنع من امتناعها، أو أنَّ مطلق الدُّخول لا يمنع أمكن القول بجوازه، ولا شيء، فحينئذٍ لها الهرب وله الطَّلب، أقصى ما في الباب عصيانه بتأخير دفع المهر.

انحصار دفعه لو كابرها بقتله أو جرحه

ط: لا ريبَ أنَّ لها دفاعه لو كابرها فلو لم يندفع إلَّا بجرحه أو قتله فهدر، مع احتمال المنع منه إنْ خيف الإفضاء إلى مثل ذلك؛ لأنَّ حقّها من المهر لا يسقط بدخوله، بل يستقرّ جميعه وخصوصاً إذا قلنا بعدم سقوط امتناعها بالدُّخول.

لا ثمرة في الامتناع لو كان أحد الزوجين أو كلاهما صغيراً

ي: لو كانا صغيرين أو أحدهما لم يكن للامتناع هنا ثمرة؛ إذ لا طلب يعتدّ به إلَّا فيما ندر.

فلو طلب وليُّ الصغير تمكين الكبيرة للأنس وشبهه كان لها الامتناع لقبض المهر في الأظهر؛ لأنَّه تمكين بالنِّسبة إلى هذا الزَّوج.

ص: 509

ولو طلب الزَّوجُ الكبيرُ الصَّغيرةَ لم يجب تسليمها إليه، قال في التَّحرير: (وإن التزم بحضانتها وتربيتها)(1)، وحينئذٍ لا يحتاج في الامتناع إلى الالتجاء إلى القبض، وطلب وليُّ الصغير للصغيرة أولى بالحكم.

تمانع كلّ من الزوجين في التسليم

يا: وجوب دفع المهر على الزَّوج بنفس العقد، كوجوب تسليمها نفسها به إلَّا أنَّ له الامتناع من تسليمها حتّى تسلّم، كما يجوز لها كذلك، فلو تمانعا من التسليم قال في التَّحرير: (قال الشَّيخ: الأقوى نصب عدل يأمر الزَّوج بتسليم الصَّداق إليه فإذا فعل أمرها بتسليم نفسها فإذا فعلت أعطاها العدلُ الصَّداقَ)(2) وحينئذٍ النَّصب إمَّا من الحاكم أو من الزَّوجة.

موارد سقوط امتناع الزوجة

يب: ولو رضيت بضمان شخص له تأدّي الدَّفع من الزَّوج سواء رَضِي أم لا فلا يبقى لها الامتناع حينئذٍ.

وكذا لو أحالت به ورَضِي المحال والزَّوج أو لم نشرط رضاه؛ لأنَّه المحال عليه. ولو بذل لها رهناً لم يجب قبوله لكن لو قبلت كان وسيلة إلى قطع التَّمانع.

ولو صالحت عليه شخصاً فكالضَّمان سواء كان بمعجَّل أو بمؤجَّل. ولو سبق منها الإبراء منه فقبْضٌ أيضاً.

ص: 510


1- تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة: 3/557، المبسوط في فقه الإماميّة: 4/316.
2- تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة: 3/557.

ولو كان للزوج عليها دين فإنْ كان من جنس المهر تهاترا قهراً في الأظهر فلا تمتنع حينئذٍ. ولو كان مخالفاً توقّف على تراضيهما، فلها الامتناع حتّى يرضى بالمعاوضة، ولها المقاصة لو امتنع من الدَّفع ولم يرض بالمعاوضة، فإذا اقتصّت لم يبق امتناع إنْ لم يبقَ من المهر شيء، وإلَّا امتنعت لقبض الباقي.

ولو آجرها نفسه(1) به مدّة معيّنة فالظَّاهر سقوط الامتناع بنفس العقد، ويحتمل توقّف السُّقوط على استيفاء المنفعة، ولو كانت المدّة مطلقة فبتسليم العين، ويحتمل إلى الاستيفاء أيضاً، قال في القواعد: (وإنَّما يجب تسليمه - يعني المهر على الزَّوج - لو كانت متهيئة للاستمتاع، فإن كانت محبوسة أو ممنوعة بعذر لم يلزم. ولو كانت صبية فالأقرب وجوب التسليم مع طلب الوليّ. ولو منعت من التمكين لا للتسليم ففي وجوب التسليم إشكال. ولو مكّنت كان لها الطَّلب وإن لم يطأ. فإن رجعت إلى الامتناع سقط طلبها، إلَّا إذا وطأها؛ فإنَّ المهر يستقرّ بالوطء مرّة. ولو دفع الصَّداق فامتنعت من التمكين أجبرت، وليس له الاسترداد. وإذا سلم الصَّداق فعليه أن يمهلها مدّة استعدادها بالتنظيف والاستحداد، ولا يمهلها لأجل تهيئة الجهاز، ولا لأجل الحيض؛ لإمكان الاستمتاع بغير القُبل. ولو كانت صغيرة لا تطيق الجماع أو مريضة وجب الإمهال)(2).

وفي التَّحرير: (لو كانا صغيرين، لم يكن لها نفقةٌ) (3)، وقوّى الشَّيخ عدم وجوب

ص: 511


1- هنا يوجد تصحيح في الهامش الأيمن من النسخة وقد ذهب إمّا لعدم التصوير بشكل كامل أو حين التصحيف.
2- قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام: 3/75.
3- يلاحظ: تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة (4/23)، وفيه: (لو كانا صغيرين فلا نفقة).

تسليم الصَّداق(1)،

وكذا لو كان كبيراً وهي صغيرة. وإن كان صغيراً وهي كبيرة، فبذلت نفسها، فالّذي قوّاه الشَّيخ عدمُ النَّفقة، وعدمُ وجوب تسليم المهر(2). وفيه نظر.

وأفتى في القواعد(3) والإرشاد(4) بوجوب النفقة للكبيرة خاصّة.

هذا ما تيسَّر جمعه في هذه المسألة مع ما سنح فيها من النُّكت واللواحق مع قلّة البضاعة في هذه الصِّناعة، والله سبحانه ولي العفو والقبول وحسبنا ونعم الوكيل.

تحريراً في عشية الثُّلاثاء التَّاسع عشر من ذي الحجّة الحرام من سنة 954 بالمشهد المقدّس الرَّضوي على مشرِّفه الصَّلاة والسَّلام.

بقلم أصغر العباد محيي الدِّين بن أحمد بن تاج الدِّين لطف الله بهم بمحمّدٍ وآله الطاهرين.

ص: 512


1- يلاحظ: المبسوط في فقه الإماميّة: 4/316.
2- المبسوط في فقه الإماميّة: 4/316.
3- قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام: 3/104.
4- إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان: 2/33.

مصادر مقدّمة التحقيق

1. الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين: خير الدين بن محمود بن محمّد بن علي بن فارس الزِرِكْلِيّ (ت 1396ﻫ)، الناشر: دار العلم للملايين - بيروت لبنان، ط5، سنة الطبع: 1980م.

2. أعيان الشيعة: السيد محسن الأمين (ت 1371ﻫ)، تحقيق: السيد حسن الأمين، الناشر: دار التعارف للمطبوعات - بيروت لبنان.

3. أمل الآمل في علماء جبل عامل: الشيخ محمّد بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن الحسين الحرّ العامليّ المشغريّ (ت 1104ﻫ)، تحقيق: السيد أحمد الحسينيّ، الناشر: مكتبة الأندلس - بغداد، المطبعة: الآداب - النجف الأشرف.

4. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار: العلم العلّامة الشيخ محمّد باقر المجلسيّ (ت 1111ﻫ)، ملاحظات: دار إحياء التراث العربي، الناشر: مؤسسة الوفاء - بيروت لبنان، ط2، سنة الطبع: 1403ﻫ- 1983م.

5. تاريخ الكوفة: المؤرّخ الشهير السيد حسين بن السيد أحمد البراقيّ النجفيّ (ت 1332ﻫ)، تحقيق: ماجد بن أحمد العطية، الناشر: المكتبة الحيدرية، ط1، المطبعة: شريعت، سنة الطبع: 1424ﻫ.

6. تكملة أمل الآمل: الإمام السيد حسن الصدر (ت 1354ﻫ)، تحقيق: د. حسين علي محفوظ وعبد الكريم الدباغ وعدنان الدباغ، الناشر: دار المؤرّخ العربي - بيروت لبنان، ط1، المطبعة: دار المؤرّخ العربي، سنة الطبع: 1429ﻫ- 2008م.

ص: 513

7. جامع المقاصد في شرح القواعد: المحقّق الشيخ عليّ بن الحسين ابن عبد العالي الكركيّ (ت 940ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، ط1، المطبعة: المهديّة - قم، سنة الطبع: 1408ﻫ.

8. حياة المحقّق الكركيّ وآثاره: الشيخ محمّد الحسون، الناشر: الاحتجاج، ط1، سنة الطبع: 1423ﻫ.

9. الذريعة إلى تصانيف الشيعة: العلّامة الشيخ أغا بزرك الطهرانيّ (ت 1389ﻫ)، الناشر: دار الأضواء - بيروت لبنان، ط3، سنة الطبع: 1403ﻫ- 1983م.

10. رسائل المحقّق الكركيّ: المحقّق الشيخ عليّ بن الحسين ابن عبد العالي الكركيّ (ت940ﻫ)، تحقيق: الشيخ محمّد الحسون، الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي - قم، ط1، المطبعة: الخيام - قم، سنة الطبع: 1409ﻫ.

11. رياض العلماء وحياض الفضلاء: العلّامة الميرزا عبد الله المشتهر بالأفندي ابن الميرزا عيسى بيك (ت 1130ﻫ)، تحقيق: السيد أحمد الحسينيّ، المطبعة: الخيام - قم، سنة الطبع: 1401ﻫ.

12. روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات: العلّامة السيد محمّد باقر ابن العلّامة زين العابدين بن أبي القاسم الموسويّ الخوانساريّ (ت 1313ﻫ)، الناشر: إسماعيليان - قم، ط1، سنة الطبع: 1390 ﻫش.

13. طبقات أعلام الشيعة: العلّامة الشيخ أغا بزرك الطهرانيّ (ت 1389ﻫ)، طبع ونشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت لبنان، ط1، سنة الطبع: 1430ﻫ- 2009م.

14. ماضي النجف وحاضرها: العلّامة الشيخ جعفر باقر محبوبة (ت 1377ﻫ)،

ص: 514

الناشر: دار الأضواء - بيروت لبنان، ط2، سنة الطبع: 1406ﻫ- 1986م.

15. معجم البلدان: الشيخ شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحمويّ (ت 626ﻫ)، طبع ونشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت لبنان، سنة الطبع: 1399ﻫ- 1979م.

16. الموسوعة الحرة وكيبيديا: شبكة الإنترنت.

17. موسوعة طبقات الفقهاء: اللجنة العلميّة في مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام)،الناشر: مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام)،ط1، المطبعة: اعتماد - قم، سنة الطبع: 1418ﻫ.

18. الهجرة العامليّة إلى إيران في العصر الصفوي أسبابها التاريخيّة ونتائجها الثقافيّة والسياسيّة: جعفر المهاجر، ط1، طبع ونشر: دار الروضة - بيروت لبنان، سنة الطبع: 1410ﻫ- 1989م.

ص: 515

مصادر تحقيق الرسائل

القرآن الكريم.

1. أجوبة المسائل المهنائية: العلّامة الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف ابن المطهّر الأسديّ الحلّيّ (ت 726ﻫ)، المطبعة: الخيام - قم، سنة الطبع: 1401ﻫ.

2. أحكام النساء: الإمام الشيخ المفيد أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان بن المعلّم العكبريّ البغداديّ (ت 413ﻫ)، تحقيق: الشيخ مهدي نجف، طباعة ونشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت لبنان، ط2، سنة الطبع: 1414ﻫ- 1993م.

3. إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان: العلّامة الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن ابن يوسف بن المطهّر الأسديّ الحلّيّ (ت 726ﻫ)، تحقيق: الشيخ محمد الحسون، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط1، المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي، سنة الطبع: 1410ﻫ.

4. أساس البلاغة: جار الله أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد الزمخشريّ (ت 538ﻫ)، ملاحظات ونشر: الاتحاد القومي - دار ومطابع الشعب القاهرة، سنة الطبع: 1960م.

5. إصباح الشيعة بمصباح الشريعة: الفقيه البارع الأقدم قطب الدين البيهقيّ الكيدريّ (ت ق6)، تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادريّ، الناشر: مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام)،ط1، المطبعة: اعتماد - قم، سنة الطبع: 1416ﻫ.

ص: 516

6. الانتصار: الشريف المرتضى علم الهدى عليّ بن الحسين الموسويّ البغداديّ (ت 436ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي، سنة الطبع: 1415ﻫ.

7. أعيان الشيعة: السيد محسن الأمين (ت 1371ﻫ)، تحقيق: السيد حسن الأمين، الناشر: دار التعارف للمطبوعات - بيروت لبنان.

8. إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد: الفقيه الأعظم والهمام المعظم فخر المحقّقين الشيخ أبو طالب محمد بن الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّيّ (ت 771ﻫ)، تحقيق وتعليق: السيد حسين الموسوي الكرماني والشيخ علي بناه الاشتهاردي والشيخ عبد الرحيم البروجردي، ط1، المطبعة: العلميّة - قم، سنة الطبع: 1387ﻫ.

9. تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإماميّة: العلّامة الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الأسديّ الحلّيّ (ت 726ﻫ)، تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادريّ، الناشر: مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام)،ط1، المطبعة: اعتماد - قم، سنة الطبع: 1420ﻫ.

10. تذكرة الفقهاء: العلّامة الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الأسديّ الحلّيّ (ت 726ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم، المطبعة: مهر - قم، سنة الطبع: 1414ﻫ.

11. التنقيح الرائع لمختصر الشرائع: الفقيه المتبحّر والأصوليّ المتكلّم جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوريّ الحلّيّ (ت 826ﻫ)، تحقيق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوه كمري، الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشيّ النجفيّ العامّة - قم،

ص: 517

المطبعة: خيام - قم، سنة الطبع: 1404ﻫ.

12. تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد: شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسيّ (ت 460ﻫ)، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة - طهران، ط3، المطبعة: خورشيد، سنة الطبع: 1364ش.

13. جامع المقاصد في شرح القواعد: المحقّق الشيخ عليّ بن الحسين ابن عبد العالي الكركيّ(ت 940ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، ط1، المطبعة: المهدية - قم، سنة الطبع: 1408ﻫ.

14. جواهر الفقه: الفقيه الأقدم القاضي عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسيّ (ت481ﻫ)، تحقيق: إبراهيم بهادريّ، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التباعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط1، المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي، سنة الطبع: 1411ﻫ.

15. الخلاف: شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (ت 460ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي، سنة الطبع: 1407ﻫ.

16. الدروس الشرعية في فقه الإماميّة: الشهيد الأول الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن مكيّ العامليّ (ت 786ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط2، مطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي، سنة الطبع: 1417ﻫ.

17. الذريعة إلى تصانيف الشيعة: العلّامة الشيخ أغا بزرك الطهرانيّ (ت 1389ﻫ)، الناشر: دار الأضواء - بيروت لبنان، ط3، سنة الطبع: 1403ﻫ- 1983م.

ص: 518

18. رسائل المحقّق الكركيّ: المحقّق الشيخ عليّ بن الحسين ابن عبد العالي الكركيّ (ت 940ﻫ)، تحقيق: الشيخ محمّد الحسون، الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشيّ النجفيّ - قم، ط1، المطبعة: الخيام - قم، سنة الطبع: 1409ﻫ.

19. روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات: العلّامة السيد محمّد باقر بن العلّامة زين العابدين بن أبي القاسم الموسويّ الخوانساريّ (ت 1313ﻫ)، الناشر: إسماعيليان - قم، ط1، سنة الطبع: 1390 ﻫش.

20. الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة: الشهيد الثاني زين الدين ابن نور الدين عليّ بن أحمد بن جمال الدين بن تقيّ الدين بن مشرف الجبعيّ العامليّ (ت 965ﻫ)، تحقيق: السيد محمّد كلانتر، الناشر: جامعة النجف الدينية، ط1و 2، سنة الطبع: 1386 و 1398ﻫ.

21. رياض العلماء وحياض الفضلاء: العلّامة الميرزا عبد الله المشتهر بالأفندي ابن الميرزا عيسى بيك (ت 1130ﻫ)، تحقيق: السيد أحمد الحسينيّ، المطبعة: الخيام - قم، سنة الطبع: 1401ﻫ.

22. السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي: الشيخ الفقيه أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّيّ (ت 598ﻫ)، تحقيق: لجنة التحقيق في مؤسسة النشر الإسلامي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط2، المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي، سنة الطبع: 1410ﻫ.

23. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام: الشيخ الأجلّ المحقّق أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلّيّ (ت 676ﻫ)، تعليق: السيد صادق الشيرازي، الناشر: انتشارات استقلال - طهران، ط2، المطبعة: أمير - قم، سنة الطبع: 1409ﻫ.

ص: 519

24. طبقات أعلام الشيعة: العلّامة الشيخ أغا بزرك الطهرانيّ (ت 1389ﻫ)، طبع ونشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت لبنان، ط1، سنة الطبع: 1430ﻫ- 2009م.

25. عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية: الشيخ محمّد بن عليّ بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور (كان حياً إلى سنة 901ﻫ)، تحقيق: البحاثة المتتبع الحاج آغا مجتبى العراقي، ط1، المطبعة: سيد الشهداء - قم، سنة الطبع: 1403ﻫ.

26. غنية النزوع إلى علميّ الأصول والفروع: الفقيه البارع الأقدم السيد حمزة بن عليّ ابن زهرة الحلبيّ (ت 585ﻫ)، تحقيق: إبراهيم البهادريّ، الناشر: مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام)،ط1، المطبعة: اعتماد - قم، سنة الطبع: 1417ﻫ.

27. الفوائد الرضوية في أحوال علماء المذهب الجعفرية: الشيخ عباس بن محمد رضا ابن أبي القاسم القميّ (ت 1359ﻫ)، تحقيق: ناصر باقري، طبع ونشر: مؤسسة بوستان كتاب، ط1، سنة الطبع: 1385ﻫ.

28. الكافي: ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكلينيّ الرازيّ (ت 328 /329ﻫ) تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران، ط5، المطبعة: الحيدري، سنة الطبع: 1363ش.

29. الكافي في الفقه: الفقيه الأقدم أبو الصلاح تقي بن نجم بن عبيد الله بن محمد الحلبيّ (ت 447ﻫ)، تحقيق: الشيخ رضا أستادي، الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليّ (علیه السلام) العامة - أصفهان، سنة الطبع: 1403ﻫ.

30. كشف الرموز في شرح المختصر النافع: الشيخ زين الدين أبو عليّ الحسن بن أبي

ص: 520

طالب بن أبي المجد اليوسفيّ (المعروف) بالفاضل والمحقّق الآبيّ (ت 690ﻫ)، تحقيق الشيخ عليّ بناه الاشتهاردي والحاج آغا حسين اليزدي، طبع ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، سنة الطبع: 1408ﻫ.

31. كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: العلّامة أبو منصور جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر الحليّ (ت 726ﻫ)، تصحيح وتقديم وتعليق: الشيح حسن زاده آملي، طبع ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرسين بقم المشرفة، ط7، سنة الطبع: 1417ﻫ.

32. اللمعة الدمشقية: الشهيد الأوّل الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمّد ابن جمال الدين مكيّ العامليّ (ت 786ﻫ)، الناشر: دار الفكر - قم، ط1، المطبعة: قدس - قم، سنة الطبع: 1411ﻫ.

33. لسان العرب: العلّامة جمال الدين أبو الفضل محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري (ت 711ﻫ)، الناشر: أدب الحوزة - قم، سنة الطبع: 1405ﻫ.

34. المبسوط في فقه الإمامية: شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460ﻫ)، تحقيق: السيد محمد تقي الكشفي، الناشر: المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، المطبعة: الحيدرية - طهران، سنة الطبع: 1387ﻫ.

35. المختصر النافع في فقه الإمامية: الشيخ الأجلّ المحقق نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن الحليّ (ت 676ﻫ)، الناشر: مؤسسة البعثة - قسم الدراسات الإسلامية، ط2و3، سنة الطبع: 1402و1410ﻫ.

36. مختلف الشيعة في أحكام الشريعة: العلّامة الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن ابن يوسف بن المطهّر الأسديّ الحليّ (ت 726ﻫ)، تحقيق: مؤسسة النشر

ص: 521

الإسلامي، طبع ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط1، سنة الطبع: 1412ﻫ.

37. مجمع البحرين: العالم المحدّث الفقيه الشّيخ فخر الدين الطريحي (ت 1085ﻫ)، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، الناشر: مرتضوي - طهران، ط2، مطبعة: طراوت، سنة الطبع: شهريور ماه 1362ش.

38. مسائل الناصريات: علم الهدى السيد عليّ بن الحسين بن موسى الشريف المرتضى (ت 436ﻫ)، التحقيق: مركز البحوث والدراسات العلميّة، الناشر: رابطة الثقافة والعلاقات الإسلاميّة مديرية الترجمة والنشر، المطبعة: مؤسسة الهدى، سنة النشر: 1417ﻫ.

39. مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام: الشهيد الثاني زين الدين ابن نور الدين عليّ بن أحمد بن جمال الدين بن تقي الدين بن مشرف الجبعيّ العامليّ (ت 965ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسسة المعارف الإسلامية، ط1، المطبعة: بهمن - قم، سنة الطبع: 1413ﻫ.

40. المقنعة: فخر الشيعة الشيخ المفيد أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان العكبريّ البغداديّ (ت 413ﻫ)، تحقيق وطبع ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط2، سنة الطبع: 1410ﻫ.

41. المهذب: الفقيه الأقدم القاضي أبو القاسم عبد العزيز ابن البرّاج الطرابلسيّ (ت 481ﻫ)، تحقيق: مؤسسة سيّد الشهداء العلمية، طبع ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، سنة الطبع: 1406ﻫ.

42. المهذّب البارع في شرح المختصر النافع: العلامة جمال الدين أبو العباس أحمد بن

ص: 522

محمّد بن فهد الحليّ (ت 841ﻫ)، تحقيق: الشيخ مجتبى العراقي، طبع ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، سنة الطبع: 1407ﻫ.

43. من لا يحضره الفقيه: الشيخ الجليل الأقدم الصدوق أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القميّ (ت 381ﻫ)، تصحيح وتعليق: علي أكبر غفاري، طبع ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط2.

44. منهاج الصلاح في اختصار المصباح: العلّامة جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّيّ (ت 726ﻫ)، تحقيق: السيد عبد الحميد الميردامادي، الناشر: مكتبة العلامة المجلسيّ، ط1، المطبعة: عمران - قم، سنة الطبع: 1430ﻫ.

45. النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى: شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (ت 460ﻫ)، الناشر: قدس محمدي - قم.

46. الهجرة العامليّة إلى إيران في العصر الصفوي أسبابها التاريخيّة ونتائجها الثقافيّة والسياسيّة: جعفر المهاجر، ط1، طبع ونشر: دار الروضة - بيروت لبنان، سنة الطبع: 1410ﻫ- 1989م.

47. الوسيلة إلى نيل الفضيلة: الفقيه عماد الدين أبو جعفر محمّد بن عليّ الطوسيّ (المعروف) بابن حمزة الطوسيّ (ت ق6ﻫ)، تحقيق: الشيخ محمّد الحسون، الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشيّ النجفيّ - قم، ط1، المطبعة: الخيام - قم، سنة الطبع: 1408ﻫ.

ص: 523

ص: 524

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.